أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياء نظرية

كيف تتطرق محركات «ستار تريك» إلى أحد أكبر أسرار الفيزياء

ملاحظات ميدانية من الزمكان | ربما لا تكون محركاتُ سرعة الضوء في سفينة «ستار تريك» ممكنة في عالمنا، غير أننا نتعلم المزيد عن الجسيمات التي تغذيها

بقلم: شاندا بريسكود- واينشتاين

ترجمة: تامر صلاح

 

أَحرصُ كل عام على حضور تجمّع هواة مسلسل ستار تريك Star Trek في لاس فيغاس، وفي كل عام، أُسأل عما إذا كان محرك سرعة الانحناء Warp speedسيكون ممكنًا عن أي وقت مضى. ففي عالم ستار تريك تسافر أنواع بشرية Humanoid حول المجرة بسرعة أكبر من الضوء، وذلك باستخدام محركات الانحناء التي يغذيها ضديد المادة Antimatter. ومن غير المرجح السفرُ بسرعة أكبر من سرعة الضوء، بيد أن ضديد المادة حقيقي. فلكل جسيم Particle شريك مضاد للمادة نُسمّيه ضديد الجسيم Antiparticle.

لذا، بصفتي اختصاصية بعلم فيزياء الجسيمات، فإن ما أريد حقّاً أن أُسأله ليس احتمال السفر لمسافات طويلة بسرعة، ولكن بدلاً من ذلك عن نوع الجسيمات التي تُبنى عليها هذه التقنية الخيالية. يتطرق محرك سفينة «ستار تريك» القائم على ضديد المادة إلى أحد الألغاز العظيمة التي لم تحلها فيزياء الجسيمات: أين يوجد جميع ضديد المادة على أي حال؟
أفضل نوع معروف من ضديد المادة هو البوزيترون Positron، وهو ضديد الإلكترون Antielectron. للبوزيترون كتلة تعادل الإلكترون، بيد أنّ شحنته الكهربائية موجبة. وعندما تتصادم المادة مع شريكتها ضديد المادة، فإنها تُفني بعضها بعضا. وهذه ليست مجرد مسألة نظرية: لقد رأينا ضديد المادة في المختبر، وليس فقط مع الإلكترون وضديده.
إذ يمكن إنتاج البوزيترونات من خلال التحلل الإشعاعي Radioactive decay. كما تُولّد بزوج من الإلكترونات عند تفاعل الفوتونات Photons النشطة جدّاً، والمعروفة بأشعة غاما Gamma rays، مع نواة الذرة. كما وُلّدت ضديدات البروتونات Antiprotons أيضًا، وفي عام 1995، تمكن العلماء أخيرًا من الجمع بين ضديد البوزيترونات وضديد البوزيترون بشكل مباشر لإنتاج ضديد الهيدروجين Antihydrogen.
وعلى الرغم من أن ضديد المادة حقيقي، فإنه أنه يصعب توليده في المختبر. وبما أن المادة وضديدها يُفني أحدهما الآخر حين التلامس، فعلى المرء أن يتساءل: لماذا نحن هنا إذًا. إذا كانت الجسيمات متناقضة تمامًا، فقد يتوقع المرء إنتاج الكمية نفسها من المادة وضديد المادة في الانفجار الكبير Big bang؛ مما يؤدي سريعًا إلى الفناء وإلى وجود عالم فارغ. وبدلاً من ذلك، فنحن نعيش في نسخة غير متماثلة Asymmetric تماماً من الكون، حيث الإلكترون سالب الشحنة هو جسيم أساسي ويشكل جزءاً رئيسيّاً في جميع الذرات ويدور في مداراتها. لماذا لم تستخدم الطبيعة سوى نصف لبنات البناء المتاحة لها؟

«محرك ضديد المادة المستقبلي لستار تريك يتطرق إلى واحد من أكبر أسرار فيزياء الجسيمات التي لم تحل بعد».

تبذل جهود لفهم هذا التباين في الفيزياء النظرية والتجريبية. ويعتقد العديد من الباحثين النظريين أن التحيز غير المتوازن تجاه المادة يرتبط بخرق ما يسمى تماثل الشحنة – السويّة Charge-parity symmetry، وهو أكثر شيوعًا بين علماء الفيزياء ويُعرف بالتماثل CP. وهذه خاصية تتطلب أن تكون جميع الجسيمات قابلة للتبادل مع ضديد جسيمها عندما تُقلب إحداثياتها

المكانية، وهو نوع من تماثل مرآوي Mirror symmetry. ومعظم الجسيمات المرصودة تخضع للتماثل CP، ولكن من الممكن انتهاكه.

وعلى الرغم من أنه اشتُهر كونه المنشأة التي اكتُشف فيها بوزون هيغز Higgs boson لأول مرة، فإن مصادم الهادرون الكبير Large Hadron Collider يعد أيضًا مكانًا للتجارب التي تسعى إلى معرفة المزيد عن كسر التماثل CP.

وعلى سبيل المثال، تركز تجربة مصادم الهادرون الكبير بيوتي Large Hadron Collider beauty (اختصارًا: الكاشف LHCb)، على وجه التحديد، على فيزياء-بي (Physics-b). وهي لا تشير إلى الفيزياء المنخفضة الميزانية، الشيء الذي تحلم به حكوماتنا بالتأكيد، ولكن إلى الكواركات التي يرصدها الكاشف بيوتي Beauty quarks (يشار إليها أحيانًا بالكواركات القعرية Bottom quarks).

وكواركات بيوتي (القعرية) ليست سوى واحدة من ست نكهات من الكواركات دون الذرية، وهي مكونات النيوترونات والبروتونات. وللأنواع الخمسة الأخرى أسماءٌ مبهجة كذلك: قمي top، علوي up، سفلي down، غريب strange وساحر charm. وقد تؤدي القوة النووية «الضعيفة»Weak الأساسية إلى تغيير نكهات الكواركات، وتتسبب في كسر التماثل CP للكواركات. وهذا يعطينا تلميحًا مهمًا بأن انتهاكات التماثل CP ممكنة؛ مما يدفع الباحثين النظريين إلى التفكير في نماذج ضديد المادة التي تعتمد عليها.

إضافة إلى الكواركات القعرية، فإنه يمكن للكاشف LHCb أيضًا دراسة خصائص الكواركات الساحرة. ومن المثير للدهشة أن التجربة اكتشفت مؤخرًا أول دليل على خرق التماثل CP ولتحقيق هذه النتيجة، نظر الكاشف LHCb في تحلل ميزونات D° mesons – جسيمات قصيرة العمر مكونة من كوارك ساحر charm quark وضديد كوارك علوي up antiquark.

وهذه النتيجة هي تأكيد مثير لظاهرة لطالما توقعها العلماء لعقود من الزمن، وانتظروا حدوثها في المختبر. لا يغير الاكتشاف وجهة نظرنا في الفيزياء بشكل جذري حتى الآن لأنه يتطابق مع التوقعات النظرية – وهو بالتأكيد ليس محرك انحناء. لكنه يشير إلى أنه في ضوء الظروف المناسبة، قد يحدث خرق للتماثل CP. ربما كانت هذه الظروف متوفرة أثناء الانفجار الكبير؛ مما أدى إلى كون بالكاد يكون من دون ضديد مادة كما نراه حاليا.

New Scientist

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى