أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اللغويات

أستطيع التحدث بلغة مختلفة كل أسبوع لمدة عام

بقلم: رووان هوبر
ترجمة: آية علي

إتقان ألكسندر أرغيليس خمسين لغة جعله ضمن أكثر الأفراد متعددي اللغات على مر العصور. فهل امتلأ دماغه الفائق في تعدد اللغات

كيف تحفّز نفسك من أجل الاستمرار بالتعلّم؟

إنني أنتهج تعددية اللغات كرياضة؛ كألعاب رياضية وتمارين عقلية. لعب الألعاب ممتع، أليس كذلك؟ هناك أشياء كثيرة قد تجعلك سعيدا، ولكن خذها منّي، إن أكثر الأمور إمتاعا على الإطلاق هو التعلّم الذاتي Autodidactic learning.

هل تستطيع إعطائي تاريخا مختصرا لرحلتك اللغوية؟

حينما تخرجت من الكلية كنت قد تعلمت الفرنسية والألمانية والإسبانية واللاتينية واليونانية والسنسكريتية. ثم أضفت إليها في مرحلة الدراسات العليا اللغات الأدبية في العصور الوسطى مثل الإسكندنافية القديمة والفرنسية القديمة واللغة الألمانية العليا القديمة الوسطى. عشت بعد ذلك في برلين فأضفتُ المزيد من اللهجات الجرمانية في القرون الوسطى، والهولندية وقليلا من الفريزية والسويدية، وغير ذلك من اللغات الإسكندنافية، إضافة إلى الإيطالية والبرتغالية والأوكيتانية والكتالونية.

وبعد ذلك، وفي فترة «رهبنة» مكثّفة استمرت عشر سنوات في كوريا، تعلمت الكورية واليابانية والماندرين والصينية الكلاسيكية، وأيضا الروسية والعربية والفارسية والهندية والتركية والسواحيلية والأيرلندية الغيلية واليونانية الحديثة، ومعظم اللغات الرومانسية والجرمانية والسلافية.

أعلم أنك لا تحبّذ سؤالك عن عدد اللغات التي تتحدث بها، لكن يتحتّم عليّ سؤالك بهذا الشأن. 

لا أعمد إلى العد، فهذا أمر صعب. ولما كانت بعض اللغات قريبة جدا من بعض، فسأشعر بأن احتسابها لغاتٍ منفصلة نوع من الغش. وماذا بشأن لغاتي الميتة؟ يبلغ مجموع اللغات التي درستها نحو 60 أو 70 لغة.

هل تجد أن اللغات تتداخل مع بعضها البعض أثناء تعلّمك إياها؟

كلا بالطبع. عندما أتحدّث بإحدى لغاتي الضعيفة فإن لغة قريبة أقوى قد تقفز أحيانا لإضافة مفردات أو تراكيب، لكن هذا أقرب إلى المساعدة منه إلى التداخل. ولكن عندما كنت في مرحلة التعلّم المكثّفة، حيث كنتُ أدرس عشرات اللغات في وقت واحد، لم يكن أي منها يتداخل مع الأخرى.

هل يشعر دماغك بالامتلاء إذن؟

لا أعتقد أن دماغ الإنسان قد يمتلئ كقولنا: «هذا الصندوق ممتلئ». المشكلة هي عدد الساعات الموجودة في اليوم. أعطني وقت فراغ كاملا كالذي كنت أملكه أثناء سنوات تعلّمي المكثّف، وحينها أتصوّر أني سأستطيع تعلم 100 لغة.

لكن هذه الأيام ليس لدي ما يكفي من الوقت لقراءة أدب هذه الثقافات المتعددة. وأود التعمق في اللغات التي تمتلك الآداب الثقافية الأغنى، وأن أطوّر معرفتي بها حقًّا. الدماغ ليس ممتلئا، لكن جدول الأعمال ممتلئ.

ما الذي يدفعك لتعلّم لغات جديدة؟

أعتقد أن ردة فعل معظم الناس حال سماعهم لغة معروفة هي «أوه، إنها لغة أجنبية ولا أستطيع فهمها» ثم يعزفون عنها. إنها تصبح مجرد ضوضاء في الخلفية. أما أنا فأسمعها وأفكّر «ما هذا؟ أريد تمييزها على الأقل ». يزعجني ألّا أكون قادرا على معرفة اللغة التي ينتمي إليها الصوت- أو الشكل إن كان نصّا مكتوبا- إنه الفضول.

أخبرني عن تقنيتك الرئيسية في تعلم لغة جديدة، وما آليّة عملها؟

أسميها تقنية «التّتبع عن كثب» Shadowing، إذ أتتبع مترادفات المادة الصوتية من اللغة المستهدفة عبر الاستماع إليها من خلال سماعات الأذن، والنطق بها في الوقت ذاته قدر الإمكان. وجدت أن أفضل طريقة لفعل ذلك هي المشي بخطوة سريعة في الهواء الطلق مع الحفاظ على الجسم في وضعية مستقيمة تماما والتحدث بصوت عال. يجد طلابي هذا الشكل في التعلم تحديا لهم، لكنّني أجده فعّالا جدا. إنه يساعدني على استيعاب -ومن ثم في النهاية- حفظ مقدار كبير من اللغة. هذه بداية ثابتة يتبعها بالطبع الكثير من الدراسة.

يقال إن الناس يعتمدون صورَ نمطيةٍ ثقافية أثناء تحدثهم بلغة أجنبية. هل تشعر بأنك أكثر رومانسية عندما تتحدث بالبرتغالية؟ 

كلا.

لكن هل تتغير أنماط التفكير مع اللغة؟

بينما لا أتفق مع القول إن المرء يمتلك شخصيات مختلفة أثناء استخدام لغات مختلفة؛ فإنني أتفق مع أن هيكل الأفكار يجب أن يكون مختلفا أحيانا. أنت في اللغة الكورية مثلا لا تُصرِّف الأفعال وفقا للشخص على الإطلاق، بل وفقا لمجموعة واسعة من مستويات «احترام» مختلفة تتعلق بالعمر، وطبيعة علاقتك بالشخص الذي تتحدث معه، وهكذا. يقف وراء هذا كله مفهوم كونفوشيّ Confucian يقول: إنه إذا كان الشخص أكبر أو أصغر منك بستة أشهر فإن عليك مخاطبته بشكل يختلف عن مخاطبتك لشخص في عمرك نفسه.

هل تقوم بانتقاء تعابير مفضّلة؟

ليس بطريقة واعية. ربما يكون هذا بسبب قضائي الصيف الماضي في سانت بطرسبرغ بروسيا؛ لكن إذا أعجبني شيء هذه الأيام فإنني أقول:“eto khorosho” أي: هذا جيد، هذا لطيف. عندما كنت أعيش في ألمانيا حاولت جاهدا، وبطريقة واعية، حجب اللغة الإنجليزية لتحويل نظامي للتشغيل العقلي بكامله إلى الألمانية. كنت لا أزال أفكر بالألمانية عندما كنت في كوريا، كما لا أزال أفكر بها كثيرا حتى الآن. كما إنني أسبّ بالألمانية:.

يقول الناس إن بُنية اللغة الألمانية أكثر دقّة. هل يقلل هذا من احتمالية أن تثرثر وتتحدث بكلام فارغ مثلما نفعل في الإنجليزية؟ 

تستطيع الثرثرة في الألمانية! كل ما في الأمر أن دماغك يعمل بطريقة مختلفة فقط، إذ يأتي الفعل في نهاية الجملة، هذا كل ما في الأمر.

كونك متعدد لغات فائقا ؛ هل منحك هذا أي فكرة عمّا إذا كانت هناك لغة شاملة للفكر، «لغة عقلية Mentalese»؟

إنني أعتقد حقا بوجود اللغة العقلية، فأنا أمنع عقلي أحيانا من الوصول إلى لغات أخرى، وذلك لإجباره على البقاء في لغة واحدة. لكن، تحت هذه الظروف، لا تنقطع عملية التفكير إذا لم أكن أعرف كلمة ما، مثلما تفعل إذا كنّا في خضم محادثة، لكنها عوضا عن ذلك تتوقف برهة ثم تسجل المفهوم في اللغة العقلية من دون اسم، قبل الانتقال إلى شيء آخر.

هل تبقّى لديك أي طموح لغوي؟

لقد توقفت عن تعلم اللغات الجديدة؛ لأنني درست لغات كثيرة، أكثر من أن أطورها جميعا إلى مستوى عال.

لذا فإنني أحاول في هذه المرحلة الوصول إلى مستوى أعلى في اللغة العربية والروسية، وفي مستوى قراءتي بعدة لغات أخرى. لقد أوقفت، بطريقة واعية، تطوّري في كل من الصينية واليابانية والتركية والسواحيلية، إذ وصلت في دراستها جميعا إلى مستوى عال جدا. لكني ألقي عليها نظرة خاطفة بين وقت وآخر لأتأكد من احتفاظي بها، ودائما تكون موجودة. ثم هناك مجموعة أخرى من اللغات التي لم أوقف تطوري فيها بطريقة واعية، لكنني لن أقضي وقتا في ذلك. لذا فإن كان هناك أي طموح فهو ليس لتعلّم لغة التبت أو الكيشوا، بل لاستعادة مهارتي في اللغة الفارسية أو الهنديّة.

هل هناك مجموعة من الأشخاص متعددي اللغات ممن يرغبون في أن يكونوا غامضين Obscurists؟

نعم، فمع نموّ مجتمع متعدّدي اللغات فإن الناس فيه يريدون البروز والتميّز، لذا فإنهم يقبلون على تحدّيات جديدة. الغاية القصوى في هذه التحديات هي تعلم لغة غير مكتوبة لم يدرسها الأنثروبولوجيون. من ناحية لن تكون لديك أي قواعد، لكن من ناحية أخرى، إذا كنت تملك المهارة المطلوبة؛ وإذا تقبّلك السكان الأصليّون فإن في مقدورك الذهاب والعيش معهم، وحينها ستنجح أو ستفشل.

هل يسير أطفالك على خطاك في تعلم اللغات؟

نعم، إنهم يخوضون تجربة مختلفة عن تجربتي. فأنا أتحدث بالفرنسية مع أبنائي طوال الوقت، وأعلّمهم اللاتينية والألمانية والإسبانية والروسية. إنني أحب والدي كثيرا، لكنه لم يشجعني أو يجبرني على تعلم اللغات. أما أنا فلستُ ذلك النوع من الآباء.

الملف الشخصي

عمل ألكسندر أرغيليسAlexander Arguelles في تدريس التاريخ بالجامعة الأمريكية في الإمارات، في دبي، الإمارات العربية المتّحدة. وتركّز أبحاثه على مهارات دراسة اللغة الأجنبية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى