أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونيات

تكتيكات جديدة تتصارع حول سرعة توسع الكون

الجدل حول ثابت هابل يُشير إلى "أزمة" في الفيزياء

بقلم: جوشوا سوكول Joshua Sokol

ترجمة: مي منصور بورسلي

في منتصف شهر يوليو 2019، اجتمع كبار الخبراء في تسجيلِ واحدٍ من أكثر الأرقام المتنازع عليها في الكون – ثابت هابل Hubble constant، المعدل الذي يتسع به الكون – على أمل أن تشير قياسات جديدة إلى مخرج من مأزق يتفاقم حول مسألة في الكوزمولوجيا (علم الكونيات) Cosmology.

لم يحالفنا الحظ بعد؛ فالمقياس الكوني الجديد المرتقب بشدة، الذي يعتمد على النجوم العملاقة الحمراء Red Giant Stars، لم يؤدِ إلا إلى تعكير النقاش الدائر حول القيمة الفعلية للثابت، ولم تقدم تقنيات أخرى أي حل. وقال دانييل سكولينيك Daniel Scolnic، عالم الفيزياء الفلكية في جامعة ديوك Duke University في دورهام بولاية نورث كارولينا: “كان هذا أكثر المؤتمرات التي حضرتها جنونًا… شعر الجميع كأنهم على متن قطار أفعواني”.

كان الاجتماع الذي عُقد في معهد كافلي للفيزياء النظرية Kavli Institute for Theoretical Physics في سانتا باربارا بكاليفورنيا أحدث حلقة في قصة طويلة تمتد إلى عشرينات القرن الماضي، عندما أثبت إدوين هابل Edwin Hubble أنه كلما نظرت أبعد إلى الفضاء، ستجد المجرات تتسارع متوسعة ومبتعدة عن الأرض. ومنذ ذلك الحين كرس العلماء حياتهم المهنية بكاملها لتحسين معدل هذا التوسع؛ وهو الثابت المتيمن باسم العالم هابل (اختصارًا: الثابت H0). ولكن في الآونة الأخيرة تعمقت المشكلة متحولة إلى نزاع متعدد التخصصات (Science, 10 March 2017, p. 1010).

من جهة، نجد علماء الكوزمولوجيا الذين يجمعون البيانات من المسافات الأكثر بعدًا؛ مثل خريطة الوهج الأولي الذي تَبِع الانفجار الكبير Big bang afterglow ورصده القمر الاصطناعي الأوروبي بلانك Planck. إذ يقارنون الحجم الظاهر للسمات المميزة لتلك الخريطة بالحجم الفعلي الذي تنبأت به النظرية، وذلك لحساب ثابت يُقدّر بنحو 67 تقريبًا. وهذا يعني أنّ المجرات البعيدة يجب أن تطير مبتعدة بمعدل أسرع. مبتعدة عن مجرة درب التبانة، بمقدار 67 كم/ث لكل ميغا فرسخ إضافي من الفضاء يحدق فيه علماء الفلك.

ولكن عندما ينظر علماء الفلك إلى المجرات الفعلية، مستخدمين سلاسل دقيقة من الاستدلالات للتعويض عن النقص المُحبِط للعلامات الكونية، فإنهم يحصلون على عدد مختلف. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية فَهرس فريق بقيادة الحاصل على جائزة نوبل آدم ريس Adam Riess، من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University في بالتيمور بولاية ماريلاند، الشموعَ القياسيةَ Standard candles: أجرام فيزيائية فلكية ذات سطوع Brightness معروف، يمكن حساب بُعدها بناء على مدى سطوعها المرصود من الأرض. هذا ويستخدم الفريق انفجارات للنجوم القزمة البيضاء White dwarf supernova في شكل سوبرنوفا (مستعر أعظم) Supernova كمنارات قياسية للمسافات البعيدة في الكون المتوسع؛ إذ يحددون درجة سطوع السوبرنوفا القريبة من خلال مراقبة النجوم المتغيرة Variable stars؛ التي تسمى القيفاويات Cephieds، في المجرات نفسها. ويتذبذب الضوء المنبعث عن هذه النجوم بمعدل يشير إلى سطوعها الداخلي. وفي وقت سابق من عام 2019 أبلغ هذا الفريق الذي أطلق عليهم الفريق SH0ES، أنّ الثابت H0 يساوي نحو 74، وهو معيار قياسي يقبله الفلكيون من هذا الجانب.

وإذا لم يكن بالإمكان عزو التوتر بين علماء الكوزمولوجيا وعلماء الفلك إلى خلل منهجي، فهذا يعني أنه حتى الفيزياء الحديثة نفسها بحاجة إلى مراجعة. وقد بدأ الباحثون النظريون، المتحمسون للإمكانات التي قد تردم الهوة بين الطرفين، باقتراح مكونات مخفية في الكون المبكر – جسيمات جديدة أو تفاعلات. ولكنهم لم يعثروا على حل تجنب إثارة مشكلات جديدة. ونظرا لأهمية هذه القضية، يريد علماء الفلك التأكد من نتيجة الفريق SH0ES مقارنة بطرق أخرى لقياس الثابت.

وقد اعتمد فريق يسمى H0LiCOW على تأثير عدسة الجاذبية Gravitational lenses، وهي انحيازات كونية غريبة، حيث ينحني الضوء المنبعث من منارة ومّاضة بعيدة تسمى كوازار (النجم الزائف) Quasar في صور متعددة في السماء نتيجة تأثير الجاذبية من مجرة تلقي بتأثير متداخل. تُشكّل كل صورة بواسطة ضوء ينتقل على مسار مختلف عبر فضاء متوسع. وبسبب ذلك؛ لا تصل جميع الومضات إلى الأرض في الوقت نفسه. واستنادًا إلى التأخير الزمني والهندسة غير البسيطة، حسب الفريق الثابت H0 من ست عدسات مختلفة ووجد قيمة تقارب 73 – “قريبة جدًّا” من نتائج الفريق SH0ES، كما يقول غيوف تشيه فان تشن Geoff Chih Fan Chen، عضو الفريق من جامعة كاليفورنيا University of California بديفيس.

وثمة نقطة إضافية لصالح الحاجة إلى فيزياء جديدة، إلا أن الاجتماع أثار مشكلة جديدة؛ ففي الليلة الأولى، نشر فريق برنامج كارنيغي-شيكاغو هابل Carnegie-Chicago Hubble Program (اختصارًا: البرنامج CCHP)؛ بقيادة ويندي فريدمان Wendy Freedman من جامعة شيكاغو University of Chicago في إلينوي، وهي خبيرة مخضرمة بقياس الثابت H0 دراسة على موقع خادم ما قبل الطباعة arXiv. وفي الدراسة سعى الفريق إلى تطوير نوع جديد من الشموع القياسية، وتقول فريدمان: “إذا وضعنا كل بيضنا في سلة القيفاويات، فلن يمكننا أبدًا اكتشاف الشموع غير المعروفة”.

وبدلاً من ذلك، نظر فريقها إلى النجوم القديمة المتضخمة التي تسمى العمالقة الحمراء Red giants. إذ تحول لب هذه النجوم، بعد أن استنفدت غاز الهيدروجين في اللب، إلى الهيليوم النبيل مع استمرار غلاف الهيدروجين حوله بالاحتراق. وأثناء ذلك يزداد سطوع النجم تدريجيًّا. ولكن في حدود معينة يمكن التنبؤ بها؛ حين ترتفع درجة الحرارة والضغط في اللب بما يكفي لحرق الهيليوم، تولِّد هذه الظروف وميضًا هائلاً من الطاقة يعيد ترتيب مكونات النجم الداخلية؛ مما يتسبب بالنهاية في خفوت النجم. ومن خلال العثور على ألمع العمالقة الحمراء في مجرة قريبة – تلك التي تتبع هذا الحد النظري – يمكن للفريق استخدامها كشموع قياسية لحساب المسافات والثابت H0 الخاص بهم.

بعد يوم واحد من نشر الدراسة، عرضت فريدمان النتيجة في الاجتماع: ثابت H0 منخفض بشكل مثير للدهشة عند نحو 70. وقال سكولينيك، أحد أعضاء الفريق SH0ES: ” القيمة في المنتصف تمامًا بين الفريقين – وهي تميل قليلًا إلى صالح علماء الكوزمولوجيا”. وتقول فريدمان: “لقد تسبب ذلك في صمت بعض الأشخاص لثانية واحدة على الأقل”.

بعد عرض فريدمان كان فريق SH0ES مستعدًّا لطرح الأسئلة حول الإطار والافتراضات الأساسية لهذه النتيجة. وأشاروا إلى ثلاث نتائج أخرى من قيمة هابل من سانتا باربرا، حتى وإن كانت أقل دقة، تعتمد على مفاهيم فيزيائية فلكية مستقلة – سُحب من الماء تدور حول مراكز المجرات البعيدة، وأنواع أخرى من النجوم المتغيرة، ومعدل انخفاض لمعان Luminosity المجرات من مراكزها إلى أطرافها.

ومع ذلك، فإنّ متوسط قيمة كل هذه النتائج الفلكية ما زال 73. وما لم يكن هناك تحيز مخفي كامن في البيانات، فإن الهوة بين تلك القيمة والعدد الأدنى الذي توصل إليه علماء الكوزمولوجيا تظل أقرب أو أعلى من المعايير الإحصائية 5s  التي يستخدمها الفيزيائيون لاستبعاد الأخطاء من القراءات الصحيحة.

وفي رأي ريس، على الأقل، يقترب علماء الفلك من الإجماع على أن التوتر حول قيمة هابل يسلط الضوء على الفرق الحقيقي بين الكون القديم والحديث، ويقول ريس: “لديك مشكلة، أم تضارب، أم أزمة… وأكبر جدل في الاجتماع، حسب اعتقادي، كان حول الكلمة التي يجب استخدامها”. وكان تصويت ريس على اختيار كلمة أزمة.

مشكلة هابل

يشير التوتر بين القيم القريبة والبعيدة لثابت هابل إلى فيزياء جديدة محتملة.

الفريق ثابت هابل الاستراتيجية المستخدمة
بلانك Planck 67.4 إشعاع الخلفية الميكروية الكونية

Cosmic microwave background

مسح الطاقة المعتمة

Dark Energy Survey

67.4 الاهتزازات الباريونية الصوتية

Baryon acoustic oscillations

 

المعدل الكوني = 67.4

 

الفريق ثابت هابل الاستراتيجية المستخدمة
SH0ES 74 النجوم المتغيرة، القيفاويات

Cepheid variable stars

 

CCHP 69.8 العمالقة الحمراء

Red giant stars

H0LiCOW 73.3 تأثير عدسة الجاذبية من الكوازارات

Lensed quasars

Huang et al., in prep 73.6 نجوم ميرا المتغيرة (النابضة)

Mira variable stars

Megamaser Cosmology Project 74.8 سحب مائية في مراكز المجرات

Water clouds in galactic centers

Blakeslee and Jensen, in prep 76.5 تذبذب درجة سطوع المجرات

Galaxy brightness fluctuations

المعدل الفلكي = 73.1

نبذة عن الكاتب:

جوشوا سوكول Joshua Sokol: صحافي مقيم في بوسطن.

sciencemag.org

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى