أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
ميكانيكا الكم

دليل الواقع: القوانين الأساسية لفيزياء الكم

دليل‭ ‬الواقع‭:‬

القوانين‭ ‬الأساسية‭ ‬لفيزياء‭ ‬الكم

هل‭ ‬تتشكل‭ ‬التموجات‭ ‬بفعل‭ ‬الموجات‭ ‬أم‭ ‬الجسيمات؟

بقلم‭: ‬ستيوارت‭ ‬كلارك‭ ‬Stuart Clark‭ ‬وريتشارد‭ ‬ويب ‭ ‬Richard Webb

ترجمة‭: ‬ همام‭ ‬بيطار

 


إنّ‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬عمل‭ ‬الجسيمات‭ ‬تحت‭ (‬دون‭) ‬الذرية‭ ‬والقوى‭ ‬هي‭ ‬نظرية‭ ‬بالغة‭ ‬الغموض،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬جعلتها‭ ‬تبدو‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه؟

تُشكل‭ ‬فيزياء‭ ‬الكم‭ ‬Quantum physics‭ ‬نظريتنا‭ ‬الأساسية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بكيفية‭ ‬ممارسة‭ ‬القوى‭ ‬والجسيمات‭ ‬لعملها،‭ ‬وهي‭ ‬أساس‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬الناجح‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬فيزياء‭ ‬الجسيمات‭ -‬أكثر‭ ‬النظريات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬للاختبار‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬لكن‭ ‬نظرية‭ ‬الكم‭ ‬بالغة‭ ‬الغموض،‭ ‬ولكي‭ ‬تقوم‭ ‬بعملها‭ ‬فعليك‭ ‬في‭ ‬بالبداية‭ ‬أن‭ ‬تفترض‭ ‬بعض‭ ‬الأشياء‭ ‬الأساسية‭ ‬والمنافية‭ ‬للبديهة‭ ‬بخصوص‭ ‬طريقة‭ ‬عمل‭ ‬الطبيعة‭ ‬عند‭ ‬الأحجام‭ ‬الأصغر‭. ‬واستكمالاً‭ ‬لرحلتنا‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬في‭ ‬دليل‭ ‬الواقع‭: ‬القوانين‭ ‬الأساسية‭ ‬للكوزمولوجيا،‭ ‬نستكشف‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬قوانين‭ ‬العالم‭ ‬الكمومي‭. ‬

القانون‭ ‬4‭: ‬التكميم

تأتي‭ ‬الأشياء‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬تكتلات‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭. ‬

يعود‭ ‬أصل‭ ‬النظرية‭ ‬الكمية‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬إلى‭ ‬فترة‭ ‬المصباح‭ ‬الكهربائي‭. ‬ففي‭ ‬عام‭ ‬1900،‭ ‬كان‭ ‬ماكس‭ ‬بلانك‭ ‬Max Planck‭ ‬يحاول‭ ‬وصف‭ ‬الخرج‭ ‬الطاقي‭ ‬للمصابيح‭ ‬الكهربائية،‭ ‬مما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬جعلها‭ ‬أفضل،‭ ‬وقد‭ ‬فشلت‭ ‬النظريات‭ ‬الموجودة‭ ‬حينها‭ ‬في‭ ‬مطابقة‭ ‬الواقع‭. ‬وبعد‭ ‬بضع‭ ‬بدايات‭ ‬خاطئة،‭ ‬اكتشف‭ ‬بلانك‭ ‬أنه‭ ‬بإمكانه‭ ‬ردم‭ ‬الفجوة‭ ‬الموجودة‭ ‬عبر‭ ‬وضع‭ ‬افتراض‭ ‬جذري‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الطاقة‭ ‬الكهرومغناطيسية‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الجسم‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬إشعاع‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تصدر‭ ‬بشكل‭ ‬مستمر،‭ ‬وإنما‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬حزم‭ ‬منفردة‭.‬

اعتقد‭ ‬بلانك‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬“الكمّات”‭ ‬quanta‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬قصور‭ ‬ناجم‭ ‬من‭ ‬النظرية،‭ ‬وليست‭ ‬أبداً‭ ‬وصفاً‭ ‬للواقع‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1905،‭ ‬برهن‭ ‬آينشتاين‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬بالإمكان‭ ‬تفسير‭ ‬طريقة‭ ‬إصدار‭ ‬بعض‭ ‬المعادن‭ ‬للإلكترونات‭ ‬عند‭ ‬اصطدامها‭ ‬بالضوء‭ -‬المفعول‭ ‬الكهروضوئي‭ ‬Photoelectric‭ ‬effect‭- ‬عبر‭ ‬افتراض‭ ‬أن‭ ‬الضوء‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬كمّات‭ ‬منفصلة‭ ‬شبيهة‭ ‬بالجسيمات‭. ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬البداية‭ ‬فقط،‭ ‬ومع‭ ‬تطور‭ ‬نظرية‭ ‬الكم،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الطاقة‭ ‬ليست‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬وحدات‭ ‬حجمها‭ ‬أصغر،‭ ‬وإنما‭ ‬يشمل‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬الشحنةَ‭ ‬الكهربائية‭ ‬Electric charge‭ ‬والدوران‭ ‬المغزلي‭ ‬spin،‭ ‬أما‭ ‬لماذا‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يعرف‭! ‬

القانون‭ ‬5‭: ‬مبدأ‭ ‬الشك

هناك‭ ‬حدود‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬شخص‭ ‬منا‭ ‬معرفته‭! ‬

عندما‭ ‬تركل‭ ‬كرة،‭ ‬فإنّ‭ ‬معرفتك‭ ‬لمكان‭ ‬وجودها‭ ‬لن‭ ‬يمنعك‭ ‬عن‭ ‬معرفة‭ ‬إلى‭ ‬أين‭ ‬ستمضي‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الجسيمات‭ ‬تحت‭ (‬دون‭) ‬الذرية،‭ ‬فكلما‭ ‬كنت‭ ‬أشد‭ ‬دقة‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬موقع‭ ‬الجسيم،‭ ‬ستكون‭ ‬دقة‭ ‬تحديدك‭ ‬لكمية‭ ‬عزمه‭ (‬زخمه‭) ‬أقل،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح‭. ‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬مبدأ‭ ‬الشك‭ ‬الذي‭ ‬اشتقه‭ ‬فيرنر‭ ‬هايزنبرغ‭ ‬Werner Heisenberg‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬عشرينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ولا‭ ‬يربط‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬بين‭ ‬الموضع‭ ‬وكمية‭ ‬الحركة‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬بين‭ ‬الطاقة‭ ‬والزمن،‭ ‬وبين‭ ‬كل‭ ‬الكميات‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬أزواج‭. ‬ولا‭ ‬ينتج‭ ‬مبدأ‭ ‬الشك‭ ‬من‭ ‬دقة‭ ‬أجهزة‭ ‬القياس،‭ ‬وإنما‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬فهو‭ ‬قيد‭ ‬أساسي‭ ‬يُفرض‭ ‬على‭ ‬مقدار‭ ‬ما‭ ‬يُمكننا‭ ‬معرفته‭ ‬عن‭ ‬العالم‭.‬

ويُشكل‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬عالمنا‭ ‬بطرق‭ ‬لا‭ ‬تدعو‭ ‬للريبة‭ ‬أبداً،‭ ‬فهو‭ ‬يسمح‭ ‬للجسيمات‭ ‬بأن‭ ‬تمر‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬تمر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬“نفق”‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬عوائق‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬اجتيازه‭ -‬بغير‭ ‬ذلك‭- ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬كي‭ ‬تُشعل‭ ‬تفاعل‭ ‬الاندماج‭ ‬النووي‭ ‬Nuclear fusion‭ ‬داخل‭ ‬الشمس‭. ‬كما‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬التأثير‭ ‬يُمكِّن‭ ‬تلك‭ ‬الجسيمات‭ ‬من‭ ‬الخروج‭ ‬بشكلٍ‭ ‬مستمر‭ ‬إلى‭ ‬الفضاء‭ ‬الفارغ‭ ‬لفتراتٍ‭ ‬قصيرة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وهي‭ ‬قدرة‭ ‬تُعتبر‭ ‬جوهرية‭ ‬جداً‭ ‬لتفسير‭ ‬كيفية‭ ‬عمل‭ ‬القوى‭ ‬الكمومية‭ ‬التي‭ ‬تُؤلف‭ ‬الواقع‭. ‬

القانون‭ ‬6‭: ‬ثنائية‭ ‬الموجة‭-‬الجسيم‭ ‬

تُوجد‭ ‬الأجسام‭ ‬الكمومية‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬التجليّات‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭!‬

إن‭ ‬الاكتشاف‭ ‬الذي‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬مبكر‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬والذي‭ ‬نص‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الضوء‭ ‬مقسم‭ ‬إلى‭ ‬تكتلات‭ ‬منفصلة‭ ‬وموضعية‭ -‬ما‭ ‬يُعرف‭ ‬بالجسيمات‭- ‬طرح‭ ‬لغزاً‭ ‬مهماً،‭ ‬فالضوء‭ ‬يتداخل‭ ‬مع‭ ‬نفسه،‭ ‬وينعرج،‭ ‬وفي‭ ‬أحيانٍ‭ ‬أخرى‭ ‬يتصرف‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬موجة‭ ‬غير‭ ‬موضعية‭ ‬Non-localised wave‭. ‬

اقترح‭ ‬لويس‭ ‬دو‭ ‬بروغلي‭ ‬Louis de Broglie‭ ‬عام‭ ‬1924‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬السلوك‭ ‬عالمي‭ ‬ويعمل‭ ‬في‭ ‬الاتجاهين‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬بمقدور‭ ‬الضوء‭ ‬الشبيه‭ ‬بالموجة‭ ‬التصرف‭ ‬كجسيم،‭ ‬فإنه‭ ‬سيكون‭ ‬حينها‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬للإلكترونات‭ ‬وجسيمات‭ ‬المادة‭ ‬الأخرى‭ ‬أن‭ ‬تتصرف‭ ‬كموجات‭.‬‭ ‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬الثنائية‭ ‬المعتمدة‭ ‬على‭ ‬ثنائية‭ ‬الموجة‭-‬الجسيم،‭ ‬يُوجد‭ ‬الجسيم‭ ‬الكمومي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬“تراكب”‭ ‬Superposition‭ ‬شبه‭ ‬موجي‭ ‬ومؤلف‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬المواقع‭ ‬أو‭ ‬الحالات‭ ‬المحتملة،‭ ‬ويستقر‭ ‬هذا‭ ‬الجسيم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬محددة‭ ‬عند‭ ‬قياسه‭ ‬فقط‭. ‬وقد‭ ‬سخر‭ ‬إرفين‭ ‬شرودنيغر‭ ‬Erwin Schrödinger‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬تجربته‭ ‬الذهنية‭ ‬عن‭ ‬القطة‭ ‬الحية‭ ‬والميتة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬لكن،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬ركّبت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬تجمعات‭ ‬من‭ ‬الجسيمات‭ ‬المنفردة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬كرات‭ ‬“بوكيبول‭ ‬Buckyballs”‭ -‬جزيئات‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬ذرة‭ ‬كربون‭- ‬وقد‭ ‬تداخلت‭ ‬تلك‭ ‬الذرات‭ ‬وانحرف‭ ‬مسارها‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تجربة‭ ‬العبور‭ ‬عن‭ ‬الشقين‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬موجة،‭ ‬ويُعتبر‭ ‬التراكب‭ ‬أحد‭ ‬الأسس‭ ‬التي‭ ‬ستُبنى‭ ‬عليها‭ ‬طاقة‭ ‬معالجة‭ ‬المعلومات‭ ‬المعززة‭ ‬في‭ ‬الحواسيب‭ ‬الكمومية‭ ‬Quantum computers‭ ‬المستقبلية‭. ‬

ميكانيكا‭ ‬الكم

إذا‭ ‬كانت‭ ‬النسبية‭ ‬العامة‭ ‬هي‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬نصف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الكون‭ ‬عند‭ ‬الأحجام‭ ‬الكبيرة،‭ ‬فإنّ‭ ‬ميكانيكا‭ ‬الكم‭ ‬تحكم‭ ‬عالم‭ ‬المقاسات‭ ‬الصغيرة‭. ‬فهذه‭ ‬النظرية‭ ‬المشتقة‭ ‬أساساً‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬التكميم‭ ‬Quantisation،‭ ‬والشك،‭ ‬وثنائية‭ ‬الموجة‭-‬الجسيم،‭ ‬هي‭ ‬مُتَنبئ‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬بعمل‭ ‬الجسيمات‭ ‬تحت‭ ‬الذرية،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المبادئ‭ ‬الكامنة‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬غامضة‭ ‬ومنافية‭ ‬للبديهة‭. ‬ومثل‭ ‬النسبية‭ ‬العامة،‭ ‬تُعتبر‭ ‬ميكانيكا‭ ‬الكم‭ ‬إطار‭ ‬عمل‭ ‬أيضاً‭. ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بوسعك‭ ‬تطبيقه‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الجسيمات‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬تتحرك‭ ‬بسرعة‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬مزاوجته‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬مع‭ ‬النسبية‭ ‬الخاصة‭. ‬

التشابك

لم‭ ‬يفكر‭ ‬آينشتاين‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬لميكانيكا‭ ‬الكم‭ ‬عندما‭ ‬اقترحها‭ ‬مع‭ ‬عالميين‭ ‬فيزيائيين‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1935‭. ‬وتنص‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حالات‭ ‬جسيمين‭ ‬كميّيّن‭ ‬كانا‭ ‬مترابطين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬ستبقى‭ ‬كذلك‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬فصلت‭ ‬بينهما‭ ‬مسافة‭ ‬طويلة‭ ‬جداً‭. ‬فالتدخل‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬الجسيمين‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬لحظي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الجسيم‭ ‬الآخر‭. ‬فقد‭ ‬رفض‭ ‬آينشتاين‭ ‬هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬واصفاً‭ ‬إياها‭ ‬بأنها‭ ‬“فعل‭ ‬شبحي‭ ‬عن‭ ‬بعد”‭ ‬spooky action at a distance،‭ ‬وأصر‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬بعض‭ ‬التأثيرات‭ ‬الفيزيائية‭ ‬غير‭ ‬المرئية‭ ‬التي‭ ‬يُمكنها‭ ‬تنظيم‭ ‬التشابك،‭ ‬وذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬ميكانيكا‭ ‬الكم‭ ‬نظرية‭ ‬غير‭ ‬مكتملة‭. ‬

لم‭ ‬تتوصل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬لذلك‭ ‬التأثير‭ ‬الفيزيائي‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬موجوداً،‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتحرك‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬بـ‭ ‬10‭ ‬آلاف‭ ‬ضعف‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وهو‭ ‬تحدٍ‭ ‬صارخ‭ ‬لنسبية‭ ‬آينشتاين‭ ‬الخاصة‭. ‬ويبلغ‭ ‬الرقم‭ ‬القياسي‭ ‬الحالي‭ ‬للمسافة‭ ‬المسجلة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬التشابك‭ ‬143‭ ‬كيلومترا‭ ‬بين‭ ‬فوتونين‭ ‬موجودين‭ ‬فوق‭ ‬جزيرتين‭ ‬مختلفتين‭ ‬من‭ ‬جزر‭ ‬الكناري،‭ ‬وتوجد‭ ‬خطط‭ ‬لتوسيع‭ ‬الاختبارات‭ ‬نحو‭ ‬الفضاء‭ ‬الخارجي‭. ‬

نظريات‭ ‬الحقل‭ ‬الكمومي‭ ‬

النسبية‭ ‬الخاصة‭ ‬وميكانيكا‭ ‬الكم‭ ‬يرتبطان‭!‬

الكتلة‭ ‬والطاقة‭ ‬قابلتان‭ ‬للتبادل‭ ‬وفقاً‭ ‬للنسبية‭ ‬الخاصة‭. ‬ويُمكن‭ ‬للجسيمات‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬إلى‭ ‬حيز‭ ‬الوجود‭ ‬من‭ ‬العدم‭ -‬كما‭ ‬تقول‭ ‬نظرية‭ ‬الكم‭. ‬وتُزاوج‭ ‬نظرية‭ ‬الحقل‭ ‬الكمومي‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬لتصوّر‭ ‬جميع‭ ‬الجسيمات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬“إثارات”‭ ‬Excitations‭ ‬تظهر‭ ‬داخل‭ ‬حقول‭ ‬كامنة‭ ‬وراءها‭. ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬عالم‭ ‬الفيزياء‭ ‬البريطاني‭ ‬بول‭ ‬ديراك‭ ‬Paul Dirac‭ ‬بتحريك‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬وقتٍ‭ ‬متأخر‭ ‬من‭ ‬العقد‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وذلك‭ ‬عندما‭ ‬وضع‭ ‬معادلته‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬كيف‭ ‬تتصرف‭ ‬الإلكترونات‭ ‬النسبية‭ ‬Relativistic electrons‭ -‬ومعها‭ ‬أيضاً‭ ‬معظم‭ ‬الجسيمات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬المادة‭.‬

لمعادلة‭ ‬ديراك‭ ‬نهاية‭ ‬ليست‭ ‬سارة‭ ‬لأمر‭ ‬بدأ‭ ‬بداية‭ ‬طيبة،‭ ‬فهي‭ ‬تتنبأ‭ ‬بوجود‭ ‬جسيم‭ ‬مطابق‭ ‬للإلكترون‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬جانب‭ ‬عدا‭ ‬امتلاكه‭ ‬لشحنة‭ ‬كهربائية‭ ‬معاكسة‭. ‬وقد‭ ‬اكتُشف‭ ‬البوزيترون‭ ‬Positron‭ -‬أول‭ ‬جسيم‭ ‬من‭ ‬الجسيمات‭ ‬ضديدات‭ ‬المادة‭- ‬في‭ ‬الأشعة‭ ‬الكونية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ببضعة‭ ‬أعوام،‭ ‬ومثّل‭ ‬أول‭ ‬الجسيمات‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬جديدة‭ ‬تماما‭ ‬اقترحها‭ ‬علماء‭ ‬الفيزياء‭ ‬النظرية‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬نظريات‭ ‬الحقل‭ ‬الكمومي،‭ ‬والتي‭ ‬بزغت‭ ‬جميعها‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬في‭ ‬الواقع‭. ‬

النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬فيزياء‭ ‬الجسيمات

النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬فيزياء‭ ‬الجسيمات،‭ ‬الذي‭ ‬يُعتبر‭ ‬نتاجاً‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬عقود‭ ‬العمل‭ ‬النظري‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تأكيده‭ ‬تجريبياً‭ ‬وبدقة،‭ ‬يتناول‭ ‬آليات‭ ‬عمل‭ ‬ثلاث‭ ‬قوى‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الأربع‭ ‬في‭ ‬الطبيعة؛‭ ‬فهو‭ ‬يصف‭ ‬تفاعلات‭ ‬الجسيمات‭ ‬الحاملة‭ ‬للقوة‭ -‬البوزون‭ ‬Boson‭- ‬مع‭ ‬الفيرميونات‭ ‬Fermions‭ ‬المُكوِّنة‭ ‬للمادة،‭ ‬وتقع‭ ‬في‭ ‬وسطها‭ ‬نظريتا‭ ‬حقل‭ ‬كمومي‭: ‬الإلكترودنياميكا‭ ‬الكمّية‭ ‬QED‭ ‬وهي‭ ‬النظرية‭ ‬الموحدة‭ ‬“الكهروضعيفة”‭ ‬للكهرومغناطيسية‭ ‬مع‭ ‬القوة‭ ‬النووية‭ ‬الضعيفة،‭ ‬والكرموديناميكا‭ ‬الكمّية‭ ‬QCD‭ ‬وهي‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬القوة‭ ‬النووية‭ ‬الشديدة‭. ‬و‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬جاء‭ ‬تتويج‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬باكتشاف‭ ‬بوزون‭ ‬هيغز‭ ‬Higgs boson‭ ‬الذي‭ ‬تنبأت‭ ‬به‭ ‬النظرية‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬بخمسة‭ ‬عقود‭. ‬

قوة‭ ‬كهرومغناطيسية

هذه‭ ‬القوة‭ ‬المحمولة‭ ‬بواسطة‭ ‬الفوتونات‭ ‬عديمة‭ ‬الكتلة،‭ ‬وهي‭ ‬القوة‭ ‬الكمّية‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬يكون،‭ ‬وهي‭ ‬تحكم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الظواهر‭ ‬الكهربائية‭ ‬والمغناطيسية‭. ‬

قوة‭ ‬ضعيفة‭ ‬

تشمل‭ ‬القوة‭ ‬الضعيفة‭ ‬العملياتِ‭ ‬النووية‭ ‬مثل‭ ‬اضمحلال‭ ‬بيتا‭ ‬المشعة‭ ‬Radioactive beta decays،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬جوهرية‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬عملية‭ ‬حرق‭ ‬الشمس‭ ‬لوقودها،‭ ‬وتنتقل‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬بواسطة‭ ‬جسيمات‭ ‬تُعرف‭ ‬بالبوزونات‭ ‬Z‭ ‬وW‭. ‬

قوة‭ ‬نووية‭ ‬شديدة‭ ‬

تربط‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬القوية‭ ‬وقصيرة‭ ‬المجال‭ ‬والمحمولة‭ ‬بواسطة‭ ‬بوزونات‭ ‬تُعرف‭ ‬بالغلوونات‭ ‬Gluons‭ ‬الكواركاتِ‭ ‬مع‭ ‬بعضها‭ ‬البعض،‭ ‬لتؤلف‭ ‬بذلك‭ ‬جسيمات‭ ‬مثل‭ ‬البروتونات‭ ‬والنيوترونات‭. ‬

بوزون‭ ‬هيغز‭ ‬

إن‭ ‬الكتلة‭ ‬هي‭ ‬الخاصية‭ ‬الأكثر‭ ‬تماسكا‭ ‬للمادة،‭ ‬وكتلة‭ ‬الجسيم‭ ‬الأساسي‭ ‬تُحددها‭ ‬درجة‭ ‬تفاعله‭ ‬مع‭ ‬بوزون‭ ‬هيغز‭. ‬فوفقاً‭ ‬للنظرية‭ ‬التي‭ ‬اقترحت‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬عام‭ ‬1964،‭ ‬فإن‭ ‬حقول‭ ‬تشبه‭ ‬“الدبس”‭ ‬ومرتبطة‭ ‬ببوزون‭ ‬هيغز‭ ‬تُشكِّل‭ ‬سَحْباً‭ ‬يتغير‭ ‬بتغير‭ ‬نوع‭ ‬الجسيم‭. ‬

كما‭ ‬أنّ‭ ‬اكتشاف‭ ‬بوزون‭ ‬هيغز‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬نموذج‭ ‬كامل‭ -‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬وبكل‭ ‬غرابة‭ ‬ليس‭ ‬بكامل‭. ‬ولمعرفة‭ ‬المزيد‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬اقرأ‭ ‬دليل‭ ‬الواقع‭: ‬ست‭ ‬مسائل‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الفيزياء‭ ‬شرحها‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى