أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
التاريخعلم الآثارعلم الاجتماعفن

الاعتقاد بوجود كائنات فضائية وأتلانتس في ازدياد

الباحثون يُقبلون على تويتر والمدونات للتصدي للأفكار الآركيولوجية الزائفة

بقلم: ليزي واد، في البوكيرك بنيو مكسيكو

ترجمة: صفاء كنج

في فبراير الماضي تطرقت حلقة من البودكاست الشهير «جو روغان إكسبيرينس» The Joe Rogan Experience إلى فكرة روَّجت لها بعض الكتب والبرامج التلفزيونية مفادها أن صورة ملك المايا كينيش جاناب باكال K’inich Janaab’ Pakal المحفورة على غطاء نعشه عندما توفي عام 683 ميلادي، تُظهره وهو يُقلع في سفينة فضاء. أبدى مضيف الحلقة «روغان» شكوكاً حيال تلك الفكرة التي وُظفت للقول بأن الزوار الآتين من خارج الأرض هم الذين أسسوا المجتمعات القديمة المتطورة مثل تلك التي ازدهرت فيها حضارة المايا، فما كان له إلا أن يسأل الباحثين من التيار السائد في الآركيولوجيين  عن رأيهم في الأمر.

رأى ديفيد أندرسون David Anderson في هذا السؤال دعوةً إلى التحرك. وبسرعة، توجه الآركيولوجي من جامعة رادفورد Radford University في ولاية فرجينيا إلى تويتر وكتب: «أعزائي متابعي @joerogan، بصفتي من آركيولوجيي التيار السائد أقول … إنها تصور [باكال] في نزوله إلى العالم السفلي لحظة موته.» أما الصاروخ النافث «للنار» الذي يمتطيه باكال؛ فهو تمثيل للعالم السفلي، وما «سفينة الفضاء» تلك سوى شجرة العالَم، وهي سمة شائعة في فن المايا. أعاد روغان نشر تغريدة أندرسون فحصلت على أكثر من ألف إعجاب والعديد من التعليقات الممتنة، إضافة إلى بعض التعليقات الغاضبة.

ليس جلوس باكال المفترض في سفينة فضاء سوى مثال على ما يسميه أندرسون وآخرون «الآركيولوجيا الزائفة» Pseudoarchaeology التي تتجاهل السياق الثقافي للأعمال الفنية القديمة وتستخدمها لدعم أفكار مُحدَّدة سلفا تتعلق بالماضي، وليس لاختبار فرضيات.  ومن المعتقدات الشائعة أن مخلوقات فضائية ساعدت على بناء أهرامات مصر وأهرامات المايا، وأن الفارين من قارة أتلانتس Atlantis رفدوا ثقافات العالم بالتكنولوجيا وأن المهاجرين الأوروبيين كانوا السكان الأصليين لأمريكا الشمالية.

يجري تداول هذه المعتقدات الغريبة منذ عقود، لكن آركيولوجيين مثل أندرسون يحشدون اليوم لمواجهتها. ويقبلون لذلك على تويتر والمدونات والبودكاست ويوتيوب والصحف لفضح الادعاءات الزائفة وشرح مناهج عمل علم الآثار الحقيقي، وقد قارنوا ملاحظات خلال الاسبوع الثاني من أبريل 2019 خلال ندوة نظمتها الجمعية الأمريكية للآركيولوجية Society for American Archaeology (اختصاراً: الجمعية SAA)، في البوكيرك بنيومكسيكو. ويقول أندرسون: «يتعين على الآركيولوجيين أن يبذلوا جهداً أكبر في دحض هذه الادعاءات.»

وهو يشعر مع آخرين بالقلق من تزايد شعبية الأفكار الآركيولوجية الزائفة. فوفقاً للمسح السنوي للمخاوف في الولايات المتحدة Annual Survey of American Fears الذي أجرته جامعة تشابمان Chapman University في أورانج بكاليفورنيا، الذي يُصنِّف المعتقدات بالأمور الخارقة، في عام 2018 عبَّر 41% من الأمريكيين عن اعتقادهم أن مخلوقات غريبة زارت الأرض في الماضي السحيق، وقال 57% إنهم يعتقدون أن أتلانتس أو غيرها من الحضارات القديمة المتطوِّرة وُجدت بالفعل. وقد ارتفعت هذه الأرقام مقارنة بعام 2016، عندما وجد الاستطلاع أن 27% من الأمريكيين يؤمنون بأن مخلوقات غريبة زارت الأرض وأن 40% يؤمنون بأتلانتس.

يقول أندرسون: «أتأمل هذه الأرقام وأقول … إن شيئاً خطيراً قد حدث.» لا يستطيع أن يشرح بالضبط السبب وراء زيادة انتشار مثل هذه الأفكار، لكن برامج التلفزيون عبر الشبكات المدفوعة مثل برنامج مخلوقات فضائية قديمة Ancient Aliens (الذي أُنتج منه 13 موسماً) هي التي تسهم في ترويج مثل هذه الأفكار، وكذلك الإنترنت.

يقول جيسون كولافيتو Jason Colavito، وهو مؤلف يعيش في ألباني ويتحدث عن الآركيولوجيا الزائفة في الكتب وعلى مدونته، إن هذه المعتقدات قد تبدو غير ضارة أو حتى مسلية، لكنها تنطوي على «جانب مظلم». وتفترض جميع هذه الادعاءات تقريباً أن المجتمعات القديمة غير الأوروبية لم تكن قادرة بمفردها على اختراع الهندسة المعمارية المتطورة والتقويمات والرياضيات والعلوم مثل علم الفلك. ويقول كينيث فيدر Kenneth Feder، الآركيولوجي من جامعة ولاية كنيتيكت المركزية Central Connecticut State University بنيو بريتاني، إنها “أفكار عنصرية في جوهرها”.  وقدم فيدر محاضرة حول ذلك خلال ندوة الجمعية SAA، وبدأ بالكتابة عن مخاطر هذه الأفكار قبل أن يبدأ معظم العلماء الآخرين بالاهتمام بها بوقت طويل.

وما يعزز شعور الآركيولوجيين بالمسؤولية هو أن «العديد من هذه الأفكار انطلقت من داخل التيار السائد في الآركيولوجيا،» كما يقول جيب كارد Jeb Card، الآركيولوجي من جامعة ميامي Miami University في أكسفورد بأوهايو. ويضيف كارد قائلاً: «يتعين علينا أن نعترف بأننا مصدر هذه القصص.»

فعلى سبيل المثال، نقب المستوطنون البيض وعلماء الآثار الأوائل في القرن الـ19 في أمريكا الشمالية في المدافن التي وجدت قبل أن يكتشف كولومبوس القارة، لكنهم صنفوها على أنها عائدة إلى «عرق بناة الروابي»  Moundbuilder race الذين قتلوا بأيدي أسلاف الأمريكيين الأصليين. واستخدم الرئيس السابق أندرو جاكسون Andrew Jackson تلك الأفكار لتبرير تهجير الأمريكيين الأصليين من أراضيهم.

واليوم، يروِّج القوميون البيض مزاعم مماثلة. وللدفاع عن جذور الأوروبيين العميقة في الأمريكتين، تشبثوا بمستوطنة فينلاند Vinland التي أنشأها الفايكنغ لفترة قصيرة في العصور الوسطى بشرق كندا، و«فرضية الحضارة السولتيرية»  Solutrean hypothesis التي تجادل في أن أول من وطأت أقدامهم الأمريكتين جاؤوا من أوروبا الغربية. ولم يبدأ أي من هذين الادعاءين كمعلومتين آركيولوجيتين زائفتين. كانت فينلاند حقيقية، والفرضية السولتيرية اقترحها علماء معروفون، ثم ما لبثت أن استُبعدت بعد اختبارها. غير أن الفكرتين تعرضتا للتحريف لغايات أيديولوجية. فأحد العنصريين البيض الذي اتهم بقتل شخصين في قطار بورتلاند بأوريغون في عام2017 علقّ بعبارة «تحيا فينلاند!!!» على فيسبووك قبل أقل من شهرين من الهجمة.

«إنها بالفعل قضية حياة أو موت»، كما تقول ستيفاني مولدر Stephennie Mulder  الآركيولوجية ومؤرخة تاريخ الفن في جامعة تكساس University of Texas  بأوستن، التي نظمت مؤتمراً في أوستن في 30 مارس 2019 تحت عنوان «الكائنات الفضائية، أتلانتس، والنزعة الآرية: ’الأخبار الزائفة‘ في الآركيولوجيا والتراث» Aliens, Atlantis, and Aryanism: ‘Fake News’ in Archaeology and Heritage، كان أندرسون المتحدث الرئيسي فيه.

بيد أن الآركيولوجيين ترددوا تاريخيّاً في معالجة الآركيولوجية الزائفة. فمع نضوج المجال في القرن الـ20، انتقل الآركيولوجيون إلى الأكاديميا وتنازلوا عن دائرة الجمهور، كما تقول سارة هيد Sara Head وهي آركيولوجية متخصصة بالمصادر الثقافية المستقلة من فيلادلفيا ببنسلفانيا، ومؤلفة مدونة أوهام آركيولوجية  Archaeological Fantasies، والمشاركة في تنظيم مؤتمر الجمعية SAA. وتقول: «نحن خلقنا الفراغ» الذي ملأته الآركيولوجيا الزائفة.

وحاليا، «معظم البحث الآركيولوجي غير متاح للجمهور،» كما تتابع قائلة، وهو غامض بفعل اللغة الاصطلاحية ومحبوس وراء أسوار دفع رسوم المجلات. «لكن تريد قدراً من الآركيولوجيا الزائفة؟» أستطيع أن أجد 15 مرجعاً، يسهل الوصول إليها على الإنترنت أو التلفزيون.

إن إعادة التفاعل مع الجمهور هي معركة شاقة، كما تقول هيد. وكشف حقيقة ادعاءات معينة، كما فعل آندرسون بخصوص «سفينة فضاء» باكال، هي مجرد خطوة أولى. وكي يكون هناك أثر دائم، تقول هيد وآخرون إنه يجب أن ينشر الآركيولوجيون بفاعلية أبحاثهم، خصوصاً أن يشرحوا طرقهم خطوة بخطوة. وهذا مهم لمجابهة الادعاءات الشائعة للآركيولوجيا الزائفة القائلة إن الآركيولوجيين يخفون الأدلة على الكائنات الفضائية وأتلانتس.

وهذا ليس بالعمل السهل، خصوصاً على الإنترنت. فجميع النساء اللاتي قابلناهن لكتابة هذه المقالة تعرضن للمضايقات على الإنترنت بعد معالجتهن لتفسيرات آركيولوجية زائفة.  فقد تلقت مولدر مؤخرا ردوداً احتوت على رسوم إيموجي Emoji لسكين، وذلك بعد أن غردت على تويتر حول بحث أظهر أن الأفراد من ذوي الأصول المتنوعة، عوضا عن الأصول الأوروبية الغربية فقط، عاشوا بالفعل في بريطانيا الرومانية. وأفاد كولافيتو أنه تلقى تهديدات بالقتل بعد أن ناشد حساب باسم كائنات فضائية قديمة Ancient Aliens متابعيه بإرسال رسائل كراهية إلكترونية إليه.

ومن المثير للسخرية، أن شعبية الآركيولوجيا الزائفة تكشف أيضاً عن اهتمام الجمهور اهتماماً شديداً بالماضي. ويتفهم آندرسون ذلك، فاهتمامه الشخصي بالآركيولوجيا أُثير عندما كان في الـ18 وقرأ كتاباً عن الحضارات المتطورة التي اندثرت، والتي من المفترض أنها ساعدت على تطوير الثقافات في مصر القديمة وعند المايا. وحفزّه ذلك على دراسة مقرر آركيولوجيا في الجامعة – ووجد أن الحقيقة أكثر إدهاشاً من الأساطير، وهو يقول: «الآركيولوجيا كانت أفضل مما جاء في ذلك الكتاب.»

شرح الصورة: لا ينطلق ملك المايا كينيتش جاناب باكال في سفينة فضائية بهذا الرسم المحفور فوق نعشه العائد إلى القرن السابع الميلادي، وإنما ينزل إلى العالم السفلي.

© sciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى