أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

نوبل الطب يكرم أبحاث الجهاز الخلوي لاستشعار مستويات الأكسجين

بقلم: كاي كوبرشميدت

ترجمة: د. ليلى الموسوي

مُنحت جائزة نوبل في الفسيولوجيا أو الطب لثلاثة علماء عن أبحاثهم في كيفية استشعار الخلايا بوجود الأكسجين وتفاعلها مع نقص الأكسجين (نقص الأكسجة/عوز الأكسجينHypoxia)  -وهي ظروف يكون فيها الأكسجين منخفضًا في الأنسجة. أبحاث الفسيولوجيا الأساسية هذه قادت إلى فهم أفضل لكيفية تنظيم أكثر من 300  جين في الجسم، بما في ذلك هرمون الإريثروبويتين Erythropoietin (اختصارا: الهرمون EPO) ، الذي يتحكم في إنتاج خلايا الدم الحمراء.

واستشعار الأكسجين Oxygen sensing جزء أساسي في العديد من الأمراض. ويُطوَّر العديد من الأدوية لتغيير استجابة نظام استشعار الأكسجين لعلاج كل شيء من السرطان إلى فقر الدم». وتطبيقات نتائج هذه الأبحاث بدأت بالفعل تؤثر في كيفية ممارسة الطب«، كما قال راندال -جونسون Randall Johnson من معهد كارولينسكا Karolinska Institute في ستوكهولم، الذي يدرس نقص الأكسجة، وأحد أعضاء لجنة الاختيار في جائزة نوبل-  في مؤتمر صحفي أعلن فيه أسماء الفائزين.

يقول أماتو غياشيا Amato Giaccia، وهو باحث في السرطان من جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة University of Oxford: »كيفية استشعار الأكسجين بواسطة الأنسجة الطبيعية والأورام هي اكتشاف مهم جدا يستحق جائزة نوبل. إنه جانب أساسي من الطبيعة. «والعديد من الجينات التي يتم تشغيلها Turned on عندما ينقص الأكسجين يتم تشغيله أيضًا في الخلايا السرطانية.

والثلاثة الحاصلون على جائزة نوبل هم:  ويليام كيلين جونيور William Kaelin Jr من معهد دانا فاربر للسرطان Dana-Farber Cancer Institute في بوسطن، وبيتر راتكليف Peter Ratcliffe من جامعة أكسفورد، وغريغ سيمينزا Gregg Semenza من كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University  في بالتيمور بولاية ماريلاند. هذا وقد أشادت لجنة نوبل بالفائزين الثلاثة لاكتشافهم »كيفية استشعار الخلايا بالأكسجين والتكيف مع توفره«.

في ثمانينات القرن العشرين، كان العلماء قد عرفوا بالفعل أن انخفاض مستويات الأكسجين يزيد من نسخ جين الهرمون EPO في الكلى، مما أدى بدوره إلى زيادة إنتاج خلايا الدم الحمراء الحاملة للأكسجين. لكن كيفية استشعار الجسم بنقص الأكسجين ظلت عملية غير واضحة.

في عام 1992، حدد سيمينزا بروتينًا أطلق عليه اسم العامل المُحفَّز بنقص الأكسجة hypoxia-inducible factor  (اختصارا:  العاملHIF ). فعندما يكون هناك القليل من الأكسجين يرتبط العامل بالمنطقة التنظيمية Regulatory region  لجين الهرمون EPO . هذا ويتكون العامل HIF من جزأين: البروتين HIF-1alpha  والبروتين HIF-1beta أو ARNT) ) وحده البروتين HIF-1alpha يستشعر الأكسجين مباشرة، وقد أظهر سيمينزا وراتكليف وكيلين في أبحاث مستقلة أنه في ظل ظروف الأكسجين العادية، يتم تعديل اثنين من الأحماض الأمينية لبروتين HIF-1alpha تعديلا كيميائيا بواسطة إنزيمات تسمى برولي هيدروكسيليز Prolyl hydroxylases . يمكن بعد ذلك ربط البروتين HIF-1alpha المُعدَّل ببروتين يسمى VHL، وتوضع علامة (وسم) على هذا المركّب لتدميره في منطقة التخلص من الفضلات في الخلية، أي في البروتيازوم  Proteasome.

ولكن، في ظل ظروف انخفاض الأكسجين، لا تعود الإنزيمات التي تعدل البروتين HIF-1alpha كيميائيا نشطةً. وبدلاً من الارتباط بالبروتين VHL والتدمير، ينتقل البروتين HIF-1alpha إلى نواة الخلية، حيث يتحد مع البروتين HIF-1beta ويرتبط بأجزاء معينة من الجينوم، فينظِّم نسخ مئات الجينات بما في ذلك جين الهرمون EPO.

توصل كيلين، الباحث في مجال السرطان، إلى هذا الموضوع من خلال البحث في متلازمة وراثية Inherited syndrome، وهي مرض فون هبل-لينداو von Hippel-Lindau disease، الذي يزيد من مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان. وسبب المتلازمة هو حدوث طفرات في جين البروتين VHL، ووجد كيلين أن الخلايا السرطانية التي تفتقر إلى هذا البروتين تلجأ إلى تشغيل الجينات المرتبطة بنقص الأكسجة.

وقد اتسع نطاق الاتصالات السرطانية بنظام استشعار الأكسجين هذا. إذ تستخدم بعضُ الخلايا الوراثية بعضَ الجينات التي يسيطر عليها البروتين HIF لإنتاج الأوعية الدموية لتغذية نفسها، في حين يعمل البعض الآخر من الجينات مباشرة على تكاثر الخلايا أو ورم خبيث. والعديد من المركبات التي تُثبِّط البروتين HIF-1alpha أو البروتين HIF-2alpha تختبر الآن في تجارب إكلينيكية (سريرية) لعلاج مرضى السرطان. كما أن هناك فئة أخرى من الأدوية تُثِّبط الإنزيمات التي تعدل البروتين HIF يطلق عليها المثبطات HIF prolyl hydroxylase .

عندما تكون مستويات الأكسجين منخفضة (نقص الأكسجة)، فإن البروتين HIF-1alpha يكون محميا من التحلل ويتراكم في النواة، حيث يعمل مع الجين ARNT ويرتبط بتسلسلات معيّنة من الحمض النووي DNA ألا وهي التسلسلات HRE في الجينات التي تنظم نقص الأكسجة

وفي عام 2018 وافقت الصين على استخدام أحد هذه الأدوية -روكسادوستات Roxadustat- لعلاج فقر الدم لدى الأشخاص الذين يعانون مرض الكلى المزمن. وحتى قبل ذلك، تم إيقاف اثنين من راكبي الدراجات لاستخدامهما هذه المادة لتحسين أدائهما من خلال زيادة إنتاج خلايا الدم الحمراء.

تقول سيليست سيمون Celeste Simon، عالمة بيولوجيا الخلية في كلية بيرلمان للطب Perelman  School of Medicine  بجامعة بنسلفانيا University of Pennsylvania، من الصعب المبالغة في تقدير الدور الذي يؤديه نقص الأكسجة في المرض. «إن نقص الأكسجين جزء من جميع الأمراض تقريبًا، وليس فقط الأورام الصلبة Solid tumors أو السكتة الدماغية، بل الالتهاب والتئام الجروح وأمراض الشرايين الطرفية. فجميع هذه الأمراض تتضمن نقصا في الأكسجين». وتقول إن أحد الأهداف الرئيسية لهذا المجال من البحث الآن هو إظهار أنه بالإمكان استخدام المعرفة لمساعدة المرضى.

»هناك بروتين HIF في جميع خلايا الجسم تقريبًا، في الجهاز العصبي، في الأوعية الدموية، والجهاز المناعي«، كما يشير جونسون، الذي يدير مختبرا في جامعة كامبريدج University of Cambridge بالمملكة المتحدة. ويقول إن دور هذا البروتين في الجهاز المناعي قد يكون حاسمًا بشكل خاص، لأن الخلايا المناعية تغزو الأنسجة الملتهبة، التي عادة ما تكون في حالة من نقص الأكسجة. لكن هذا يعني أيضًا أن أي تلاعب بالبروتين HIF سيكون له تأثيرات عديدة. ويقول جونسون: »هذه الأدوية التي تؤثر في مسار نقص الأكسجة ستكون أداة قوية جدا، ولكن يجب أيضًا النظر فيها بعناية فائقة«.

»صدق أو لا تصدق، لقد كان هذا عامًا سيئًا جدا بالنسبة إلي«، كما صرّح سيمينزا مثيرا الدهشة في بداية مؤتمر صحفي في بالتيمور هذا الصباح، موضحًا أنه سقط من على الدرج في شهر مايو وكسر رقبته. وقد تولى رعايته جراح أعصاب من مستشفى هوبكنز، ويعاني الآن مشكلات طفيفة ناتجة عن السقوط. في ملاحظة أكثر لطفا، أضاف سيمينزا إنه لم يستيقظ بسرعة كافية للرد على أول مكالمة هاتفية من لجنة نوبل.  »نومي عميق«

أما راتكليف، الذي يشغل أيضًا منصبًا في معهد فرانسيس كريك Francis Crick Institute بلندن، فقد كان يسابق الوقت لإنهاء طلب منحة عندما وصلت إليه الأخبار، وفقًا لتغريدة من لجنة نوبل.

©Sciencemag

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى