أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

هل شركتك جاهزة لمستقبَلٍ رقميٍّ؟

توجد أربعة مسارات مختلفة يمكن للشركات أن تسلكها لتصل إلى قمة الأداء في الاقتصاد الرقمي. ويكمن دور القيادة في تحديد أي مسار يُسلك ومدى السرعة والجرأة التي تريد أن تتبعها خطاها.

وفي إطار الإعداد للمستقبل، شرع العديد من كبرى الشركات الراسخة في السير في مسار التحول الرقمي، لكن ذلك يحدث في أكثر الأحيان على غير هدى. وفي هذا المقال سنعرض أربعة مسارات تحول Transformation تتوفر فيها مقومات الاستمرارية ونعرض مواطن قوتها وضعفها. ولكن الهدف ليس التحول الرقمي بقدر ما هو التحول في إدارة الاعمال Business transformation، باستخدام القدرات الرقمية لتحويل شركة تقليدية وجعلها من بين الأفضل أداء في الاقتصاد الرقميّ Digital economy. نحن نسمي مثل هذه الشركات ذات الأداء المتميز شركات «جاهزة للمستقبل» Future-ready.

في عامي 2015 و2017، أجرينا مسحاً شمل عدة مئات من الشركات،1 ودرسنا في الوقت نفسه القدرات اللازمة من أجل التحول وتاثير ذلك في الأداء. وأجرينا كذلك محادثات مع أكثر من 50 من كبار المدراء للاطلاع على تجاربهم مع تحول الشركة الرقمي. ينتمي المشاركون في المسح إلى قطاعات عدة متنوعة تأتي المجموعات الأكبر من بينها من قطاعات التصنيع والخدمات المالية وبرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات. واستناداً إلى تحليلنا، فقد فاق أداء الشركات الجاهزة للمستقبل إلى حد كبير مثيلاتها في القطاع نفسه. ولكننا وجدنا كذلك أنه حتى في قطاع واحد بعينه، يمكن للشركات أن تسلك مسارات مختلفة من أجل أن تصبح جاهزة للمستقبل. ويتطرق المقال الحالي إلى أربعة بنوك اتخذت مسارات مختلفة هي: دانسكي بنك Danske Bank، وإم-بنك mBank، وبي بي في آي BBVA، وآي أن جي ING.

الجهوزية للمستقبل

تتطلب الجهوزية للمستقبل تغيير بعدين من أبعاد الشركة: تجربة العميل Customer experience وكفاءة العمليات التشغيلية Operational efficiency. (انظر: مقارنة الشركات من حيث التحول الرقمي للأعمال.)

مقارنة الشركات من حيث التحول الرقمي للأعمال

وفي عامي 2015 و2017، أجرينا مسحا شمل عدة مئات من الشركات، وفحصنا كلا من القدرات اللازمة للتحول والتأثيرات في الأداء Impacts on performance. وبناء على تحليلاتنا، فإن الشركات الواقعة في مربع الشركات الجاهزة للمستقبل كان أداؤها أفضل بكثير من أقرانهم في الصناعة. إن الجاهزية للمستقبل تتطلب تغير الشركة على مستويين: تجربة العميل Customer experience، وكفاءة العمليات التشغيلية Operational efficiency. وقد وجدنا أن الشركات قادرة على أن تسلك مسارا واحدا من بين أربعة مسارات للانتقال من المربع الأسفل إلى اليسار (الصوامع المعزولة والتعقيد Silos and Complexity) إلى المربع الأعلى إلى اليمين (جاهزة للمستقبل Future-ready).

جاهزة للمستقبل

لدى الشركات الجاهزة للمستقبل القدرة على الابتكار من أجل استبقاء العملاء وإشراكهم وإرضائهم مع خفض التكلفة في الوقت نفسه. وهدف هذه الشركات هو تلبية احتياجات العملاء أكثر منه دفع المنتجات، ويمكن للعملاء أن يتوقعوا تجربة جيدة بغض النظر عن قناة تقديم الخدمة التي يختارونها. وفي جهة العمليات تكون قدرات الشركات معيارية Modular ورشيقة Agile؛ وتعد البيانات أصولاً استراتيجية تشاركية ومتاحة لكل من يحتاج إليها في الشركة. إن الشركة مستعدة للمنافسة في الاقتصاد الرقمي وقادرة على العمل مع مجموعة متنوعة من الشركاء في الوقت نفسه من خلال الخدمات الرقمية وواجهات برمجة التطبيقات (APIs) المفتوحة. وبموجب هذه المعايير كان 23% من الشركات التي مسحناها جاهزة للمستقبل، وهي تظهر في المربع الأعلى إلى اليمين في الرسم البياني. فقد سجلت مستوى أداء هو أعلى 16 نقطة مئوية في المعدل من مثيلاتها في القطاع، وهذا يعني أنه اذا كان معدل هامش الربح الصافي لدى شركة في قطاع معين 8%، فإن الشركات الجاهزة للمستقبل حققت 24%.

صوامع معزولة وتعقيد

من بين تلك التي شملها المسح صُنف 51% من الشركات في المربع الأسفل إلى اليسار مع قائمة واسعة من المنتجات والخدمات التي طُورتها على امتداد سنوات عدة. وتدعم منتجاتها وخدماتها مجموعة مُعقَّدة من العمليات التجارية والأنظمة والبيانات Data. والنتيجة بالنسبة إلى المستهلك هي تجربة تبعث على الاستياء ومجزأة وتتطلب جهداً بشرياً كبيراً وتسوء في كثير من الأحيان بسبب انفصال المنتجات وانعزالها داخل الشركة.

وبصورة متكررة، تعتمد قدرة مثل هذه الشركات على توفير تجربة مريحة للعميل إلى حد كبير على تفاني الموظفين. فقد شاهدنا، على سبيل المثال، موظف بنك يعمل مع عميلة مسنة أرادت تغيير عنوانها على ستة منتجات مصرفية مختلفة. وقد تطلب الأمر عددا لا حصر له من النقرات على لوحة المفاتيح. وخلال المقابلة التي استمرت عشرين دقيقة، تحدث الموظف بلطف إلى العميلة عن فريق الرياضة المحلي. وقد بذل جهداً خارقاً لا يقاس، على وجه التأكيد.

لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن هوامش الربح لدى شركات تنتمي إلى هذه المجموعة كانت ضعيفة، وفقد كان متوسط ربحها أدنى بخمس نقاط مئوية من المعدل في القطاع الذي تنتمي إليه.

شركات صناعية

الشركات التي تتميز بالتصنيع الرقمي Digital industrialization، والظاهرة في المربع الأسفل إلى اليمين، تطبق أفضل ممارسات العمل الآلي في عملياتها. وهي تستعين بالمواصفات التي تجعلها قوية كشركات وتحولها إلى خدمات رقمية معيارية وموحدة. فعلى سبيل المثال، اختارت الشركات في هذه المجموعة الطرقَ الأمثل لمعالجة كل مهمة رئيسية (معالجة مطالبة تأمين، إضافة عميل، أو تقييم المخاطر) وطبقتها على كافة أوجه عمل الشركة. فقد صممت خدماتها على شكل وحدات توصيل وتشغيل (– plug-and-playاختصارا: الخدمات PnP) لتلبية متطلبات العملاء المُحددة بسرعة وبتكلفة معقولة. ويمكن تحويل البيانات الموحدة التي تُجمع من التفاعل مع العملاء ومن العمليات إلى أصول تنافسية متاحة لكل من يعمل في الشركة. وبمرور الوقت يمكن جعل الكثير من هذه العمليات والقرارات آلية التنفيذ. فقد كانت 11% من الشركات التي شملتها الدراسة ضمن مجموعة التصنيع، وبلغ متوسط هامش ربحها الصافي 4.6 نقطة مئوية أعلى من معدل القطاع الذي تنتمي إليها.

تجربة تكاملية

إن الشركات التي تقدم ما نسميه «تجربة تكاملية» Integrated Experience وتظهر في المربع الأعلى إلى اليسار، تؤمِّن تجربة عملاء أفضل من المعدل في القطاع الذي تنتمي إليه على الرغم من عملياتها المعقدة. وقد اقتدت بعض هذه الشركات بالنموذج الرائد في القطاع الذي تجسده مجموعة يونايتد سرفيسز أوتوموبايل أسوسييشن United Services Automobile Association الأمريكية للخدمات المالية ومقرها سان انطونيو في تكساس. وتنظم هذه المجموعة خدماتها حول تقديم حلول لما يحدث في حياة العميل (على سبيل المثال، شراء منزل، إنجاب طفل، أو التحضير للتقاعد) بدلاً من الدفع بالمنتجات. فقد رأينا شركات راغبة في تقديم خدمة متكاملة تطور مواقع جذابة على الإنترنت وتطبيقات هاتفية وتستعين بعدد أكبر من مدراء العلاقات بهدف تحسين تجربة العميل. ويستثمر العديد منها في الأدوات التحليلية Analytics. سعياً إلى تحسين تجربة العميل. ولكننا وجدنا أن هذه الشركات هي عادة غير قادرة على تبسيط أو تنفيذ العمليات التشغيلية الأساسية والمعقدة والتكنولوجيا وتحليل مشهد البيانات Data landscape بصورة آلية. وبالنتيجة، تزداد تكلفة خدمة العملاء. وفر نحو 15% من الشركات التي شملتها دراستنا تجربة متكاملة؛ وبلغ متوسط هامش ربحها الصافي 3.6% تحت معدل القطاع الذي تنتمي إليه.

أربعة مسارات للتحول 

لقد حددنا أربعة مسارات مختلفة يمكن للشركات انتهاجها لكي تصبح جاهزة للمستقبل. ويبدأ كل مسار في المربع الأسفل إلى اليسار (الصوامع والتعقيد) وكل منها ينطوي على اضطرابات تنظيمية Organizational disruption كبيرة.

المسار الأول: ابدأ بتوحيد المعايير. ينقل المسار الأول الشركات من مربع الصوامع والتعقيد Complexity quadrant إلى مربع التصنيع Industrialized quadrant. ويعتمد هذا المسار على بناء ذهنية منصات التشغيل Platform mindset من خلال خدمات تجارية تعتمد واجهة برمجة التطبيقات APIs يمكن الدخول إليها من أي نقطة في الشركة وكذلك من الخارج. وهي تمكِّن الشركة من الاستغناء عن الكثير من العمليات والأنظمة القديمة. ولكن، ومثلما يعرف كل من خاض في تخطيط موارد الشركة وإدارة العلاقة مع العملاء أو مشروع خدمات مصرفية أساسية، فإن استبدال العمليات الرئيسية في الشركة هو أمر مكلف ويمتد إلى عدة سنوات. وهو يتطلب كذلك تعليق العمل في عدة مشاريع أخرى. إن الحوسبة السحابية Cloud computing، وواجهات برمجة التطبيقات APIs، والخدمات الصغيرة، وتحسين منظومات الحلول تجعل من عملية التصنيع أسرع وتنطوي على قدر أقل من المخاطر والاضطرابات.2 ولكن، فإن اتباع المسار الأول يستغرق وقتاً. وهو يتطلب من بين أمور أخرى، تغيير حقوق اتخاذ القرار للتشديد على تكامل خدمات العملاء بدلاً من التركيز على المنتجات.3

ويتبع مصرف دانسكي بنك Danske Bank A/S الذي يوجد مقره الرئيسي في كوبنهاغن بالدنمارك ولديه فروع في 16 بلداً المسار 1. ورؤيته التي نشرها في عام 2012 على موقعه هي: «منصة واحدة – علامات تجارية استثنائية.» فقد حقق نهج دانسكي بنك بعض الأرباح في وقت مبكر، الأمر الذي أتاح له الاستحواذ على خمسة مصارف خلال ست سنوات وتخفيض نفقات التشغيل. وخلال السنوات الخمس الماضية، جدد البنك منتجاته المالية عارضاً مجموعة من الخدمات المصرفية التي يمكن دمجها للحصول على منتجات في الوقت الفعلي عبر قنوات التوزيع في معظم الأسواق. إن 90% من تطبيقات خدماته المصرفية الرئيسية مشتركة وموحدة. وفي الوقت نفسه، بسَّط البنك بنيته الإدارية وخفف عدد موظفي الأقسام صاحبة المنتج. فعلى سبيل المثال، في حين كان عدة مدراء مسؤولين عن بطاقات الأئتمان، اقتصر الأمر الآن على واحد.4

لقد حقق نهج «منصة واحدة» One platform الذي اعتمده البنك كذلك أرباحاً على المدى البعيد فيما يتعلق بعلاقاته بالعملاء وسمعته بين المصارف. وخلال خمس سنوات بين نوفمبر 2012 ونوفمبر 2017، ارتفع سعر سهمه 150% تقريباً. وعلى الرغم من أن البنك خفض عدد فروع التجزئة إلى النصف بين 2012 و2015، غير أنه شهد نمواً هائلاً في الخدمة المصرفية على الإنترنت. ويستخدم نحو 2.2 مليون من 3.2 مليون من مستخدميه منصة الخدمة الإلكترونية لتسديد الفواتير والاطلاع على الحسابات وإدارة ادخاراتهم التقاعدية. وفضلاً عن ذلك، يحظى تطبيقه موبايل-باي MobilePay بشعبية مرتفعة دفعت بنوكاً اسكندينافية لمحاكاته.5

المسار الثاني: ابدأ بتحسين تجربة العميل. ينطوي المسار الثاني على الانتقال من الصوامع والتعقيد إلى مربع التجربة التكاملية. وتختار الشركات هذه الاستراتيجية عندما يكون هدفها الاستراتيجي الأكثر إلحاحاً هو تحسين تجربة العميل عبر كامل الشركة، من أجل حل المشكلة عبر العديد من الأقسام والصوامع التنظيمية المعزولة. وهي تسعى عادة إلى إتيان عدة أمور في الوقت نفسه: تطوير عروض جديدة جذابة، وإنشاء تطبيقات جوالة ومواقع إلكترونية، وتحسين مركز المساعدة عبر الهاتف، وتمكين مدراء العلاقات – وكل هذا بهدف زيادة رضا العميل بصورة ملموسة.

من بين الشركات التي اتبعت هذا النهج مصرف إم-بنك mBank S.A. ومقره وارسو في بولندا. في عام 2000 أدركت قيادة المصرف أن تجربة عميل البنك الاعتيادية في بولندا غير مُرضية، وهو ما دفع البنك إلى إدخال سلسلة من التغييرات بما فيها فتح مراكز مساعدة عبر الهاتف وتوفير خدمات مصرفية عبر الإنترنت وإضافة العديد من الخدمات المصرفية الجديدة. ومع إدخاله منتجات ومواصفات جديدة، توسع المصرف كذلك إلى أسواق جديدة في بلدين مجاورين هما: جمهوريتي التشييك وسلوفاكيا.6 وفي النهاية، فقد خلصت قيادة إم-بنك إلى أن منصة خدمات الشركة القديمة بلغت منتهاها. وفي حين كان البنك يكابد لتوفير المرونة وتجربة العميل المتوخاة – ومع توقع أن تسير الأمور من سيِّئ إلى أسوأ – قرر بدء العمل على تطوير منصة مصرفية جديدة. وأُنشئت المنصة في خلال 14 شهراً وهي تقدم للعملاء جملة واسعة من المواصفات بينها الموافقة على قرض في خلال ثلاثين ثانية، والتسديد عبر الهاتف، والمحادثة الفيديوية، والتكامل مع فيسبوك، والتحويل إلى أشخاص آخرين Peer-to-peer transfers، والسحب الآلي من دون بطاقة. وقد صممت المنصة الجديدة من أجل زيادة الكفاءة وتقليص وقت طرح المنتج في السوق. وعندما يجري العملاء تحويلات أو يُدخلون تعديلات على تطبيق إم-بنك الجوال، تصل المعلومات على الفور إلى موظفي شؤون العملاء وقنوات التوزيع.

ولتحقيق النمو، أنشأ إم-بنك قنوات عمل تستفيد من منصته الرقمية عبر تمكينه من عرض خدماته على مجموعة واسعة من العملاء عبر شراكات مع شركات أخرى. ومن ثم صار قادراً على توسيع عمله إلى أسواق جديدة أو عرض خدماته عبر مصارف غير منافسة له في بلدان أخرى.

وتتضمن مميزاتُ المسار الثاني التركيزَ على العميل أولاً وتحسين تجربة العميل، وهذا بدوره يثمر زيادة في نقاط رضا العميل وأحياناً في زيادة المبيعات. أما أكثر مساوئه، فهي أن التحسينات في تجربة العميل تضيف عادة المزيد من التعقيد إلى نظام وعمليات هي في الأصل معقدة، ومن ثم تزيد تكلفة خدمة العميل. هنا يتعين على الموظفين بذل جهود جبارة من أجل الإيفاء بما يعد البنك بتقديمه لعملائه.

المسار الثالث: اصعد الدرجات بتدرج. تتحرك الشركات على المسار الثالث نحو أن تصبح جاهزة للمستقبل من خلال تبديل تركيزها من تحسين تجربة العميل إلى تحسين العمليات، ومن ثم العودة إلى الأولى وهكذا دواليك، ناقلة تركيزها من جهة إلى الأخرى وفق احتياجاتها. وعلى سبيل المثال، قد تكون الخطوة الأولى مشروع تطبيق تجربة القنوات التكاملية Omnichannel experience. وبعدها، قد تحسن الشركات عملياتها ربما عبر استبدال بعض من عملياتها القديمة أو إنشاء واجهة تطبيقات برمجية. وقد تحاول توفير مجموعة عروض أكثر جاذبية للعملاء من خلال التوظيف الأذكى للمعلومات الداخلية.

وفي هذا النهج يكمن الفرق بين النجاح والفشل في وضع خارطة طريق يسترشد بها كل فرد في عمله بدلاً من اتباع مسار عشوائي. فالطريقة المثلى لمعرفة الفرق هي في سؤال المدير عن دور ومكان مشروع معين في الخطة بمجملها. ومن مميزات هذا المسار أن درجات السلم -التي تمثل مجموعة من المشاريع المتناغمة فيما بينها تكون أصغر وهي من ثم تقلص المجازفة. أما سلبياتها، فهي أن شرح التناوب والتغيير في الاتجاه قد يكون صعباً ويتسبب أحياناً في إرباك الموظفين. فقد راينا في بعض الشركات كيف يرتد الأمر سلباً على الشركة بسبب التغيير في الاتجاه مع تراجع كفاءة الموظفين وزيادة في الإرهاق.

يمكن أن نجد مثالاً على المسار الثالث في بنك بانكو بيلباو فيسكايا ارجنتاريا سوسيداد انونيما Banco Bilbao Vizcaya Argentaria Sociedad Anonima (اختصارا: البنك BBVA) ومقره في بلباو بإسبانيا. رداً على التحديات التي واجهت قطاع المصارف، أعلن المدير التنفيذي للبنك BBVA فرانشيسكو غونزاليز Francisco González في عام 2015 عن خطط لبناء «أفضل بنك رقمي في القرن الحادي والعشرين.”7 وخلال جهوده لإعادة تصميم تجربة العميل، وفر البنك تطبيقاً للهواتف الذكية في عام 2014 تمكن العملاء الجدد من الانضمام إليه من خلال عملية بسيطة تنجز في خمس دقائق. ويمثل التطبيق محفظة رقمية ويتيح للعملاء ترتيب مواعيد والتحدث عبر الرسائل الهاتفية القصيرة إلى المدراء. ويتيح التطبيق كذلك إمكانية التسوق الآلي الميسر من مجموعة من المنتجات بما فيها قروض للعملاء وصناديق استثمار. وقد حظيت هذه التغيرات برضا عملاء البنك وفي بداية عام 2017، كان العملاء يتفاعلون مع البنك 150 مرة في المعدل سنوياً من خلال أجهزتهم الجوالة مقارنة بأربع زيارات للفرع خلال السنة نفسها.

ولزيادة كفاءة الخدمة، عمل البنك الاسباني جاهداً من أجل الاستغناء عن عمليات التشغيل القديمة التي بنيت عبر السنين استناداً إلى أنظمة متعددة وعدة نسخ من البيانات واستعاض عنها بمنصات رقمية شاملة قابلة للتطوير وإعادة الاستخدام. واليوم يوفر البنك BBVA لعملائه تجربة رقمية عبر منصة مصرفية رئيسية موثوق بها تتيح إدخال تطويرات جديدة تجمع ما بين واجهة تطبيقات برمجية مفتوحة وغيرها من القدرات. إن إحدى الميزات المهمة لهذا المسار هي أن شركات أخرى، بما فيها شركات تجزئة واتصالات وحتى شركات ناشئة، يمكنها الربط بخدمات البنك ومن ثم تحسين منتجاتها.

المسار الرابع: أنشىء شركة جديدة. بدلاً من خوض معركة كأداء من أجل تحويل شركتهم، أنشأ القادة الذين اختاروا المسار الرابع شركات جديدة أبصرت النور وهي جاهزة للمستقبل. وفي قطاع السيارات على سبيل المثال، أنشأت شركة أودي الألمانية Audi AG حديثاً فرعاً تمتلكه بالكامل من أجل تطوير خدمات تجريبية متنقلة إلى جانب امتلاك سيارة. وفي القطاع المصرفي، انتهجت مجموعة آي أن جي الهولندية ING Groep N.V. متعددة الجنسية للخدمات المصرفية والمالية ومقرها أمستردام مساراً مماثلاً مع خدمة آي أن جي دايركت ING Direct.

في عام 1997 أطلق بنك آي أن جي خدمة آي أن جي دايركت في كندا قبل أن تتوسع في إستراليا وإيطاليا وإسبانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وبلدان أخرى. وبحلول عام 2006 كان لديها 13 مليون عميل في تسعة بلدان. وعلى الرغم من أن بنك آي أن جي دايركت ينشر بعض آلات الصراف الآلي ATMs غير أنه ليس للبنك فروع. يتفاعل العملاء مع البنك عبر الهاتف أو البريد الإلكتروني أو عبر الإنترنت. وبعد أن بدأ بصفته مصرفاً مونولاين Monoline bank مختصاً بمنتجات الإيداع عالية الفائدة، أضاف تدريجياً عدة منتجات جديدة بما فيها القروض والقروض السكنية.

تعمل فروع البنك آي أن جي دايركت الوطنية بصورة مستقلة لكنها تشترك في توفير مجموعة من حلول الأعمال الموحدة ومكونات المنصة التقنية. فقد أتاحت إعادة استخدام الوحدات خفض التكلفة التشغيلية وعرض فوائد ادخار أعلى وفوائد أدنى على القروض.8

لقد احتاجت آي أن جي دايركت إلى عدة سنوات من أجل ترسيخ علامتها التجارية وثقافتها ومنتجاتها ومنصاتها وشراكاتها. وقد راينا من خلال بحثنا أن التحدي الأكبر أمام الشركات التي تختار المسار الرابع يكمن في تصور كيف يمكن الجمع أو التقريب بين الشركة الأم والشركة المتحولة. إذ إن كل ما يتعلق بهما مختلف من نماذج الأعمال، إلى الثقافات، وحتى العملاء الذين تخدمهم. ومثل كل شركة أمّ لديها شركة على المسار الرابع، كان على المجموعة الهولندية أن تتصور كيف تتعامل مع ذلك الفرع الناجح. وما زاد الأمور تعقيداً هو أنه لم تكن هناك آي أن جي دايركت واحدة، إذ عمل فرع كل بلد بصورة مختلفة بعض الشيء.

وفي مواجهة الصعوبات التي أعقبت الأزمة المالية في عام 2008، باعت المجموعة الهولندية بعضاً من عملياتها بما فيها آي أن جي دايركت في الولايات المتحدة وكندا وفي المملكة المتحدة،9 في حين احتفظت بها في البلدان الأخرى بما فيها أستراليا وإسبانيا. وتقول الشركة إنها تخطط من أجل توحيد عملياتها عبر منصة مصرفية رقمية واحدة بحلول عام 2021 مع تشارك وظائف المعلومات والدعم عبر البلدان وخطوط المنتجات.10

ومن مميزات المسار الرابع أنه يتيح للشركة بناء قاعدة العملاء والأفراد والثقافة والعمليات والأنظمة من الصفر ويصيِّرها جاهزة للمستقبل. وهي لا تحتاج إلى التعامل مع أنظمة قديمة أو صوامع أو ثقافة ما. ولكن التحدي يكمن في كيفية إلحاق الكيان الجديد بالسفينة الأم بعد أن يحقق نجاحاً، وهل يتعين دمجه؟

اختيار المسار

يقوم دور القيادة على تحديد المسار الذي ينبغي أن تتبعه الشركة (أو، تبعاً للظروف، وحدة الأعمال) ومدى سرعة وجرأة تحركها. ويمكن البدء بتحديد النقطة التي تقف فيها الشركة اليوم – بناء على قياسات مثل صافي نقاط الترويج Promoter score (اختصارا: النقاط NPS) وصافي الهامش Net margin – مقارنة بسائر شركات القطاع.

تكمن الخطوة الثانية المهمة في اختيار المدير المناسب لقيادة عملية التحول. وسيتوقف الخيار الصحيح على ظروف الشركة، وعلى حال بيئة القطاع، وعلى الاتجاه الذي تريد القيادة سلوكه.

سيكون المسار الأول مناسباً إذا كانت تجربة العميل التي توفرها الشركة في مستوى يعادل متوسط ما يوفره القطاع، وكذلك وإذا لم يكن التهديد مرتفعاً بحدوث خلل رقمي. ويعد مدراء المعلوماتية خياراً جيداً لقيادة المسار الأول.

سيكون المسار الثاني مناسباً إذا كانت تجربة العميل التي توفرها الشركة أسوأ بكثير من متوسط ما يوفره القطاع ولم يكن بوسعها انتظار تحسنها، أو إذا كنت في مواجهة منافسين أشداء. ويمكن أن يكون المدير المهتم بتجربة العميل وعلى دراية بالتكنولوجيا خياراً جيداً لقيادة المسار الثاني.

سيكون المسار الثالث مناسباً إذا كانت تجربة العميل التي توفرها الشركة تطرح إشكالية، ولكنه يمكنك تحديد عدد من المبادرات المحدودة التي ستحقق فرقاً كبيراً. ابدأ بها ثم ركز على العمليات وكرر ذلك في خطوات صغيرة. وسيكون مدير الخدمات الرقمية مناسباً لقيادة المسار الثالث.

سيكون المسار الرابع – إنشاء شركة جديدة – مناسباً عندما لا ترى وسيلة لتغيير الثقافة أو تجربة العميل والعمليات بسرعة كافية لضمان الاستمرارية. ويمكن للمدير التنفيذي أو مدير العمليات أن يكون مناسباً لقيادة المسار الرابع.

ما أن تقرر الشركة – بمعنى آخر مجلس الإدارة والمدير التنفيذي وكبار المدراء – المسارَ الذي ستتبعه، عندها يبدأ العمل الصعب. يمثل العصر الرقمي فرصة رائعة للقادة لإعادة بناء الشركة. وتحتاج الشركات الأكثر نجاحاً إلى أن تجهز للمستقبل وتتمتع بالبراعة – بمعنى مواصلة الابتكار من أجل تحسين تجربة العميل في موازاة العمل على خفض التكلفة.

إن الشركات التي لا تجهز نفسها للمستقبل ستواجه على الأرجح الموت مثخنة بالجراح، عندما تَقْتَطِعُ شركاتٌ ناشئة، ولاعبون من قطاعات أخرى، ومنافسون رشيقون، أجزاءً من أعمالها.

ونختتم المقالة بملاحظة تحذيرية وإنما واقعية. فقد أدرنا قبل فترة قريبة ورشة عمل حول التحول الرقمي للشركات مع المدير التنفيذي وفريق مدراء شركة خدمات مالية عالمية. فقد طلبنا إلى المشاركين رسم مخطط لمسار شركتهم خلال السنوات الثلاث السابقة باستخدام أحد المسارات كإطار عمل. وبعد أن عرض المدراء تصورهم، طلبنا إلى المدير التنفيذي أن يعرض رؤيته، فقام برسم سلسلة من الحركات بدءا من مربع الصوامع والتعقيد، وتحرك إلى الأعلى ثم إلى اليمين، ثم إلى الأسفل وإلى الخلف، راسماً مساراً معقداً ويتضمن عدة التواءات. وعند انتهاء المدير التنفيذي رجع إلى الوراء وقال: «أتدرون، نحن لم نخطط لذلك، ولكن استخدام القياسات الموضوعية يوضح أن هذا هو المسار الذي اتبعناه.”

وختم بالقول إن في رأيه أنه يتعين على القادة أن يختاروا مساراً ومن ثم أن يلتزموا به.

نعتقد أنها نصيحة سديدة، فالتحول صعب في نهاية الأمر. وكل المساهمين في الشركة بمن فيهم مجلس الإدارة والموظفين والشركاء والعملاء عليهم أن يعرفوا إلى أين هي الشركة متجهة وكيف تخطط لبلوغ مقصدها.

المصادر:

1. In the MIT CISR 2015 CIO Digital Disruption Survey, we surveyed 413 enterprises. In the MIT CISR 2017 Pathways to Digital Business Transformation Survey, we surveyed 400 enterprises.

2. J.W. Ross, I.M. Sebastian, and C.M. Beath, “Digital Design: It’s a Journey,” research briefing, MIT CISR, April 21, 2016, http://cisr.mit.edu.

3. J.W. Ross, P. Weill, and D.C. Robertson, “Enterprise Architecture as Strategy: Creating a Foundation for Business Execution” (Boston: Harvard Business School Press, 2006), chap. 1 and 2.

4. Our sources are company interviews and documents used with permission; Danske Bank’s website, www.danskebank.com; and the MIT CISR 2012 IT Investment Survey, sample size of 354, developed countries only.

5. V. Vig Nielsen, “Danske Bank: A Winner in Digitalization,” Feb. 1, 2017, https://digit.hbs.org.

6. N.O. Fonstad, S.L. Woerner, and P. Weill, “mBank: Creating the Digital,” research briefing, MIT CISR, Oct. 15, 2015, http://cisr.mit.edu.

7. “Francisco González: ‘We Are Building the Best Digital Bank of the 21st Century,’” March 13, 2015, www.bbva.com.

8. Ross, Weill, and Robertson, “Enterprise Architecture as Strategy,” 61-64.

9. “Scotiabank to Buy ING Bank of Canada for $3.1B,” Aug. 29, 2012, www.cbc.ca; “ING Direct to Become ‘Capital One 360,’ but Promises to Remain the Same,” Nov. 7, 2012, https://consumerist.com; and “ING to Sell ING Direct UK to Barclays,” press release, Oct. 9, 2012, www.ing.com.

10. “ING to Spend EUR800 Million on Digital Integration; Shed 7,000 Jobs,” Oct. 3, 2016, www.finextra.com; and “ING Strategy Update: Accelerating Think Forward,” press release, Oct. 3, 2016, www.ing.com.

11. P. Weill and S.L. Woerner, “Becoming Better Prepared for Digital Disruption,” NACD Directorship Magazine, March-April 2016, www.nacdonline.com.

عن المؤلفَيْن

• بيتر فيل Peter Weill (@peterdweill) رئيس وكبير الباحثين العلميين في مركز أبحاث نظم المعلومات بكلية سلون للإدارة لدى معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا.

• ستيفاني فيرنر Stephanie L. Woerner (@SL_Woerner) باحثة علمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى