أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

أسبوع عمل من أربعة أيام ربما يحسِّن صحتنا ويخفض انبعاثات الكربون

«إنسايت» هو دليلك إلى العلوم والتكنولوجيا التي تحول عالمنا، إذ يتيح لك كل ما تحتاج إلى معرفته حول القضايا الأكثر أهمية

بقلم: مايكل لو بيج

ترجمة: صفاء كنج

هناك حركة متنامية حاليا نحو إحداث تغيير جذري في طريقة عيشنا. ويقول من يقفون وراء هذه الحركة إن هذا التغيير سيحسِّن من صحتنا ويجعلنا أسعد وأكثر  إنتاجية، وسيخفض بصورة هائلة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويخفف الضغط على الطبيعة.  وسيجعل ذلك البلدان أكثر ثراءً ويقلل الفوارق بينها. لكن هل نحن مستعدون حقّاً لأسبوع عمل من أربعة أيام؟

تكتسب الفكرة مزيداً من التأييد، في المملكة المتحدة على الأقل، إذ حصلت على تأييد بعض النقابات العمالية، ويناقشها حزب العمال والحزب الوطني الاسكتلندي، في حين بدأ عدد قليل من الشركات الصغيرة بتجربتها، وتنظر مؤسسة ويلكوم ترست Wellcome TrustK العلمية الخيرية التي يعمل لديها 800 موظف في اعتمادها.

«الانخفاض بنسبة 1% في ساعات العمل قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 0.8% في انبعاثات الكربون.»

 يشير الاقتراح إلى أن المجتمع يبتعد عن أنماط العمل المعتادة المحددة بـ40 ساعة أسبوعياً موزعة على خمسة أيام، التي تستمد جذورها من الحركة العمالية في القرن الـ19. بدلاً من ذلك، يريد مناصرو الحملة منا ألاّ نعمل أكثر من 32 ساعة، أربعة أيام أسبوعيّاً، على أن نحصل على راتبنا وكأننا نعمل لخمسة أيام.

يقول إيدان هاربر Aidan Harper من مؤسسة الاقتصادات الجديدةNew Economics Foundation، وهي مؤسسة بحثية بريطانية تدعم حملة أسبوع الأيام الأربعة 4 Day Week Campaign: «إننا ندافع عن تخفيض وقت العمل دون تخفيض الأجور.»

يقدم تقرير صادر عن الحملة في يناير 2019  مجموعةً كبيرةً من الأدلة تبين أن العمل لساعات طويلة ضار بالصحة البدنية والذهنية. لكن العديد من هذه الدراسات شملت أشخاصاً يعملون من 50 إلى 60 ساعة في الأسبوع بدلاً من المقارنة بين العمل لخمسة وأربعة أيام. وهناك الكثير من الأدلة على أن البقاء دون عمل أو العمل القليل أمر سيِّئ كذلك.

إذاً، متى تعد كمية العمل زائدة عن الحد؟ استخدمت هيونغ دينه Huong Dinh ، من الجامعة الوطنية الأستراليةAustralian National University  وزملاؤها بيانات استبانات 8000 فرد في محاولة لمعرفة عدد الساعات التي قد يعملها الناس قبل أن تبدأ صحتهم النفسية بالتدهور. وبلغ الحد الأدنى في المتوسط 39 ساعة، وهو تقريباً مماثل لـ40 ساعة في الأسبوع، على الرغم من أنه أقل بكثير من الحد القانوني البالغ 48 ساعة في العديد من البلدان.

لكن الوضع مختلف تماماً بالنسبة إلى النساء اللواتي لا يحصلن على أجور مقابل توفير الرعاية الأسرية إذ تبدأ صحتهن النفسية بالتدهور بعد 31 ساعة فقط من العمل المدفوع الأجر. ومن ثم فإن النظام الحالي يترك النساء في وضع غير مؤات.

ويقود هذا إلى سبب آخر لاقتراح أسبوع عمل من أربعة أيام: تحسين المساواة في المجتمع. والفكرة مبنية على أن ذلك سيساعد النساء على المنافسة من موقع يحظين فيه بمزيد من المساواة ويزيد فرص العمل مع تقاسم العمل بين أعداد أكبر من الأفراد.

لا تزال هناك فجوة هائلة بين الجنسين. وتبلغ الفجوة في الأجور بين الجنسين نحو 20% في المملكة المتحدة، وما زالت النساء يؤدين معظم مهام رعاية الأطفال وإدارة المنزل ورعاية الأقارب.

ويستند أصحاب الحملة في حجتهم إلى أن مزيداً من النساء قد يعملن بدوام كامل كما سيتحمل مزيد من الرجال مسؤوليات الرعاية إذا عمل الجميع أربعة أيام في الأسبوع، وهو ما يحقق الفائدة للاقتصاد ككل. وهناك بعض الأدلة على أن النساء يستفدن بالفعل عند تخفيض ساعات العمل: إذ أبلغن عن رضا وظيفي أعلى وعن تراجع احتمال اضطرارهن للعمل بدوام جزئي.

تقول آنا كوت Anna Coote التي تعمل كذلك في مؤسسة الاقتصادات الجديدة: « كانت الثقافة التي يُتوقع فيها من الرجال والنساء استخدام الوقت بصورة مختلفة بحد ذاتها العائق الأكبر أمام تكافؤ الفرص.» وتضيف أن هذا لم يكن له انعكاس سيئ على النساء فقط، «بل عُزل الرجال عن أطفالهم وحياتهم العائلية.»

تقول كوت إن من شأن العمل لأربعة أيام في الأسبوع أن يحدث فرقًا هائلاً، لكن ثقافة العمل لدينا بحاجة إلى التغيير أيضاً، «فما من عصا سحرية هنا. لن يحدث الأمر بين عشية وضحاها.»

عمل أقل، وظائف أكثر

هل سيؤدي تقصير أيام العمل الأسبوعية إلى خلق المزيد من الوظائف ذات الأجر الجيد ومن ثم تقليل الفجوة بين الفقراء والميسورين؟ يشير الاقتصاديون هنا إلى ما يسمونه مغالطة محدودية فرص العمل Lump of labour fallacy: إذ لا يوجد قدر محدد من العمل الذي يتعين القيام به في المجتمع ومن ثم فإن خفض ساعات العمل لن يخلق عدداً مكافئاً من الوظائف.

ويقول باحثون آخرون إنه صحيح فقط بالمعنى الرياضياتي الضيق القولَ إن اختصار أيام العمل يوماً واحداً لن يستحدث وظائف إضافية بالضبط بمعدل الخُمس. فهناك الكثير من الأدلة على أنه إذا طُبق ذلك بالطريقة الصحيحة، فإن تخفيض ساعات العمل قد يزيد من فرص العمل. ففي عام 1933، على سبيل المثال، طلب الرئيس فرانكلين روزفلت Franklin D. Rossevelt إلى أصحاب العمل في الولايات المتحدة الأمريكية تخفيض أسبوع العمل الذي كان يتراوح من 40 إلى 50 ساعة في ذلك الوقت إلى 35 ساعة وزيادة الأجور. وأدت هذه الخطة التطوعية إلى خلق 1.3 مليون وظيفة.

هناك سبب أكثر إثارة للدهشة للانتقال إلى أسبوع عمل من أربعة أيام: ربما يحد ذلك من الاحترار العالمي. أظهرت العديد من الدراسات وجود صلة قوية بين انبعاثات الغازات الملوثة وساعات العمل. على سبيل المثال، وجد يورغن لارسون Jörgen Larsson  وجوناس ناسين Jonas Nässén من جامعة تشالمرز للتكنولوجيا Chalmers University of Technology في السويد أن انخفاض ساعات العمل بنسبة 1% يؤدي إلى انخفاض الانبعاثات بنسبة 0.8%. وقد أدى ذلك إلى الادعاء بأن اعتماد نظام أسبوع عمل من أربعة أيام قد يخفض الانبعاثات بنسبة 16%.

ومع الأسف، فإن السبب الرئيسي لذلك هو أن الذين يكسبون أقل يستهلكون أقل. ومن ثم، على الرغم من أن الاستغناء عن استخدام المواصلات ليوم واحد قد يساعد على خفض الانبعاثات، غير أن هذه الانبعاثات لن تنخفض بشكل كبير إذا حصل الأفراد على الراتب نفسه، ويقول لارسون: «لا يمكنك الحصول على الأمرين في الوقت نفسه.»

ويرى البعض أن ما نحتاج إليه بالضبط هو التخلي عن النزعة الاستهلاكية المتفشية والتركيز على السعادة بدلاً من النمو الاقتصادي. لكن وفقاً لمكتب الإحصاء الوطني Office for National Statistics بالمملكة المتحدة: بينما يريد ثلث العاملين في البلاد البالغ عددهم 30 مليوناً العمل ساعات أقل، فإن 3.3 مليون فقط منهم قد يقبلون بخفض أجورهم.

في المقابل، لماذا يتعين على الشركات والدول أن تدفع للناس الأجر نفسه لأداء عمل أقل؟ يعتقد البعض أنه ليس عليها أن تفعل ذلك. وبينت تجربة في إحدى شركات الخدمات المالية تدعى بربتشوال غارديان Perpetual Guardian في نيوزيلندا أنه لا يمكن للأشخاص فقط أداء عملهم خلال أربعة أيام بدلاً من خمسة، بل يمكنهم أيضاً أداء ذلك على نحو أفضل.

ويعترف مؤسس الشركة أندرو بارنز Andrew Barnes  أن خدمات الرعاية الصحية على سبيل المثال، ستضطر إلى توظيف مزيد من الأطباء أو الممرضات إذا تحولت إلى أسبوع عمل من أربعة أيام، لكنه يقول إن الموظفين سيعاملون المرضى بكفاءة أكبر وستكون النتائج أفضل.

ويسأل: «هل تفضل أن يجري لك عملية جراحية طبيب بدأ مناوبته للتو أم طبيب بدأ عمله قبل عشر ساعات؟» ويضيف قائلاً: «إن النقاش بشأن أسبوع عمل من أربعة أيام يتعلق بنتائج الإنتاج بقدر ما هو نقاش حول التوازن بين العمل والحياة.»

«أكثر من %60 من الأفراد في المملكة المتحدة يؤيدون أسبوع عمل من أربعة أيام.»

 

على المستوى الأوسع، يقول القائمون على الحملة إن الدول التي يعمل فيها الأفراد ساعات أقل تميل إلى أن تكون لديها اقتصادات أقوى. ففي أوروبا تكون ساعات العمل أقل في البلدان ذات الاقتصادات المزدهرة مثل ألمانيا وهولندا والنرويج، وأكثر في اليونان التي تعاني أزمة اقتصادية. وتقل الإنتاجية في المملكة المتحدة بنسبة 25% عنها في ألمانيا لكنها أكثر بنسبة 10% في اليابان التي تشجع ثقافتها على العمل لساعات طويلة جداً.

مع ذلك، فإن جون بويز Jon Boys  من معهد تشارترد لشؤون الموظفين والتنمية Chartered Institute of Personnel and Development في المملكة المتحدة غير مقتنع بذلك. ويقول بويز إن هناك الكثير من القصص التي تُروى عن زيادة الإنتاج في الشركات، لكن لا توجد دراسات واسعة وصارمة تؤيد ذلك.

ولا يعتقد بويز بإمكان استخلاص أي استنتاج مؤكد من خلال مقارنة الدول؛ لأن هناك العديد من العوامل الأخرى المؤثرة. مع ذلك، فهو يفضل اعتماد أسبوع عمل من أربعة أيام، على الرغم من أنه يعتقد أنه ينبغي البدء بتحسين الإنتاج.

ما الذي نستخلصه من كل هذا؟ يوجد بالفعل الكثير من الأدلة على أن التحول إلى أسبوع عمل من أربعة أيام قد يعود علينا بجملة من الفوائد، لكن أيضا لا يمكن تعظيم كل هذه الفوائد في وقت واحد.

على سبيل المثال، إذا أنجز الناس عمل خمسة أيام في أربعة، لن تكون هناك زيادة في الوظائف ومن ثم ستبقى البطالة دون تغيير. وقد يؤدي إجبار الأفراد على العمل بكثافة أكبر للحفاظ على الأجر نفسه إلى زيادة الضغوط عليهم، كما أن خفض الأجر قد يكون مرهقاً لأولئك الذين يحصلون على رواتب منخفضة.

ويحذر تقرير للمعهد الأوروبي للنقابات العمالية European Trade Union Institute من أنه «لا يبدو أن هناك نهجاً واحداً يناسب الجميع لخفض وقت العمل يحقق جميع الأهداف ويحقق أداء جيداً في جميع المجالات.»

«ثلث العاملين في المملكة المتحدة البالغ عددهم 30 مليوناً يريدون تقليل ساعات العمل.»

مع ذلك، تحظى الفكرة بتأييد واسع في العديد من القطاعات. ويقول جاريد فيتزجيرالد Jared Fitzgerald من جامعة بوسطن كوليدج Boston College  في ماساتشوستس: «ساعات العمل ليست بحد ذاتها الحل الوحيد للتغيُّر المناخي، لكنها قد تحسِّن كل هذه الأشياء الأخرى أيضاً: البيئة والبطالة والصحة.» ويضيف فيتزجيرالد الذي وجد مع زملائه صلة قوية بين ساعات العمل وانبعاثات الكربون في الولايات المتحدة، قائلا: «قد تكون حجة قوية جدا إذا أخذت من منظور كونها مسألة استدامة شاملة.»

يعتقد فيتزجيرالد أنه من غير المحتمل أن تعتمد الولايات المتحدة أسبوع عمل من أربعة أيام. ويقول إن حاجة الأفراد إلى العمل عددا معينا من الساعات للحصول على تأمين صحي يجعل طرحها غير ممكن من الأساس.

مع ذلك أظهرت استبانة طبقت في يناير 2019 أن أكثر من 60% من الأفراد في المملكة المتحدة والسويد وفنلندا يؤيدون الفكرة. ويعتقد هاربر أن ذلك قد يحدث خلال بضع سنوات ليس إلا، ويقول: «بالتأكيد يجب أن يكون الهدف هو تهيئة الظروف التي توفر لنا حياة مريحة.»

                          New Scientist Ltd

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى