أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العقل / الذاكرة

ملف الذاكرة: ماذا يحدث للذاكرة مع مرور الزمن؟

تخبو الذكريات، ولكن هذا ليس صدفة. فالنسيان حيلة مفيدة من العقل، بل حتى عندما تفقد الذكريات، هي ليست منسيّة دوما.

بقلم : سام وونغ  و كاثرين دي لانغ
ترجمة : محمد قبازرد

تضمحلّ الذكريات سريعا،  كما يعلم كلنا جيدا، يقول عالم الأعصاب مارك هوارد Marc Howard من جامعة بوسطن Boston University: “عندما يقع كل شىء كما هو متوقع، فإن تذكّر أمورا منذ أمد بعيد أصعب بطبيعة الحال من تذكر الأمور الأقرب حدوثا.”

ولكن النسيان لا يحصل صدفة. تكشف الوقائع أنّ المسألة متعلّقة بشدّة بالعمليات النّشطة في الدماغ.

ففي الحُصَين Hippocampus على سبيل المثال، وهو الجزء الذي يؤدي دورا في الذاكرة، هناك خلايا جديدة تتشكّل خلال دورة الحياة. ويستلزم هذا الأمر طاقة لحدوثه، غير أنّ هذه الخلايا الجديدة يبدو أنها تمحو وتعفّي الذكريات المكوّنة وتحفّز النسيان.

لماذا يتعين على الدماغ أن يستثمر طاقته في تعطيل ذكرياته الخاصة؟ المسألة ليست في مساحة أو سعة التخزين، إنه وفقا لعدد الخلايا والرّوابط العصبيّة هناك سبب واف لنؤمن بأنّ بمقدورنا التذكّر أكثر بكثير مما نفعل.

وفقا لبليك ريتشارد Blake Richard من جامعة تورنتو University of Toronto في كندا، فإنّ الهدف من الذاكرة ليس في تخزين المعلومات عشوائيا، بل في تحسين عملية صنع القرار في المستقبل (انظر: لأي شيء هي الذاكرة؟). ويتراءى الأمر أنّ نسيان أكثر خبراتنا يساعدنا فعليا على تعلّم دروس مهمة.

يعتقد أنّ كلّ ذاكرة تحفظ في شبكة خلايا عصبيّة بينيّة الاتصال. ولاستحضار ذاكرة ما تحتاج إلى جزء ما منها، فعلى سبيل المثال لتستذكر من أتى إلى حفل عيد ميلادك الأخير، قد تبدأ عن طريق تصوّر ذلك المكان الذي أقيم به الحفل.

لقد صمّم باحثو الذكاء الاصطناعي برامج حاسوب تعمل على المبادئ نفسها تعرف والتي بالشبكات العصبية  Neural networks، فقد اكتشفوا أنّه عندما تنقل الذكريات عبر وحدات اتصال خلوية بينية كهذه، فهناك احتمال معقول لحدوث ما يُطلق عليه بالتّداخل Interference بحيث تعيق ذاكرة واحدة -وبشكل فاعل- استحضار ذاكرة أخرى. وهذا صحيح على وجه الخصوص حين تشترك الذكريات في ذات المحتوى، وقد ينتهي بك الحال إلى ذكريات مشوّشة لحفلي عيد ميلاد أقيما في الحي نفسه. وإضافة إلى ذلك، إذا خزّنت ذكريات لم تعد نافعة، هناك خطر كبير أنها سوف تعيق حفظ ذكريات جديدة.

امتلاك ذكريات أقلّ بإمكانه أيضا جعل مسألة رصد الأنماط المهمة منها، والتي تساعدنا على التخطيط للمستقبل، مسألة يسيرة. فبتذكّرك تلك الأوقات حينما كانت حركة المرور سيئة في طريق رحلتك مثلا، ستعرف أيّ الأوقات التي ينبغي تفاديها. ولكن بتذكّرك كلّ رحلة منفردة على حدة، فإنه سيجعل من معرفتك لهذه الأنماط أمرا مستحيلا.

بل وهناك أسباب أقلّ عملية للنسيان، خصوصا مع تقدّمنا في العمر. وتقول أويفي كيلي Aoife Kelly من جمعية الألزايمر Alzheimer’s Society  الخيرية البريطانية، إنّ أجسامنا ببساطة ليست مكيّفة للعيش لمثل الأعمار التي نعيشها.

إلى جانب بعض الخلايا الجديدة في الحصين، تضيف كيلي: “إن الخلايا العصبية التي ولدت بها هي على الأغلب التي ستحيا بها حياتك كلها، إنها بالتأكيد مسألة استنزاف دماغي.” فكلما نكبر نخسر الكثير من الروابط بين هذه الخلايا العصبية، وقد تبدأ الخلايا المناعية في الدماغ بالتدهور والموت أيضا.

وتنوّه كيلي أنه لا تزال هناك عوامل -كالصحة والتعليم- تؤدي دورا كبيرا في كيفية ضمور ذاكرتنا مع تقدّمنا في العمر. وحتى حين تبدو الذكريات وكأنها قد اختفت، فهي لا تزال تقبع غالبا في مكان ما، ونحن الذين لا نستطيع أو لا نريد استحضارها حتى ورود اللحظة المناسبة، ذلك هو جلّ الأمر فحسب.

© Copyright New Scientist Ltd.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى