أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
بيولوجياعلم الجينات والوراثة

“خطوات صغيرة” على طريق زراعة أعضاء بشرية في حيوانات المزرعة

التجارب على الأجنة الخيمرية تتعامل مع التفاعل الأساسي بين الخلايا الخارجية والخلايا المضيفة

دفع النقص الدائم في وفرة الأعضاء البشرية لعمليات الزراعة الباحثين إلى السعي للحصول عليها من حيوانات المزرعة. ويعمل العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية على توليد خنازير معدلة وراثياً لجعل أعضائها أكثر توافقاً مع جسم الإنسان. لكن بعض العلماء اختاروا اتباع نهج مختلف: تنمية أعضاء بشرية كاملة في أجساد خنازير أو أغنام أو حيوانات أخرى، ربما يمكن بعدها استئصالها وزرعها في البشر.

تبدو الفكرة صعبة التحقيق من الناحية البيولوجية وتثير الكثير من المحاذير الأخلاقية. لكن بعض الفرق البحثية نجحت بعد صبر ومثابرة في تجاوز تلك العقبات الرئيسية من خلال: زرع خلايا جذعية من أحد الأنواع الحية لتنمو في جنين نوع آخر. وفي الشهر الماضي ذكرت مجموعة بحثية أمريكية في تقرير سابق على نشر نتائجها، أنها نجحت في تنمية خلايا شمبانزي جذعية في أجنة قرد. وشجع تخفيف اللوائح المنظمة للأبحاث العلمية في اليابان مؤخراً الباحثين على السعي إلى الحصول على موافقة لإجراء تجارب لمد الفترة المسموح بها لتنمية خلايا بشرية في أجنة قوارض وخنازير في طور النمو. ويقول إنسو هيون Insoo Hyun اختصاصي الأخلاقيات الحيوية في جامعة كيز وسترن ريزرف Case Western Reserve في كليفلاند بولاية أوهايو، إن العمل يجري بحس عالٍ من المسؤولية. ويضيف أن مثل هذه الجهود التي تهدف إلى توليد خيمريات شمبانزي وقرد Chimp-monkey chimeras جديدة تمثل «خطوات صغيرة إلى الأمام، تتيح جمع البيانات مع تقدم العمل. وأعتقد أنه نهج حكيم».
وفي النهاية، يتصور الباحثون إعادة برمجة خلايا شخص إلى حالة نموها البدائية التي قد تنمو معظمها لتشكل أي نوع من النسيج البشري، ومن ثم حقن هذه الخلايا الجذعية المستحثة الوافرة القدرة Induced pluripotent stem cells (اختصارًا: الخلايا IPS) في جنين نوع آخر. ويُزرع الجنين في رحم حيوان بديل، ويُترك إلى أن يكتمل نموه ليكون بمثابة متبرع بالأعضاء. أما الخلايا IPS؛ فيمكن أن تأتي من الشخص الذي ينتظر عملية الزراعة أو يمكن، بطريقة أسرع وأقل تكلفة، تنمية الأعضاء البشرية مسبقاً باستخدام خلايا مأخوذة من مانحين آخرين تتطابق لديهم بروتينات تأشير المناعة الرئيسة Key immune signalling proteins لتجنب رفض العضو المزروع.
حتى الآن، صُمم هذا العمل الفذ فقط في القوارض. في عام 2010 أفاد عالم الأحياء المختص بالخلايا الجذعية هيروميتسو ناكوتشي Hiromitsu Nakauchi وفريقه في جامعة طوكيو University of Tokyo بتنمية بنكرياس جرذ في فئران عاجزة عن تكوين بنكرياس من تلقاء نفسها. وفي عام 2017 عالج ناكوتشي وزملاؤه داء السكري لدى فئران عن طريق زرع أنسجة بنكرياس منتجة للأنسولين في جسمها. وكان قد نجح في تنمية الأنسجة المستخدمة بزرعها في جسم جرذ.
لكن النجاح المتحقق في التجارب لدى القوارض لم يتحقق لدى الحيوانات الأكبر حجماً والأبعد من الناحية التطورية. وفي عام 2017 قال عالم الأحياء الخلوي جون وو Jun Wu من معهد سالك للدراسات البيولوجية Salk Institute for Biological Studies في سان دييغو بولاية كاليفورنيا، وزملاؤه، إنهم عندما حقنوا أجنة الخنازير بخلايا IPS بشرية وزرعوا الأجنة في أرحام إناث خنازير، تقزَّم نحو نصف الأجنة الناتجة ونمت ببطء. أما تلك الطبيعية الحجم؛ فكان لديها عدد قليل جدّاً من الخلايا البشرية بعد شهر من الحمل.
ومنذ ذلك الحين، عمل وو، الذي يعمل حاليا في المركز الطبي الجنوبي الغربي بجامعة تكساس University of Texas Southwestern Medical Center في دالاس، على استكشاف الكيفية التي تتفاعل بها الخلايا الجذعية البشرية في طبق المختبر مع خلايا جذعية من رئيسيات غير بشرية وجرذان وفئران وأغنام وأبقار. وقد لاحظ ما أسماه «ظاهرة مثيرة جدًّا: المنافسة بين خلايا الأنواع المختلفة». إذ تذوي الخلايا البشرية وتموت في مواجهة خلايا حيوانات تربطها بها صلة بعيدة، ويحاول الفريق الآن فهم هذه الآلية. ويقول وو: «أعتقد أننا اقتربنا من ذلك».
لكن المنافسة ليست المشكلة الوحيدة؛ فالخلايا IPS المأخوذة من حيوانات رئيسية هي أيضاً أكثر تقدماً من الناحية التطورية، أو «استعداداً» مقارنة بخلايا القوارض الجذعية «الساذجة» المستخدمة في تجارب الخيمريات الناجحة السابقة؛ فإنه من غير المرجح أن يُكتب لها البقاء على قيد الحياة داخل جنين خيمري كما يقول ناكوتشي. ويعمل ناكوتشي أيضاً في مختبر بجامعة ستانفورد Stanford University في بالو ألتو بكاليفورنيا. ولمساعدة الخلايا IPS للرئيسيات على النمو، فقد زودها فريقه في ستانفورد والمتعاونون معه جيناً يمنع موت الخلايا. وشرحوا في تقرير عن التجارب نُشر الشهر الماضي أنهم جربوا ما يحدث للخلايا المعدلة عندما تحقن في جنين نوع من الرئيسيات الوثيقة الصلة بنوعها.
لتجنب إثارة مخاوف أخلاقية، قرر الفريق عدم استخدام الخلايا الجذعية IPS. فإذا تُرك جنين حيوان رئيسي غير بشري أضيفت إليه خلايا بشرية ينمو في رحم بديل ونجا العديد من الخلايا البشرية وتكاثرت؛ فستكون النتيجة خيمر حيوان رئيسي لم يسبق له مثيل. ويقول ميساو فوجيتا Misao Fujita، اختصاصي الأخلاقيات الحيوية عن جامعة كيوتو Kyoto University باليابان الذي أجرى مؤخراً استبياناً لمعرفة مواقف اليابانيين تجاه الكائنات الخيمرية المؤلفة من خلايات حيوانية وبشرية: «يشعر الناس بالقلق من أن الحدود بين البشر والحيوانات قد تصبح غير واضحة». وعبَّر المستجيبون على الاستبيان عن قلقهم بشكل خاص من أن تكتسب هذه الحيوانات ذكاء محسّناً أو أن تحمل خلايا حيوانات منوية وبويضات بشرية.
وبدلاً من ذلك، فقد عدَّل فريق ناكوتشي الخلايا IPS من الشمبانزي، أقرب حيوان إلى الإنسان، ووضعها في أجنة نسناس المكاك الريسوس. ووجد الباحثون أنه مقارنة بالخلايا IPS غير المعدلة للشمبانزي، فإن الخلايا التي احتوت على الجين المعزِّز للبقاء كانت لديها فرصة أكبر للاستمرار في اليومين التاليين لإدخاله في جنين قرد عمره خمسة أيام. يقول ناكوتشي إنه من الصعب الاحتفاظ بجنين قرد حيّاً في طبق اختبار لأكثر من أسبوع، لكن فريقه يخطط لإطالة عمر خيمرياته عن طريق زرعها في أرحام إناث قرود المكاك «في المستقبل القريب».
وقدم ناكوتشي كذلك مقترحات إلى لجنة حكومية في اليابان لوضع هذا الجين المعزِّز للبقاء في الخلايا الجذعية البشرية وحقنه في أجنة فئران وجرذان وخنازير تفتقر إلى جين مهم لتطوير البنكرياس، ولكن ليس في أجنة رئيسيات غير بشرية. ويأمل الباحثون، كما حصل في تجارب القوارض السابقة، بأن تبدأ الخلايا البشرية بتكوين البنكرياس المفقود. وبعدها يزرع فريقه الأجنة في حيوانات بديلة على أن يزيلها لغرض دراستها قبل اكتمال نموها. وتعد هذه الاقتراحات بمثابة اختبار أولي للمبادئ القانونية الجديدة في اليابان التي رَفَعَت، في شهر مارس 2019، الحظرَ الصريح الذي كان مفروضاً على زراعة خيمريات بشرية -حيوانية لمدة تتعدى 14 يوماً، أو زرعها في الرحم.
وتعمل مجموعات أخرى على تحسين وصفات مختلفة للخلايا الجذعية القابلة للنمو في أجنة خيمرية. وفي يناير 2019 وصف فريق من جامعة ييلYale University ومؤسسة أكسيون للأبحاث Axion Research Foundation في هامدن بولاية كنيتيكت، تجربة زرع الخلايا IPS من النسانيس في مواد كيميائية ولدت أنماط تعبير جيني كتلك الخاصة بخلايا الفئران الجذعية الجنينية التي من المرجح أن تعيش في الخلايا الخيمرية. وفي أبريل 2019 قال أليخاندرو دي لوس أنجلوس Alejandro De Los Angeles، عالم أحياء الخلايا الجذعية في جامعة ييل، إن هذه التقنية حفزت تغييرات مماثلة في التعبير الجيني في الخلايا IPS البشرية. وهو يفكر الآن في اختبار الكيفية التي تصمد بها هذه الخلايا في فأر أو جنين آخر غير بشري.
وتواجه مثل هذه التجارب البحثية عقبات في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا يشملها حظر تام، لكن في عام 2015 جمدت المعاهد الوطنية الأمريكية للصحة National In¬stitutes of Health U.S.( اختصارًا: المعاهد NIH) في بيثيسدا بولاية ماريلاند، مراجعة طلبات المنح للأبحاث التي تتعلق بوضع الخلايا IPS البشرية – سواء كانت خلايا IPS أم خلايا أخذت من أجنة بشرية – في أجنة فقاريات غير بشرية في الأيام الأولى من تكوينها. وبعد احتجاج بعض الباحثين اقترحت المعاهد NHS في عام 2016 رفع الحظر الواسع مع الإبقاء على حظر تمويل تجارب محددة على الخيمريات، بما في ذلك إدخال خلايا جذعية بشرية في أجنة رئيسيات غير بشرية في بداية تكوينها وتنمية كائنات خيمرية قد تحتوي على خلايا بويضات أو حيوانات منوية بشرية (Science, 12 August 2016, p. 634). ولا يزال الاقتراح «قيد الدراسة»، وفقًا لمتحدث باسم المعاهد NHS.
يقول بابلو روس Pablo Ross، عالم الأحياء الإنجابي في جامعة كاليفورنيا University of California بديفيس، الذي يُجري أبحاثاً على الخلايا الخيمرية، إن تجميد التمويل «ترك أثراً كبيراً في التقدم بهذا المجال. ويجب أن تؤخذ بعض المخاوف المطروحة على محمل الجد، لكنني أعتقد أن لدينا الأدوات اللازمة لذلك، و[هذه المخاوف] يجب ألاّ تمنعنا من متابعة هذا الهدف».
وبسبب بطء وتيرة الأبحاث على الخيمريات، يتوقع حتى بعض مؤيديها أن زرع أعضاء كائنات مختلفة Xenotransplantation، أو استخدام أنسجة غير بشرية مثل أعضاء خنازير معدلة في عمليات الزراعة، سيسبقها إلى المستشفيات. ويقول وو: «إنّ زراعة أنسجة غير بشرية باتت قريبة اليوم (و) ونحن متخلفون عن الركب». ولكن إمكانية تكوين أعضاء تتطابق بصورة أفضل مع متلقيها البشر تبقي مختبره والآخرين منهمكين في العمل على الخلايا الجذعية والأجنة، على أمل تضييق الفجوة بين الأنواع.
sciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى