أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم الطبيعية

يمكن لأعداد كافية من الأيائل وآكلات الأعشاب الكبيرة تأخير ذوبان التربة المتجمِّدة Permafrost.

إعادة توطين آكلات الأعشاب المفقودة قد تساعد على تقليل حدّة التغير المناخي الأراضي الطبيعية المُستعاد بريتها، والتي قد تكون أكثر برودة وأقل عرضة للحريق

بقلم: إليزابيث بينيسي Elizabeth Pennisi
ترجمة: مي منصور بورسلي

توصلت دراسات جديدة إلى أنّ إعادة توطين حيوانات الرنة ووحيد القرن وغيرها من الثدييات الكبيرة قد تساعد على حماية الأراضي العشبية والغابات والسهول الجليدية من حرائق الغابات الكارثية والتهديدات الأخرى المرتبطة بالاحترار العالمي Global warming. وتعطي النتائجُ دعاةَ ما يسمى بإعادة تأهيل المستويات التغذوية في الحياة البرية Trophic rewilding- إعادة تقديم الأنواع المفقودة لإعادة إنشاء شبكات غذائية صحية – مبررًا جديدًا لإعادة الحيوانات الكبيرة آكلة الأعشاب.

إذ تُقدم إعادة الحياة البريّة “حلولاً لبعض المشكلات المهمة الناشئة عن تغير المناخ”، كما يقول عالم البيئة ينس- كريستيان سفيننغ Jens-Christian Svenning من جامعة آرهوس Aarhus University في الدنمارك، وهو محرر في عدد خاص من الموضوع الذي نُشر هذا الأسبوع في دورية المعاملات الفلسفية للجمعية الملكية البريطانية بي Philosophical Transactions of the Royal Society B. وتضيف إليزابيث باكر Elisabeth Bakker، عالمة الإيكولوجيا من المعهد الهولندي للإيكولوجيا Netherlands Institute of Ecology في فاغينينغن، والمحررة المشاركة: “إنّ مدى … الفوائد الجانبية للمجتمع الإنساني هائل.”

غالبًا ما ترتبط إعادة تأهيل الحياة البريّة بمقترح طموح لاستعادة الثدييات الكبيرة، بما في ذلك ماموث العصر الجليدي، إلى متنزه ضخم في روسيا Science, 4) December 2015, p. 1148). ولا يزال إعادة إحياء الماموث مجرد حلم، إذ يُركز معظم المشتغلين على إعادة تأهيل الحياة البرية على إعادة تقديم الحيوانات التي تشمل السلاحف العملاقة والقنادس البانية للسدود أو قطعان من آكلات الأعشاب.

والآن، يمكن أن تُقدم إعادة الحياة البرية مكافأة مناخية على ما يبدو. ومع ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض، صارت مواسم الحرائق أطول بنسبة 25% عما كانت عليه قبل ثلاثين عامًا، وازدادت المناطق المُعرّضة للحرائق الشديدة، كما يُشير عالم البيئة كريستوفر جونسون Christopher Johnson من جامعة تسمانيا University of Tasmania في هوبارت بأستراليا. وقد فحص مع زملاؤه الدراسات السابقة للحصول على بيانات حول الموائل في جميع أنحاء العالم حتى عام 1945 التي فقدت أو اكتسبت قطعانا كبيرة من آكلات الأعشاب، وذلك لمعرفة ما إذا قد شهدت تغيرًا في وتيرة الحرائق أو شدتها. ووجد الباحثون دراسات حول أربع عشرة من الأراضي الطبيعية القديمة التي يصل عمرها إلى ثلاث وأربعين ألف سنة واستخدمت جراثيم فطرية مرتبطة بالروث كمؤشر لوفرة الحيوانات العاشبة، والفحم كمؤشر لتكرار الحرائق، وحبوب اللقاح للكشف عن الغطاء النباتي القديم. وذكروا أنه في نحو نصف الأراضي الطبيعية، ازدادت الحرائق وتغير الغطاء النباتي بعد اختفاء الحيوانات العاشبة؛ ولم تجد الدراسات الأخرى أي تأثير واضح.

كما فحص الباحثون السجلات من ثلاث أراض طبيعية حديثة، بما في ذلك حديقة هلوهلوي إمفلوزي Hluhluwe Imfolozi Park في جنوب إفريقيا ذات المئة عام. إذ تشير البيانات إلى اندلاع حرائق أكبر وأكثر تكرراً هناك بعد أن نقلَ المدراءُ الحيواناتِ الكبيرة آكلة الأعشاب، بما في ذلك وحيد القرن الأبيض والنّو والحُمر الوحشية والجاموس والإمبالة. (نقل الحراس الجوالة الحيوانات كجزء من جهود القضاء على ذبابة تسي تسي أو للحد من الإفراط في الرعي). وفي حالة وحيد القرن الأبيض، فقد امتدت الحرائق في المتوسط إلى عشرة هكتارات فقط عندما كانت الحيوانات موجودة – لأنها أبقت النباتات قصيرة جدًا، مما تسبب في انقطاع مسار سريان النيران – ولكن مساحة الحرائق زادت إلى 500 هكتار في المتوسط بعد اختفاء حيوانات وحيد القرن.

وعلى غرار ذلك، فقد وجد فريق جونسون في الأراضي العشبية الأسترالية أنّ قطعان جاموس المستنقعات البرية ساعدت على السيطرة على حرائق الغابات بوسائل مشابهة. وبعد أن تفحّص الباحثون تاريخ الحيوانات العاشبة والحرائق في جنوب غرب الولايات المتحدة، بدا أن بعض آكلات الأعشاب – بما في ذلك الظبي شائك القرن وكبش الجبال الصخرية الصحراوي والبيسون الأمريكي وحتى الماشية المستأنسة – ساعدت من خلال أكل الحشائش على حرمان الحرائق التي تعتبر وقودا لها. وفي الوقت نفسه تشير دراسات النمذجة إلى أن بعض أنواع الحيوانات آكلة الأعشاب تقلل من مخاطر الحريق عن طريق تغيير بالتربة، فهي تدفن مخلفات أوراق النباتات والمواد الأخرى القابلة للاشتعال. ويخلص جونسون وزملاؤه إلى أنّه: ” قد تكون للفقاريات تأثيرات قوية في أنظمة الحرائق،” وأنّ إعادة توطين الحيوانات الكبيرة آكلة الأعشاب قد تكون تدبيراً فعالاً للسيطرة في الوقت الذي تزداد فيه المخاطر.

وتشير دراسات أخرى إلى أنّ الحيوانات آكلة الأعشاب قد تساعد أيضًا على الحفاظ على سهول التندرا، وهي نظام إيكولوجي شبه جليدي خالي من الأشجار يقع في القطب الشمالي على الجبال المرتفعة. وتساهم درجات الحرارة المتصاعدة في القطب الشمالي على تمكين الأشجار والشجيرات من غزو التندرا. إذ تعمل النباتات الخشبية على تضخيم احترار القطب الشمالي عن طريق امتصاص الحرارة وحبس طبقة من الثلج التي تعزل الأرض، مما يجعلها أكثر دفئًا. ونتيجة لذلك يؤدي ذوبان التربة إلى انبعاث المزيد من الكربون المُخزّن وغازات الدفيئة الأخرى.

وقد يساعد إعادة تقديم أعداد كبيرة من الحيوانات العاشبة التي تتغذي بالشجيرات على وقف هذه الدائرة المفرغة، كما كتب عالم الإيكولوجيا يوهان أولوفسون Johan Olofsson في جامعة أوميو Umeå University في السويد وإيريك بوست Eric Post في جامعة كاليفورنيا University of California في ديفيس. وكلما ازدادت الأنواع – مثل ثور المسكوكسين الكبير أو الموظ أو البيسون الأمريكي أو الأيل (المعروف أيضا بالرنة) – كان أفضل. إلا أنهم يقولون إنّ الفائدة الأكبر قد تأتي من إعادة التفكير في قواعد الصيد والتنمية الحالية لتهيئة قطعان أكثر كثافة وتنوعا. وكما يقول أولوفسون: “قد تكون إعادة توطين الحياة البرية واحدة من الطرق القليلة التي يستطيع بها البشر في القطب الشمالي التخفيفَ من ظاهرة الاحترار العالمي، أو على الأقل التخفيف من عواقبها.”

ويُشكك آخرون في ذلك. مثل أي جهد لإعادة هندسة النظام الإيكولوجي، من الصعب توقع الآثار بعيدة المدى لإعادة توطين الحياة البرية، كما يُحذر جوزيف بمب Joseph Bump، عالم الإيكولوجيا في جامعة مينيسوتا University of Minnesota في سانت بول. وتشير بعض عمليات النمذجة، على سبيل المثال، إلى أنّ زيادة الرعي في القطب الشمالي سيؤدي إلى تحرير المزيد من غاز الكربون، وليس العكس. والوصول إلى قطيع كبير بما يكفي لإحداث فرق في القطب الشمالي قد يكون صعبا، كما يقول عالم الإيكولوجيا أندرو تانينتزاب Andrew Tanentzap من جامعة كامبردج University of Cambridge في المملكة المتحدة. ويُضيف، قد تكون “قطرة في دلو في بحر ذوبان التربة المتجمدة.”

حتى أقوى المدافعين عن إعادة الحياة البرية يعترفون بحدودها. ويقول سفيننغ إن  المطالبة بإعادة توطين الحياة البرية كحل ناجع “للتغير المناخي” هو تفاؤل مبالغٌ فيه، ويُضيف قائلا: “إلا أنّه من الواضح أنه قد يؤدي دورًا.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى