أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونياتفيزياءفيزياء نظرية

دليل الواقع: القوانين الأساسية للكوزمولوجيا

دليل‭ ‬الواقع‭ :‬القوانين‭ ‬الأساسية‭ ‬للكوزمولوجيا

ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬محاكاة‭ ‬توزع‭ ‬المادة‭ ‬والمادة‭ ‬المُعتمة‭ ‬في‭ ‬الكون‭.‬

بقلم‭: ‬ستيوارت‭ ‬كلارك‭ ‬Stuart Clark‭ ‬وريتشارد‭ ‬ويب ‭ ‬Richard Webb

ترجمة‭: ‬همام‭ ‬بيطار


بدأ‭ ‬كوننا‭ ‬المتوسع‭ ‬بحدثٍ‭ ‬يُعرف‭ ‬بالانفجار‭ ‬الكبير‭ ‬قبل‭ ‬13‭.‬8‭ ‬بليون‭ ‬سنة‭. ‬لكن،‭ ‬ما‭ ‬قوانين‭ ‬الطبيعة‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تُشكل‭ ‬نظرتنا‭ ‬للزمن‭ ‬والمكان؟

يُجسد‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬للكوزمولوجيا‭ ‬صورتنا‭ ‬التي‭ ‬نمتلكها‭ ‬عن‭ ‬الكون‭ ‬عند‭ ‬الأحجام‭ ‬الكبيرة‭. ‬وتعود‭ ‬أسس‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬آينشتاين‭ ‬في‭ ‬الجاذبية،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬تُعرف‭ ‬بنظرية‭ ‬النسبية‭ ‬العامة‭ ‬General theory‭ ‬التي‭ ‬صاغها‭ ‬آينشتاين‭ ‬قبل‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الآن‭ ‬تقريباً‭. ‬ولصياغة‭ ‬ذلك‭ ‬النموذج،‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬آينشتاين‭ ‬وآخرين‭ ‬وضع‭ ‬بعض‭ ‬الافتراضات‭ ‬الرئيسية‭ ‬حول‭ ‬دقات‭ ‬الساعة‭ ‬الكونية‭ -‬وهي‭ ‬قوانين‭ ‬تُعتبر‭ ‬الآن‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬فهمنا‭ ‬للكون‭. ‬

القانون‭ ‬1‭: ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬ثابتة

لا‭ ‬شيء‭ ‬بمقدوره‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬الكونيّ‭ ‬للسرعة‭.‬

في‭ ‬ستينات‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬كان‭ ‬جيمس‭ ‬كلارك‭ ‬ماكسويل‭ ‬James Clerk Maxwell‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬دمج‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمغناطيسية‭ ‬معاً‭ ‬داخل‭ ‬إطار‭ ‬نظرية‭ ‬موحدَّة‭ ‬في‭ ‬الكهرومغناطيسية‭ ‬Electromagnetism‭. ‬وشرَّح‭ ‬ماكسويل‭ ‬المعادلات،‭ ‬ولكنّها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬ذات‭ ‬معنى‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬كان‭ ‬الضوء‭ ‬يتحرك‭ ‬عبر‭ ‬الفضاء‭ ‬بسرعة‭ ‬ثابتة‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬سرعة‭ ‬مصدره‭. ‬

هذا‭ ‬غريب‭! ‬فلو‭ ‬أطلق‭ ‬أحدهم‭ ‬رصاصة‭ ‬من‭ ‬سيارة‭ ‬متحركة،‭ ‬لتحركت‭ ‬الرصاصة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المارة‭ ‬بسرعة‭ ‬مساوية‭ ‬لمجموعة‭ ‬سرعتها‭ ‬وسرعة‭ ‬السيارة‭. ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬النتيجة‭ ‬نفسها‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬عالما‭ ‬الفيزياء‭ ‬الأمريكيين‭ ‬ألبرت‭ ‬ميكلسون‭ ‬Albert Michelson‭ ‬وإدوارد‭ ‬مورلي‭ ‬Edward Morley‭ ‬يبحثان‭ ‬عن‭ ‬الأثير‭ ‬الحامل‭ ‬للضوء‭ -‬وسط‭ ‬يُفترض‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬الضوء‭- ‬وتوصلا‭ ‬إلى‭ ‬الاستنتاج‭ ‬نفسه‭: ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬تبقى‭ ‬ثابتة‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تنظر‭ ‬بها‭ ‬إليه‭. ‬

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬ذلك‭ ‬فقط،‭ ‬فتلك‭ ‬السرعة‭ ‬تُجسد‭ ‬الحد‭ ‬الكوني‭ ‬والنهائي‭ ‬للسرعة‭ ‬أيضاً؛‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لأي‭ ‬تأثير‭ -‬لا‭ ‬المواد،‭ ‬ولا‭ ‬المعلومات،‭ ‬ولا‭ ‬الجاذبية‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬قوة‭ ‬أخرى‭- ‬بمقدوره‭ ‬التحرك‭ ‬بسرعة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭. ‬وقد‭ ‬ثبت‭ ‬دوماً‭ ‬أن‭ ‬التقارير‭ ‬المتكررة‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬تحطيم‭ ‬حاجز‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭- ‬كالنيوترينوات‭ ‬Neutrinos‭ ‬الأسرع‭ ‬من‭ ‬الضوء‭ ‬المُعلن‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬2011‭ – ‬خاطئة‭. ‬فقد‭ ‬رفع‭ ‬آينشتاين‭ ‬السرعة‭ ‬الثابتة‭ ‬للضوء‭ ‬لتصير‭ ‬أحد‭ ‬مبادئ‭ ‬الطبيعة،‭ ‬وبدأ‭ ‬بعدها‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الفيزياء،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬نقطة‭ ‬الانطلاقة‭ ‬في‭ ‬نظريتيه‭ ‬التوأم‭ ‬في‭ ‬النسبية‭ ‬وهما‭: ‬النسبية‭ ‬العامة‭ ‬والنسبية‭ ‬الخاصة‭. ‬

النسبية‭ ‬الخاصة

الحركة،‭ ‬والمكان،‭ ‬والزمن‭ ‬كلها‭ ‬أشياء‭ ‬نسبيّة‭! ‬

كما‭ ‬بيّن‭ ‬آينشتاين،‭ ‬فمبدأ‭ ‬ثبات‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬النتائج‭ ‬الغريبة‭. ‬ففي‭ ‬خبرتنا‭ ‬اليومية،‭ ‬فإنّ‭ ‬سيارتين‭ ‬تتجهان‭ ‬نحو‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬بسرعة‭ ‬تبلغ‭ ‬100‭ ‬كيلومتر‭ ‬في‭ ‬الساعة‭ ‬ستتصادمان‭ ‬بسرعة‭ ‬200‭ ‬كم‭/‬ساعة‭. ‬لكن‭ ‬تخيل‭ ‬الآن‭ ‬أنك‭ ‬تجلس‭ ‬في‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬سفينتين‭ ‬فضائيتين‭ ‬تتجهان‭ ‬نحو‭ ‬بعضهما‭ ‬بسرعة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬90‭ ‬٪‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭ ‬c‭ ‬لكل‭ ‬واحدة‭ ‬منهما‭. ‬حسناً،‭ ‬ماذا‭ ‬ستكون‭ ‬قيمة‭ ‬السرعة‭ ‬التي‭ ‬تتجه‭ ‬فيها‭ ‬إحدى‭ ‬السفينتين‭ ‬نحو‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬إحداهما؟‭ ‬

القيمة‭ ‬الدقيقة‭ ‬غير‭ ‬مهمة‭*‬،‭ ‬لكن‭ ‬بكل‭ ‬الأحوال‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬c‭. ‬ففي‭ ‬نظرية‭ ‬النسبية‭ ‬الخاصة‭ ‬لآينشتاين‭ ‬ينحني‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬والمكان‭ ‬ليتلاءما‭ ‬مع‭ ‬الحد‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنظور،‭ ‬فالساعات‭ ‬المتحركة‭ ‬تدق‭ ‬بسرعة‭ ‬أبطأ،‭ ‬والمساطر‭ ‬المتحركة‭ ‬تبدو‭ ‬أقصر،‭ ‬ولذلك‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬قياس‭ ‬وحيد‭ ‬لكلٍّ‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬والمكان‭ -‬وفي‭ ‬الحقيقة‭ ‬فإنك‭ ‬ستتقدم‭ ‬بالعمر‭ ‬بسرعة‭ ‬أقل‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مركبة‭ ‬فضائية‭ ‬متحركة‭. ‬

تأثيرات‭ ‬الانحناء‭ ‬تلك‭ ‬مهملة‭ ‬عند‭ ‬السرعات‭ ‬العادية‭ ‬التي‭ ‬نختبرها،‭ ‬لكنها‭ ‬ستصبح‭ ‬مهمة‭ ‬جدا‭ ‬عند‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء،‭ ‬وبكل‭ ‬تأكيد‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لأي‭ ‬جسم‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تغطية‭ ‬مجال‭ ‬محدد‭ ‬من‭ ‬الفضاء‭ ‬بزمنٍ‭ ‬أقصر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الضوء‭. ‬

‭*‬‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬تبلغ‭ ‬99‭.‬4‭% ‬من‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭.‬

‭ ‬

E=mc2‭ ‬

تنتج‭ ‬المعادلة‭ ‬الأشهر‭ ‬في‭ ‬الفيزياء‭ ‬من‭ ‬نظرية‭ ‬النسبية‭ ‬الخاصة،‭ ‬وهي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أنّ‭ ‬الكتلة‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬شكل‭ ‬مركز‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬وثابت‭ ‬التناسب‭ ‬بينهما‭ ‬يتعلق‭ ‬بثابت‭ ‬سرعة‭ ‬الضوء‭. ‬صادم‭ ‬الجسيمات‭ ‬بعنف‭ ‬ببعضها‭ ‬عند‭ ‬طاقات‭ ‬عالية‭ ‬جداً،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬مصادم‭ ‬الهادرونات‭ ‬الكبير‭ ‬Large Hadron Collider‭ ‬الموجود‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الأبحاث‭ ‬النووية‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬سيرن‭ ‬CERN،‭ ‬وستستطيع‭ ‬حينها‭ ‬خلق‭ ‬جسيمات‭ ‬أخرى‭ ‬كتلتها‭ ‬أكبر‭ -‬هذه‭ ‬الجسيمات‭ ‬جرى‭ ‬اكتشافها‭ ‬أثناء‭ ‬سبر‭ ‬نظريات‭ ‬الحقل‭ ‬الكمومي‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يجري‭ ‬تطويرها،‭ ‬والتي‭ ‬قادت‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬فيزياء‭ ‬الجسيمات‭. ‬

القانون‭ ‬2‭: ‬مبدأ‭ ‬التكافؤ

الجاذبية‭ ‬والتسارع‭ ‬يبدوان‭ ‬دوماً‭ ‬على‭ ‬أنهما‭ ‬الشيء‭ ‬ذاته‭! ‬

في‭ ‬القرن‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬لاحظ‭ ‬غاليليو‭ ‬أن‭ ‬الأجسام‭ ‬الساقطة‭ ‬تتسارع‭ ‬بالمعدل‭ ‬نفسه‭ ‬بصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬كتلتها،‭ ‬إذ‭ ‬سيسقط‭ ‬كلٌّ‭ ‬من‭ ‬الريشة‭ ‬والمطرقة‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬برج‭ ‬بيزا‭ ‬المائل‭ ‬وسيصدمان‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬نفسها‭ ‬عندما‭ ‬تُهمل‭ ‬مقاومة‭ ‬الهواء‭. ‬وقد‭ ‬أكد‭ ‬رائد‭ ‬الفضاء‭ ‬ديفيد‭ ‬سكوت‭ ‬David Scott‭ ‬أثناء‭ ‬رحلة‭ ‬أبولو‭ ‬15‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬فوق‭ ‬القمر‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬الهواء‭. ‬

لقد‭ ‬برهن‭ ‬نيوتن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يُمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬صحيحاً‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬غريبة‭ ‬من‭ ‬الصدفة‭: ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬كتلة‭ ‬القصور‭ (‬العطالية‭) ‬Inertial mass،‭ ‬التي‭ ‬تصف‭ ‬مقاومة‭ ‬الجسم‭ ‬للتسارع،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مساوية‭ ‬دوماً‭ ‬للكتلة‭ ‬الثقالية‭ ‬gravitational mass‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬بالحسبان‭ ‬استجابة‭ ‬الجسم‭ ‬للجاذبية‭. ‬

لا‭ ‬يوجد‭ ‬سبب‭ ‬واضح‭ ‬وراء‭ ‬وجوب‭ ‬حصول‭ ‬ذلك،‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أي‭ ‬تجربة‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬هاتين‭ ‬الكميتين‭. ‬وكما‭ ‬هي‭ ‬الحال‭ ‬مع‭ ‬السرعة‭ ‬الثابتة‭ ‬للضوء،‭ ‬فآينشتاين‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صرَّح‭ ‬بهذا‭ ‬التكافؤ‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬مبدأ‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬الطبيعة‭. ‬

القانون‭ ‬3‭: ‬المبدأ‭ ‬الكوني‭ ‬

الكون‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأمكنة،‭ ‬والاتجاهات‭! ‬

قبل‭ ‬عقود‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬غاليليو‭ ‬تجرأ‭ ‬كوبرنيكوس‭ ‬على‭ ‬اقتراح‭ ‬أن‭ ‬الأرض‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مكاناً‭ ‬مميزاً‭ ‬في‭ ‬الكون‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بنحو‭ ‬قرن،‭ ‬افترض‭ ‬نيوتن‭ ‬في‭ ‬أطروحته‭ ‬العظيمة‭ : ‬المبادئ‭ ‬Principia‭ ‬أنّ‭ ‬النظام‭ ‬الشمسي‭ ‬مدفون‭ ‬داخل‭ ‬فضاء‭ ‬متجانس‭ ‬يمتد‭ ‬على‭ ‬مسافات‭ ‬هائلة‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات‭. ‬

وهذه‭ ‬هي‭ ‬أصول‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الكوزمولوجيا‭ ‬الحديث‭ ‬بالمبدأ‭ ‬الكوني‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: ‬أمعن‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬و‭ ‬سيبدو‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬تقريباً‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬تنظر‭ ‬نحوه‭. ‬فمثلاً‭ ‬توجد‭ ‬التكتلات‭ ‬المحلية‭ ‬المؤلفة‭ ‬من‭ ‬المادة‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬أنظمة‭ ‬شمسية،‭ ‬ومجرات،‭ ‬وعناقيد‭ ‬مجرية،‭ ‬لكن‭ ‬عند‭ ‬مقياس‭ ‬كبير‭ ‬كفاية،‭ ‬سيبدو‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬متجانسا‭ ‬وسطياً‭. ‬

إنه‭ ‬تسبيط‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬الرياضيات‭ ‬أسهل‭ ‬بكثير‭ ‬عندما‭ ‬نحاول‭ ‬وضع‭ ‬نموذج‭ ‬عامل‭ ‬يصف‭ ‬الكون‭. ‬لكن‭ ‬حقل‭ ‬رؤيتنا‭ ‬المحدود‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جداً‭ ‬القول‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬المبدأ‭ ‬صحيحاً‭ ‬حقاً‭ ‬على‭ ‬المقياس‭ ‬الكوني‭. ‬فاكتشاف‭ ‬أكبر‭ ‬البنى‭ ‬الكونية،‭ ‬كذلك‭ ‬القوس‭ ‬المجري‭ ‬الضخم‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬عرضه‭ ‬10‭ ‬بلايين‭ ‬سنة‭ ‬ضوئية‭ ‬المكتشف‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬والذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسم‭ ‬جدار‭ ‬إكليل‭ ‬هرقل‭ ‬بوراليس‭ ‬العظيم‭ ‬Hercules-Corona Borealis‭ ‬Great Wall،‭ ‬يضع‭ ‬ذلك‭ ‬المبدأ‭ ‬موضع‭ ‬تساؤل‭.‬

النسبية‭ ‬العامة

نظرية‭ ‬آينشتاين‭ ‬المنحنية‭ ‬عن‭ ‬الجاذبية

تخبرنا‭ ‬النسبية‭ ‬الخاصة‭ ‬بأن‭ ‬الحركة‭ ‬تحني‭ ‬المكان‭ ‬والزمن‭. ‬وكذلك‭ ‬يفعل‭ ‬التسارع‭ – ‬والجاذبية‭ ‬شكلٌ‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬التسارع‭. ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬الدرس‭ ‬الذي‭ ‬قدمته‭ ‬نظرية‭ ‬آينشتاين‭ ‬العظيمة‭ ‬في‭ ‬النسبية‭ ‬العامة‭ ‬عام‭ ‬1916‭. ‬وتجمع‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬كلاًّ‭ ‬من‭ ‬النسبية‭ ‬الخاصة‭ ‬ومبدأ‭ ‬التكافؤ‭ ‬داخل‭ ‬نظرية‭ ‬تصف‭ ‬الجاذبية‭ ‬ونعتمد‭ ‬عليها‭ ‬الآن‭. ‬تحني‭ ‬الأجسامُ‭ ‬فائقة‭ ‬الكتلة‭ ‬المكانَ‭ ‬والزمن‭ ‬اللذين‭ ‬يُعرفان‭ ‬معاً‭ ‬بالزمكان‭ ‬space-time‭ ‬من‭ ‬حولها،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الأشياء‭ ‬تظهر‭ ‬وهي‭ ‬تتسارع‭ ‬نحوها‭. ‬

تُقدم‭ ‬النسبية‭ ‬العامة‭ ‬إطارَ‭ ‬عملٍ‭ ‬لتفسير‭ ‬كيفية‭ ‬حصول‭ ‬الأشياء‭ ‬عند‭ ‬الأحجام‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬لكن‭ ‬أي‭ ‬نموذج‭ ‬كوني‭ ‬يتطلّب‭ ‬وجود‭ ‬جزء‭ ‬جوهري‭ ‬من‭ ‬المعلومات،‭ ‬وهو‭ ‬كيفية‭ ‬توزّع‭ ‬المادة؟‭ ‬

الجاذبية

تفسر‭ ‬الجاذبية‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬شعورنا‭ ‬بالسَّحب‭ ‬نحو‭ ‬الأرض،‭ ‬ولماذا‭ ‬تدور‭ ‬الأرض‭ ‬حول‭ ‬الشمس‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬هيمنتها‭ ‬عند‭ ‬مستويات‭ ‬القياس‭ ‬الكونية‭ ‬وبالقرب‭ ‬من‭ ‬الكتل‭ ‬الكبيرة‭ ‬جداً‭ ‬مثل‭ ‬الكواكب‭ ‬والنجوم،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬الأضعف‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬الطبيعة‭ ‬المعروفة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تفسرها‭ ‬نظرية‭ ‬الكم‭ ‬Quantum theory‭.‬

موجات‭ ‬الجاذبية‭ (‬الموجات‭ ‬الثقالية‭) ‬

هذه‭ ‬التموجات‭ ‬الحاصلة‭ ‬في‭ ‬الزمكان‭ ‬هي‭ ‬آخر‭ ‬التنبؤات‭ ‬غير‭ ‬المؤكدة‭ ‬للنسبية‭ ‬العامة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رُصِدت‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬سبتمبر‭ ‬2015‭ ‬حين‭ ‬مَثَّلت‭ ‬الإشارةُ‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬اندماج‭ ‬ثقبين‭ ‬أسودين‭ ‬فائقي‭ ‬الكتلة‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬انتصاراً‭ ‬لعملٍ‭ ‬صبور‭ ‬ومضنٍ‭ ‬أنجزته‭ ‬تجربة‭ ‬“ليغو”‭ ‬LIGO‭ ‬المتطورة‭. ‬

النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬للكوزمولوجيا

عندما‭ ‬استخدم‭ ‬آينشتاين‭ ‬النسبيةَ‭ ‬العامة‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬بهدف‭ ‬بناء‭ ‬نموذج‭ ‬كوني،‭ ‬اتبع‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬التقليد‭ ‬الساىد‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام،‭ ‬وافترض‭ ‬أن‭ ‬الكون‭ ‬كان‭ ‬ساكناً،‭ ‬بمعنى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتوسع‭ ‬ولا‭ ‬يتقلص‭. ‬ولكن،‭ ‬عمليات‭ ‬الرصد‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬في‭ ‬عشرينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بيَّنت‭ ‬أن‭ ‬المجرات‭ ‬البعيدة‭ ‬“تنزاح‭ ‬نحو‭ ‬الأحمر”‭ ‬Redshifted‭ ‬جرّاء‭ ‬تحركها‭ ‬بعيداً‭ ‬عنا‭. ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬استخدم‭ ‬آخرون‭ ‬نظريته،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬المبدأ‭ ‬الكوني‭ ‬المبسط‭ ‬الذي‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬تتوزع‭ ‬بشكلٍ‭ ‬متجانس‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الكون،‭ ‬بقصد‭ ‬وضع‭ ‬نماذج‭ ‬للكون‭ ‬المتوسع‭. ‬

كان‭ ‬ذلك‭ ‬بداية‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬الكوزمولوجيا،‭ ‬والذي‭ ‬يصف‭ ‬كوناً‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬نقطة‭ ‬متناهية‭ ‬الصغر‭ ‬وكثيفة‭ ‬وساخنة‭ ‬جرّاء‭ ‬حَدثٍ‭ ‬عُرف‭ ‬بالانفجار‭ ‬الكبير‭ ‬Big bang‭ ‬وحصل‭ ‬قبل‭ ‬13‭.‬8‭ ‬بليون‭ ‬سنة‭. ‬

إشعاع‭ ‬الخلفية‭ ‬الكونية‭ ‬الميكروي

يُنظر‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭ ‬البارد‭ ‬من‭ ‬الإشعاع،‭ ‬المكتشف‭ ‬مصادفةً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1964‭ ‬كضوضاء‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬الخلفية‭ ‬الخاصة‭ ‬بمستقبل‭ ‬اتصالات‭ ‬عملاق،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬دليل‭ ‬حاسم‭ ‬على‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير‭ ‬الموصوف‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬للكوزمولوجيا‭. ‬فقد‭ ‬صدر‭ ‬الضوء‭ ‬الأقدم‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬380‭ ‬ألف‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الانفجار‭ ‬الكبير‭ ‬عندما‭ ‬برد‭ ‬الكون‭ ‬بدرجة‭ ‬كافية‭ ‬تسمح‭ ‬بتشكل‭ ‬أولى‭ ‬الذرات،‭ ‬مما‭ ‬سمح‭ ‬للفوتونات‭ ‬بالتحرك‭ ‬بحرية‭. ‬وقد‭ ‬وضعت‭ ‬المجسات‭ ‬الفضائية‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬هذا‭ ‬الضوء‭ -‬أحدثها‭ ‬مهمة‭ ‬بلانك‭ ‬التابعة‭ ‬لوكالة‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبية‭- ‬خريطةً‭ ‬لذلك‭ ‬الضوء‭ ‬بتفصيل‭ ‬دقيق،‭ ‬مما‭ ‬يُقدم‭ ‬معلومات‭ ‬عن‭ ‬الأعوام‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الكون‭ ‬ومكوناته‭ ‬الحالية‭. ‬

وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬نجاحاته،‭ ‬فإنّ‭ ‬النموذج‭ ‬القياسي‭ ‬في‭ ‬الكوزمولوجيا‭ ‬يستحضر‭ ‬ظواهر‭ ‬مثل‭ ‬المادة‭ ‬المُعتمة‭ ‬والطاقة‭ ‬المُعتمة‭. ‬ويُمكنك‭ ‬القراءة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الألغاز‭ ‬ومعرفة‭ ‬المزيد‭ ‬في‭ ‬دليل‭ ‬الواقع‭: ‬ست‭ ‬مسائل‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الفيزياء‭ ‬شرحها،‭ ‬أو‭ ‬يُمكنك‭ ‬استكشاف‭ ‬المبادئ‭ ‬الثلاثة‭ ‬الأكثر‭ ‬جوهرية‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬صورتنا‭ ‬للواقع‭ ‬عند‭ ‬الأحجام‭ ‬الأصغر‭ ‬بقراءتك‭ ‬لدليل‭ ‬الواقع‭: ‬القوانين‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬فيزياء‭ ‬الكم‭. ‬

https‭://‬www.newscientist.com/article/2106321-reality-guide-the-essential-laws-of-cosmology‭/‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى