أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الاجتماع

صدام ثقافي: لماذا بعض المجتمعات صارمة والأخرى متساهلة

هناك اختلاف شاسع لمدى إيمان الدول بالقوانين، إن معرفة السبب من شأنها المساعدة على تعزيز التواصل، والتعاون، وأيضا التغيير إلى الأفضل

أنا بريطانية. وبعد انتقالي إلى سويسرا بفترة قريبة، حيث مكثت لمدة ست سنوات، أقمت حفل استقبال منزلي، وفوجئت عندما وصل الثلاثون ضيفا في الوقت المحدد. بعدها بعدة سنين، بعد أن انتقلت إلى فرنسا، كنت بالميعاد المحدد لحفل عشاء، واكتشفت أن الضيوف الآخرين لم يحضروا حتى الان وأن مضيفتي لاتزال ترتدي روب الحمّام.

إن كل ثقافة مثقلة بقوانين غير مكتوبة، مثل تلك القوانين الخاصة التي تتعلق بدقة المواعيد. إنها الحدود الخفية التي تؤطر سلوك الأفراد ،ومن ثم تمكن الجماعة من تأدية دورها بطريقة أكثر سلاسة وإنتاجية. ولكن صرامة هذه القواعد والدقة التي يتم فرضها تختلف اختلافا شديدا. فعلى سبيل المثال، تتسامح بعض الدول مع الغناء في المصعد، أو الشتم أثناء إجراء مقابلة أو دخول البنك بقدمين حافيتين، بينما يستاء البعض الآخر من تصرفات كهذه. ربما لا تكون هذه التصرفات مجرد نزوات، بل ربما تكون أفضل طريقة لفهم المجتمعات بالنظر إلى أعرافهم الاجتماعية Social norms.

وهذه هي الحجة المقامة من قبل  اختصاصية علم النفس الثقافي، ميشيل غيلفاند Michele Gelfand، من جامعة ميريلاند University of Maryland  في كوليج بارك. إذ تصف هي وزملاؤها المجتمعاتِ ذات أعراف مطبقة بشدة وصرامة  بالمجتمعات ” المتزمتة” وتلك الأخرى التي تعمل وفق ثقافة عدم التدخل بالـ “متساهلة”. إنهم يجادلون في أن هذا الاختلاف الرئيسي هو أساس جميع الأمور الأخرى، بدءًا من الإبداع ومعدلات الطلاق إلى الدقة في المواعيد. وإضافة إلى ذلك، فإنهم يؤمنون بمعرفتهم لماذا هناك أُمم أكثر تزمتا من غيرها – وكيفية التأثير في الأعراف الاجتماعية. فإذا كانوا على صواب، فمن شأن هذا توضيح العديد من حالات سوء الفهم بين الثقافات، ليس فقط بين الأمم ولكن أيضاً بين الدول، والمؤسسات، والأسر.

ومنذ عام 1961 عندما بدأ ستانلي ميلغرام  Stanley Milgram بإقناع الأفراد للامتثال لأوامره عن طريق إخضاع آخرين لصدمات الكهربائية، تلاعب القائمون على تجربة القواعد الاجتماعية ورصدوا الضغط الذي يشعر به الأفراد للامتثال. وعلى الرغم من ذلك، فقد اتجه الباحثون إلى دراسة الأعراف في المجتمعات، بالأخص المجتمعات الغربية، عوضاً عن دراستها فيما بينها. أحد الأشخاص الذين تخلوا عن هذا النمط الشائع هو اختصاصي علم النفس الاجتماعي، الألماني غيرت هوفستيد Greet Hofstede .

وفي بداية ستينات القرن العشرين طور هوفستيد نموذجاً لفهم الاختلافات بين الثقافات مبني على ستة محاور (انظر:ست درجات من التباعد Six Degrees of Separation)، ومنذ ذلك الحين اجتذب أحد مقاييسه “الفرداني /الجمعي” Individualism/collectivism الكثير من الاهتمام وأثبت فائدته في تفسير الاختلافات الثقافية، بالأخص بين أولئك المتأثرين بالفكر الغربي أو الشرقي التقليدي. ولكن غيلفاند تؤمن بأن التركيز كان ضيق المدى، وأن التزمت/التساهل هو سبب مهمل للتنوع الثقافي وله تأثير كبير في سلوكياتنا، إذ تقول ” إنها بمثابة حجر رشيد للمجاميع البشرية.”

عامل الخوف The fear factor

في الواقع، فإن فكرة الثقافة المتزمتة تعود أيضاً إلى ستينات القرن العشرين، إذ درس الأنثروبولوجي برتي بيلتو Pertti pelto، واحدا وعشرين مجتمعا تقليديا ووجد اختلافات كبيرة في مدى صرامة تقاليدهم الاجتماعية وكيف يتم فرضها. وكانت الجماعة الأكثر تزمتاً هي جماعة الهوتريتيون Hutterites، بينما كانت قبائل الكونغ Kung people من جنوب إفريقيا نقيض ذلك. وتمثلت بصيرة بيلتو في اقتراح أن المجتمعات الأكثر تزمتا ارتبطت بعوامل أيكولوجية كالكثافة السكانية العالية والاعتماد على المحاصيل الزراعية للبقاء على قيد الحياة.

وتساءلت غيلفاند عن كيف ينطبق هذا الأمر على المجتمعات الحديثة، فرجحت أن التزمت مرتبط بمستوى التهديد الخارجي تاريخياً سواء كان أيكولوجيا كالزلال وندرة الموارد الطبيعية، أو من صنع البشر كالحروب. فتقول: “إن التزمت يدور حول الحاجة إلى التنظيم.” و تتابع قائلة: “الفكرة هي: إذا كنت تواجه هذه التهديدات بصورة مزمنة، فإنك تطور قوانين صارمة لتنظم نجاتك.”

ولاختبار الفكرة، فقد قامت غيلفاند بالتعاون مع زملاء من 43 معهداً حول العالم وقارنوا 33 دولة ففي دراسة نشرت في  مجلة  ساينس عام 2011. في البدء طلبوا إلى ما يقارب 7000 شخص من مختلف الثقافات إلقاء الضوء على شدة تزمت ثقافتهم القومية من خلال تقييم مدى موافقتهم على عبارات مثل: “هناك الكثير من الأعراف الاجتماعية التي يجب أن يلتزم بها الأشخاص في هذه البلاد،” و”تقريباً كل الأشخاص في هذه البلاد يرضخون للأعراف الاجتماعية.” كشف المتطوعون أيضا عن مدى شعورهم بالتزمت في مواقف الحياة اليومية عن طريق تقييم مدى ملائمة الاثني عشر سلوكا التي تضمنت تناول الطعام والبكاء والممازحة في 15 سياقاً تراوح من البنك إلى الجنازة إلى دور السينما. وكان هناك توافق عالٍ بين أشخاص من مختلف مناحي الحياة في أممهم.

” إن فهم ما يجعل مختلف الثقافات تنسجم فيما بينها يُعدُّ في أفضل مراحله”

بعد ذلك حسب الفريق المعدل القومي لشدة التزمت (انظر:عالم من الاختلاف) وقارنوا هذه النتائج بالتهديدات السابقة لكل بلد، مقاسة بمجموعة من المقاييس التي تضمنت الكوارث الطبيعية، والتعرض لمسببات الأمراض، والصراعات الإقليمية، وقلة مصادر المياه النظيفة، والكثافة السكانية العالية. وبالتأكد اتضح وجود رابط بينها. إن المجتمعات التي واجهت تهديداً على مستوى عالٍ، مثل باكستان وماليزيا، قامت بتنظيم السلوك الاجتماعة ومعاقبة من ينتهكها أكثر من الدول التي امتازت بالحرية، والتي شملت هولندا والبرازيل أستراليا. وتبين أن المملكة المتحدة أكثر تزمتاً بقليل من المعدل بينما تبين أن الولايات المتحدة أكثر تساهلا.

ولكن لا ينتهي الأمر هناك، فقد وجدت غيلفاند وزملاؤها، أن درجة التزمت انعكست على جميع أنواع الأعراف الاجتماعية وممارستها، حتى بعد أخذ الثروة القومية بعين الاعتبار. إن المجتمعات المتزمتة تميل إلى كونها أكثر استبداداً، وهي ذات رقابة إعلامية أكبر وتصرفات جماعية أقل: كالمظاهرات. وهي أيضا أكثر امتثالاً وتديناً ولديها أيضا شرطة أكثر، ومعدل جرائم وطلاق أقل، ومساحات عامة نظيفة. وتقول غيلفاند:”التزمت يجلب معه الكثير من النظام والانضباط الاجتماعي،” وتتابع قائلة: “حتى أسواق الأسهم تكون أكثر تناغماً.” إن المجتمعات المتساهلة تكون بالعادة أقل تنظيما ولكنها تكون أيضا أكثر ابداعاً وابتكاراً، ومتسامحة مع التنوع.

بعد مضي ثلاث سنوات، أجرت غيلفاند وتلميذتها، طالبة الدكتوراه جيسي هارينغتون Jesse Harrington، مقارنة مشابهة عبر جميع الولايات الخمسين. حيث قيّمتا هذه المرة التزمت باستخدام عوامل تضمنت شرعية زواج المثليين، ونسبة السكان المولودين في الخارج، وقوة المؤسسات الدينية. ووجدوا مرة أخرى ترابطاً بين التزمت والتهديدات كخطر الأعاصير، والتعرض لنفايات الخطرة. ووجدوا أيضا، أن التزمت يترابط  بنواحٍ أخرى كثيرة لمجتمع. إن الولايات شديدة التزمت من مثل كنتاكي وألاباما كانت لديها معدلات أقل لتعاطي لمخدرات والتشرد مقارنة بالولايات الأكثر تساهلا كأورغن وفيرمونت، على سبيل المثال، وكانت لديهم أيضاً معدلات مرتفعة فيما يخص السجن والتمييز ضد الغير، ومن المثير للاهتمام أنه كان لديهم أيضا معدل سعادة أقل.

لقد أقر الباحثون بتشابه خريطتهم مع تلك التي تبيّن التفضيلات الانتخابية، فالولايات شديدة التزمت ارتبطت بالميل إلى الحزب الجمهوري بينما الولايات الأكثر تساهلا مالت الى الحزب الديموقراطي. ولكنهم جادلوا في أن هناك اختلافا حاسما: فالانتماء السياسي يشير إلى معتقدات الفرد، بينما وصف التزمت والتساهل هو “واقع اجتماعي خارجي متكون على نحو مستقل من أي فرد واحد.” وتظهر أدلة أكثر، أننا لا نمتاز بحرية كاملة عندما ندلي بأصواتنا في صناديق الاقتراع.

ليس من المثير للدهشة إثارة بحث غيلفاند للاهتمام. في عالم ينزع الى العولمة، فإن فهم ما يجعل الثقافات الأخرى تنسجم فيما بينها هو في أفضل مراحله. فالدول تتواصل مع بعضها البعض الآن أكثر من أي وقت مضى، ويمكن لسوء الفهم أن يؤدي الى عواقب وخيمة من جميع النواحي، بدءاً من التجارة والدبلوماسية، انتهاء إلى الحروب. وإضافة إلى ذلك، فقد تتطلب مشكلاتنا الأكثر إلحاحاً – التغير المناخي والانتشار النووي على وجه الخصوص- تعاون مختلف الثقافات لإيجاد الحلول.

وبالطبع، إن تقسيم ثقافات العالم إلى متزمتة ومتساهلة لن يجلب الازدهار والسلام، ولكن هذا الأمر لديه بعض المميزات، كما يقول دوف كوهين Dov Kohen من جامعة إيلينوي University of Illinois في أوربانا-شامبين: “من جهة، يغير ذلك أفكارنا المتعلقة بشرق اسيا،”، فجميع دول شرق آسيا تحرز معدلات عالية للجماعية. ولكن البعض مقيدون أكثر من الآخرين على سبيل المثال كوريا الجنوبية وسنغافوره مقارنة بالصين. ويضيف كوهين: ” إن شدة التزمت والتساهل تسمح بالنظر إلى الأمور بدقة ميز Resolution عالية،” ومن المحتمل أن نكون متعاطفين أيضاً مع أعراف اجتماعية مختلفة إذا ما قبلنا بأن طريقة عمل الدول مرتبطة بمستويات التهديد. إن “(شدة التزمت /التساهل) يمكن أن تبدو بالأحرى كفرق معين،” كما يقول غيربن فان كليف Gerben Van Kleef من جامعة أمستردام في سويسرا، ويتابع قائلا: “ولكنني الآن مقتنع بأنه يفسر العديد من الفروقات في السلوك والإدراك عبر الثقافات.”

أما سايمون ليفين Simon Levin من جامعة برينستون Princeton University فهو أكثر حذراً. إذ يشير إلى أن التزمت من الناحية النظرية يشبه “اللزوجة” الثقافية، وهو أمر تحدث عنه هو وآخرون لسنوات. ويقول: “إن الأمر الجديد هو محاولة ربط درجة اللزوجة أو التزمت بالعوامل الدافعة من حيث المخاطر.” ولكنه يشير أيضاً إلى أن الرابط قد يكون أكثر تعقيداً مما يبدو. وعلى سبيل المثال، من شأن قاعدة تنص على أنه يجب عليك ألا تتزوج خارج جماعتك أن تعزز المخاطر كنتيجة لتزاوج الأقارب.

أضف إلى ذلك أن الأعراف الاجتماعية تشكل بعضاً من السلوك والإدراك أكثر من غيرها، وفقاً لبحث أجراه هوفستيد وزملاؤه. فقد وجدوا أن آراء الأشخاص المتعلقة بالإجهاض والمثلية والقتل الرحيم هي قضايا ترتبط بمخاوف أساسية حول البقاء على قيد الحياة والتكاثر، بعبارة أخرى هي قضايا شُكلت بقوة من قبل الثقافة. ولكن الآراء المرتبطة بأمور كالصدق واحترام القانون تتأثر أكثر بمعتقدات الفرد. وإضافة إلى أن وجهات النظر المتشكلة ثقافياً ترتبط بقوة بتقييم الدول للفردية -مع ميل المجتمعات الفردية إلى توجهات ليبرالية – وليس مع الدرجات المُحرزة لمستوى التزمت.

وعلى الرغم من ذلك، فإن نموذج غيلفاند يروق للعديدين، لأسباب ليس أقلها إنه يستطيع المساعدة على تفسير بعض التغييرات الاجتماعية الكاسحة التي تحدث في العالم اليوم. إن النمذجات الحاسوبية التي طورتها غيلفاند لإجراء تجارب مع عملاء افتراضيين يظهر أن تصعيد الخطر الخارجي يدفع المجموعة إلى تعزيز أعرافها بصرامة أكبر، بينما يؤدي تخفيضها إلى عكس ذلك. إذ لاحظت أن الرؤساء الشعبيين من ضمنهم دونالد ترامب ومارين لوبآن يوجهون رسالتهم إلى جماعات التي تشعر بالتهديد من الوضع الاقتصادي، ونتيجة لذلك فهم يفضلون زيادة تزمت الأعراف. وقد لا يكون سياسيون معينون يغرقون في المبالغة بقولهم إن التهديد الحقيقي يكمن في إقناع الناس بالتصويت لهم.

وقد يكون هناك رد فعل عكسي، إذ إن الحرية المطلقة قد تجلب ما تطلق عليه غيلفاند “الأوتوقراطية الانتكاسية” Autocratic recidivism. إذ تقول: “يمكننا ملاحظة أن الأماكن التي تمكّن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من السيطرة عليها هي الأماكن التي شعر الأشخاص بأنه لا توجد حماية أو خدمات عامة فيها. وفي المقابل، إن حقيقة إحراز أوكرانيا لأعلى نسبة من التساهل في عام 2011 بالإمكان تفسيرها جزئياً كردة فعل ضد الثقافة السوفييتية المُقيِّدة التي كانت أوكرانيا مستعبدة لها سابقاَ.

أفضل طريقة لأن تكون The best way to be

إن منع التأرجح بين طرفين مثل البندول قد لا يكون عملياً أو مرغوباً فيه. غير أن السياسيين والناخبين قد يرغبون في توجيه الاهتمام إلى نتائج دراسة أخرى تناقش بصراحة سؤال عمّا إذا كان يجب على المجتمعات التركيز على الحرية Freedom أو التقييد Constraint. وعلى نطاق من المقاييس التي اشتملت على الصحة والثروة والسعادة والاستقرار السياسي، امتازت الثقافات المعتدلة بالأفضلية، تقول غيلفاند: “إن أنجح المجتمعات توازن بين التقي والحرية،” فالشدة قد تخلق المشكلات في أي مجموعة. فهي تناقش، على سبيل المثال، مجموعة من الفضائح المتعلقة بالخطوط الجوية يونايتد في العام الماضي – تضمنت إحداها سحب أحد الركاب خارج الطائرة – كانت نتيجة لنظام هيكلي شديد التقييد.

وعلى الرغم من رفض العديد لمجرد اقتراح الهندسة الاجتماعية، تستطيع الأمم أن تغير بوعي عاداتها الاجتماعية (انظر: التعصب في آيسلندا). وهم يستطيعون أيضا التأكيد على القوانين الاجتماعية غير المكتوبة من خلال اختيارهم لقوانين أكثر رسمية. وعلى سبيل المثال، ففي ولاية نيويورك تكون غرامة مخالفة إلقاء القمامة للمرة الأولى هي 250 دولارا، بينما في سنغافورة فهي تعادل 1500 دولار. بالطبع ليس من الصعب تخمين أي منهما ذات الشوارع الأنظف. إن الأمور البسيطة من شأنها إحداث فروقات كبيرة أيضا. واقترحت غيلفاند أن جزءا من الحل للخطوط الجوية يونايتد يمكن أن يكون بتمكين موظفين الأدني في السلم الوظيفي لحل المشكلات المتعلقة بالركاب بما يرونه مناسباُ.

وفي دراستهم العالمية الرائدة عن التزمت، استنتجت غيلفاند وزملاؤها أن “من وجهة نظر أيّ من النظامين سيظهر النظام الآخر مختلاَ، وغير عادل، وغير أخلاقي أساسا، ومثل هذا المعتقدات المتباينة قد تصبح الوقود الجماعي للنزاعات الثقافية.” إذا كانوا على حق، فببساطة سيكون فهم لماذا تختلف الثقافات بهذه الطريقةِ الخطوةَ الأولى نحو انسجام عالمي أكبر. ويقول كوهين: “أحد أكبر إخفاقاتنا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة حدث بسبب عدم فهمنا للثقافات التي كنا نتعامل معها.” ويتابع قائلا: “وكلما كان صانعو السياسات مسلحين بالمعلومات الثقافية كنا أفضل حالا.”

ست درجات من التباعد Six degrees of separation

بالاستطاعة فهم الاختلافات بين الثقافات من خلال ستة عوامل وفقا لنموذج مطور من الستينات القرن العشرين، النظام الذي يتم تحديه الآن (انظر: المقالة الرئيسية).

الفردانية Individualism: درجة الاستقلال الفردي مقارنة بالاعتماد القائم على الترابط.

قوة المسافة Power distance: المدى الذي يتوقعه المواطنون ويقبلونه للتوزيع غير المتكافئ للسلطة.

الذكورة Masculinity: المدى المؤيد اجتماعيا لاستخدام القوة.

تجنب عدم اليقين Uncertainty avoidance: مستوى القلق والارتياب عند مواجهة المجهول.

التوجه طويل المدى Long-term orientation: درجة الإيمان بأن العالم في تقلّب كنقيض لرؤية الماضي على أنه يشكّل بوصلة أخلاقية للمستقبل.

الانغماس Indulgence: الميل إلى تقدير الحرية والعفوية والصداقة عوضا عن رؤية الحياة ككفاح وواجب.

التعصب في آيسلندا Uptight in Iceland

للهندسة الاجتماعية سمعة سيئة: فكر في ثورة الصين الثقافية أو الأعمال الوحشية لخمير كراهامKhmer Rouge  من كمبوديا. ومع ذلك قد تكون للهندسة الاجتماعية نتائج إيجابية، انظر إلى آيسلندا كمثال.

في بداية تسعينات القرن العشرين كان آيسلندا تعاني مشكلة: فقد كان الشباب يتعاطون المخدرات والكحول وأصبحوا يشكلون خطراً اجتماعياً. وعندما قامت السلطات باستشارة خبير الإدمان هارفي ميلكمان Harvey Milkman من جامعة متروبوليتان في دنفر – كولورادو. اقترح على ما يبدو حلاً بسيطا. يجب إعطاء المراهقين النشوة التي يرغبون فيها بشكل صحي: الرياضة.

لقد بدا الموضوع واعداً على الورق، وكان التحدي يكمن بجعل الشباب يقبلون الأمر. ففرض حظر تجول ليلي على الأعمار البالغة 13 – 16، واستثمرت الولاية في برامج الرياضة والرقص والفن.  وفي الوقت نفسه، فقد ساهم كلٌّ من المدرسين وأولياء الأمور والصحفيين في حملة متماسكة لتعزيز هذا العرف الاجتماعي الجديد، فالاستخدام المفرط للمخدرات والكحول لم يعد مقبولاّ، والمشاركة في الأنشطة الرياضية والفنية هو السلوك المتوقع.

لقد نجح الأمر، ففي 1998 شهد تعاطي المخدرات تراجعا، وتعتبر الحملة اليوم ناجحة بشكل غير متوقع، ولايزال حظر التجول مُطبَّقا.  ويقول ميلكمان: “إن الجميع فخورون بالأمر،” وينسب الآيسلنديون انتصارهم على إنجلترا في بطولة أوروبا لكرة القدم 2016 إلى العرف الجديد.

لورا سبيني Laura Spinney كاتبة مقيمة في باريس بفرنسا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى