أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تكنولوجيا

عودة مستهلِكات الوقود: لِم يمكن لسيارتك القادمة أن تعمل على الهيدروجين

فكرة مركبات الوقود الهيدروجيني صُرِفت من أشخاص مثل إيلون مسك، ولكن التقدمات الحديثة تُشير على أنها في طريقها للعودة

بقلم: أليس كلين Alice Klein
ترجمة: مي منصور بورسلي

صورة: تويوتا ميراي Toyota Mirai  هي واحدة من أول السيارات الهيدروجينية في السوق الشامل. Getty

مرّت السيارات التي تعمل بطاقة الهيدروجين HYDROGEN-POWERED في مسار وعر. ففي عام 2003 وصفها الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج دبليو بوش بأنها: “واحدة من أكثر التقنيات المبتكرة والمُشجّعة في عصرنا،” ثم جاءت بعدها ثورة تسلا Tesla فغطَّاها غبار منافستها الكهربائية المدفوعة بطاقة البطارية.

وتوجد الآن علامات على عودتها من جديد، فبيّن استطلاع حديث نفّذته شركة KPMG الاستشارية وقام بتعبئته أكثر من 900 مدير تنفيذي عالمي في مجال السيارات، أنّ 52 % منهم اعتبر سيارات خلايا الوقود الهيدروجيني من أبرز توجهات الصناعة. وقد أعلنت اليابان عن خطط لوضع أربعين ألف مركبة تعمل بالوقود الهيدروجيني على الطريق في السنوات الخمس المقبلة، وكوريا الجنوبية 16 ألف مركبة. وتريد ألمانيا امتلاك 400 محطة للتزود بالوقود للمركبات الهيدروجينية بحلول عام 2025 وقد افتتحت كاليفورنيا بالفعل 35 محطة.

ولهذه التقدم المتجدد شكوك. وعلى سبيل المثال، رفض رئيس تسلا إيلون مسك Elon Musk سيارات الهيدروجين لأنها: “بسيطة للغاية”. ولكن جوان أوغدن Joan Ogden، من جامعة كاليفورنيا في ديفيس University of California in Davis، ترى مستقبلاً تقوم فيه مركبات الهيدروجين والكهرباء بأدوار تكميلية لبعضها، وتقول: “هناك حجج لوجود الاثنين معاً”.

ومثل السيارات الكهربائية، لا تنتج مركبات الهيدروجين أي ملوثات وانبعاثات كربون، لذا فهي لا تضر بصحتنا أو المناخ. والفرق الرئيسي هو أنّ سيارات الهيدروجين تستخدم خلية وقود بدلاً من بطارية لتشغيل محرك كهربائي. ويُختزّن الهيدروجين في خزان ويُغذّى في خلية الوقود، حيث تتحوّل طاقته الكيميائية إلى طاقة كهربائية (انظر: “الرسم التخطيطي”).

عمل الوقود الهيدروجيني

يولد التفاعل الكيميائي بين الأوكسجين والهيدروجين طاقة كهربائية تغذي بطارية ومحرك السيارة. والماء هو نتيجة طرح التفاعل الوحيدة؛ مما يؤدي إلى انبعاث نظيف.

صارت سيارات الهيدروجين أخيراً قابلة للتطبيق تجارياً؛ لأنّ خلايا الوقود صارت أصغر حجماً وأخف وزناً، كما يقول ماثيو ماكليود Matthew Macleod في شركة تويوتا Toyota، التي بدأت ببيع ميراي Mirai، وهي واحدة من أولى سيارات الهيدروجين في الأسواق، في عام 2014 مقابل ستين ألف دولار. ولدى هوندا HONDA وHyundai نماذج منافسة، وتُخطط مرسيدس بنز Mercedes-Benz بأن تطلق واحدة السنة القادمة.

نحن نفكر في طُرق أفضل لنقل وتخزين الهيدروجين، كما يقول مايكل دولان Michael Dolan من منظمة العلوم الوطنية الأسترالية، (CSIRO). وفي الشهر الماضي أظهر فريقه أنه يمكن تحويل غاز الهيدروجين إلى الأمونيا السائلة ليسهل نقلها ثم تحويلها مرة أخرى باستخدام غشاء مصنوع من الفاناديوم Vanadium المعدني. إذ تأخذ الأمونيا السائلة مساحة أقل وهي أقل قابلية للاشتعال من غاز الهيدروجين؛ مما يُسهّل شحنها إلى محطات إعادة التزود بالوقود.

تنتج مركبات الهيدروجين انبعاثات صفرية، لذلك لا تضر بصحتنا أو المناخ.”

 وتمتاز مركبات الهيدروجين عن نظائرها الكهربائية بقدرتها السريعة في التزود بالوقود، كما يقول ماكلويد. إذ يستغرق ملء خزان سيارة الهيدروجين الوقت نفسه  الذي تستغرقه سيارة البنزين، بدلاً من عدد الساعات التي تستغرقها عادةً السيارة الكهربائية لإعادة شحن بطاريتها. ويمكنك أيضا الانتقال إلى أبعد من ذلك مع خزان ممتلئ بالهيدروجين – نحو 500 كيلومتر، مقارنة بـ 300 كيلومتر لبطارية قياسية مشحونة بالكامل (انظر: الجدول).

ولكن على الرغم من أنّ الهيدروجين يتفاعل بطريقة نظيفة الشيء الوحيد الذي يخرج من أنبوب العادم هو الماء- طاقة مَركبات الهيدروجين أكثف من طاقة المركبات الكهربائية إذا وضعت في الحسبان عامل إنتاج الوقود ونقله، كما يقول جيك وايتهيد Jake Whitehead في جامعة كوينزلاند University of Queensland بأستراليا.

وقود نظيف؟

وحتى هذه اللحظة يُستخرج معظم الهيدروجين من الغاز الطبيعي – وهو وقود أحفوري. ويمكن صناعة الهيدروجين “الأخضر” عن طريق فصل الماء باستخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. ويتضمن ذلك خطوات متعددة، كل منها يستخدم الطاقة على طول الطريق في مقابل خطوة واحدة مطلوبة لإعادة شحن بطارية السيارة في المنزل مباشرة.

وإذا وضعت دورة الطاقة الكاملة في الاعتبار، ستوضح نماذج وايتهيد أنّ مركبات الهيدروجين تتطلب ما بين 80 و100 كيلو وات لكل ساعة من الكهرباء للانتقال مسافة 100 كيلومتر، مقارنة بنحو 20 كيلو وات لكل ساعة لقطع المسافة نفسها بالسيارة الكهربائية. وهي كمية الشحن الرئيسية بمستوى مسك في سيارات الهيدروجين. “[الكفاءة] سيئة، فلماذا نقوم ذلك؟ هذا غير منطقي”، كما قال للصحفيين في مؤتمر أخبار السيارات Automotive News World Congress في ديترويت عام 2015.

ومن المعلوم أنّ وقود الهيدروجين هو أيضا أكثر تكلفة من البنزين. وتكلّف سيارات الهيدروجين حاليا نحو 13 سنتا للكيلومتر الواحد، مقارنة بـ 8 سنتات لكل كيلومتر من سيارات البنزين. ومع ذلك، تشير بعض التوقعات إلى أنّ التكاليف ستكون متكافئة بحلول عام 2025، فتكون تكنولوجيا إنتاج الهيدروجين أرخص.

ولا يوجد على الطريق في الوقت الحالي، سوى ستة 6 آلاف سيارة هيدروجين في جميع أنحاء العالم، مقارنة بمليوني مليون سيارة كهربائية. وبناءً على أوغدن، فإنّ مركبات الهيدروجين قد تكون في نهاية المطاف أكثر شعبية بين سائقين معينين، إذ تقول: “إذا كنت تستخدم سيارتك فقط للتنقل لمسافات قصيرة أو حول المدينة، فيمكن للسيارات ذات البطاريات سد جميع احتياجاتك بهذا الخصوص،” وتُضيف قائلة: “ولكن إذا كنت ترغب في سيارة كبيرة لتقودها لمسافات طويلة في الجبال متى ما أردت ذلك، فسيارة خلية وقود الهيدروجين قد تكون أفضل لك.”

ويقول دولان إنّ الوقت القصير المستغرق لإعادة التزود بالوقود والنطاق الأطول لخلايا وقود الهيدروجين يجعلها أكثر ملائمة لقائدي سيارات الأجرة والحافلات وشاحنات النقل الطويلة. ويقول: “لا يمكن لهذه المركبات تحمل تبعات توقفها عن العمل لساعات في كل مرة تحتاج فيها إعادة شحن بطاريتها.”

وقد وجدت خلايا وقود الهيدروجين بالفعل تطبيقات لها في هذه المركبات ذات الاستخدام الثقيل. وستعرض اليابان مئة حافلة هيدروجينية في أولمبياد طوكيو 2020، وتخطط كوريا الجنوبية لإدخال ألف حافلة هيدروجينية بحلول عام 2022. ويجري اختبار أسطول يضم 180 سيارة، أجرة واستخدام خاص وشرطة، هيدروجينية في لندن وباريس وبروكسل. وقد استثمر متجر البيع السحابي أمازون AMAZON مؤخرا في الرافعات الشوكية Forklifts التي تعمل بالطاقة الهيدروجينية لمخازنها. وبخصوص ذلك تقول شركة التصنيع الأمريكية نيكولا موتورز Nikola Motors إنها تلقت أحد عشر ألف طلب مسبق لشاحنتها التي تعمل بخلية وقود الهيدروجين.

نوع السيارة بنزين بطارية كهربائية خلية وقود هيدروجيني
انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أول أكسيد الكربون، غازات أكسيد النيتروجين NOx إلخ. لا يوجد ماء
الوقت المعتاد للشحن/إعادة التزود بالوقود 3 – 5 دقائق 8 ساعات 3 – 5 دقائق
المسافة الاعتيادية 400 كيلو متر 300 كيلو متر 500 كيلو متر
تكلفة التشغيل الاعتيادية 8 سنتات لكل كيلومتر 3 سنتات لكل كيلومتر 13 سنتا لكل كيلومتر

تقود اليابان وكوريا الجنوبية هذه التقدم؛ لأنها تريد أن تحتضن تكنولوجيا الانبعاثات الصفرية، ولكن مزيجها من كتل اليابسة الصغيرة وتعداد السكان الضخم يعني أنه ليس لديها ما يكفي من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح أو غيرها من الطاقة المتجددة لدعم عدد كبير من السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية، كما يقول دولان.

ولا يمكنهم استيراد الطاقة المتجددة ذاتها، ولكن يمكنهم استيراد الهيدروجين المصنوع من الطاقة المتجددة من البلدان الأخرى. ويمكن لأستراليا، على سبيل المثال، أن تستخدم طاقتها الشمسية الوفيرة لفصل المياه وتصدير الهيدروجين إلى هذه الدول، كما يقول دولان؛ ويضيف أيضا: “يمكنك اعتبار الهيدروجين كحامل للطاقة المتجددة بشكل أساسي.”

 

هناك نحو ستة آلاف سيارة هيدروجين على الطريق عالميًا، مقابل مليوني سيارة كهربائية.”

ويشعر كثير من الناس بعدم الارتياح إزاء الهيدروجين بسبب ارتباطه بالقنابل الهيدروجينية وكارثة هيندينبرغ عام 1937 التي اشتعل فيها منطاد مليء بالهيدروجين؛ مما أسفر عن مقتل 36 شخصًا. ولكن خزانات خلايا الوقود الهيدروجيني الحديثة المستخدمة في هذه المركبات مصنوعة من طبقات متعددة من الراتنج وألياف الكربون والألياف الزجاجية التي تحافظ بأمان على احتواء الغاز القابل للاشتعال. وتُظهر الاختبارات أنه بإمكانهم تحمل إطلاق أو إشعال النار فيها. وإنّ الطرق الجديدة لنقل الهيدروجين، كما في حالة الأمونيا، ستجعل انتشارها أكثر أمانًا، كما يقول ماكليود.

والسيناريو الأكثر احتمالا في المستقبل هو أنه سيكون لدينا مزيج من المركبات التي تديرها البطاريات والهيدروجين والبنزين، فيؤدي كل منها أدوارا مختلفة، كما تقول أوغدن؛ وتُضيف قائلة: “ويقول مؤيدو التقنيات المختلفة إن جميع المركبات ستكون هيدروجينية أو جميعها كهربائية، لكن صناع السيارات يضعون رهانهم على كليهما.” ووفقًا لاستطلاع الشركة KPMG، يتوقع صانعو السيارات أربعة انقسامات متساوية بين السيارات الكهربائية والهيدروجينية والحالية (بنزين) والهجينة (هيدروجين وبطارية) بحلول عام 2040.

وسيعتمد المزيج النهائي على رغبة الحكومات والصناعة في الاستثمار بالبنية التحتية للهيدروجين (على سبيل المثال، من خلال بناء محطات للتزود بالوقود وتقديم حافلات الهيدروجين) إضافة إلى حماس مستهلكين سيارات الهيدروجين. ولكن ما إذا كان الأمر سينتهي بفوز طاقة الهيدروجين أو طاقة البطارية بالنصيب الأكبر، فمن المرجح أن أي انخفاض في هيمنة مركبات البنزين يعتبر أمرًا جيدًا. ومع انخفاض نسبة الكربون المنبعث الذي يرفع درجة حرارة كوكبنا، وانخفاض أبخرة العادم السامة التي تخنق رئتنا وانخفاض الضباب الدخاني الذي يلوث أفقنا، فسنكون جميعنا أفضل حالاً.

نُشرت المقالة في مجلة نيو ساينتست، العدد 3194، 8 سبتمبر 2018.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى