أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علوم الكمبيوتر

ماذا يمكن أن نتوقع من أجايل

ماذا يحدث عندما تقرر شركة تأسست قبل أكثر من مئة عام، بنك على سبيل المثال، تبني طرق إدارة "أجايل" التي تطُوِّرت في قطاع البرمجيات؟

كيف تُغير التكنولوجيا ممارسة الإدارة؟ مثلما يعرف الجميع، يتيح الابتكار التكنولوجي إحداث تغييرات في طريقة عملنا، فهو على سبيل المثال، يساعد الناس على التعاون والحصول بصورة أسرع على المعلومات واتخاذ قرارت أذكى. لكن ما ليس بذاك الوضوح، حتى وإن كان على قدر مماثل من الأهمية، هو ملاحظة أن الابتكار التكنولوجي ساعد على استلهام مناهج إدارية جديدة. على سبيل المثال، فقد حفَّز الانتقال من الحواسيب الكبرى المركزية إلى الحواسيب الشخصية حركة التمكين في ثمانينات القرن الماضي، وبلور ظهورُ أدوات برمجية تعاونية حركةَ المعرفة الإدارية في التسعينات. وفي مثل هذه الحالات، تقوم التكنولوجيا الجديدة بتعزيز قدراتنا وتوسيع آفاقنا، وهذا المزيج هو ما يُمكِّن الإدارة من التطور.

المثال موضع البحث هو أجايل Agile فقد برز خلال تسعينات القرن الماضي بصفته منهج برمجيات، تحقق بفعل لغات برمجة جديدة سهل على المبرمجين بناء النماذج الأولية Prototypes وتلقي آراء راجعة من المستخدمين على وجه السرعة. وقد تحدَّد مفهوم أجايل لتطوير البرمجيات بصورة رسمية في عام 2001،1 وعلى امتداد العقد التالي حشد عزما بصفته مقاربة أكثر استجابة وتعاونية في مجال تطوير البرمجيات من منهج الشلال Waterfall التقليدية.2 وفي السنوات الأخيرة بدأ “أجايل” ينتقل إلى الفكر الإداري السائد، حتى أن بعض المراقبين باتوا يعدونه “الحدث الكبير القادم”. أما الكاتب في موقع فوربس.كوم Forbes.com  ستيف ديننغ Steve Denning ، فيدعوه بـ “حركة عالمية تحوِّل عالم العمل.” وفي مقال نشر عام 2016 في مجلة هارفارد بزنس ريفيو Harvard Business Review كتب دارل ريغبي Darrell Rigby وجيف ساذرلاند Jeff Sutherland وهيروتاكا تاكوتشي Hirotaka Takeuchi: “لقد أحدث ابتكار أجايل ثورة في قطاع البرمجيات… وها هو اليوم مُهيّأ لتحويل كل وظيفة أخرى تقريباً في كل الصناعات.”3

إن الغرض من هذا المقال هو تسليط الضوء على أجايل بصفته ممارسة إدارية. ولفعل ذلك، سأروي بالتفصيل دراسة حالة تتصل بعمليات بنك المجموعة الهولندية الدولية آي أن جي ING والذي اعتمد أجايل في مقره الرئيسي في أمستردام. وعلى الرغم من أن عمليات آي أن جي في هولندا لم تمر عليها ثلاث سنوات – وهي غير ناضجة لإعلان نجاح المبادرة – مع ذلك فمن المفيد الغوص عميقاً في تجربة البنك في مراحلها  الأولى بعد تبني أجايل.

تُقبِل معظم أقسام تكنولوجيا المعلومات في الشركات الكبرى اليوم على تبني تقنيات أجايل إلى حد ما، حتى وإن كان بدرجات نجاح متفاوتة.4 ومضى العديد من شركات التكنولوجيا سريعة النمو مثل شركة سبوتيفاي Spotify Ltd في لندن، ورايوت غيمز Riot Games Inc. في لوس أنجلوس بتبني أجايل ليس فقط بصفته منهجا متصلا بتكنولوجيا المعلومات وإنما طريقة عمل. وفي المقابل، فإن بنك آي أن جي هو بنك عريق عمره أكثر من قرن. وهو أول حالة أعرفها أقدمت فيها شركة راسخة في قطاع تقليدي على إعادة بناء نموذجها الإداري عبر كل عملياتها في بلد معين – وليس فقط تكنولجيا المعلومات أو نموذج إدارة التطوير البرمجي – باستخدام مبادئ أجايل. ومن خلال دراسة تجربة عمليات البن؛ آي أن جي في هولندا، ينبغي أن يتمكن القادة في شركات أخرى راسخة من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن ما إذا كان أجايل مناسباً لهم.

وفي هذه المقالة أسلط الضوء على مفاتيح التعلم الرئيسية لدى البنك آي أن جي في هولندا، وذلك إلى حد كبير من وجهة نظر كبار مدراء البنك خلال هذه المرحلة الانتقالية وأمعن النظر في بعض آثارها الأوسع. لا أصرف الكثير من الوقت على العمل الداخلي لدى فرق أجايل، أو سكوادس Squads كما يسمونها في البنك، لأن باحثين آخرين كتبوا عنها بإسهاب.6 وبدلاً من ذلك، أركز على تطبيق أجايل على نطاق المنظمة باسرها. هنا نستطيع أن نرى كم هي فريدة تجربة  البنك آي أن جي، والتي نأمل بأن تكون مفيدة لغيرها من الشركات الراسخة التي تسعى إلى تبني عمليات أجايل.

يستند بحثي إلى مقابلات معمقة مع 15 من مدراء بنك آي أن جي والعديد من الموظفين في الخطوط الأمامية (انظر:حول البحث). إضافة إلى ذلك، فقد تحدثت مع قادة يحاولون حل مسائل مشابهة حول طرق عمل جديدة في شركات كبرى بما فيها باركليز Barclays وروش Roche وباير Bayer ويونيليفر Unilever وبي أم دبليو. ومن الأمور ذات الدلالة، أن بارت شلاتمان Bart Schlatmann وهو أحد قادة البنك آي أن جي الذين قابلتهم ترك البنك في بداية عام 2017 عندما حصل على عرض من بنك عالمي آخر كبير لمساعدته على مناهج  أجايل. (بعد أن أمضى 22 عاماً في البنك آي أن جي، السنوات العشر الأخيرة في منصب مدير العمليات في البنك آي أن جي بهولندا.)

حول البحث

يستند المقال بصورة رئيسية على دراسة حالة مفصلة حول البنك آي أن جي في هولندا وعلى مقابلات هاتفية وشخصية مع 15 مديراً على امتداد ثمانية أشهر (بين يونيو 2016 وفبراير 2017). لقد قاد عملية التغيير مديران رئيسيان هما: بيتر جيكوبس Peter Jacobs  مدير المعلوماتية، وبارت شلاتمان Bart Schlatmann  (مدير العمليات في هولندا والذي ترك الشركة حديثاً). ومن الأشخاص الذين تحاورنا معهم، وبعض لعدة مرات، جوسي شيلتمانس Josje Schiltmanns، وليونور كومين Leonoor Koomen، وكارين فان در بول Karin van der Pol، وهايدي فاو إيك Heidi van Eijk، وياب كوك Jaap Kok، ومارتي غيفن Maartje Geven، وليكي يانسن Lieke Jansen، وهنك كولك Henk Kolk، وبايام دافدان Payam Djavdan، ومارتي أنغنند Maartje Aangenendt، وتوم ديغن Tom Degen، وسلوى الصالحي Saloua Essalhi. وفي نص المقالة، فإن العبارات المحاطة بعلامات الاقتباس هي اقتباسات حرفية من المقابلات (المُسجَّلة صوتيا)، ولكن حرصاً على سلاسة النص، لم ننسب كل اقتباس إلى الشخص المعنيّ. وإني لأتوجه بالشكر إلى سكوت دنكن Scott Duncan على مساعدته لي في تفريغ المقابلات.

ويستند المقال كذلك على بحث المؤلف الجاري حول طرق العمل الجديدة في الشركات التقليدية الكبرى بما في ذلك من خلال مقابلة مدراء في باركليز وكنغ.كوم King.com وروش وباير ويونيليفر وبي أم دبليو والخدمة الرقمية لحكومة المملكة المتحدة، ومع مستشارين ومدربين مثل أجايل بزنس كونسورسيوم Agile Business Consortium وليان كانبان Lean Kanban وسكرم أليانس Scrum Alliance. ولوضع تحليل أجايل في هذا المقال في سياقه، عمدنا إلى مراجعة ابتكارات معاصرة أخرى في نظريات الإدارة تتضمن التفكير التصميمي Design thinking، والشركات الناشئة  الرشيقة  Lean startup، والهولاقراطية Holacracy.

ما الذي دفع بنك آي أن جي إلى اعتماد نظام أجايل

لقد كان بنك آي أن جي على الدوام منفتحاً على طرق العمل الجديدة. فهو من أوائل البنوك التي انتقلت إلى الخدمات البنكية الإلكترونية وأوجدت خدمة آي أن جي دايركت ING Direct  عن طريق الإنترنت والهاتف في أواخر تسعينات القرن الماضي. وفي عام 2007، وحَّد البنك شركتيه الموجودتين في هولندا وهما: بوستبنك Postbank، وآي أن جي. وقد كانت الأولى بنك ادخار ليست له فروع، والثانية بنك تجزئة تقليدي. وسُميت عملية التحول تانغو TANGO  اختصارا للعبارة – together achieving new growth opportunities : معا نحقق فرص نمو جديدة. ومكنت  الشركة من توفير 280 مليون يورو سنوياً (أكثر من 330 مليون دولار أمريكي سنوياً وفق سعر الصرف اليوم). وفي عام 2014، مع ظهور الخدمات البنكية الجوالة، بدأ البنك بإعادة التفكير في كامل النموذج المعتمد عبر عملية سُميت ريو RIO اختصارا للعبارة redesign into omnichannel: إعادة التصميم إلى تسويق متعدد القنوات. وسرعان ما أدرك البنك أنه بحاجة إلى البحث عن مسار يسترشد به خارج القطاع البنكي. واستلهم على وجه التحديد نموذج أمازون Amazon وسبوتيفاي Spotify وزابوس Zappos  حيث أظهرت مناهج أجايل تحسناً في خدمة العملاء وانخراطاً أفضل للموظفين.

لقد أجرى بنك آي أن جي كذلك دراسة داخلية سلطت الضوء على المشكلات الثقافية المتصلة بالبيروقراطية والتصومع وتفادي المخاطر. واستناداً إلى هذا التحليل، قرر البنك إعادة هيكلة عملياته في هولندا من القمة إلى القاعدة استناداً إلى حد كبير على نموذج سبوتيفاي، وكذلك على ممارسات مستقاة من غوغل ونتفليكس وزابوس. وكانت الخطة هي تنظيم الموظفين في أمستردام وعددهم 3,500 ضمن فرق: وهي مجموعات يصل عدد أعضائها إلى تسعة لديهم مسؤولية إنجاز نشاط محدد على صلة بالعميل من البداية إلى النهاية. بعد ذلك تعمل الفرق مهتدية بمبادئ أجايل: عبر أداء سلسلة من فترات العمل الوجيزة فيما يعرف بـ “سبرنت” sprint [سباق العدو اللمسافات القصيرة]، مع تكرار الحصول على آراء راجعة وتقارير التقدم اليومية.

بدأ البنك الهولندي بتطبيق البنية التنظيمية الجديدة في عملياته بهولندا في 15 يونيو 2015. وبعد 18 شهراً، ازداد انخراط Engagement الموظفين (وفقا إلى مسح داخلي تمكنتُ من الاطلاع عليه.) وإضافة إلى ذلك، فقد ارتفع صافي نقاط الترويج Net Promoter Score البنك؛ لخدماته في هولندا من – 21% في عام 2015 إلى – 7%  في عام 2017، وانخفض معدل التكلفة إلى المداخيل في تلك العمليات خلال الفترة نفسها من 65% إلى 51%. وفي حين لم تُستكمل عملية التحول بعد، لا يزال من المُجدي تأمل ما تعلمه البنك حتى الآن. فقد جمعتُ الدروس التي استفادها البنك الهولندي في خمس نقاط.

  1. قرِّر كمية السلطة التي ترغب في التخلي عنها. في ديسمبر 2014 سافر مدراء البنك الهولندي لمقابلة مدراء سبوتيفاي. وخلال ذلك الاجتماع قال أحد مدراء سبوتيفاي: “أرى أنكم مأخوذون بطريقة عملنا، ولكنها ليست بتلك السهولة. عليكم أن تسألوا أنفسكم بصراحة، ما هو القدر الذي يمكن أن تتخلوا عنه؟” ما أراد قوله هو أن أسلوب أجايل ينقل السلطة من أولئك الموجودين في القمة ويضعها في أيدي أولئك الأقرب إلى تنفيذ العمل. ويعد هذا التحول صعباً بالنسبة إلى المدراء في الشركات الراسخة.

كيف تعامل البنك الهولندي مع هذا التحول؟ لقد عنت مقاربة “الانفجار الكبير” Big bang أن على كبار المدراء في هولندا أن يتقبلوا طريقة العمل الجديدة أو أن يتركوا الشركة. ومن بقي منهم كان عليهم أن يتقدموا مجددا لشغل الوظائف التي أعيد تصنيفها. وقد نتج من ذلك حركة تغيير كبيرة في الموارد البشرية وأدى إلى تقليل كبير في حجم الشركة (لقد تم  التخلي عن 1,500 موظف في هولندا بين 2014 و2016). وإجماليا، فقد غادر نحو ثلث كبار المدراء.

إن الدرس العام المستفاد هنا هو أنه لا يمكن تطبيق أجايل إذا لم يتقبل كبار المدراء أن عليهم أن يتخلوا عن بعض المكانة والسلطة. وعن ذلك قال شلاتمان: “إنه يتطلب التضحية والرغبة في التخلي عن أجزاء أساسية من طريقة عملك المعهودة.”

  1. أحط أصحاب المصلحة علماً بالقفزة الكبيرة. لقد شعر بعض أصحاب المصلحة Stakeholders المرتبطين بالبنك الهولندي “بالهلع إزاء مقترحاتنا – فقد ظنوا أن الأمر سينتهي إلى الفوضى التامة،” تذكر شلاتمان. وقد كان تبني أجايل بالنسبة إلى سبوتيفاي ونتفليكس أمرا مختلفاً تماماً عن اعتماده من قبل بنك كبير بعد حقبة الأزمة المالية العالمية.

كيف تمكن مدراء البنك الهولندي من إقناع أصحاب المصلحة المتوترين؟ لقد شرح فريق المدراء لمجلس الإدارة الإنجازات المتحققة من خلال عمليتي “تانغو” و”ريو”. كما جادلوا  في أن البنك يحتاج إلى أسلوب عمل جديد للحفاظ على التنافسية في ظل سوق العمل الرقمي المتسارع. كذلك، حصل المدراء على التأييد المسبق من مجلس العمل الممثل للموظفين بعد أن شرحوا كيف سيؤدي أجايل إلى تمكين وإشراك الموظفين من مختلف الرتب الوظيفية. وقال شلاتمان: “لقد تقبلوا فكرة أنها فرصة فريدة لإحداث تغيير حقيقي في الشركة وحصلنا في النهاية على تأييدهم.”

وفي هذه الأثناء كان مسؤولو الرقابة البنكية قلقين: إذ لم يسبق لهم أن رأوا هيكلية مماثلة في القطاع. وهكذا دعا مدراء البنك المراقبين إلى مقر البنك، حيث أمكنهم متابعة كيف أرسى أجايل لدى فرق العمليات عادة التواصل اليومي والإحاطة بالتقدم المحرز والحلول المقدمة للعملاء. والأهم أن مدراء البنك طمأنوا المراقبين إلى أن البنك سيستمر بإدارة الوظائف المتصلة بالمالية والامتثال والقانون بالطريقة التقليدية.

إن الدرس المستفاد هنا هو في تقييم – في وقت مبكر قدر المستطاع – ما هو رد فعل أصحاب المصلحة إزاء تغيير كبير. بعد ذلك الإتيان بالحجج المناسبة لتهدئة مخاوفهم.

  1. ابنِ الهيكلية حول العملاء وحافظ على انسيابيتها. إن مفهوم أن العمل يجب أن يركز على العملاء معروف منذ القدم. وقد تبنى كل من منظِّري الإدارة مثل بيتر دروكر Peter Drucker ودبليو. إدواردز ديمنغ Edwards Deming وفيليب كوتلرPhilip Kotler وثيودور ليفيت Theodore Levitt رؤيته الخاصة فيما يتعلق بالتركيز على العملاء. ولكن أجايل يخطو خطوة أبعد من ذلك عبر بناء الهيكلية حول احتياجات العميل. وقد كان حجر الأساس بالنسبة إلى البنك آي أن جي هو فريق ذاتي الإدارة، أو ما يُسمى “سكواد”، يصل عدد أعضائه إلى تسعة وينصب تركيزهم على مجموعة معينة من العملاء. وبعد ذلك تجميع هذه الفريق ضمن فصائل أوسع تعمل على أنشطة متصلة. وقد ميز البنك ما بين فصائل التجربة التي تجتذب عملاء جدداً وبين فصائل الخدمات التي تهتم بالعملاء الفعليين. وحدَّد البنك كذلك فصيلي تمكين لخدمة المجموعتين اللتين تتعاملان مع العملاء وجهاً لوجه. وعلى سبيل المثال بَنَت إحدى مجموعتي التمكين حلولاً تقنية للتعرف على العملاء وفق حلول الصندوق الأسود Black-box technical solutions.

وتسعى المجموعة الهولندية كذلك إلى الحفاظ على انسيابية هيكليتها لكي تتمكن من التطور بما يخدم العملاء على أحسن وجه. وعلى سبيل المثال، كُلف فصيل التجربة الذي يؤدي العمليات البنكية اليومية، في إحدى المرات، بعض مهام الاتصال بالعملاء. ولكنهم في نهاية الأمر حولوا هذه المهام إلى الفصيل المختص بالاتصالات. وبالمثل، أوجد البنك مفهوم “الفرق السريعة” “pop-up squads” التي تتولى إدارة مشاريع قصيرة الأمد لمرة واحدة.

والدرس المستفاد هنا هو أنه وبغض النظر عن القرار الذي تتخذونه بشأن أجايل، فإن الهيكلية التنظيمية تحتاج إلى إعادة تقييم حرصاً على تلبية الاحتياجات الفعلية للعملاء.

  1. امنح الموظفين صلاحية إحداث التوازن الصحيح بين الإشراف والاستقلالية. كيف تضمن تحديد فرق العمل الأولويات المهمة للعمل؟ لقد انتقلت المجموعة البنكية في هولندا إلى عملية المراجعة ربع السنوية Quarterly business review (اختصارا: المراجعة QBR) المستقاة من غوغل ونتفليكس. وهكذا، يقوم قائد كل فصيل، أربع مرات في السنة، بكتابة ملخص من ست صفحات على الأكثر حول ما أنجزه الفصيل وما لم ينجزه (ولماذا)، وما سينجزه في الربع التالي، وأي تبعيات خارج نطاق عن سيطرته.

وبعد ذلك تُناقش هذه الملخصات خلال اجتماع موسع (يُسمى سوق المراجعة ربع السنوية QBR Market) الذي يحضره قادة الفصائل وغيرهم من القادة المعنيين – أي نحو عشرين شخصاً في الإجمال. وكل منهم يتحدى خطط الآخروإنجازاته  ويحلون بذلك في أكثر الأحيان مسببات التوتر والتداخلات. ويحضر كل قائد فصيل مع مجموعة من الأهداف والنتائج الرئيسية (OKRs) للربع  التالي. وبعد ذلك تُترجم الأهداف والنتائج الرئيسية إلى مهام لكل فريق على حده داخل الفصيل.

لقد شكَّل كل ذلك عملية تعلم بالنسبة إلى موظفي بنك آي أن جي المعتادين على عملية تحديد الأهداف التقليدية. وفي البداية، حدد قادة الفصيل الأهداف الربعية التي كان يسهل تحقيقها. وتعين على المدراء حضهم على إعلاء سقف أهدافهم طالما أن القصد من وراء الأمر كان تحديد أهداف طموحة وليس التزام جانب الحذر.

إن تجربة البنك الهولندي هي تذكير بأنك لا تزال تحتاج إلى مستوى عال من الإشراف في الشركة التي تعتمد أسلوب أجايل من أجل مواصلة ضبط إطار الأهداف وتقديم التقارير وإبقاء سقف الطموح عالياً.

  1. وفر فرص التطوير والنمو للموظفين. قد يشعر الموظفون بالخوف من هيكلية الفرق بعد أن اعتادوا على متابعة قسم الموارد البشرية تطورهم الشخصي والمهني أو على المسارات المهنية السائدة في قطاع بعينه. وبالفعل، فإن أحد محاذير اجايل هي أن يركز الموظفون بقدر مبالغ به على المهام والنتائج. وهكذا يستنفدون طاقتهم ويهملون التفكير في مسيرتهم المهنية على المدى البعيد. لدى اكتشاف هذا الخطر في بحثه المتقدم، اتخذ البنك الهولندي خطوات للاهتمام بالتطوير المهني للموظفين.

وعلى سبيل المثال، نظم  البنك في هولندا اجتماعات الأدوار الثلاثة الأسبوعية لكل فريق لمناقشة أنشطة الفريق والتطوير الذي يحتاج إليه افراده جنباً إلى جنب. ويُطلق على هذه الاجتماعات تسمية “بوكلاك” (POCLAC) وتختصر أدوار “مالك المنتج، قائد الفصيل، مدرب أجايل”، وهم الأشخاص الثلاثة المسؤولون عن تمكين الفريق. وإن لم يكن هناك أي شك في صوابية فكرة عقد هذه الاجتماعات، إلا أنها لا تزال عملية قيد التطوير. وفي الواقع، فإن المجال الذي واجه فيه البنك بهولندا مصاعب في تحوله نحو اعتماد أسلوب أجايل هو أن اجتماعات الأدوار الثلاثة لا تُعقد كل أسبوع. وربما ليس الأمر مفاجئاً: ففي معظم الشركات، يسهل أن تُعطى الأهداف الملحة قصيرة الأمد الأولوية أمام الأهداف الفردية طويلة الأمد. وماذا بعد، وفق طريقة العمل القديمة لدى بنك آي أن جي كان المدير مسؤولاً عن كل شيء: المنتَج والعملية والأفراد. أما مع أجايل، يصبح كلُّ عنصرٍ مسؤوليةَ شخصٍ مختلفٍ. وقد احتاج قادة الفصيل ومالكو المنتج ومدربو أجايل إلى أن يتكيفوا ويعتادوا مع كل مسؤولياتهم الجديدة فضلاً عن المسائل غير الملحَّة مثل التطوير المهني.

والدرس المستفاد من ذلك؟ إن الحصول على التدريب والدعم المناسب لنظام أجايل – والمسؤوليات الجديدة طويلة المدى التي يتعين على الموظفين تحملها – هو أحد أصعب جوانب التحول.

الدروس المستفادة من بنك آي أن جي

إن تجارب بنك آي أن جي هي تذكير بأن تطبيق ممارسات جديدة أصعب بكثير من اقتراحها. فالتحديات الرئيسية – انتقال السلطة من  القمة، والحصول على تأييد أصحاب المصلحة، وتغيير رؤية الموظفين بشأن التطور المهني – هي كلها مخاوف تشغيلية أكثر مما تتعلق بالمنظور العام. وليس مستغرباً أن الممارسات الإدارية الجديدة تحقق نجاحاً أفضل في الشركات الأحدث مقارنة بالشركات القديمة، حيث اكتسب الموظفون عادات متأصلة وتكونت لديهم توقعات راسخة.

ولكن منهج أجايل له ميزة أساسية بالنسبة إلى الشركات الراسخة: إنه طريقة عمل تعتمد على سلامة القصد، لديها مجموعة مبادئ خاصة بها وسجلٌ من الإنجازات في بعض القطاعات (لا سيما قطاع التكنولوجيا) والوظائف التشغيلية (معظمها في مجال تكنولوجيا المعلومات). وخلال المناقشات مع أصحاب المصلحة، يمكن للقادة أن يشرحوا أنهم بصدد استشكاف أسلوب إداري مجرب بدلاً من إعادة اكتشاف العجلة. فضلاً عن ذلك، بدأ أجايل بالانتقال إلى قطاعات العمل التجاري الرئيسية – وبنك آي أن جي في هولندا من رواد هذه الحركة. ومن خلال مناقشة تفاصيل تجربته، آمل بأن يشجع الأمر آخرين على الاستكشاف وخوض تجارب مماثلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى