أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونيات

مركبة الهبوط التابعة لناسا تحقّق في باطن المريخ

من خلال الاستماع إلى الهزات المريخية ستقيس مركبة الهبوط «إنسايت» لب الكوكب الأحمر ووشاحه وقشرته

أرسلت ناسا NASA مركبات مدارية لدراسة الغلاف الجوي للمريخ Mars وأخرى سيّارة لدراسة سطحه. والآن تخطط الوكالة للبحث في جوف الكوكب. إذ يحمل جهاز مركبة الهبوط إنسايت InSight lander الذي تبلغ تكلفته 814 مليون دولار، سيُطلق الشهر المقبل، ثلاث أدوات مصممة لسبر قشرة المريخ التي بلون الصدأ، متضمنة مقياس للزلازل للكشف عن «الهزات المريخية”. ويقول بروس بانيرت Bruce Banerdt، الباحث الرئيسي في بعثة إنسايت، وهو عالم في الفيزياء الجيولوجية Geophysicist من مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory (اختصارا: المختبر JPL) في باسادينا Pasadena، كاليفورنيا: «لدينا تجويف أسود يبدأ من عمق خمسة أمتار أسفل السطح باتجاه مركز الكوكب.» ويأمل هو وزملاؤه بأن تُقدّم مركبة إنسايت أدلة من خلال قياس سماكة وتكوين قشرة ووشاح ولبّ الكوكب عن كيفية فقدان المريخ لحقله المغناطيسي وما إذا كان قد احتضن في البداية صفائح تكتونية.

وكانت البعثة على وشك الإلغاء بعد العثور على تسرّب في فراغ مقياس الزلازل. وفي النهاية، فقد تأخر الإطلاق لمدة عامين للعثور على حل. ويقول فيليب لوغنون Philippe Lognonné، المتخصص بعلوم زلازل الكواكب Planetary Seismologist من جامعة باريس ديديروت Paris Diderot University، الذي يقود أداة رصد الزلازل: «لدينا مهمة أفضل بكثير مقارنة بتلك منذ سنتين.”

وتُمثّل إنسايت عودة وكالة ناسا إلى علم زلازل الكواكب بعد أربعة عقود. فقد نشر رواد فضاء أبولو Apollo خمسة مقاييس زلازل للكشف عن الهزات القمرية – وهي هزات ساعدت على تحديد لُب القمر. وحملت كلتا مركبتي الهبوط فايكينغ Viking landers على المريخ أجهزة قياس الزلازل، إذ فشل أحدهما، بينما لم يرسل الآخر أي إشارات موثوق بها. ومنذ ذلك الحين، فقد بدأت الجهود الطموحة لوضع محطات زلزالية متعددة على سطح المريخ بالتعثّر. لكن علماء الجيوفيزياء استمروا بالمحاولة، كما يقول بانيرت. «لقد كنت أقف في الاجتماعات وأوبّخ الناس لأنهم لم يساندوا الفكرة لعدة عقود، في بعض الأحيان أعتقد أنهم اختاروا مهمتي فقط لإسكاتي،» كما يقول.

وقد طُوّرت إنسايت من قبل مختبر الدفع النفّاث بالتعاون مع شركة لوكهييد مارتن Lockheed Martin والشركاء الأوروبيين، صُمّمت إنسايت على ذات منصة عام 2008 لمركبة فينيكس Phoenix lander. ومثل سابقتها، سوف تستخدم المظلات والصواريخ الكابحة للوصول إلى السطح. فموقع الهبوط المستهدف هو سهل سلس من الحمم بالقرب من خط الاستواء – ربما «أكثر المواقع الجيولوجية إثارة للملل على هذا الكوكب،» كما يقول بانيرت. وهذا لسبب: يمكن لإنسايت على الأرجح أن تقوم بعملها من أي مكان على سطح المريخ ، لذا اختار الفريق موقعًا به القليل من مخاطر الهبوط، وبفضل الموقع الاستوائي، يتوفر الكثير من ضوء الشمس لألواح الطاقة الشمسية للمسبار. وبعد هبوط المركبة في أواخر نوفمبر، ستنشر الذراع الروبوتية مقياس الزلازل بحجم الكرة الطائرة ومسبار للحرارة، مما يقود قضيبًا لمسافة خمسة أمتار إلى السطح مع الآلاف من ضربات مطرقة التنغستن Tungsten.

سيقيس المسبار الحراري مقدار الحرارة الخارجة من الكوكب، ومدى سرعة ذلك، وهو دليل على تاريخه. وبدءًا من التحليل الكيميائي للقطع التي تصل من المريخ إلى الأرض كنيازك، سيتكون لدى الباحثين فهم لتكوين وشاح المريخ. ومن خلال الجمع بين هذا وبين التدرج الحراري والأبعاد الباطنية التي حددتها إنسايت، يمكنهم تقدير مقدار الحرارة الباطنية للمريخ القادمة من العناصر المشعة في باطن الكوكب.

الباقي هو بقايا الطاقة البدائية من تشكيل المريخ. واستناداً إلى المعدلات التي ينحسر بها هذان المصدران الحراريان، يمكن للباحثين تقدير متى كانت البراكين على أشُدّها على المريخ. ويقول ستيفن هاوك Steven Hauck، عالم الكواكب من جامعة كيس ويسترن ريزيرف Case Western Reserve University في كليفلاند Cleveland بولاية أوهايو Ohio: «إنّ تطور الكوكب مدفوع بالكامل بكيفية انتقال الحرارة إلى الفضاء.”

ستكشف التحولات الدوبلرية الصغيرة في البث الإذاعي المرسل من الأرض إلى أجهزة الاستقبال على إنسايت تفاصيل أخرى عن الجزء الباطني من المريخ.

سوف تتتبع الإشارات كيفية تذبذب الكوكب في دورانه، مما يدل على قوة السحب الباطنية للبه ووشاحه.

وكما هي الحال مع البيض النيء، بمكوناته الباطنية السائلة، التي تدور بشكل مختلف عن تلك المطبوخة، ينبغي أن يلمح التذبذب في المريخ إلى حجم اللب وكثافته، وما إذا كان منصهرًا جزئيًا، حسب قول فيرونيك داهانت Véronique Dehant، الجيوفيزيائية في المرصد الملكي البلجيكي Royal Observatory of Belgium في بروكسل Brussels.

ويمكن لهذه المعلومات، بدورها، إلقاء الضوء على تكوينها وما إذا كانت تتبلور من الداخل إلى الخارج بينما تبرد، مثل لب الأرض، أو من الخارج إلى الداخل. وفي النهاية ستحسّن النتائج نماذج كيفية فقد الكوكب للحقل المغنطيسي الذي كان قد ولَّده لبّه ذات مرة، كما يقول جورج هلفريتش George Helffrich، الجيوفيزيائي من معهد طوكيو لتكنولوجيا علوم الحياة الأرضية Tokyo Institute of Technology’s Earth-Life Science Institute. “قد يمثل لب كوكب المريخ ما ستبدو عليه الأرض في المستقبل.”

سوف تأتي مجموعة ثالثة من الأدلة من الهزات المريخية. ولما كان المريخ يفتقر إلى الصفائح التكتونية التي تطحن بعضها البعض على الأرض، فمن المرجح أن تكون الهزات أضعف وأقل تواترا من الزلازل. إذ يقول بانيرت: «قد نرى ما بين 5 و 10» خلال مهمة إنسايت التي تستغرق عامين. أو قد نرى 1000.» ويحلم بأن تشهد المركبة العشرات من الهزات المريخية ذات مقدار أكبر من خمسة، وهي مكافأة يمكن أن تساعد إنسايت على تحديد مصادرها، على الرغم من أنها ستكون محطة زلزالية واحدة.

وعادة، يكون هناك حاجة إلى ثلاث محطات لتحديد مصدر الزلزال فيما يسمى موجات الجسم Body waves، التي تغوص عبر الكوكب. لكن فريق إنسايت ابتكر حلاًّ للمريخ بالاعتماد على الموجات التي تهتز على طول السطح. حيث إنّ على الأرض، تعمل المعالم مثل المحيطات على تثبيط هذه الموجات بسرعة. ولكن على سطح المريخ، يجب أن تتسابق الموجات السطحية من الزلازل الكبرى عبر أرجاء الكوكب عدة مرات. ومن خلال رصد الموجات السطحية من ثلاثة مسارات كروية مختلفة، يأمل الباحثون بتحديد مصدر كل هزة، مما سيمكنهم من فهم كيف تتغير سرعة الموجات الجسم التي تولدها أو كيف ترتد عن تركيب باطن الكوكب.

إذا سار كل شيء على النحو المأمول، فإنّ الأشعة السينية للهزات الناتجة من المريخ ستكشف عن أبعاد قشرته ووشاحه ولبه وأي طبقات في باطنه. وقد تدل القشرة السميكة على أنّ المريخ ذاب تمامًا عند بدايته، مما يسمح بكميات أكبر من المعادن الأقل كثافة بالظهور والتجمع على السطح. ويقول بانيرت إنّ القشرة السميكة، المقاومة للتكسّر إلى صفائح، قد تشير أيضًا إلى أنّ المريخ لم يكن لديه قط صفائح تكتونية.

إذا استمرت إنسايت حتى عام 2021، يمكن لمحطة زلزالية ثانية أن تنضم إليها وتؤكد قراءاتها: أداة مثبتة على منصة الهبوط لمركبة أكسومارس ExoMars الأوروبية. ولكن حتى في ذاتها، تعتبر إنسايت نعمة، كما يقول يوسيو ناكامورا Yosio Nakamura، عالم زلازل الكواكب من جامعة تكساس University of Texas في أوستن Austin، الذي بدأ حياته المهنية في العمل على أبولو. «إنّ وجود محطة واحدة أفضل بكثير من عدم وجود محطة على الإطلاق.”■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى