أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الإنسان

ملف الذاكرة : هل نعلم يا تُرى لأي شيءٍ هي الذاكرة؟

تذكّر الماضي مفيد، غير أن غايات الذاكرة قد تكون مغايرة تماما- من التخطيط للمستقبل إلى التواصل مرورا بالتعلّم.

بقلم : أليسون جورج
ترجمة : محمد قبازرد

بداية يبدو الأمر جليا، تختصّ الذاكرة بالماضي، إنها قاعدة بياناتك الشخصية لأشياء قد خبرتها فيما سبق.

في الواقع، إنّ لهذا المستودع غاية تتخطى مجرّد استحضار المعلومات. وتُستخلص بعض أفضل شواهدها من دراسات أجريت على مصابين بتلف دماغي أو بفقدان ذاكرة Amnesia.

في مطلع ثمانينات القرن العشرين كانت هناك حالة شهيرة لمريض يشار إليه بالرمز كي. سي. KC. فبعد حادث دراجة نارية لم يتبق لديه سوى ذاكرة عرضية Episodic memory تمكّنه من تذكّر الوقائع والأحداث دون تذكّر لمشاعره الشخصية حول تلك الأحداث. والغريب أنّ ذلك حال أيضا دون أمر آخر مختلف تماما. تقول إيلينور ماغواير Eleanor Maguire من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London: “من خلال دراسة المرضى الذين ليس لديهم سوى قدرة ضعيفة على استرجاع الماضي، نجد أنهم عاجزون أيضا عن تخيّل المستقبل.”

نحن نعلم الآن أنّ هناك علاقة وثيقة بين كونك قادرا على تذكّر أحداث الماضي وكونك قادرا على التخطيط للآتي. فدراسات تصوير الدماغ -على سبيل المثال- تظهر أن هناك أنماطا متماثلة من النشاط الدماغي تجمعهما معا. ويبدو أن العامل الأساس هو القدرة على توليد صور عقلية Mind’s eye. وتضيف ماغواير: “لو فكرت في الأمر … تذكّر الماضي، تصوّر المستقبل، بل حتى فهم الأبعاد المكانية؛ لوجدت أن كلها تتضمن في العادة بناء مشهد تخيلي.” وقدرتنا على تصوّر الماضي تؤهلنا كذلك لتخيّل المستقبل، ومن ثم التخطيط له. وعملية التخطيط هذه هي واحدة من العمليات الذهنية المعقّدة التي تميّز الإنسان عن سائر الكائنات الحية.

لو لم نستطع استحضار الخبرات والأحداث الماضيّة، لتقلّصت قدرتنا على اتخاذ قرارات سليمة، فأثناء اتخاذ القرار يستعمل الدماغ الخيارات السابقة والمعرفة القديمة المخزونة ليقيّم الخيارات ويتخيّل كيف يمكن لها أن تتبلور.

والفكرة السائدة حاليا هو أن الذاكرة تطوّرت لتمكّن نوعنا البشري من التواصل فيما بيننا. واقترح عالما الإدراك العصبي من جامعة أوروبا الوسطى Central European University في بودابست بهنغاريا، يوهان موهر وغيرغلي سيبرا Johannes Mahr & Gergely Csibra بأنّ الفرق المفصلي بين ذاكرة الإنسان ومثيلتها في سائر الحيوانات هو أننا لا نستحضر الوقائع فحسب، ولكننا نتذكّر أيضا كيف أُحطنا علما بها. “هذا مختلف عن مجرّد معرفة الحدث،” كما يؤكّد موهر، ويستطرد مردفا: “فامتلاك خبرة سابقة بشيء ما يمنحنا سلطة ويجعلنا أكثر إقناعا ودقة.”

يعتقد موهر أن عملية إرسال الإشارات المعقولة هي جزء حيوي من إدارة علاقاتنا الاجتماعية وأنظمتنا العقائدية، ومن دونه سنكون غير قادرين على تبرير استحقاقاتنا والتزاماتنا الاجتماعية كالمواثيق مثلا، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال المراجعة الصريحة لأحداث الماضي.

وليس من المعروف بعد ما إذا أدّت الذاكرة إلى تواصل معقّد أم العكس، ولكنّ من المعروف أنّ القضيّة أعمق بكثير من مجرد كونها بيانات بنكية لسجل الماضيّ. فالذاكرة مهمة لحاضرنا ومستقبلنا، وهذا أمر يستحق أن نتذكّره.

© Copyright New Scientist Ltd

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى