أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم الاجتماع

حقيقة الأجيال: لماذا لا يعد أفراد جيل الألفيّة مميّزين

بصورة تتزايد يوما بعد آخر، صرنا نشكّل رأينا في الآخرين وفقا للجيل الذي ينتمون إليه، إلا أنّ هذه التصنيفات غالبا ما تفتقر إلى أساس علمي.

بقلم: إيميليا تيت
ترجمة: محمد قبازرد

وصف الذين ولدوا في الفترة ما بين منتصف ثمانينات القرن الماضي وبدايات الألفية الجديدة (1980 – 2000) بصفات شتّى وهي: الجيل واي Generation Y، جيل الإنترنت، وبشكل أكثر شيوعا جيل الألفية Millennials. وهناك صفة جديدة الآن آخذة بالتنامي والاشتهار ألا وهي الجيل المرهق The Burnout Generation.

إنّ الحجة المنشورة في شهر يناير في مقال انتشر انتشارا هائلا من موقع بزفيد BuzzFeed تقول إنّ جيل الألفية النامي هذا أثّرت فيه الأزمة الاقتصادية التي شهدتها نهايات العقد الأول من الألفية الجديدة تأثيرا عميقا، وضغط عليه من جرّاء موجة “الرعاية الأبوية المفرطة” الجديدة Intensive Parenting. ونتيجة لذلك، فإنّ جيل الألفية مفرط الطموح، ومثقل بالعمل، ومجهد بصورة فريدة.
وافق التّوصيف الكثير من القرّاء من جيل الألفية، لكنه خلّف الكثيرين أيضا من فئة الجيل السّابق العاشر أو الجيل إكس Generation X الذين يتساءلون: لماذا لم يبال أحد بالصعوبات التي واجهوها؛؟ يعرّي هذا التفاوت مدى القصور الذي نتعاطى به مع مسألة الأجيال. لذا فالسؤال هو: هل من المُجدي أن نقسّم الناس ونصنّفهم على هذا النحو؟

يقول عالم الاجتماع إلوود كارلسن Elwood Carlsen من جامعة ولاية فلوريدا Florida State University: “إذا أردت رسم حدّ فاصل بين جيليْن تاريخييْن، يتعيّن أن يكون هناك سبب لذلك.” عموما، ينبغي أن يكون هناك فرق جمعي بصورة عامة بين مجموعتين من الناس يمكن تحديدها تجريبيا، وفقا لقوله. وليس من الواضح أن وصف “مُجهَد” يحقق هذا المعيار، وربما يحققه. إنّ عملية تحديد الفروق المهمة التي على ضوئها تُقسَّم الأجيال هي فن أكثر من كونها علما،” كما يقول كارلسن.

” إنّ عملية تحديد أيّ الفروق تفصل الأجيال هي فن أكثر من كونها علما”

بدأت دراسة الأجيال في عشرينات القرن الماضي، حين افترض عالم الاجتماع كارل مانهايم Karl Mannheim أنّ الشباب المعايشين لأحداث كبيرة والمعاصرين لتغيّرات اجتماعية سريعة يشكّلون جيلا أكثر تجانسا، وأنّ المعاصرة الزمنية وحدها ليست كافية لإحداث وعي مشترك في الجيل كله.
لكن في عام 1997، غيّر كاتب مسرحي ساخر واستشاري اقتصادي زاوية نظرنا لمسألة الأجيال؛ إذ جادل كل من نايل هوي Neil Howe ووليام شتراوس William Strauss في كتابهما الدوران الرابع The Fourth Turning أنّ الأجيال تتبع دورة ثابتة: فالأطفال يولدون خلال حقبة أمجاد تاريخية أو نهضات فكرية أو انجازات علمية أو كوارث إنسانية، مما يعني أنّ جيلهم إما أن يكون مثاليا أو تفاعليا أو مدنيا أو تكيّفيا.

على سبيل المثال، مواليد طفرة المواليد Baby Boomers هم مثاليّون لأنهم نشؤوا إبّان حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في حين أن الجيل إكس – أو الجيل العاشر- تفاعليّون لأنهم كأطفال ولدوا ما بين منتصف ستينات وثمانينات القرن الماضي، وترعرعوا خلال حقبة النّهضة الاجتماعية.
رسّخ نجاح الكتاب الاعتقاد أنّ المولودين في الحقبة الزمنية نفسها يتشاطرون السّمات الشائعة والسلوكيات والاعتقادات ذاتها، حتى ولو أنهم لا يمتلكون حدثا تاريخيا ما يتحدون حوله.
وقادت فكرة فئات الجيل المُحدَّدة هذه إلى صراع الأجيال Intergenerational Warfare، على حدّ قول عالم الاجتماع دان وودمان Dan Woodman من جامعة ملبورن University of Melbourne. يسترسل وودمان مضيفا: “إنّ تصنيفات الأجيال التي نستخدمها فظَّة ومبهمة، وهي غالبا تستخدم أيضا للانخراط فيما أسمّيه تقريع الأجيال – مثل جيل الألفية النرجسي Narcissistic Millennials، ومواليد الطفرة الأنانيين Selfish baby boomers، وجيل إكس الساخر Cynical Gen X.”

تعريفات مُتحوِّلة
تتبدّل هذه المسمّيات أيضا اعتمادا على من يبسط سيطرته على النفوذ والسّلطة على حدّ قول وودمان. فأجيال الألفية – التى طالما نعتت عبر وسائل الإعلام بالأجيال آكلة الأفوكادو المدلّلة الكسولة – هي الآن في معرض أن تغيّر هذه الرواية. فعلى سبيل المثال، كتب مقالةَ موقع بزفيد BuzzFeed أحدُ المنتمين إلى جيل الألفية، وكذلك المقالة التي تقرؤها حاليا.
بيد أن المؤلفة والمتحدّثة حول الأجيال في محيط العمل روز لي هنري Henry Rose Lee تقول إنّه في الوقت الذي يمكن فيه للصفات أن تكون خطيرة، فهي ضرورية أيضا لكي نفهم التباين في موقفه الأجيال نحو العمل.

وتضيف رزو لي: “إنّ قيم الأفراد الأصغر سنا تُعنى بالانتماء والتعدّدية، وبالاستدامة البيئية، وبالعناية والتعاون”. وبينما قد يظهر أفراد جيل الألفية غير مخلصين تجاه أرباب العمل، فإن هذا هو مجرّد نتاج لتنقّلهم المتزايد بين الوظائف، الأمر الذي ينتج بدوره من وجود عدد أقل من الشّبّان مرتبطين برهون عقارية نظرا لحالة الكساد العالمي، كما تقول.

وحاليا تدخل أجيال جديدة ميدان سوق العمل. إذ تقول روز لي: “في عامي 2017 و2018 وفد إلى سوق العمل نحو ثلاثة ملايين شخص من جيل زي Generation Z”. هؤلاء الأفراد هم جيل ما بعد جيل الألفية، والأكبر سنا منهم يناهزون حاليا سنّ البلوغ.
تفترض العالمة النفسية جين توينغ Jean Twenge من جامعة ولاية سان دييغو San Diego State University ومؤلفة كتاب آي جين iGen أنّ الهواتف النقالة الذكية جعلت هذا الجيل أكثر قلقا واكتئابا من أسلافه السابقين.

تقول جين: “أنا أسمّيهم آي جين iGen -أي جيل التكنولوجيا الذكية- بما أنهم أول جيل يمضي كامل فترة مراهقته مع الهواتف الذكية. هذا التحوّل في الجيل – كما في أكثر التحوّلات منذ جيل طفرة ما بعد الحرب العالمية – محدّد ومعرّف أكثر بناء على الخبرات الحياتية أكثر منه على الأحداث التاريخية.”

“سطحية تعريفات الأجيال تُبهِم الرّتبة والنوع والعرق، ومن ثم تهمّش وتقلّل من أثر التفاوتات بين الأجيال”

وقد انتُقِد تحليلها الخاص ببيانات المراهقين ومبادئهم وسلوكياتهم، لكن توينغ ادّعت أنّ استنتاجاتها مبنيّة على المتوسطات العمريّة الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية، فتقول: “ليس هناك خطر في ذلك ما لم يعتبر أحد كلّ شخص آخر من الجيل نفسه على أنه مماثله – وهو الأمر الذي لا أظنّ أحدا ما سيجادل به.”
إضافة إلى ذلك، يجري كثير منّا ذلك الاعتبار بالفعل. إن التعريفات السّطحية للأجيال تبهم الرّتبة والجنس والعرق، ومن ثم تقلل تباعا من أثر التفاوتات والفروق بين الأجيال، على حدّ قول وودمان. ويلقي كارلسن اللوم في هذا على تسويق مفهوم الأجيال Commercialization of Generations تزامنا مع الطّفرة الصناعية في مجال المنتوجات والكماليات التي تستهدف أفراد فئات أجيال معينة، مثل الكتب المؤلفة حول كيفية إدارة أفراد جيل الألفية في محيط العمل.

يقول كارلسن: “لم يكن الوعي بمفهوم التّنوّع داخل الجيل الواحد أكثر أهمية مما هو عليه الآن بالنسبة إلى أفراد جيل الألفية، الذين هم الأكثر تعددّية وتنوّعا ممن قد شهدنا (في الولايات المتحدة) على مدى قرن على أقل تقدير.” إنّ أرقام واحصاءات التعداد السكّاني الأمريكي تظهر أنّ جيل الألفية يحوي 56% من المواطنين البيض، مقارنة بنسبة 68% في الأجيال الأقدم.

وقاد هذا التنوّع بعض الباحثين إلى تأمّل حيثية الأجيال هذه من زاوية نظر جديدة. تقول آشلي فيل Ashley Fell من مركز ماكريندايل McCrindle – وهو مركز البحث التسويقي في سيدني الذي يعتمد مصطلح جيل ألفا Generation Alpha ليصف من خلاله الجيل الحالي الأصغر سنا من أطفال أفراد جيل الألفية – : “تعرّف الأجيال اليوم اجتماعيا أكثر من كونها تعرّف بيولوجيا.”
وتذكر فيل أن معدّل التغيّر في المجتمع الحديث أرسى قواعد تعريف الأجيال البيولوجي التقليدي، ممتدا من 15 إلى 20 سنة، وهو أمر لا صلة له بالموضوع. وتضيف فيل: “إنّ الفئات الجيلية تتبدّل بسرعة شديدة استجابة لوسائل التكنولوجيا الحديثة، مغيّرة معها تِباعاً المجالات المهنية وخيارات الدراسة.”

صنِّف بحذر
فعليا يعرّف البعض الأجيال على مدى فترات زمنية قصيرة، مثل مصطلح Xennials أي أفراد الجيل المصغّر Micro-Generation (وهم المولودون من الفترة ما بين 1970 إلى 1980) أي بين جيل إكس العاشر وجيل الألفية. وقد اشتهر هذا المصطلح عبر مقال نشر عام 2014 من مجلة غوود GOOD. وبينما ترى فيل أنّ الأجيال الآن أقصر بطبيعتها، فإن زميلها وودمان يحذر أنه من دون السّمات المحدّدة للجيل الواحد المتّفق عليها، فإنّ مسألة استحداث مفهوم الجيل المصغّر قد تكون عديمة الجدوى.
يقول وودمان: “يتطلّب اعتماد تصنيف جيل تصنيفا راسخا تحديدا واضحا للتغيرات المهمة في الأوضاع الاجتماعية، نسبة إلى الأجيال السابقة، التي سيكون لها تأثيرات تتجاوز قطاع الشباب. فعملية تقسيم الأجيال إلى تصنيفات أصغر – على الرغم من كونها نافعة – لا تخلّصنا من حدود هذه التعاريف والتوصيفات بشكل عام، وهي تحتاج إلى أن تعامل بشيء من النقد.”
حتى لو نشأ أفراد الجيل ألفا على الواقع الافتراضي Virtual reality والغرسات الدماغية Brain implants، فليس هناك ضمان بأن هذا سينتج فروقا اجتماعية ملموسة مهمة. فالأجيال الأكبر سنا تتكيّف أيضا مع وسائل التكنولوجيا الجديدة، مما يسهل معه الجدل بأن الاختلافات ليست صارخة كما تبدو للوهلة الأولى (انظر: النمو مع الآلات).

لكن كارلسن يقول إنّه على الرغم من الجدال، يتعين علينا الاستمرار في الإيمان بقيمة تصنيفات الأجيال. ويرى أنه: “إذا لم ننتبه لفروقاتنا، فسيسهل سوء فهمنا وتقديرنا لمخاوفنا وآمالنا وتحيزاتنا ورؤيتنا العامة لجيل ما غير جيلنا.”

النمو مع الآلات
أطفال الطفرة Baby Boomers أو جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية ( مواليد منتصف أربعينات إلى منتصف ستينات القرن الماضي)
فيما شهد آباؤهم وأجدادهم – الملقّبون بالجيل الصامت Silent Generation – ظهور التلفزيون، كان جيل حقبة ما بعد الحرب العالمية هذا الأول الذي ترعرعت أْعداد غفيرة منه مع التلفزيون. فقد بث أول برنامج حي للأطفال في 1947، في حين شاهدت الملايين الهبوط على سطح القمر في عام 1969.

الجيل إكس (العاشر) Generation X ( مواليد منتصف ستينات إلي منتصف ثمانينات القرن الماضي)
كان أفراد الجيل العاشر أول من توفرت لهم الحواسيب في منازلهم. يدّعي البعض أن هناك جيلا مصغّرا Micro-generation يعرف بجيل لعبة طريق أوريغون Oregon Trail Generation، وهم الجيل العاشر الأصغر سنا الذين نشؤوا ممارسين للعبة الحاسوب إيّاها.

جيل الألفية Millennials (مواليد منتصف الثمانينات إلى بدايات الألفية الثالثة)
من الرسائل النّصّية إلى تطبيق برنامج الواتساب، لقد خبر أفراد جيل الألفية التغير التكنولوجي السريع في الطريقة التي يتواصلون من خلالها. وقدمت برامج التواصل الاجتماعي الجانب المعرفي المعلوماتي أثناء فترة مراهقتهم، وأحضروا هذه الخبرة إلى مراكز عملهم ومارسوها.

الجيل زي Z Generation ( مواليد سنة 2000 وما فوق )
تماما كما ربّي جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية على التلفزيون، فإنّ الجيل زي هذا هو الأول الذي منح جهاز الآيباد اللوحي في سنّ مبكرة نسبيا. كون هذا الجيل ماهرا في النقر والمسح منذ نعومة أظافره، فقد تعلّم الكيفية التي يُبحر بها ويتجول في الفضاءات الرقمية على طريقته الخاصة.

© New Scientist

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى