أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونيات

مقاييس التداخل البصري تُحسّن من رؤيتنا للسماء

محاولة متجددة لبناء مصفوفة ضوئية في نيو مكسيكو قد تضع أقمار التجسس الاصطناعية في بؤرة التركيز

في الوقت الذي يقوم فيه علماء الفلك ببناء تلسكوبات تبلغ قيمتها بليون دولار مع مرايا عرضها 30 متراً، فإنّ التلسكوب بقطر يعادل 1.4 متر التي ستُنصب هذا الشهر فوق قمة جبل ساوث بالدي South Baldy Mountain في نيو مكسيكو قد يبدو كأنه شيء ثانوي. ولكن خلال السنوات القليلة المقبلة، ستنضم تسعة تلسكوبات أخرى متطابقة إلى القمة المعشوشبة التي يبلغ ارتفاعها 3200 متر، لِتُشكّل مصفوفة على شكل حرف Y تفوق أي تلسكوب بصري آخر في الدقّة. وعندما يكتمل نحو عام 2025، سيكون مقياس تداخل مرصد ماغدالينا ريدج Magdalena Ridge Observatory Interferometer (اختصارا: المقياس MROI)، الذي تبلغ تكلفته 200 مليون دولار، مكافئًا لتلسكوب هائل الذي يبلغ قطره 347 مترًا في الدقّة.

ولا تضاهي تلسكوبات المقياس MROI الصغيرة أبناء عمومتها العملاقة في قوة تجميع الضوء، لذا ستقتصر على الأهداف الساطعة. ولكن من خلال تجميع الضوء من التلسكوبات المنتشرة، فمن المتوقع أن تكون قادرة على رصد البُنى الصغيرة على الأسطح النجمية، وصور سحب الغبار حول النجوم الحديثة، والنظر في الثقوب السوداء فائقة الكتلة في مركز بعض المجرات. وستكون قادرة حتى على التوصل إلى تفاصيل صغيرة بعرض السنتيمتر عبر الأقمار فقد الاصطناعية التي تدور في مدارات متزامنة مع دوران الأرض، على بعد 36 ألف كيلومتر فوق الأرض، مما يُمكّنها من التجسس على أقمار التجسس الاصطناعية.

وهذا هو أحد الأسباب التي دفعت سلاح الجو الأمريكي U.S. Air Force، الذي يريد مراقبة ممتلكاته المدارية الخاصة، والتابعة للآخرين افتراضًا، إلى تمويل المقياس MROI. إذ تقول ميشيل كريش إيكمان Michelle Creech Eakman، عالمة فلك بمعهد نيومكسيكو للتعدين والتكنولوجيا New Mexico Institute of Mining and Technology في سوكورو، وعالمة مشروع المقياس MROI: “إنهم يريدون معرفة: هل انكسرت ذراع الرافعة أم هل سقط جزء من الألواح الضوئية؟” ولكن إن نجحت المنشأة، فأكبر تأثير لها في مجال علم الفلك سيكون من خلال استقطاب اهتمام جديد إلى عهد قياس التداخل البصري، وهي استراتيجية قوية ولكنها صعبة لاستخراج صور حادة بشكل رائع من تلسكوبات صغيرة وغير باهظةٍ نسبيا.

ومثل التداخل البصري  حقق المقياس MROI، تقدمًا بطيئًا. إذ بدأت البحرية الأمريكية بتمويل المرفق في عام 2000، لكنها فقدت الاهتمام وانسحبت في عام 2011. واستمرار دعم القوة الجوية بعد مرحلة تركيب التلسكوبات الثلاثة الأولى للمجموعة غير مضمون. إذ يقول ثيو تين بروميلار Theo ten Brummelaar، المدير المساعد لمركز الفلك عالي الدقة الزاويّة Center for High Angular Resolution Astronomy (اختصارا: المركز CHARA)، وهو عبارة عن مجموعة من ستة تلسكوبات بصرية قطر كل واحد منها متر واحد على جبل ماونت ويلسون Mount Wilson في لوس أنجلوس بكاليفورنيا:

 “إذا فشلت لسبب فظيع ما، فسيكون الأمر كارثة بالنسبة إلينا جميعًا.”

كان الأمر أسهل لعلماء الفلك الراديوي. إذ تعني الموجات الراديوية الطويلة أنّ البيانات المأخوذة من الأطباق المنفصلة يمكن تسجيلها ورقمنتها وتسجيل وقت الرصد بواسطة ساعة ذرية، ثم تجميعها لاحقًا لتحليلها. ولكن التداخل البصري أكثر صعوبة: فالأطوال الموجية القصيرة للضوء المرئي، التي تعمل عند ترددات تيراهيرتز، لا يمكن حتى الآن ترقيمها بواسطة أي نظام كهربائي. لذلك يجب دمج الضوء في الوقت الحقيقي، بدقة النانومتر.

وفي التسعينات، تطوّر التقدّم في مجال الألياف البصرية والليزر والحواسيب إلى درجة يمكن أن نجعل التلسكوبات المزدوجة التي يبلغ قطرها 10 أمتار في مرصد كيك Keck Observatory، والتي يفصلها مسافة 85 مترا فوق جبل مونا كيا Mauna Kea في هاواي، تعمل بمثابة مقياس تداخل بصري. ولكن النظام تطلّب أربعة تلسكوبات ” امتداد” إضافية على الأقل تمولها ناسا NASA لكي تعمل بكامل إمكاناتها – وقد ألغيت الامتدادات عام 2006 بعد احتجاجات أهالي هاواي، الذين يعتبرون قمة ماونا كيا مقدسة. ويقول جيرارد فان بيل Gerard van Belle، كبير العلماء في مقياس التداخل البصري الدقيق للبحرية Navy Precision Optical Interferometer (اختصارا: المقياس NPOI) بالقرب من فلاغستاف بولاية أريزونا: ” لا يزال يُعتبر قياس التداخل موضوعا غير لطيف في ناسا.”

فقد غفل العديد من علماء الفلك عن الإنجازات الأخيرة في قياس التداخل البصري، إذ كما تقول تابيثا بوياجيان Tabetha Boyajian، عالمة الفلك من جامعة ولاية لويزيانا Louisiana State University في باتون روج، التي استخدمت تلسكوبات المرصد CHARA لإجراء مسح للأحجام النجمية، إنّ علماء الفلك يتفاجؤون في بعض الأحيان عندما يتعرفون على قدرات التقنية: “أسَمِعت، آه يا إلهي، كيف يمكنني استخدام ذلك في بحثي العلمي؟”

لقد صورت تلسكوبات المرصد CHARA وغيرها من المصفوفات البصرية الأشكالَ المفلطحة للنجوم الدوارة بسرعة، والبقع الشمسية المتنقلة على الأسطح النجمية، وسجلت نجوم ثنائية مترافقة وهي تتبادل المواد النجمية، وشهدت أجسامًا تدور حول الثقب الأسود المركزي لمجرة درب التبانة Milky Way في الوقت الحقيقي. وبعد ربط التلسكوبات الأربعة التي يبلغ قطرها 8.2 متر في التليسكوب الكبير جداً Very Large Telescope في صحراء أتاكاما Atacama Desert في تشيلي، تمكن باحثون من المرصد الأوروبي الجنوبي European Southern Observatory العام الماضي من تمييز غليان فقاعات الحمل الحراري على وجه نجم يبعد 530 سنة ضوئية. ويُمكن لأداة جديدة للرصد بالأشعة تحت الحمراء من أن تُعين مقياس التداخل في تصوير الأقراص الغبارية الدافئة، حيث تتشكل الكواكب حول نجوم أخرى.

وعلى الرغم من نكساتها السابقة، فإنّ وكالة ناسا تدعم قياس التداخل في الأدوات المزدوجة التي يبلغ قطرها 8.4 متر في مرصد تلسكوب المنظار الكبير Large Binocular Telescope Observatory فوق جبل ماونت غراهام Mount Graham في أريزونا. وفي هذا العام أعلن العلماء هناك أنهم استخدموا تقنية قياس التداخل لإظهار أنّ العديد من الأنظمة الشمسية الصغيرة تحتوي على غبار أقل من المتوقع وهي أخبار جيدة لعلماء الفلك الذين يأملون بتصوير الكواكب الخارجية Exoplanets مباشرة.

وبمجرد اكتمالها، ستُكون التلسكوبات المقياس MROI منتشرة على نطاق أوسع عن أي مقياس تداخل آخر، مما يُمكّن لها الدقة الفائقة. كما أنه سيختبر تقنيات جديدة للجمع ضوء النجوم من تلسكوبات متعددة مما قد يُبسّط العملية. وإذا كانت ترقى إلى مستوى التوقعات، يمكن للمرصد أن يمنح قياس التداخل البصري دفعة في المراجعات المستقبلية التي تدرس عقودا من الزمن، وهي ممارسات المجتمع العلمي التي تحدد أولويات الميزانية لوكالة ناسا ومؤسسة العلوم الوطنية National Science Foundation. وجون مونير John Monnier، الفيزيائي من جامعة ميشيغان University of Michigan في آن أربور وعضو في المركز CHARA، يتمنى حشدَ دعمٍ قويٍ بحلول وقت إجراء المسح العشري لعام 2030،  لمقياس تشكيل الكوكب Planet Formation Imager، وهو مقياس تداخل بصري يبلغ طول خط قاعدته كيلومترا واحدا ويتكون من 12 تلسكوبًا، له القدرة على تصوير الأقراص الغبارية بدقة ليس فقط حول النجوم الشابة ولكن الكواكب حديثة التشكّل – المادة القيّمة للأقمار والحلقات.

وبحلول ذلك الوقت يمكن لوكالة ناسا أن تكون مستعدة لوضع مقياس تداخل بصري في الفضاء أيضًا. إذ تخلت الوكالة في عام 2007 عن خطط مُكتشِفات الكواكب الأرضية Terrestrial Planet Finder، وهي مجموعة مدارية من أربعة تلسكوبات مصممة لتصوير كواكب حول النجوم الأخرى. ولكن قد تكون الآن أكثر تقبلا لمقاييس التداخل الفضائية، إذ إنّ التلسكوبات الفضائية العملاقة مثل تلسكوب جيمس ويب الفضائي James Webb Space Telescope الذي يبلغ قطره 6.5 متر، والمقرر إطلاقه في عام 2021، تتحدى حدود حمولة الشحنة الصاروخية.

“في مرحلة ما [التداخل هو] الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها معالجة الأسئلة المشتعلة على حدود علم الفلك،” كما يقول فان بيل.

آدم مان Adam Man صحفي علمي مقيم في أوكلاند بكاليفورنيا.

شرح الصورة:

في هذا الشهر، ستنزلق قبة فوق أول التلسكوبات العشرة التي يبلغ قطرها 1.4 متر في مقياس التداخل البصري Optical interferometer.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى