أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

اختلاس النظر إلى جورف جليدية في المريخ

الأنهار الجليدية المدفونة قد تكون هدفا رئيسيا للاستكشاف البشري

لأكثر من عقد من الزمن، كان لدى كولين دانداس Colin Dundas، جيولوجي Geologist من إدارة المسح الجيولوجي الأمريكي U.S. Geological Survey في فلاغستاف Flagstaff بولاية أريزونا Arizona، روتين يومي: فحص عشرات من الصور عالية الدقة، أو ما يقرب من ذلك، المُرسلة يوميا من مستكشف المريخ المداري Mars Reconnaissance Orbiter (اختصارا: المستكشف MRO). وقبل بضع سنوات، برز شيء مفاجئ من البحر الممتد من الصدأ على الكوكب: شظية من اللون الأزرق الشاحب.

 وما رآه دونداس في ذلك اليوم، ثم عُثر عليها في سبعة مواقع أخرى، هي منحدرات حادة، يصل ارتفاعها إلى 100 متر تكشف عما يبدو أنّه جليد نقي تقريبا. ويشير الاكتشاف إلى مخازن كبيرة من جليد تحت أرضي مدفون فقط بعمق متر أو اثنين تحت السطح في دوائر عرض مريخية منخفضة بشكل مدهش. ويقول دونداس الذي يصف المنحدرات هذا الأسبوع في مجلة ساينس Science مع مؤلفي الورقة المشاركين: “هذا النوع من الجليد هو أكثر انتشارا مما كان يُعتقد سابقا.” ويبدو أنّ كل جرف هو الوجه المجرد للأنهار الجليدية Glacier المحيّرة للعلماء، مع وعد بالحصول على عينة جوفية من طبقات تحتوي على سجل المناخات المريخية الماضية، وموارد محتملة لقواعد بشرية في المستقبل لعشاق الفضاء.

 فالعثور على الجليد على سطح المريخ ليس شيئا جديدا. فالجليد يُغطي القطبين، وقد كشفت أداة رادار على المستكشف MRO عن آثار الثلج السميك المدفون عبر باطن الكوكب (Science, 26 February 2010, p. 1075). كما اقترح بعض الباحثين أنّ هذه الرواسب يمكن أن تكون بقايا الأنهار الجليدية التي كانت موجودة قبل ملايين السنين عندما كان محور دوران الكوكب ومداره مختلفين. ولكن عمق الجليد، وما إذا كان موجودا كصفائح نقية نسبيا أو كحبيبات مجمدة في فراغات مسام التربة المريخية غير مؤكدة. وقبل عقد من الزمن لاحظ الباحثون الذين يستخدمون المستكشف MRO وجود دليل ذي صلة: بِرك من الجليد النقي على ما يبدو في أرضيات الفوهات الصغيرة التي نحتتها ارتطام النيازك حديثا Meteorite Impacts. ولكن لم يكن من الواضح ما إذا كانت هذه الأحواض المتجمدة متصلة بالأنهار الجليدية المدفونة أم كانت مجرد بِرك معزولة. وفي المنحدرات الجليدية، يمكن لدونداس وفريقه أن يروا الأنهار الجليدية في المقطع العرضي، وفحص المواقع مرة أخرى بأناة لمعرفة كيف تغيرت مع مرور الوقت.

 ولاحظ الباحثون أنّ وجود الجليد استمر خلال فصل صيف المريخ، عندما يتبخر أي صقيع عابر Ephemeral Frost . وفي العام الماضي التقط المستكشف MRO عدة صخور تتدحرج من أحد وجوه المنحدرات، مما يشير إلى أنّ التعرية التدريجية قد فصلتها عن التراكم الجليدي الضخم. ومن الواضح أنّ الجليد القريب من السطح والرواسب الكبيرة تحت سطح الأرض هي ذاتها، كما تقول آلي برامسون Ali Bramson، مؤلفة مشاركة وطالبة دراسات عليا من جامعة أريزونا University of Arizona في توكسون:

“هذا الجليد النقي العميق والسميك يمتد تقريبا على طول الطريق حتى السطح.”

وتشير النطاقات والظلال المتفاوتة من اللون الأزرق إلى أنّ ألواح الثلج مكدّسة على بعضها. وتقول سوزان كونواي Susan Conway، عالمة جيولوجيا الكواكب Planetary Geologist من جامعة نانت University of Nantes في فرنسا، إنّ ذلك يعني أنّ الرواسب قد تراكمت على مدى العديد من المواسم بفعل ضغط طبقات من الثلوج في دورة مناخية سابقة، وبعدها دفنت الرياح صفائح الجليد تحت الحصى. وتقول: “هذا هو التفسير المعقول الوحيد.”

وقال جي سكوت هوبارد G. Scott Hubbard ،عالم الفضاء Space Scientist من جامعة ستانفورد Stanford University في بالو ألتو بولاية كاليفورنيا، إنّ استخراج عينة جوفية من إحدى هذه الرواسب وإعادتها إلى الأرض من شأنه أن يوفر كنزا من المعلومات للجيولوجيين حول مناخ المريخ السابق: “هذا السجل المحفوظ سيكون مرجعا ذا أهمية قصوى.” وقال أنجل أبود مدريد Angel Abbud-Madrid مدير مركز موارد الفضاء Center for Space Resources في كلية كولورادو للمناجم Colorado School of Mines  في غولدن، والذي قاد دراسة حديثة أجرتها وكالة ناسا NASA لاستكشاف مواقع الهبوط المحتملة لرواد الفضاء إنّ هذه المواقع أيضا: “مثيرة للغاية” كقواعد استيطانية بشرية محتملة. فالماء مورد حاسم لرواد الفضاء، لأنه يمكن أن يقترن بثاني أكسيد الكربون، المكون الرئيسي في الغلاف الجوي للمريخ، لصنع الأكسجين للتنفس، والميثان اللازم للدفع الصاروخي. وعلى الرغم من أنّ الباحثين يشتبهون في بجود الأنهار الجليدية تحت سطح الأرض، إلا أنها ستكون موردا مفيدا فقط إذا لم تكن أكثر من بضعة أمتار تحت سطح الأرض. وتعد المنحدرات الجليدية بوفرة من الجليد الذي يسهل الوصول إليه كما يقول أبود مدريد.

      وقد عُثر على المنحدرات في خطوط العرض نحو 55 ° درجة شمالا أو جنوبا، غير أنّها تصبح باردة ومظلمة في فصل الشتاء المريخي- وهي بذا خطوط عرض غير واعدة لقاعدة استيطانية بشرية تعمل بالطاقة الشمسية. ولهذا السبب، فقد اقتصرت دراسة ناسا على المواقع إلى 50° درجة من خط الاستواء. والآن، يودّ هوبارد من برنامج استكشاف الإنسان التابع لوكالة ناسا للبحث عن منحدرات مماثلة أقرب إلى خط الاستواء. ويسأل: “ما هي نقطة الفصل؟.” ويأمل بأن تكون المفاجأة المقبلة هي جليد أقرب إلى المنطقة الاستوائية المريخية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى