أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئية

عمالقة الغابات هي الأشجار الأكثر عرضة للخطر

البرق والجفاف والآفات الغازية تقضي على أكبر الأشجار

بقلم: إليزابيث بنيسي من لويسفيل بولاية كنتاكي

ترجمة: صفاء كنج

قد تبدو أكبر الأشجار التي تتحدى العواصف والشتاء القاسي أشجارًا لا تقهر. ولكن سلسلة من الدراسات الحديثة التي تحلل آثار الصواعق والجفاف والآفات الغازية Invasive pests في الغابات تشير إلى أن حجم الأشجار ليس عنصر قوة وأن عمالقة الغابات معرضة للعطب بصورة غير متناسبة مع حجمها.

يقول أندرو بارتون Andrew Barton، إيكولوجي الغابات بجامعة ماين University of Maine في فارمنغتون: “كنا دائمًا نفترض أن الأشجار الكبيرة محمية، إلى حدّ ما، من التعرض للإجهاد البيئي Environmental stress”. والدراسات الجديدة “تقترح أن هذا ربما لا يكون صحيحاً”. ومع احتمال ازدياد جميع أنواع الإجهاد الثلاثة، قد تصبح الأشجار الكبيرة نقطة ضعف بحد ذاتها في الغابات المُهدَّدة، كما يقول ديفيد ليندنماير David Lindenmayer ، خبير إيكولوجيا الغابات في الجامعة الوطنية الأسترالية Australian National University بكانبيرا، الذي أظهر عمله أن فقدان الأشجار الكبيرة يعرض أنظمة إيكولوجية بكاملها لخطر الانهيار. وتمثل الأشجار الكبيرة أيضاً مخازن رئيسية للكربون، إذ يشير أحد التقديرات إلى أنها تخزِّن 50% من كربون الغابات التي تنمو فيها، وموتها يعني إطلاق الكربون في الجو، وهذا قد يُفاقم ظاهرة التغير المناخي.

من المنطقي أن يستهدف البرق أكبر الأشجار، ولكن لم يظهر مدى تأثير ذلك في الأشجار إلا حاليّا، حسب مشروع في جزيرة بارو كولورادوBarro Colorado Island، في منتصف قناة بنما (Science, 23 June 2017, p. 1222). وفي المناطق المعتدلة يتسبب البرق بتفحم جذوع الأشجار أو حرقها عندما يضربها، لذلك من السهل رؤية آثاره. ولكن في الغابات المدارية مثل غابات بنما التي تجري دراستها منذ عقود، لا يترك البرق أي علامة واضحة، ربما لتحترق الأشجار لأنها تحتفظ بكمية أكبر من المياه، على الرغم من أن الشجرة المصابة قد تموت بعد أسابيع أو شهور. ولكن ستيف يانوفياك Steve Yanoviak، الإيكولوجي في جامعة لويسفيل University of Louisville الأمريكية وزملاءه جهَّزوا مؤخراً المحطة العلمية الموجودة في الجزيرة بكاميرات وأجهزة استشعار، حتى يتمكنوا من تحديد مواقع ضربات الصواعق باستخدام التثليث Triangulate والبحث عن النباتات التي تعرضت للتلف والعلامات الأخرى الدقيقة التي تدل على تعرض شجرة لضربة صاعقة. وبعدها تولى مساعد يانوفياك الباحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه إيفان غوراEvan Gora  رصد الأشجار المصابة وما يحيط بها لتوثيق أي تدهور. سجل المشروع حتى الآن 70 ضربة صاعقة، حسبما أفاد غورا في شهر أغسطس خلال الاجتماع السنوي للجمعية الإيكولوجية الأمريكية Ecological Society of America  في لويسفيل. وتقتل كل ضربة صاعقة خمس أشجار في المتوسط ​​وتسبب أضراراً لـ 16 أخرى مع انتقال الصعقة الكهربائية من شجرة إلى أخرى.

صنَّف غورا ويانوفياك جميع أشجار جزيرة بارو كولورادو وفق ثلاثة أحجام حسب قياس قطرها، وهو ما يتوافق مع حجمها الإجمالي. ووجدا أن عددا أكبر من الإصابات، بصورة غير متناسبة، حدثت في الأشجار الأكبر والأطول. وقال غورا في الاجتماع إن “البرق مسؤول عن 40.5% من موت Mortality الأشجار الكبيرة”، وهذا “أعلى بكثير مما توقعنا”. وفي المقابل، قضى البرق على 5.4% فقط من الأشجار متوسطة الحجم و2.9% من الأصغر حجماً. وإذا أدى تغير المناخ إلى جعل العواصف الرعدية أكثر شيوعاً أو شدة، كما يتوقع العديد من الباحثين، فقد يصير الأثر أشد وبالاً على الأشجار الكبيرة.

ويمكن أن يفاقم الجفاف الأمر. فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن جذور الأشجار الصغيرة ضحلة جدّا؛ مما يحول دون وصولها إلى المياه الجوفية، لذا قد تكون أكثر عرضة للجفاف من عمالقة الغابات. ولكن أتيكوس ستوفال Atticus Stovall، عالم إيكولوجيا الغابات في مركز غودارد لرحلات الفضاء Goddard Space Flight Center التابع للإدارة الوطنية للملاحة  الجوية والفضاء (ناسا) NASA في غرينبيلت بولاية ماريلاند، توصل إلى عكس ذلك عندما درس لمدة ثماني سنوات الصور الجوية وقياسات الليزر لارتفاع الأشجار وكثافة الظِلةCanopy density  في منطقتين من جبال سييرا نيفادا بكاليفورنيا، بمساحة إجمالية تعادل 40 ألف هكتار. وباستخدام برمجيات متخصصة، تتبع ستوفال مصير 1.8 مليون شجرة فردية.

وفي عامي 2014 و2015 تعرضت المنطقة لأسوأ موجة جفاف منذ 1200 عام رافقها طقس حار بصورة غير اعتيادية. قبل الجفاف رصد ستوفال موت أشجار من جميع الأحجام بالمعدل نفسه تقريباً، عن طريق دراسة التغييرات في ظِلة الغابات. ولكن بعد عام 2014، عندما بدأت موجة الجفاف الشديد، مات 40% من الأشجار التي يزيد طولها على 30 متراً، مقابل 28% من الأشجار المتوسطة الحجم و16% من الأشجار الصغيرة، وفق ما ذكره ستوفال خلال الاجتماع.

وقال إن “الارتفاع أكثر أهمية من أي عامل آخر”، بما في ذلك هطول الأمطار ودرجة الحرارة، لمعرفة ما إذا كان بوسع الشجرة أن تنجو من الجفاف. ويضيف إنه كلما زاد ارتفاع الشجرة عشرة أمتار زاد معدل موتها بنسبة 2.4 % سنوياً.

يعتقد ستوفال وغيره من العلماء أن كون الأشجار الطويلة أكثر ضعفاً يعود بصورة جزئية إلى اضطرارها لسحب المياه لمسافات أطول من الجذور إلى التيجان. وإذا تسببت الظروف الخارجية في نفاد الماء من أوراق الشجر بسرعة كبيرة جداً، فقد تتشكل فقاعات في قنوات توصيل المياه بالجذع، فتعيق تدفقها. ويقول توفال: “بمجرد أن يصير عدد هذه الفقاعات كبيراً جداً داخل جذع الشجرة، غالباً ما يعني ذلك أن أجلها قد حان”. يُضعف الجفاف أيضاً قدرة الأشجار على مقاومة خنافس اللحاء التي تحمل بدورها عوامل مُمرِضة Pathogens قد تقتل الشجرة، فيما يسميه ستوفال “دوامة الموت Death spiral”.

ويموت نحو 14% من الصنوبريات في العالم في مناخات معرضة للجفاف مثل سييرا نيفادا، ومن المتوقع أن يؤدي الاحترار العالمي إلى زيادة الجفاف في تلك المناطق. ويخلص ستوفال إلى القول: “نعتقد أن هذا قد يكون مصدر قلق كبير فيما يتعلق بالغابات”.

أما الآفات الغازية الآخذة بالازدياد بسبب النشاط البشري؛ فتشكل بَلِيَّة أخرى تهدد الأشجار الكبيرة، وفق ما توصل إليه سونغلين فاي Songlin Fei، عالم إيكولوجيا الغابات في جامعة بيردو Purdue University  بوست لافاييت في إنديانا. بعدما شهد موت شجرة مُران رمادي Ash tree كان مولعاً بها في فناء منزله إثر إصابتها بخنفساء زمردية حفارة Emerald ash borer أدخلت بصورة عرضية من آسيا، دفعه ذلك إلى التساؤل عن تأثير هذه الآفات على الكربون الذي تخزنه الأشجار. جمع فاي بيانات من برنامج لخدمات الغابات الأمريكية U.S. Forest Service  (اختصاراً: الإدارة USFS) يتتبع 120 ألف مساحة حرجية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مُسجلاً الأضرار اللاحقة بالأشجار أو موتها. إضافة إلى ذلك، استخدم وزملاؤه قاعدة بيانات فيدرالية تحتفظ بسجلات تتتبع آفات الغابات. وقد صار نحو 15 من الكائنات غير الفطرية Nonnative organisms، من الحشرات والفطريات والميكروبات الأخرى، تمثل تهديدات رئيسية للغابات الأمريكية. واستناداً إلى الضرر الذي تسببت به هذه الآفات الـ15  في الأراضي الحرجية التي يرصدها برنامج خدمات الغابات الأمريكية، تتسبب الآفات الغزية سنوياً بإطلاق ما يعادل الكربون المنبعث من خمسة ملايين سيارة، وفقاً لما ذكره الباحثون في عدد 12 أغسطس 2019 من دورية وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم Proceedings of the National Academy of Sciences.

بناءً على طلب مجلة ساينس Science، فقد استخدم فاي بيانات تلك الدراسة لحساب معدل موت أحجام مختلفة من أشجار الشوكران Hemlock والمران والبتولا Birch، في حال تعرضها أو عدم تعرضها للإصابة بالآفات. وتبين له أن أكبر الأضرار لحقت بالأشجار الكبرى وهو ما وصفه فاي بأنه اكتشاف “مفاجئ”. وكان معدل موت أشجار المران الرمادي الكبرى أكبر بخمس مرات عندما غزتها الخنفساء الزمردية الحفارة، في حين أن معدل موت الأشجار الأصغر ازداد بثلاثة أضعاف فقط، على سبيل المثال. ويقول فاي: “بشكل عام، الأشجار ذات القطر الأكبر أكثر عرضة للموت جراء الآفات الغازية”. وهو يعزو ذلك إلى أنه، مثلما يحدث مع البشر كبار السن، لا تكون الأشجار القديمة عموماً بمثل قوة الأشجار الفتية، كما أنها أقل قدرة على التعافي من الضغوط مثل الحشرات الغازية والعناصر المُمرِضة.

يقول ليندنماير: “يجب علينا توفير حماية أكبر للأشجار القديمة الكبيرة أفضل بكثير مما فعلنا في السابق”. وإنشاء غطاء نباتي عازل من حولها قد يساعد على ذلك. ويضيف إنه يجب حماية الغابات القديمة التي تؤوي أكبر الأشجار من الحرائق ومن قطع الأخشاب. فإلى جانب كونها الأكثر ضعفاً، فإن الأشجار الكبرى هي في نهاية الأمر الأبطأ نمواً، ويقول ليندنماير: “لا يمكن تعويض العديد من الأشجار القديمة الكبيرة”.

 

sciencemag.org

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى