أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةالعلوم البيئية

كيف يقصِّر تلوث الهواء عمر الإنسان

بقلم: نيك فليمنغ

لا ينبغي أن تؤخذ أعداد الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء على ما هي عليه في الظاهر، فالغازات الملوِّثة في الهواء لن تقتلكم على الفور وإنما ستخفض متوسط العمر المتوقع أن تعيشوه على الأرض

إن معرفة عدد الناس الذين يتوفون بسبب التلوث هو مسألة عويصة. وتختلف الأرقام التي يجري تناقلها على نطاق واسع إلى حد كبير وأقل ما يمكن قوله إنها تخفي وراءها حسابات معقدة وغير أكيدة وسوء فهم مراجعة “ما عدد الوفيات”. ومن المهم، قبل كل شيء، أن ندرك أن لا أحد يتوفى لمجرد السير في شارع مُلوث. ولكن تلوث الهواء يفاقم مشكلات أخرى من شأنها أن تقتل الإنسان، فيختصر من عمرك بضعة أشهر. وتقدر اللجنة البريطانية للآثار الطبية لملوِّثات الهواء Committee on the Medical Effects of Air Pollutants (اختصارا: اللجنة COMEAP) أن الجسيمات العالقة بشرية المنشأ ذات 2.5 ميكرومتر PM2.5، أي الناجمة عن النشاط البشري عند مستوى عام 2008، من شأنها خفض متوسط عمر الإنسان بستة أشهر. ولدى حساب كل هذه الأشهر التي يخسرها الناس، توصل الفريق إلى أن تلوث الهواء الخارجي يمكن أن يتسبب بنحو 29 ألف وفاة سنويا. وعلى الرغم من أن اللجنة COMEAP شددت على أن الجسيمات العالقة ذات 2.5 ميكرومتر تقصِّر حياة عدد أكبر بكثير من الناس ولا تُخلف هذا العدد من الوفيات، فإن وسائل الإعلام كثيراً ما تستسهل في تقاريرها كتابة أن تلوث الهواء يقتل 29 ألف شخص سنوياً في المملكة المتحدة.
استندت اللجنة COMEAP في حساباتها على عدد من الافتراضات. ومن الأسئلة التي طرحت هو إن كانت لكل جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرون التأثيرات الصحية نفسها بغض النظر عن منشئِها. يقول مايكل براور Michael Brauer، من جامعة بريتش كولومبيا: “أظن أن كل من دَرَسَ هذا يعتقد أن هناك اختلافات. ولكن تبيان طبيعة هذه الاختلافات ظلّ على الدوام أمراً صعبا.”
وما يزيد من الأمر تعقيداً هو التداخل المرجح بين تأثيرات جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرومتر وثنائي أكسيد النيتروجين – وهما أكثر الملوِّثات ضررا. ويقول جون إيْرز Jon Ayres من جامعة برمنغهام في المملكة المتحدة والذي ترأس لجنة COMEAP حتى عام 2011: “باعتقادي الشخصي أن الربط بين ثنائي أكسيد النيتروجين والمشكلات الصحية يؤشر إلى حد كبير إلى الجسيمات متناهية الدقة والمحتسبة أصلاً إلى حد كبير ضمن جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرون.”
وتتفاوت التقديرات الدولية للوفيات الناجمة عن تلوث الهواء إلى حد كبير، ولكن براور يرى أن خوض جدل بشأن الأعداد يبعدنا عن لب المسألة. ويقول: “إن العدد مفيد في عنوان جميل، ولكنه على الأرجح ليس بتلك الأهمية. المهم في الأمر أن نتمكن من مقارنة تلوث الهواء بمخاطر رئيسة أخرى مثل التدخين ومن ثم نتمكن من تحديد أولويات السياسات والتمويل.”

سؤال: كيف يؤثر التلوث في صحتي؟
لا يزال يتعين علينا أن نتعلم الكثير عن الكيفية التي تجعل تلوث الهواء في الخارج يسبب ضرراً على الصحة، وذلك على الأقل لأن تأثيراته في أجسامنا هي على الأرجح متعددة ومركبة ومتداخلة. وتفترض بعض الدراسات أن جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرومتر وثنائي أكسيد النيتروجين والأوزون تُحدث خللاً في تفاعلات الأكسدة في الرئتين ومواضع أخرى في الجسم. وهذا بدوره يسبب الالتهاب ويمكن أن يُحدث تلفاً في الأنسجة. ويسعى القسم الأكبر من الأبحاث إلى العثور على ترابط ما بين زيادة التعرض للتلوث وانتشار الأمراض. وعلى سبيل المثال، خلصت دراسة في عام 2014 بعد متابعة نحو 100 ألف شخص في خمس دول أوروبية لأكثر من 11 عاما إلى أن زيادة من 5 ميكروغرام/متر مكعب من التعرض لجسيمات المادة ذات 2.5 ميكرومتر في المعدل السنوي على صلة بزيادة من 13 % في الأزمات القلبية أو الذبحات الصدرية غير المستقرة.
وخلصت دراسة أخرى إلى أن زيادات مماثلة في جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرومتر هي على صلة بزيادة من 18 % في مخاطر الإصابة بسرطان الرئة.
وهناك كذلك علاقة راسخة بين التلوث والأمراض التنفسية وأمراض الرئة والجلطات. وخلصت دراسة نشرت في يناير الماضي إلى أن من يعيشون ضمن مسافة 50 متراً من طريق رئيسي هم معرضون أكثر بنسبة 7% للإصابة بالخرف ممن يعيشون على بعد 300 متر أو أبعد منه. وأقامت دراسات أخرى صلة بين تلوث الهواء والإصابة بالسكري وأمراض الكلى وآلزايمر والولادات المبكرة والأمراض العقلية.
وهناك أدلة متزايدة على تأثيرات التلوث في نمو الأطفال، إذ خلصت دراسة تعود إلى عام 2004 إلى أن سكان كاليفورنيا الذين هم في عمر 18 عام وتعرضوا سنويا على مدى ثماني سنوات في المعدل إلى 28 ميكروغرام/متر مكعب من جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرومتر هم أكثر عرضة لتراجع وظائف الرئتين ب4.9 مرات ممن تعرضوا في المعدل إلى 5 ميكروغرام/متر مكعب منها. وسجل الباحثون تأخراً في تطور الإدراك لدى أطفال برشلونة الذين يرتادون مدارس موجودة في مناطق ملوثة.
ويتوقع أن يوفر تعاون جديد بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والصين تحت إدارة فرانك كيلي Frank Kelly، من جامعة كنغز كولدج لندن، فهماً أوضح للصلات بين التلوث واعتلال الصحة. ستُغطي الدراسة 120 شخصا من سكان بكين و120 شخصا يعيشون في قرية في الريف أجهزة لرصد الملوثات.
وبعد ذلك سيقارن التعرض بالبيانات الصحية في عينات البول والدم للمساعدة على فهم ما الذي يفعله التلوث لأجسامنا. ويقول كيلي: “إن الانتقال من مجرد تقدير مدى تعرض الناس إلى قياس هذا التعرض وربطه بواسمات الاستجابة الحيوية biological response markers إنما هو خطوة كبيرة إلى الأمام.”

ما عدد الوفيات في المملكة المتحدة جراء تلوث الهواء؟
تتفاوت كثيراً التقديرات المتعلقة بالوفيات السنوية المنسوبة إلى تلوث الهواء، في عام 2010 قدرت اللجنة COMEAP أن عدد الوفيات المنسوبة إلى جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرون يبلغ سنوياً 29 ألف وفاة في المملكة المتحدة، وقالت إنه لا توجد حدود أمان تعتبر معها هذه الملوثات غير ضارة
ويعني عدم التأكد من هذه الأرقام أن هناك احتمالاً بنسبة %75 أن العدد يمكن أن يتراوح بين 5 آلاف و55 ألف وفاة
في عام 2012 قدرت منظمة الصحة العالمية WHO العدد بـ 16400 وفاة، وافترضت أن حدود الأمان هي 7 ميكروغرام في المتر المكعب
44750 – 52500 وفاة تحدث سنويا في المملكة المتحدة بسبب جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرون وثنائي أكسيد النيتروجين، وفق تقديرات الحكومة البريطانية
40000 هو غالباً الرقم الذي يرد في الإعلام للإشارة إلى عدد الوفيات لناجمة عن تلوث الهواء. وهو مأخوذ من الكلية الملكية للأطباء والكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل في المملكة المتحدة واللتين قدرتا عدد الوفيات الناجمة عن جسيمات المادة ذات 2.5 ميكرون وثنائي أكسيد النيتروجين بما بين 30 ألفا و50 ألفاً كل سنة.

يك فليمنغ Nic Fleming كاتب غير متفرغ يقيم في بريستول بالمملكة المتحدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى