أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

موجات الحرارة تُشير إلى أنّ ظاهرة الاحترار العالمي ليست مجرد تهديد مستقبلي

النمذجات الأفضل للمناخ والحواسيب السريعة تساعدنا على معرفة كيف تسبب انبعاثاتنا الكربونية بالفعل أحداثا مناخية خطيرة

في عام 2003 تعرضت أوروبا لموجة حارة حارقة. وتوفي إثرها نحو 70 ألف شخص، معظمهم من صغار السِّن وكباره. وبالنظر إلى الارتفاع الحاد في درجات الحرارة العالمية، فإنّ الشكوك تُشير بطبيعة الحال إلى تغير المناخ: فمن الثابت أنه مع ارتفاع انبعاثات غازات الدفيئة يدفع مستوى الزئبق [في الترمومتر] إلى الارتفاع، فتصير الظروف المناخية المتطرفة من جميع الأنواع أكثر تواتراً.

ولكن الأمر استغرق أكثر من عام ليُؤكد العلم الدقيق هذا الحدس. فقد أدى تغير المناخ إلى زيادة فُرص حدوث حدث بهذا الحجم في ذلك الوقت على الأرجح بضعفين على الأقل.

ولسنوات، واصل باحثو المناخ السيرَ على الخط الرسمي من أنه من المستحيل أن يعزو أي حدث مناخي معين إلى تغير المناخ في الوقت الحقيقي. وكانت الحكمة المقبولة هي أنّ الأمر استغرق وقتًا طويلاً لحدوث مثل ذلك الحدث، ولذا كان هناك تمايز مهم بين التصريحات حول الاتجاهات طويلة الأجل مثل “تغير المناخ سيجعل موجات الحر الشديدة أكثر تكرارًا” ومحاولة نسبة حدث مناخي بعينه إلى ظاهرة الاحترار العالمي Global warming.

وهذا النهج يتغير بسرعة، ومن الواجب عليه ذلك. إذ في هذا الأسبوع تتعرض أجزاء من أوروبا لحر قائظ. ونيويورك كذلك. كما صار الخريف الأسترالي حارًا بشكل غير معتاد. فكل هذه الأحداث تتماشى مع ما نتوقعه من مناخ أكثر دفئا. ولكن هل هي نتيجة لتغير المناخ؟

وقريباً سنكون قادرين على الإجابة عن هذا السؤال، بفضل التعاون بين وكالات الأرصاد الجوية الأوروبية التي أطلق عليها اسم EUPHEME. والهدف هو أن يتضمّن تقرير الطقس اليومي معلومات حول كيفية تأثير الاحترار العالمي على الأحداث الأخيرة أو الجارية. ويقول المشاركون في المشروع إنّ النموذج الأولي سيكون جاهزًا في العام المقبل. كما أنّ مكتب الأرصاد الجوية الأسترالي Australian Meteorological Bureau  يسعى إلى تطوير برنامج مماثل.

“زادت الانبعاثات من فرص مواجهة صيف حار مثل عام 2017 بمعامل يساوي 10 أضعاف على الأقل”

 وقد صار هذا ممكنا بفضل نمذجات مناخية أفضل وحواسيب أسرع تدير عمليات المحاكاة المناخية مرارا وتكرارا. فموجات الحرارة هي أحداث كبيرة المدى وأسبابها مفهومة جيدا، مما يجعل محاكاتها بسيطة نسبيا. إذ لا يوجد سوى عاملين أساسيين في موجات الحرارة الأوروبية: درجة حرارة الهواء وحركة أنماط الطقس.

ولكن لا يمكن نمذجة جميع أحداث الطقس بسهولة. فمن الصعب التعامل مع موجات الحرارة في جنوب آسيا لأنّ عوامل مثل الهباء الجوي Aerosols في الغلاف الجوي تعقّد الأمور. والعواصف الرعدية صغيرة المدى جدًا، بحيث لا يمكن إدراجها في النماذج المناخية. ومع ذلك، ليس هناك شك في أننا في وضع أفضل مما كنا عليه قبل خمس سنوات.

الباحثون في المملكة المتحدة الذين يقودون دراسات الأسباب لا يدرسون الموجة الحارة الأوروبية الحالية. لكنهم فحصوا درجات الحرارة المرتفعة القياسية من يونيو إلى أغسطس 2017. وبحلول أواخر سبتمبر، ذكر مشروع أسباب الطقس العالمي World Weather Attribution project أنّ الانبعاثات “زادت من فرص مواجهة صيف حار مثل عام 2017 بمعامل يساوي عشرة أضعاف على الأقل” وموجة الحر التي تستغرق ثلاثة أيام في أغسطس، التي يُطلق عليها اسم لوسيفر Lucifer، “كانت ذات معامل يساوي أربعة أضعاف على الأقل مقارنة بالطقس منذ عام 1900.”

ويعتقد الباحثون أنّه من المُرجّح أن تكون الأرقام مماثلة لموجات الحرارة هذا العام. وهذا أمر مهم لأنه غالبا ما يُنظر إلى تغير المناخ كمشكلة مؤجلة. ولا يمكن أن يكون هناك عذر لذلك بعد الآن. إلق نظرة خارج نافذتك وقُل مرحبا لعالم أكثر دفئا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى