أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العقل / الذاكرة

ملف الذاكرة : كيف يمكن لشخصين اثنين تذكّر حدث ما بشكل مختلف جدا؟

لكل منا نظام ذاكرة شخصي محدّد من قبل الدماغ، ولذا حين تتشاجر في المرة القادمة مع شخص ما حول ماذا جرى فعلا، تذكّر أنّ كليكما قد يكون مصيبا.

بقلم : كاثرين دي لانغ
ترجمة : محمد قبازرد

إنه اليوم التالي لجدال صاخب وأنت عازم على تلطيف الأجواء. ولكنك كلما تكلمت أكثر عن الخلاف مع شريكك، عانيت أكثر لإخفاء شكّك وتوجّسك. حسنا، كيف يمكن للتذكر أن يكون خاطئا إلى هذه الدرجة؟ فالأمر وكأنكما تقرآن من نصّي سيناريوهين مختلفين.

وي بعض الأحيان أنتما بالفعل تقرآن من نصين مختلفين. ويقول سيغني شيلدون Signy Sheldon من جامعة ميغيل McGill University في كندا، حتى نفهم كيف يمكن أن يخوض الناس الحدث نفسه ولكنّهم يتذكرونه بشكل مغاير تماما، نحتاج إلى أن ننسى جميع افتراضاتنا المسبقة حول كيفية عمل الذكريات.

نميل إلى اعتبار الذكريات كمعلومات محفوظة في خزانة ملفات دماغية للاستعمال المستقبلي. في الواقع، إنها تُبنى فقط حال استحضارنا لها. كل المعلومات التي سمعتها خلال الجدال – ماذا قيل، المشهد، أحاسيسك، انفعالاتك – كانت قابعة في خمول. لم يطرأ شيء حتى استدعيت أنت الحدث لعقلك في اليوم التالي الذي فعّلت فيه استعراضا ذهنيا واعيا لما جرى. ودوناً عن كل التفاصيل التي قد تكون انتقيتها، بإمكانك الرّهان على أنك لم تركز على التفاصيل التي ركّز شريكك المخاصم.

أحد أسبابك ذلك هو سبب أساسي، فكما يقول شيلدون: “بدأنا نستوعب الآن أنّ هناك فروقات فردية قوية في كيفية تذكّر الأفراد.” وإضافة إلى ذلك، فإن هذه الفروقات محفورة في أدمغتنا، وتأتي التفسيرات حول ما يجرى من أشخاص مصابين بمرض الأفينتيشيا Aphantasia أي عدم القدرة على تكوين صور ذهنية. ولا غرابة أن ذاكرات أولئك الأشخاص تفتقر إلى مكوّن التخيّل، على الرغم من قدرتها على استرجاع الوقائع. تساءل شيلدون ورفاقه عمّا لو قد يساعد هذا على فهم الوسائل المتفاوتة التي يتذكّر الناس من خلالها الأشياء.

ولاستكشاف هذا الاحتمال، طلب شيلدون ورفاقه إلى المتطوعين استكمال استبانة حول كيفية ميلهم إلى التذكّر قبل مسح أنسجة أدمغتهم. وجد الفريق أنّ أسلوب ذاكرتهم انعكس في  توصيلات أدمغتهم Brain Connectivity. فأولئك الذين كانوا أفضل تذكّرا للوقائع كانت لديهم روابط حركية أكثر بين منطقة الحُصين ومنطقة القشرة الأمامية Frontal Cortex المرتبطة بعمليات التفسير والتعليل Reasoning. أما أولئك ذوو الذكريات الثرية الملأى بالسّير الشخصية الدقيقة، بالمقابل، فقد كان لديهم ارتباطات أكبر بين منطقة الحصين ومناطق دماغية متداخلة أكثر بعمليات التخيّل والتصوّر Visual Processing. ويسترسل شيلدون قائلا: “إنّ أدمغة البشر مصممة بشكل متباين اعتمادا على طبيعة وكيفية استدلالهم للفعل المسترجع.”

” ندرك الآن أنّ هناك فروقات فردية قوية في كيفية استذكار الأفراد.”

إلى جانب تلك الفروقات، هناك أسباب أخرى تفسّر لما قد يمتلك شخصان اثنان ذكريات متضاربة حول ذات الحدث واختلاف تفاعلهم العاطفي تجاهه، فيقول شيلدون: “يمكن للأحداث العاطفية أن تُستحضر بشكل طبيعي أكثر، وكأنها طبعت في أدمغتنا.”. فالأمر يبدو وكأننا نسلّط ضوءا على أمور تهمّنا حقا. وما نتذكّره سوف يتأثّر أيضا فيما لو اعتبرناه نافعا أم لا. وهناك فوائد لهذا أيضا، إذ بإمكانه أن يساعدنا على تعلّم عبر ودروس وكذلك الارتباط بالآخرين. وعملية تطويع الذاكرة Memory Malleability غالبا ترى على أنها -على حدّ وصف شيلدون لها- “شيء معطوب .. لكنّه بالفعل متكيّف ومرن جدا.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى