أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
جيولوجيا

جسُّ نبضِ الأرض: كيفيّة التنبؤ بالانفجاراتِ البركانيّة من الفضاء

تتمظهر التحرّكات الداخليّة لكوكبنا على شكل نتوءات متحرّكة على السطح. والآن، هناك عينٌ في السماء تراقب هذه النتوءات لمساعدتنا على التنبؤ بالكوارث وإنقاذ الأرواح.

يمكننا تتبع مسار تدفّق الصهارة البركانية بينما لا تزال موجودة تحت الأرض، وذلك باستخدام الأقمار الاصطناعيّة.

إلى جانب غناها بالسّلاحف الضخمة والثروة الهائلة من الحياة البرّية الأخرى؛ تعدّ جزر غالاباغوس Galapagos أيضا موطنا لآلاف من البشر. ويعيش نحو 200 شخص على جزيرة إيزابيلا Isabella، وهي أكبر الأراضي الأرخبيلية التي يتشاركونها مع بركان سيرو أزول Cerro Azul النشط. لذا كان قلق السكّان مُبرّرًا عندما التقط العلماء إشارات على أنّ البركان في حالة ثوران.

خلال شهر مارس ، رصد المعهدُ الجيوفيزيائي Geophysical Institute في مدينة كيتو بالإكوادور هذه الاهتزازات تحت البركانيّة. فقد تصرّف العلماء حينها بسرعة، وكان أوّل ما فعلوه أن حذّروا السكّان، ثم نظّموا بعد ذلك فريقا يأمل بتأكيد ما إذا كان حدوث الانفجار البركاني وشيكًا.

وفي حين يعتمد معظم العلماءِ الجيولوجيّين على القياسات الأرضيّة للمساعدة على تفسير الاهتزازات والمناورات الداخليّة للكوكب، إلّا أنّ فريقا آخر أكثر كفاءة يعتقد بوجود طريقة أفضل وأسرع. وتتمظهر أنشطة الأرض الخفيّة على شكل نتوءات ومنحنيات على السطح، لذا فالعثور على وسيلة لمتابعة مثل هذه الحركات سيفتح لنا نافذة جديدة على العالم السّفلي. وقد يساعدنا هذا على اكتشاف التصدّعات الخفيّة، وتتبّع المسارات الخاصّة بتيارات الصهارة (الماغما) تحت الأرض، ومعرفة الكيفيّة التي تغيّرُ بها الهزّاتُ الأرضيّةُ التوازنَ الدقيقَ للألواحِ التكتونيةِ الخاصّة بالأرض، والأهم من ذلك أنّ بإمكانه إنقاذ الأرواح.

إن ما يحدث في أحشاء كوكب الأرض هو لغز كبير، لكنّنا نمتلك فكرة جيّدة عن طبيعة أول بضعة كيلومترات تحت سطح الأرض، فهي عبارة عن لوحات تكتونية يصل سمكها إلى 250 كلم، وتطفوا على طبقة من الصخور المنصهرة. وتتحرك هذه اللوحات أحيانا بعيدا عن، أو باتجاه بعضها البعض، مسبّبةً هزّات أرضيّة. وفي المناطق التي نسمّيها براكين، فإنّ الصخور السائلة تفور على السطح.

ولدراسة هذه اللوحات والمخاطر الناتجة فنها، فإن الجيولوجيين يستخدمون في كثير من الأحيان مقاييس الزلازل للكشف عن الاهتزازات، وتتبع الحركات السطحية من خلال ربط أجهزة GPS بالصخور، أو قياس انبعاثات الغازات مثل ثاني أكسيد الكبريت الذي يشير إلى وجود تحركات للصهارة في الأعماق. ويعطينا كل أسلوب من هذه الأساليب معلومات عن مكان واحد فقط، ممّا يعني أنه لا يمكننا إلا أن نرصد جزءا ضئيلا من سطح الأرض.

ولكن ليس هناك سبب يمنعنا من الحصول على صورة كاملة للكوكب. وهنا يدخل إلى المشهد الرادار ذي الفتحة الاصطناعية الخاص بقياس التداخل Interferometric synthetic aperture radar (اختصارا: الرادار InSAR). وتستبعد هذه التقنية الرادارية المُركّبة على الأقمار الاصطناعية، والتي طورتها وكالة ناسا في السبعينات، موجات الراديو من سطح الأرض. ومن ذلك نستطيع استنباط المسافة بين الآلات والسطح، كما نستطيع مقارنة القياسات المأخوذة على مدار أيّام أو أسابيع، ومن ثم تصوّر الحركة المتوسطة للسطح، والتي تكون غالبا ضمن بضعة مليمترات.

وقد دارت أدواتٌ من هذا القبيل الكرةَ الأرضية على متن الأقمار الاصطناعيّة منذ أوائل التسعينات، لكنّها لم تغطِّ كامل الكوكب، كما أن المدة الزمنية بين القياسات كانت طويلة.

أمّا الآن، فقد ظهر على السّاحة شيء يمثّل “نقطة تحوّل مذهلة”، وذلك بحسب الباحث الجيوفيزيائي من جامعة ليدز University of Leeds بالمملكة المتحدة تيم رايت Tim Wright. ويأتي هذا الشيء على شكل زوج من الأقمار الاصطناعية تابع لوكالة الفضاء البريطانيّة، ويسمّى سنتينل-1/ Sentinel-1، وهي أقمار مخصّصة لإجراء قياسات مستمرّة من الرادار  InSAR.

ويحلّل اتحاد بحثي بريطاني  (الاتحاد (COMET هذه القراءات. ويقول رولاند بورغمان Roland Bürgmann، من جامعة كاليفورنيا University of California في بيركلي: «ما يجعل هذه الأقمار مميزة حقا هو محاولتها – إذا ما سار كلّ شيء كما هو مخطّطً له – تغطية كامل الكوكب في نهاية المطاف.» وتقنية الرادار InSAR مفيدة في استخدامات أخرى كثيرة، بما في ذلك تتبّع السفن والجبال الجليديّة، غير أنّ شمسها قد تجلّت عام 2014 على إثر إطلاق أوّل قمر اصطناعي Sentinel-1A. وكان بركان آيسلندا المسمّى Bárðarbunga قد بدأ بإخراج الصهارة، لذا قام العالم آندي هوبر Andy Hooper من المجموعة COMET، والموجود أيضا في جامعة ليدز University of Leeds، بالبحث في الأمر.

وقد استطاع الفريق رؤية نتوء يتشكّل على طول صدع قريب من السطح، وذلك عندما بدأت الحمم البركانية بالتحرك ضمن تجويف تحت فوّهة البركان.  بعد ذلك تتبّعوا تحركات النتوء باستخدام صور الرادار InSAR، حيث سار لمسافة 47 كلم على مدار ستة أشهر، ثم صعد في النهاية إلى السطح، وأخرج حمما بركانية تعادل أكثر من نصف حجم جبل إيفرست. وقال هوبر إنّ المسار الطويل الملتوي الذي اتخذته الحمم البركانيّة قد مثّل مفاجئة كبيرة بالنسبة إليهم.

كما دخل القمر الاصطناعي الثاني حيّز العمل بحلول نوفمبر 2016، مما يعني أنه يمكن استدعاء كلا القمرين عند حدوث زلزال بقوة 7 أو 8 درجات بالقرب من كايكورا Kaikoura في نيوزلندا.

وعادة ما تكون الزلازل بسيطة نسبيا، وحتى الزلزال التي تبلغ قوتها 8 درجات قد لا يؤدي إلا إلى تمزق بعض الأجزاء على خط صدع واحد، لكن زلزال كايكورا مزّق شبكة مترابطة مكوّنة من 12 خط صدع، إذ انزلق بعضها باتجاه بعض، في حين تحرك البعض الآخر بعيدا عن بعض. ويقول رايت عن هذا الزلزال إنه «قد يكون أكثر الزلازل الملحوظة بالأدوات الحديثة تعقيدا على الإطلاق، وقد غيّر الطريقة التي نفكّر فيها بشأن الزلازل تغييرا تامًّا.» ويحثُّ هذا الاكتشاف علماء الزلازل على إعادة تقييم نماذج مخاطر الزلازل، والتي تنصّ على أنّ تمزق العديد من التصدعات المترابطة سيحدث بشكل منفصل في زلازل مختلفة، مع خلق كل صدع الضغط اللازم لحدوث الذي يليه.

  

صدوع خفيّة Hidden faults

حتى وقت قريب جدا، كانت لدينا بيانات عن تشوّه السطح لمجموعة قليلة من الزلازل، وبما أن الزلازل قد تتكرّر مرة كل عشرة آلاف عام في بعض الأماكن، فإنّنا لم نرَ بعدُ طرق حدوثها المتعددة. ولكن سيصبح هناك 40 تسجيلا للزلازل كل عام.

 مع وجود الاتحاد COMET. وأحد الآثار المترتبة على ذلك هو إمكانية اكتشاف الاتحاد COMET لخطوط صدوع خفيّة. وتستند خرائطنا لهذه الخطوط على سجلّات الزلازل، لكنها تحدث أحيانا في أماكن لم تسبق لنا رؤيتها. وأحد الأمثلة على ذلك هو الزلزال الذي بلغت قوته 6.6 درجة، والذي ضرب مدينة بام Bam في إيران عام 2003، مما أسفر عن مقتل أكثر من 26 ألف شخص. ستسمح البيانات الصادرة عن القمرين Sentinel1 للاتحاد COMET بتحديد مثل هذه الأشياء مقدّمًا.

ويمكن لرصد النتوءات مساعدتنا كذلك على اتخاذ القرارات المتعلقة بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها، كما يتضح من الحادث الذي وقع في غالاباغوس، فعندما وصل الباحثون الأكوادوريون إلى الاتحاد COMET، أرادو معرفة ما يجري. ويعقّب رايت على هذا قائلا: «لقد تمكّنا من إرسال النتائج في غضون 12 ساعة تقريبا.» فقد كان ثمّة شيء يختمر تحت إيزابيلا بالتأكيد، ولكن لحسن الحظ فإن التحليل أظهر بأن الصهارة تتحرك على بعد خمسة كيلومترات تحت الأرض، مما يعني عدم احتمالية حدوث انفجار وشيك.

لقد كان السكان الأصليون والسلاحف بأمان، ولكن هناك المزيد من التهديدات حول العالم. وتتم مراقبة البراكين النشطة مثل بركان سانتوريني Santorini في اليونان وماونت إيتنا Mount Etna في إيطاليا مراقبة دائمة بالتأكيد. وتقول عالمة البراكين في جامعة أكسفورد University of Oxford تامسين ماثر Tamsin Mather إنه «لا تتم مراقبة العديد من البراكين النشطة الأخرى، ولا سيما في دول العالم النامي.»  ومع ذلك فهي تنفجر في بعض الأحيان، كما كان الحال مع جبل أونتاك Ontake في اليابان عام 2014 الذي خلّف 60 قتيلا، وجبل كالبوكو Calbuco في تشيلي عام 2015 الذي نتج منه إخلاء آلاف السكان. وهناك “براكين الزومبي”، وهي البراكين التي تكون في طور التصدّع، ولكن لا تُرصد لكونها لم تنفجر منذ آلاف السنين.

قد يكمن الحل ببساطة في مراقبتها جميعا، وهو ما تخطط له ماثر وبقية العلماء من الاتحاد COMET. وتجمع الأقمار الاصطناعية بالفعل صورا لمعظم سطح الأرض، بما في ذلك كلّ بركانٍ أرضيّ. وفي الوقت الراهن، يراجع الفريقُ أكواماً من البيانات الموجودة لديهم، ويضعها في مخزنٍ عام. أمّا الخطوة التالية، فتتمثّل بتطوير خوارزمية لتحليل هذه البيانات في الوقت الحقيقي، وتحديد أيّ نتوء مشبوه  لإصدار التحذيرات، وينبغي اكتمال هذه العملية بنهاية العام الحالي.

لكن  النظام قد لا ينجح في جميع الحالات، وذلك بحسب ماثيو بريتشارد Matthew Pritchard من جامعة كورنيل Cornell University بنيويورك، وذلك لأسباب منها صعوبة رصد التشوهات تحت الغطاء النباتي الكثيف مثلا. ولكن باستطاعة العمل الميداني ملء هذه الثغرات، و هو أمر ممتاز في رأي ماثر. وتضيف بأنها تجد زيارة البراكين عملا مذهلا ومرعبا في الآن ذاته؛ مع دويّ نوافير النيران المثير، وأصوات تدفّق الحمم، وخفقان الأرض ونبضها بالطاقة.

ضع الأقمار الصطناعية والعمل الميداني معا، فسنشهد بدء “عصر البراكين العالمي”، على حد تعبير بيتشارد. وبمرور الوقت سيسمح لنا رصد البراكين ببناء قاعدة بيانات، ومطابقة أنماط محددة مع انفجارات فعليّة. وتضيف ماثر قائلة: «نريد أن نكون قادرين على قول: إن البركان يظهر هذه الأعراض، فما احتمالية ثورانه؟» إذا استطعنا فعل ذلك حقا، فسيمثّل الأمرُ نقطةَ تحوّلٍ كبيرة.

جون بيكريل صحفي علمي ومؤلف. يقيم في سيدني بأستراليا.

نشرت هذه المقالة في مجلة نيوساينتيست، العدد 3141، 2 سبتمبر 2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى