أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
علم المحيطات

جهود رسم خرائط لأعالي البحار تحدد محميات بحرية واسعة

تَحثُّ فرق البحث الخطى للمساعدة على صياغة معاهدة جديدة للأمم المتحدة لحماية الحياة في المياه الدولية

بقلم: أليكس فوكس

ترجمة: صفاء كنج

لا يمكن لأي دولة أن تدَّعي السيادة على أعالي البحار، لكن العديد من الدول تستغلها. وهذا الاستغلال يهدد الحياة في ثلثي المحيطات خارج المياه الإقليمية الوطنية من جرّاء أعمال لا تخضع لأي قانون أو لوائح منظمة، بما في ذلك الصيد الجائر والصناعة الناشئة المُعتمدة على استخراج المعادن من أعماق البحار. وتجري الآن مفاوضات بين الدول لصياغة أول معاهدة للحفاظ على أعالي البحار، فيما تتوقع الأمم المتحدة وضع اللمسات الأخيرة عليها في العام المقبل.

وخلال لقاء المندوبين في الأسبوع الأول من أبريل 2019 في مقر الأمم المتحدة بمدينة نيويورك للاتفاق على التفاصيل، تحرك علماء البحار سعياً إلى التأثير في نتائج تلك المفاوضات. وكشفت إحدى المجموعات البحثية عن نتائج جهد عالمي لرسم الخرائط يحدد محميات بحرية جديدة واسعة لحماية النُّظم الإيكولوجية الرئيسية في أعالي البحار. وتعمل فرق أخرى على رسم خرائط خاصة بها باستخدام أدوات النمذجة القوية لتقييم إمكانات المحمية البحرية وقدرتها على تحقيق الأهداف الرئيسية للحفاظ عليها، مثل حماية مواقع التغذية المهمة أو مساعدة الحياة البحرية على التأقلم مع ارتفاع درجة حرارة البحار، في مقابل تكاليفها الاقتصادية.

يقول عالم البيئة البحرية دوغلاس مَكولي Douglas McCauley من جامعة كاليفورنيا University of California في سانتا باربرا إن «فرصة صياغة السياسات التي يمثلها هذا الأمر هي أندر من أن تحدث مرة واحدة في حياة الإنسان.» ويضيف أن الدول تسأل «كيف يجب أن نحمي ثلثي محيطات العالم، [وهذه] هي المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يُطرح فيها مثل هذا السؤال.»

وتواجه المفاوضين الذين التقوا للمرة الأولى في أواخر العام الماضي، الذين من المقرر أن يجتمعوا مرتين أيضاً خلال السنة المقبلة، قضيةٌ أساسيةٌ تتمثل بحجم المناطق التي ينبغي حمايتها في أعالي البحار. تغطي المناطق المحمية في الوقت الحالي نحو 5% من محيطات العالم، ومعظمها في المياه الإقليمية. وبموجب اتفاقية مختلفة للأمم المتحدة، فقد صادقت الدول على هدف توسيع المناطق البحرية المحمية، بحيث تغطي 10% من المحيط بكامله بحلول عام 2020. لكن العديد من دعاة حماية البيئة والعلماء، وكذلك حكومة المملكة المتحدة، يجادلون في أن الاتفاقية الجديدة يجب أن تكون أشمل وأن تُبقي 30% من أعالي البحار بمأمن من الاستغلال غير المنظم.

وحتى وقت قريب كان الباحثون يفتقرون إلى البيانات التي تتيح لهم اختيار أجزاء المحيطات التي ينبغي تضمينها ضمن الاتفاقية. ويقول مكولي: «لو طُلب إليّ أداء هذه المهمة قبل 5 أو 10 سنوات، لاعتذرت عن الأمر.» ولكن الآن، وبالاستفادة من سيل متنامٍ من البيانات سواء من الأقمار الاصطناعية والحيوانات الموسومة وسفن المسح، إضافة إلى التقدم الحاصل في مجال الحوسبة، أطلق الباحثون ثلاثة مشاريع رئيسية على الأقل ليبينوا لواضعي السياسات الكيفية التي يمكن أن تبدو بها المحميات البحرية الجديدة في أعالي البحار. وتتيح هذه الأدوات للباحثين تقديم إجابات عن أسئلة عملية شائكة ومنها على سبيل المثال، ما هي مناطق التفريخ والتغذية التي يجب أن تُشمل بالحماية إذا كانت المحميات البحرية لا تغطيها كلها؟ وكيف يمكن أن تواجه المناطق المحمية الثابتة تغير المناخ الذي قد يدفع الأسماك وغيرها من الكائنات الحية إلى الانتقال إلى مناطق جديدة؟

وقدم الفريق الذي عرض نتائج أبحاثه المتخصصة خلال الأسبوع الأول من أبريل شبكتين محتملتين من المحميات البحرية تغطي إحداهما 30% من المياه الدولية والأخرى 50%. ولإنشاء الخرائط جمع باحثون من عدة جامعات بتمويل من منظمة غرينبيس Greenpeace التي تُعنى بالحفاظ على البيئة البيانات البيولوجية مثل توزيع الأسماك وأسماك القرش والحيتان، مع معلومات أوقيانوغرافية Oceanographic information، مثل مواقع الجبال البحرية وخنادق الأغوار البحرية والنفاثات الحرارية المائية. وحددوا تيارات المحيط ومناطق التعدين المحتملة والمناطق المنتِجة بيولوجيّاً حيث ترتفع المياه العميقة الباردة إلى السطح. وحددوا كذلك أماكن تبقى فيها درجة حرارة المحيطات ثابتة طوال العام، قد تصبح الملاذات الآمنة المحتملة من ظاهرة الاحترار العالمي، وكذلك المناطق التي تشهد تقلبات كبيرة في درجات الحرارة والتي قد تؤوي المخلوقات المتكيِّفة بالفعل مع ارتفاع درجات الحرارة.

ودمج الباحثون طبقات البيانات هذه باستخدام برنامج ماركسان Marxan، وهو برنامج يمكنه رسم خرائط لتعظيم الفائدة مع تقليل التكاليف. وأضاف الفريق أيضاً بعض القيود، مثل مطالبة البرنامج بعدم وضع مناطق الصيد الأكثر إنتاجية داخل المحميات وتفضيل إنشاء شبكات أوسع تشمل محميات متصلة بدلاً من محميات أصغر وبقع معزولة. ومن بين المئات من النماذج الممكنة لكل من الاحتمالين، في حالتي 30 و50%، اختاروا نموذجين اعتقدوا أنهما يوفران أفضل حماية للتنوع البيولوجي بأقل عدد من المقايضات التي سيتعين إجراؤها.

يقول كالوم روبرتس Callum Roberts، عالم الأحياء البحرية من جامعة يورك University of York في المملكة المتحدة ورئيس الفريق، لقد تعلمنا درساً مهماً مفاده أن «حماية 30% من مساحة أعالي البحار لا تعني حماية 30% من أهم السمات الضرورية لحفظ الأنواع الحية … نظراً لطريقة توزيع الموائل والأنواع.»
ولكي تشمل الحماية 30% من أنواع الأنظمة الإيكولوجية، يقترح حماية ما يصل إلى 40% من المياه الدولية. ويتبنى الفريق الثاني الذي يعمل فيه مَكولي وتموله مؤسسة بيو الخيرية Pew Charitable Trusts في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا مقاربة مماثلة، لكنه عمل على سيناريوهين يتصوران تغطية بنسبة 10% و30% من أعالي البحار. ويخطط الفريق لعرض خرائطه في الجولة التالية من مفاوضات المعاهدة في أغسطس.

وهناك فريق ثالث، ترعاه الجمعية الجغرافية الوطنية National Geographic Society في واشنطن، لا يقتصر مسحه على أعالي البحار ولن يوصي بحماية نسبة محددة من مساحة المحيطات. بدلاً من ذلك، سيقسم الباحثون المحيط بكامله إلى مربعات بعرض 50 كيلومتراً ويرتبونها تبعاً للقيمة التي تمثلها بالنسبة إلى الحفاظ على البيئة الحية. ويأمل الفريق بأن يكشف النقاب عن عمله في أوائل العام المقبل خلال مفاوضات معاهدة الأمم المتحدة النهائية.

يُرجح أن تعارض بعض الدول، ولا سيما تلك التي تملك أساطيل صيد ضخمة في أعالي البحار، إنشاء محميات بحرية كبيرة. وحتى إذا تمكن المفاوضون من الاتفاق على حماية واسعة النطاق، فسيبقى عليهم معالجة الكثير من القضايا الشائكة ومنها على سبيل المثال: هل يجب أن تُمنع كل أشكال الاستغلال في المحميات البحرية، أو أن يُسمح ببعض الصيد أو استخراج المعادن، ربما خلال مواسم معينة حصريّاً؟ وكيف ينبغي إنفاذ الأنظمة المتفق عليها؟ لا سيما بعد أن ثبُت أن مقترحات إنشاء هيئة دولية لمراقبة أعالي البحار تثير الكثير من الجدل.

مع ذلك، يأمل الباحثون بأن تشحذ خرائطهم طموحات الدول، ويقول روبرتس: «بالنظر إلى سرعة تدهور الأنواع في السنوات الـ20 الماضية، سيكون الوضع كارثيّاً إذا لم نتمكن من الاستفادة من هذا الزخم.»

sciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى