أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةالعلوم الطبيعيةعلم الحيوان

حوت شمال الأطلسي الصائب يواجه الإنقراض

قوع في شباك الصيد واصطدام السُّفن يُسبب تأثيرا خطيرا وتراجعا في تعدادها المُحقق مؤخرا

في انعكاس حزين للحظ، أصبح حوت شمال الأطلسي الصائب  Right Whale في مشكلة عميقة مرة أخرى بعد انتعاش في العقود الأخيرة من عدة قرون من الصيد. واتجاهات التعداد الأخير في غاية السوء لدرجة أنّ الخبراء يتوقعون اختفاء الحيتان في غضون 20 عاما مما يجعله أول حوت كبير ينقرض في العصر الحديث.

ففي اجتماع لجمعية علم الثدييات البحرية Society for Marine Mammalogy هنا الشهر الماضي، أفاد خبراء الحيتان بأنّ ما يقرب من 100 أنثى ناضجة ما زالت باقية، لكنها لا تعيش طويلا بما يكفي أو تتوالد بسرعة كافية تضمن بقاء هذه الأنواع. وشكلت اصطدامات السفن فيها تهديدا لوقت طويل، كما تسبب الوقوع في شباك معدات الصيد التجارية في خسائر متزايدة.

وقد وجد الباحثون أنه حتى عندما لا تنفق الأنثى العالقة في معدات الصيد، فإنّ سحب الحبال والعوامات أو الفخاخ يمكن أن يستنفد طاقتها، مما يجعلها أقل استعدادا للتوالد.

وتقول آن بابست Ann Pabst، وهي اختصاصية علم التكوّن الوظيفي Functional Morphologist بجامعة نورث كارولينا University of North Carolina من ويلمينغتون: »سيتخذ ذلك جهودا جريئة من جميع الأطراف المعنية« لإنقاذ الأنواع، وأضافت: »علينا أن نضاعف جهودنا مرة أخرى.»

يوبالينا جليسياليس Eubalaena glacialis، حوت شمال الأطلسي الصائب – الاسم الذي أطلقه عليه صيادو القرن الثامن عشر لأنه كان يَسهل قتله ولأنه غني بالشحم Blubber القيّم- وهو واحد من ثلاثة أنواع من الحيتان الصائبة.

وتوجد هذه الحيتان على طول الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية North America’s East Coast، وتتكاثر في فصل الشتاء في المياه قبالة ولاية فلوريدا وتهاجر في الصيف إلى المياه قبالة نيو إنغلاند وشمال شرق كندا لتتغذى. وموطنها الذي يُسَهل الوصول إليها قد جعلها  واحدة من أفضل الحيتان الكبيرة التي وُثّقت. ولكن نطاقها هو أيضا في أحد أكثر امتدادات المحيطات الصناعية في العالم والمزدحمة بالتهديدات بما في ذلك السفن، وعمليات الصيد، والبنية التحتية للطاقة.

وعلى مدى العقود القليلة الماضية بدا أنّ أعداد الحيتان الصائبة تتصاعد ببطء، من 300 تقريبا إلى نحو 500. وقد ساعدتها الحكومات عن طريق اتخاذ خطوات لمنع اصطدامات السفن بها مثل: فرض حدود على السرعة أو إعادة توجيه السفن الأكبر حجما في بعض المياه، وتركيب أجهزة الاستشعار التي يمكن أن تحذّر البحّارة عندما تكون الحيتان قريبة.

ومع ذلك، يبدو أن الوقوع في شباك الصيد يزيد من عدد الإصابات بسبب ازدياد الصيد في المناطق التي تتغذى فيها الحيتان. ويقول راندال ريفز Randall Reeves، وهو محافظ على البيئة البحرية Marine Conservationist ومقرّه في هدسون بكندا، حيث يترأس اللجنة الاستشارية العلمية التابعة للجنة الثدييات البحرية Scientific Advisory Committee of the U.S. Marine Mammal Commission في واشنطن العاصمة: »لم أكن مقتنعا فعلا بأن الوقوع في شباك يشكل تهديدا كبيرا،» وأضاف متابعا: «لكن الأمر بات واضحا جدا الآن.»

وقد توصل الباحثون، من خلال فرز التقارير الميدانية ودراسة ندوب الحبال الموجودة على الحيتان، إلى أن نحو 50 من الحيتان في شمال المحيط الأطلسي تتعرض للشباك كل عام، وأن نحو 83% من جميع الحيتان قد عَلِقَت مرة واحدة على الأقل. وغالبا ما تغرق الحيتان المتشابكة أو تموت من الجوع أو الإصابات؛ وعلى العموم، منذ عام 2009، كان 58% من نفوق الحيتان الصائبة بسبب وقوعها في الشباك، وهي قفزة كبيرة من 25% بين عامي 2000 و2008، كما يقول عالِم الثدييات البحرية سكوت كراوس Scott Kraus من الحديقة المائية Aquarium بنيو إنغلاند في بوسطن.

حتى لو لم تنفق الحيتان بعد أن تعلق في الحبال، فإنها يمكن أن تدفع ثمنا نفسيا كبيرا.

وخلال الاجتماع، رَوَت عالمة الأحياء البحرية الكندية Canadian Marine Biologist جولي فان دير هوب Julie van der Hoop، من جامعة آرهوس Aarhus University في الدنمارك قصةَ رجل يدعى روفيان Ruffian الذي وقع في فخ وضع لاصطياد سرطان البحر بالقرب كندا في وقت ما بين أغسطس 2016 ويناير 2017. وقد جرَّ 138 مترا من الحبال إضافة إلى فخ يزن 61 كيلوغراما على طول الطريق إلى فلوريدا حيث تم تخليصه منها هناك. ومن خلال ربط أجهزة استشعار القوة بعدّة الصيد المسترجع من الحيتان العالقة في الشباك وسحبه من خلال الماء، وجدت فان دير هوب وزملاؤها أن الحبال الملفوفة حول زعانف الحوت وجسمه يمكن أن تزيد من قوة السحب المطلوبة بنسبة 160%. وسحب فخ جراد البحر Lobster يضاعف الحِمل أكثر. وتَحسِبُ فان دير هوب أنّ حِمل روفيان قد أجبره على حرق 27 ألف سعرة حرارية إضافية في اليوم خلال رحلته، الأمر الذي يفسر لماذا كان هزيلا بشكل ملحوظ في وقت تخليصه من الشباك.

وقد نجا روفيان، لكن تجربته تتفق مع البيانات التي ذكرتها فان دير هوب وزملاؤها في عام 2016 في مجلة الإيكولوجيا والتطور Ecology and Evolution. وعن طريق قياس سُمك شحم الحيتان الصائبة النافقة – العالقة وغير العالقة – وجدوا أنّ الحيتان العالقة اليافعة تفقد 50% من هذا الشحم، في حين تفقد الحيتان العالقة البالغة نحو 17%. ويمكن للطاقة المفقودة أن تحدد بشكل تقريبي الكمية التي تحتاج إليها الحيتان للهجرة السنوية؛ وللتعويض، فإنها تحتاج إلى أن تتغذى لساعة إضافية أو ساعتين في اليوم. وبالنسبة إلى الإناث، تعتقد فان دير هوب، أنّ هذا الإجهاد يساهم في إطالة الفترة بين الولادات. وحتى الوقوع غير المميت هو »مكلف بشكل استثنائي ويمكن أن تستمر آثاره لسنوات،» كما تقول.

وقد ازداد تعرض الحيتان لمثل هذه الأخطار منذ عام 2011، عندما بدأت العشرات بالظهور في خليج سانت لورانس Gulf of St. Lawrence بكندا (Science, 25 August, p. 740, and Letters, p. 730). ويعتقد علماء الأحياء أنّ الحيتان تتبع فريسة رئيسية، وهي اللافقاريات Invertebrates الصغيرة، باتجاه الشمال. ولكنّ القليل من التدابير التي تحمي الحيتان في الجنوب الأقصى قد اعتُمِدَت في هذه المياه. وقد نفقت إثنا عشر حوتا في كندا في الصيف الماضي، منهم ستة على الأقل نفقت إمّا بسبب اصطدام السفن فيها أو بسبب الوقوع في شباك الصيد، مما أجبر المسؤولين الكنديين على اتخاذ تدابير طارئة، بما في ذلك إغلاق مصايد الأسماك. (نفقت أربعة أخرى في المياه الأمريكية).

وقد أدّى النفوق وانخفاض معدل التكاثر إلى عكس اتجاه التعداد المُشجّع. ومن المحتمل أن يبلغ التعداد ذروته، 483 في عام 2010، بما في ذلك 200 أنثى، وفقا لتحليل أجري مؤخرا للبيانات من عام 1990 إلى عام 2015 الذي قام به فريق بقيادة ريتشارد بيس Richard Pace من مركز علوم مصايد الأسماك في شمال شرق المحيط الهندي التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي National Oceanic and Atmospheric Administration’s Northeast Fisheries Science Center في وودز هول Woods Hole، بولاية ماساشوستس. واليوم، انخفض التعداد العام بشكل طفيف إلى 450، ولكن عدد الإناث النافقة ، كما وجد بيس، أكثر من الذكور. ربما لأنّ التكاثر يجهدها بالفعل، مما يجعلها أقل مرونة إزاء الآثار الأخرى. وما هو أسوأ من ذلك، هو أنّ الإناث تلد الصغار فقط كل تسع سنوات أو أكثر، مقارنة بكل ثلاث سنوات في الثمانينات، كما يقول كروس. وهذا يتسبب في تضاؤل التعداد عموما.

ولن يكون كبح الوقوع في شباك الصيد سهلا. إذ إنّ الإصلاحات التكنولوجية – بما في ذلك استخدام الحبال الأضعف لفخاخ السرطان وجراد البحر التي تستطيع الحيتان التحرر منها، والفخاخ التي يمكن التحكم بها إلكترونيا والتي لا تتطلب خيوطا على الإطلاق – ستكون مُكلفة ويصعب تطبيقها.

وتقول أيمي نولتون Amy Knowlton، خبيرة الحيتان في الحديقة المائية في نيو إنغلاند New England Aquarium: »يجب أن تكون هناك نقلة نوعية في صناعة صيد الأسماك. ولا أحد يريد أن يرى الحوت الصائب في طريقه إلى الانقراض،» كما تقول. ولكن الاعتبارات الاقتصادية قد تعترض الطريق ما لم تتدخل الحكومة.

ولكن ليس هناك الكثير من الوقت للعمل، كما يحذر عالم الإيكولوجيا البحرية Marine Ecologist مارك بومغارتنر Mark Baumgartner، من مؤسسة وودز هول لعلوم المحيطات Woods Hole Oceanographic Institution في ماساتشوستس، ويقدّر أنّ: »لدينا سنوات وليست عقود لإصلاح هذه المشكلة.«

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى