أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الإنسان

الأمهات في المملكة المتحدة يُحوّلن التربية إلى تجربة

تعاون استثنائي يدرس حليب الأم، ودرجة حرارة الطفل، والتعليم

في 21 فبراير، ستتوجه نحو 160 أمٍّ مرضعة إلى مستشفى تشارينغ كروس Charing Cross Hospital في لندن للتبرع بمقدار 25 مللي ليتر من الحليب من كل أم لدراسة علمية استثنائية. حيث ستُحلّل العينات التي ضُخّت حديثا لتحديد كيفية تغيّر تركيبة الحليب البشري مع عمر الرضيع، من 3 أشهر إلى 4 سنوات.

ومن المثير للدهشة أنّها مسألة لا يُعرف عنها سوى القليل. ولكن التجربة مُميزة نظرا لمصدرها: جاءت مجموعة من الأمهات بالفكرة للدراسة وصممتها جنبا إلى جنب مع باحثة سرطان الثدي Breast Cancer Researcher ناتالي شينكر Natalie Shenker وعالِم البيئة الميكروبية Microbial Ecologist سيمون كاميرون Simon Cameron، وكلاهما من كلية إمبريال كوليدج لندن Imperial College London. وقد قامت الأمهات بتجنيد مانحات الحليب في غضون أيام قليلة – وسيشاركن في تحليل البيانات وكتابة التقارير إن أمكن.

وقد كان هذا التعاون الاستثنائي ممكنا من قِبل جماعة علوم التربية Parenting Science Gang (اختصارا: الجماعة PSG)، وهو مشروع علوم المواطن Citizen Science في المملكة المتحدة United Kingdom بتمويل من مؤسسة ويلكوم ترست Wellcome Trust. إذ يربط بين الآباء والأمهات، المجتمعين في مجموعات في الفيسبوك Facebook حول اهتمام محدد، بالعلماء الذين يساعدونهم على تصميم التجارب وتنفيذها. وهذا المشروع، الذي بدأ بالفعل مسارات متعددة للبحث في قضايا مثل التعليم والقوالب النمطية الجنسانية Gender Stereotypes، هو محاولة لإبراز الأدلة على عالم يشوبه عدم اليقين والأفكار الشعبية. وتقول ميليسا برانزبورغ Melissa Branzburg، وهي عضوة في الجماعة PSG وأم لطفلين: “أحاول تنشئة أطفالي مع أخذ العلم بعين الاعتبار.”

وقد نشأت مؤخرا عدة مدونات ومنشورات لمعالجة الجوع المتزايد للحصول على أدلة بين أولياء الأمور ذوي التفكير العلمي،  كما يقدم بعض الأكاديميين المشورة أيضا. ولكن  الجماعة PSG تسمح للمربين بأخذ زمام الأمور في أيديهم. فوُلدت الفكرة من مشروع أصغر حجما تدرس فيه الأمهاتُ المنظفاتِ الأفضل لتنظيف الحفاظات القماشية. (“لا يوجد علماء يدرسون حفاظات يمكن غسلها،” كما تقول مؤسس ومدير الجماعة PSG صوفيا كولينز Sophia Collins.) وقد عمِلت جماعة علم الحفّاظات The Nappy Science Gang من مارس إلى نوفمبر 2015، بتمويل من مؤسسة ويلكوم ترست والجمعية الملكية للكيمياء Royal Society of Chemistry في المملكة المتحدة؛ وأظهرت أنه لا يوجد دليل على أنّ المنظفات “غير  البيولوجية Nonbiological” – التي تفتقر إلى إنزيمات لمهاجمة الأوساخ – تساعد على تجنب تهيّج الجلد. وقد أدى هذا الاستنتاج إلى قيام دائرة الصحة الوطنية National Health Service في المملكة المتحدة بإلغاء توصياتها لاستخدامها.

وبعد انتهاء المشروع، تبرعت مؤسسة ويلكوم ترست بمبلغ 147 ألف جنيه إسترليني لإطلاق الجماعة PSG، التي بدأت في فبراير 2017 وستستمر في العمل لمدة سنتين. إذ يشارك فيها نحو ألفين من المربين، ومعظمهم من النساء، على الرغم من الجهود المبذولة لإشراك الآباء. وقد تطرقت الجماعة PSG إلى القضايا التي تهم الأمهات، في حين أنّ لجان وكالات التمويل، كما تقول كولنز: “غالبا ما تتكون من الرجال البيض في منتصف العمر الذين لديهم وجهات نظر مختلفة.” وتقول ميتش رايت Mitch Wright، عضوة في الجماعة PSG وأم لطفل: “بصفتي أحد الوالدين، فإن وجهة نظرنا تؤخذ على محمل الجد.” وتضيف: “وهذا يجعلني أشعر بالتمكين.”

وتريد الأمهات اللاتي وراء دراسة الحليب أن يعرفن كيف يتغير الحليب البشري بعد وصول الأطفال إلى سن الثانية من العمر. وغالبا ما يقال للأمهات إنّه لا فائدة من الرضاعة الطبيعية بعد سنٍّ معينة، على الرغم من أنّ العديد من الأطفال في جميع أنحاء العالم يُفطم بين سنتين ونصف وسبع سنوات من العمر. وستعمل الدراسة أيضا كمشروع تجريبي لتخطيط توظيف إجراء دراسة كبيرة عن ارتباط مخاطر الإصابة بسرطان الثدي بتغذية الرضع، ويمكن أن تُفيد مجالا مهما بالنسبة إلى شينكر كمؤسس مشارك لبنك هارتس ميلك Hearts Milk Bank ومقره جامعة هيرتفوردشاير University of Hertfordshire في المملكة المتحدة، والتي توفر الحليب المتبرع به للأطفال في وحدات حديثي الولادة Neonatal Units ولأغراض البحث. وفي الوقت الراهن، يُجنّد المانحون في الأشهر الستة الأولى من حياة طفلهم إذ يمكنهم التبرع بالحليب حتى يبلغ الطفل سنة واحدة من العمر. ومع ذلك يقول شينكر إن الأدلة الأولية من دراسات أخرى تشير  إلى أنه عندما ينتقل الطفل إلى مرحلة المشي، يصبح الحليب عاليا بالسعرات الحرارية Calorie وغنيا بمضادات الميكروبات Antimicrobials: “هل سيكون هذا أكثر ملاءمة للطفل الخدّج Preterm؟ ويمكن أن يُحدث هذا فرقا كبيرا. نحن لا نعرف.”

ولدى أعضاء جماعة PSG الكثير من الأسئلة الأخرى. وقد تعاون فريق فرعي واحد مع الفسيولوجي البيئي Environmental Physiologist دافيد فيلينغيري Davide Filingeri، رئيس ثيرموسنسيلاب Thermosenselab من جامعة لوغبوروغ Loughborough University في المملكة المتحدة، للمساعدة على الإجابة عن السؤال الذي يثيره العديد من المربّين الجدد: كم عدد طبقات الملابس اللازمة لحمل الرضيع في حمالة الكتف Sling بطريقة مريحة مع تجنب رفع درجة حرارة جسمه؟ فهناك، كما يقول فيلينغيري: “أدلة قليلة بشكل مدهش” وراء نصيحة متكررة لإلباس الطفل “طبقة إضافية من الملابس” أكثر مما يرتديه الكبار. وكان دوره المساعدة على ترجمة فكرة الأمهات إلى تصميم تجريبي قوي لقياس التغيرات في درجات الحرارة لدى الأطفال في ظروف مختلفة. وستتضمن الدراسة الجارية ما يقارب من 15 زوجا من الأمهات والأطفال.

وتركز دراسة ثالثة للجماعة PSG على التعليم المرن Flexi-Schooling، وهو نظام يُسجل فيه الأطفال في المدرسة ولكن يحضرون بدوام جزئي، على سبيل المثال، لأنّ أولياء الأمور  يعتقدون أنهم بحاجة إلى دعم إضافي أو لتلبية اهتمام خاص بالفن. وستقوم الأمهات بإجراء دراسة استقصائية لأولياء أمور الأطفال المسجلين في التعليم المرن، فضلا عن المقابلات مع المعلمين، وستستخدم كذلك قانون حرية المعلومات Freedom of Information Act لمعرفة أعداد طلبات التعليم المرن وطلبات الرفض في اسكتلندا Scotland. وستركز مجموعات فرعية أخرى أكثر حداثة على القوالب النمطية الجنسانية، وتجارب الرعاية الصحية حول الرضاعة الطبيعية، فضلا عن الحمل والولادة للنساء اللاتي لديهن مؤشر كتلة جسم  Body Mass Index عالية.

وتقول رايت إنّ الجماعة PSG قد ألهمتها لدرجة أنها تريد دراسة الكيمياء أو العلم الجنائي. ولكن الهدف ليس تحويل كل مربٍ إلى عالِم، تقول كولينز؛ كما أنها لا تتوقع من جميع المشاركين بأن يصبحوا خبراء في قراءة الأوراق العلمية. “ولكنهم قد يصبحون أكثر انتقادا لما يقرؤونه. وقد يبحثون عن معلومات من مجلة علمية [أو هيئة إكلينيكية] بدلا من مدونة المشاهير.”

والدراسات هي أيضا فرصة للآباء والأمهات لمعرفة المزيد عن عملية العلم. ففي دراسة الحليب، على سبيل المثال، كان على الأمهات أن يفهمن القيود العملية لقياس الطيف الكتلي Mass Spectrometry، التقنية المستخدمة لتحليل الحليب. ويقول: كاميرون: “كانوا يأملون بتحليل مجموعة واسعة من المركبات في الحليب، مثل الأجسام المضادة.” ويقول فيلينغيري إنّه أصر على إبقاء نطاق دراسة درجة الحرارة دقيقا قدر الإمكان، موضحا للأمهات أنه: “من المفيد التركيز على سؤال واحد أو مجموعة واحدة من الأسئلة الصغيرة.” وتقدم تارا جونز Tara Jones، باحثة في التربية Education Researcher  من جامعة اسكتلندا الغربية University of West Scotland في بيزلي التوجيه إلى جماعة التعليم المرن لتشجع الأمهات على انتقاد أفكارهن المسبقة وأن يكُنّ موضوعيات. وتقول: “لقد وضعوا بعض الافتراضات بأنّ التعليم المرن شيء جيد.”

ويُشيد كارلوس غونزاليس Carlos González، طبيب الأطفال Pediatrician في غافا  Gavá بإسبانيا Spain، والذي كتب العديد من الكتب عن التربية التي تخللتها المراجع المُستعرضة من قِبل الأقران، بالمبادرة لكنه يحذر من أنّه في كثير من الأحيان لاتدور التربية حول الأدلة، ولكن عن الخيارات. إذ يقول غونزاليس: “لا يمكن للعلم أن يخبرنا كيف نربي أطفالنا،” ويُضيف: “يمكن أن يقدم العلم البيانات التي يمكننا استخدامها لاتخاذ القرارات، ولكن لا يمكن أن يقرر بالنيابة عنا، لأنّ لدينا معتقدات ومبادئ ورغبات وأهدافا.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى