أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغالطب وصحة

أدلة صادمة تبين أن بعض مرضى الحالة الإنباتية قد يكونون واعين

من بين الأفراد الذين كان يعتقد أنهم غير واعين بشكل دائم نتيجة لإصابة في الدماغ، وجد أن هناك واحدا من عشرة قد يكونون مدركين لما يحدث حولهم. والبحث جارٍ لإنقاذهم من حالة الإهمال هذه

بقلم: هيلين تومسون

ترجمة: عبد الرحمن سوالمة

“لدي بالفعل صور لخمسة مرضى على جدار مكتبي، ويبدون جميعًا كأنهم في حالة إنباتية Vegetative state، ولكننا نعلم أنهم واعون. وهذا بمثابة تذكير لنا أنهم  موجودون وأننا لا نساعدهم”. هذا ما قاله نيكولاس شيف Nicholas Schiff.

يعتبر شيف أحد أهم الخبراء في اضطرابات الوعيDisorders of consciousness ، ويعمل في كلية ويل كورنيل للطب Weill Cornell Medical College بنيو يورك، والعديد من مرضاه موجودون في حالة إنباتية. وقد تركتهم إصاباتهم دون إدراك بأنفسهم أو العالم من حولهم، أو على الأقل هذا ما ظنناه.

في عام 2006، اكتُشِف لأول مرة أن هناك امرأة واعية بعد أن كان يُعتَقَدُ أنها في حالة إنباتية، وذلك بعد أن أظهرت المسوح الدماغية Brain scans أن بإمكانها تخيل أشياء مختلفة عندما طلب إليها ذلك. وسرعان ما تلا هذا الاكتشافَ اكتشافٌ آخر محبط: ليس من الدقيق بشكل كاف أن نحدد  إن كان الشخص واعيًا أو لا بناء على سلوكه فحسب.

من المعلوم الآن أن لدى بعض الأفراد ما يسمى “الوعي المستتر” Covert consciousness، الذي يعني إدراك الشخص لما يجري حوله، ولكنه لا يستطيع تحريك أي جزء من أجزاء جسمه. في البداية اعتُقد  أن هذا عبارة عن خطأ في التشخيص نادر ومأساوي. ولكن الآن، تشير نتائج دراسة استمرت 10 سنوات إلى أن العديد من الأفراد قد يكونون محتجزين في مثل هذه الحالة. وترقد أجسامهم في سكون، ولكن أدمغتهم تكون نشطة، وهذا يولد حاجة ملحة إلى إيجاد تقنيات يمكنها إيقاظهم. كما أنها تثير أسئلة أخلاقية حول أي سؤال يجب أن نسأله لهؤلاء الأفراد وأنفسنا، عندما يتمكن هؤلاء المرضى من جعل أنفسهم مسموعين.

وفي عهد قريب، حتى نهايات تسعينات القرن العشرين، كان الاعتقاد السائد هو أن  الأفراد الذين هم في حالة إنباتية- بحسب التعريف، ليس لديهم إدراك واع، ويظهرون علامات على دورات النوم واليقظة، وأحيانًا يفتحون عيونهم أو يؤدون حركات لا إرادية، لكنهم لا يكونون مدركين لأنفسهم أو الأفراد المحيطين بهم. ولكن أدريان أوين  Adrian Owen، عندما كان في وحدة العلوم المعرفية وعلوم الدماغ MRC Cognition and Brain Sciences Unit، التابعة لمجلس الأبحاث  الطبية في كيمبريدج بالمملكة المتحدة، كان لديه فكرة مثيرة للقلق: ماذا إذا كنا مخطئين؟

لطالما كان أطباء الأعصاب مدركين لمتلازمة المنحبِس Locked-in syndrome، التي يكون فيها الأفراد مستيقظين ومدركين ولكنهم غير قادرين على تحريك أي جزء من جسمهم تقريبًا، وقد وصفت أول مرة في الكتب الطبية عام 1966، ولكنها كانت على الأرجح معلومة معروفة  قبل ذلك بكثير؛ فقد وصفت في قصة ألكسندر دوما التي صدرت عام 1844  عنوان “كونت مونتي كريستوThe Count of Monte Cristo. يحتاج الأفراد المصابون بهذه المتلازمة إلى مساعدة في التنفس وقد يتواصل العديد منهم فقط عن طريق حركات العين، ولكنهم لا يُصنَّفون على أنهم مصابون باضطراب في الوعي؛ وذلك لأنهم كاملو الوعي، بخلاف الأفراد الواقعين في غيبوبة Coma أو في حالة إنباتية أو في حالة الحد الأدنى من الوعي Minimally conscious state. ومع ذلك، قد تمر شهور أو حتى سنواتقبل التوصل إلى هذا التشخيص إذا كانت حركة العين محدودة.

تساءل أوين عما إذا كان بإمكان الأفراد الذين هم في حالة إنباتية لديهم إدراك مخبأ. يقول أوين إن هذه الفكرة رفضت في ذلك الوقت باعتبارها “فكرة لامنطقية”؛ وذلك بصورة خاصة لأن الأفراد يشعرون بعدم الراحة حيال فكرة أن هناك شخصًا ربما يكون محبوسًا داخل جسمه دون أن يعلم أحد بذلك.

ومع ذلك، فقد بدأ فريق أوين بفحص هذه النظرية. وكان أول مريض لديهم امرأة تدعى كيت Kate، وهي امرأة دخلت في حالة إنباتية بسبب فيروس. وفي عام 1997 مسح الباحثون دماغ كيت باستخدام التصوير المقطعي بالإصدار البوزتروني (اختصارًا: التصوير PET)، الذي يمكنه قياس النشاط الدماغي عندما كانت تعرض عليها صور لعائلتها أو عند تشغيل تسجيل لخطاب مألوف. وكان ما فاجأ الباحثين أن دماغها استجاب تمامًا كما يتوقع لدماغ شخص سليم أن يستجيب. ولكن فريق أوين واجه مشكلة: الكثير من النشاط العصبي يحدث بشكل تلقائي، ومن ثم لا تثبت النتائج بالضرورة أنها كانت واعية، واستمر الأمر لعقد من الزمن للتوصل إلى حل.

“العديد من الأفراد في حالة إنباتية قد يكونون محبوسين، ترقد أجسامهم في سكون ولكن أدمغتهم تكون نشطة”

عام 2006 أظهر أوين وزملاؤه أن هناك امرأة عمرها 23 سنة في حالة إنباتية استطاعت الاستجابة للتعليمات، عن طريق الطلب إليها أن تتخيل أنها تمشي حول منزلها أو أنها تلعب التنس. وتحتاج هاتان المهمتان العقليتان إلى نشاط دماغي مختلف، يمكن التعرف عليه عن طريق المسوح الدماغية، وأكدت المسوح، بما لا يدع مجالًا للشك، أنها كانت مدركة بشكل واعٍ لنفسها وللباحثين، وأن لديها القدرة على الاستجابة لطلبهم.

اضطرابات الوعي صعبة التشخيص، ويستخدم أغلب الأطباء أشكالًا مختلفة لمقياس غلاسغو للغيبوبة Glasgow Coma Scale من أجل تقييم قدرة الشخص على فتح عينيه استجابة لمختلف المنبهات، وقدرته على الاستجابة اللفظية والحركات. كما يمكن للأطباء استخدام المسوح الدماغية للتعرف على الأضرار المادية التي لحقت بالجسم.

ولكن، للتعرف على الوعي المستتر، يتعين عليك أن تستخدم التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي functional MRI (اختصارًا:التصوير fMRI)، أو أن تجري عدة فحوص لتخطيط كهربائية الدماغ (اختصارًا: التخطيط EEG) من أجل تأكيد وجود نشاط دماغي يعكس الاستيعاب والقدرة على اتباع الأوامر. ويقول شيف: “لكننا، بشكل عام، لا نفحص هذا المستوى من الوظيفية العالية عند المرضى. ولكننا إذا أجرينا الفحوص، فليس من الصعب العثور على النشاط الذي يعكس هذه الوظيفية”.

ويقول شيف أيضا الدراسة التي دقت ناقوس الخطر هي التي أجراها عام 2017 على يد بريان إيدلو Brian Edlow في المستشفى العام بماساشوسيتس Massachusetts General Hospital. كان إيدلو يعلم أن الوعي المستتر اكتُشِف لدى أفراد أمضوا شهورًا أو سنوات في التعافي من جراحهم، ولكنه تساءل عما إذا كان بإمكان الوعي المستتر أن يوجد لدى الأفراد المصابين حديثا بإصابات في الدماغ.

مسح إيدلو وزملاؤه أدمغة 16 شخصًا يبدو أنهم فاقدون للوعي ومصابون بإصابات شديدة في الرأس، وخلال عملية المسح، طلب إليهم أن يؤدوا مهام عقلية، مثل “تخيل أنك تضغط على شيء بيدك اليمنى”. ومن ضمن الأفراد الثمانية الذين لم تكن تصدر عنهم أي إشارة إدراك، استطاع 4 أفراد اتباع تعليماته. وكانت تلك دراسة صغيرة، ولكن تبعاتها كانت كبيرة.

يقول شيف: “كان هؤلاء الأفراد في العناية المركزة، ماذا لو رفعت عنهم العناية المركزة؟” حتى الأفراد الذين يعالجون بتوفير وسائل تبقيهم على قيد الحياة، فإن أي خطأ في التشخيص قد تنتج منه محدودية في إعادة تأهيلهم، وهو ما يمكنه أن يعيق فرصة الشفاء.

” بشكل عام لا نفحص هذا المستوى من الوظيفية العالية لدى المرضى. ولكننا إذا أجرينا الفحوص، فليس من الصعب العثور على النشاط الذي يعكس هذه الوظيفية”

وفي دراسات شيف نفسه، وجد 16 شخصًا في حالة من الوعي المستتر. وفي حالة بعضهم كان التشخيص أمرًا غيّر حياتهم. على سبيل المثال، هناك رجل كان يُظَنُّ أنه في حالة إنباتية، كانيحرّك رأسه حركات متقطعة أُهمِلَت باعتبارها حركات عشوائية. أما عندما أدرك الفريق أن وعيه كان وعيًا مستترًا؛ فقد أعطيت هذه الحركات اهتمامًا أكثر، وطوّر أحد الباحثين في المستشفى فأرة حاسوب تثبت على الرأس من أجله، وقد استخدمها للتحكم في لوحة مفاتيح. وفي النهاية صار قادرًا على كتابة بريد إلكتروني لشيف ليعطيه موافقه على الانضمام إلى دراسته التالية.

كم يبلغ عدد الأفراد الذين قد يكونون في هذه الحالة؟ ليست هناك أية معلومة حول العدد الدقيق للأفراد المصابين باضطرابات في الوعي عبر العالم، لكن خلال السنوات العشر الماضية، شارك شيف في دراسة عالمية في البحث في معدلات الخطأ بالتشخيص. ويشير التقدير الأخير، الذي يعتبر تقديرًا متحفظًا إلى ن واحدًا من كل 10 أفراد يُظَنُّ أنهم في غيبوبة، أو حالة إنباتية، أو في حالة من الحد الأدنى من الوعي يكون لديهم في الواقع وعي مستتر بدلًا من ذلك، يقول شيف: “هذه مشكلة كبيرة، ونعلم الآن أنها ليست مشكلة نادرة”.

تقبل الفكرة

قبل 20 سنة لم يكن هناك الكثير مما يمكن فعله للأفراد الواقعين في حالة إنباتية إلا أن نأمل بأنهم سيتعافون بشكل بطيء، أو أن يستفيقوا استفاقة مفاجئة، وهو ما يعتبر نادرًا. وقد اختلف الحال بوجود حالة لويس فليون Louis Viljoin. ففي عام 1996، عندما كان بعمر 24، دهسته شاحنة عندما كان يقود دراجته، وقد تركه هذا الحادث في حالة إنباتية لثلاث سنوات.

وفي أحد الأيام لاحظت والدته عندما كانت تزوره في دار التمريض أنه بدا قلقًا، فاستدعت طبيبه الذي وصف له حبة منومة من دواء يدعى زولبيديم Zolpidem لتهدئته. طحن مقدمو الرعاية الحبة ووضعوها في الماء وجعلوه يبتلعها. وبعدها بـ15 دقيقة، فتح لويس عينيه، وأدار رأسه، وقال: “مرحبًا أمي”. ومنذ ذلك الحين كان بالإمكان إيقاظ لويس مرة في اليوم، لمدة ثلاث ساعات، يتفاعل فيها مع عائلته، ثم يغوص في حالة فقدان الوعي. وبعد ست سنوات استفاق من الغيبوبة استفاقة دائمة.

أثبتت قصته أمرًا مهمًا؛ وهو أن لدى بعض الأفراد الواقعين في حالة إنباتية القدرة على أن يستفيقوا بوجود التدخل العلاجي المناسب. ويبدو أن دواء زولبيديم “يُشغّل” Switch on مناطق قريبة من مقدمة الدماغ لها علاقة بالتفكير عالي المستوى، ولها علاقة ببدء تحفيز الحركة. وهذا يغلب الأثر المهدئ للدواء على المناطق الدماغية الأخرى. ومع الأسف، لم تدم الإثارة التي دارت حول إمكانات دواء زولبيديم طويلًا؛ فقد بينت تجربة صغيرة متحطم فيها بالدواء الغفل B (Placebo-controlled trial B) أن دواء زولبيديم استفاد منه أربعة فقط من أصل 84 مريضًا مصابين باضطرابات في الوعي. ويقول جون وايت John Whyte، وهو مدير الوحدة البحثية في مركز موس لإعادة التأهيل Moss Rehailitation Research Unit في بنسلفانيا، إنه على الرغم من أن عددًا قليلًا من العائلات تستخدم هذا الدواء من أجل إيقاظ أحبابهم، فإن أغلبهم يجد أن الأثر يتناقص مع تكرار الجرعة.

ولكن، كي لا يكون ذلك مثبطًا؛ بدأ لياندرو سانس Leandro Sanz، وهو طبيب في جامعة لييج University of Liège ببلجيكا، هو وزملاؤه، في فحص دواء آخر اسمه أبومورفين Apomorphine. يحاكي الدواء في عمله وظيفة الدوبامين Dopamine ، ويوصف في العادة لمساعدة الأفراد المصابين بداء باركنسون Parkinson’s على بدء الحركة. والنتائج التي بينت أن ثلاثة أفراد عولجوا بهذا الدواء في دراسة ريادية تبدو واعدة: ففي البداية كانت إحدى المشاركات غير قادرة نهائيا على التواصل، وفي النهاية، استطاعت تحريك يديها استجابة للأوامر. ويقول سانس: “هناك هذه اللحظة، عندما يضغطون على يدك للمرة الأولى، وتعلم أنهم موجودون هناك، حقًا موجودون معك. وكأن هذه الكينونة دخلت الغرفة وقتها”.

وهناك مشارك ثان آخر يدير رأسه عندما يسمعك تناديه، وهناك ثالث يحاول، دون جدوى، أن يستخدم إبهاميه في بداية التجربة، ويمكنه الآن أن يقول “نعم” و”لا” وأن يرتدي ملابسه ويحلِق بمساعدة الآخرين. الآن يسعى سانس إلى حشد متطوعين من أجل دراسة أكبر.

ليست الأدوية الخيار الوحيد؛ ففي عام 2007، تساءل شيف وزملاؤه عما إذا كان بإمكانهم تشغيل دماغ متضرر باستخدام الكهرباء. وكان هناك دعم متزايد لـ”نظرية الدارة المتوسطة” Mesocircuit hypothesis، التي سعت إلى تفسير كيفية استعادة الوعي بعد الإصابة الدماغية، والكيفية التي يمكن بها للمعرفة العقلية أن تسبق القدرات الحركية.

تبنى النظرية على إشراك عدة شبكات مرتبطة بالمهاد Thalamus (انظر الشكل التوضيحي). يقع المهاد مباشرة فوق جذع الدماغ Brain stem، الذي يصل بدوره الدماغ مع الحبل الشوكي Spinal cord، ويعمل بمثابة محطة مركزية. وتتمثل وظيفته بنقل المعلومات باتجاه العقد القاعدية Basal ganglia، التي تعتبر مسؤولة عن الحركة والاستجابة للمكافأة، وكذلك للدماغ الأمامي Forebrain (وهو مصطلح يشمل نصفي المخ، والمهاد، والوطاء Hypothalamus). وهذه المناطق مجتمعة تعتبر مسؤولة عن التعلم، والذاكرة، والشخصية، والأحاسيس، وتنظيم التنفس، ووظائف أخرى من الوظائف العصبية المستقلة. ويُعتَقَدُ أن الصدمة الدماغية تحدث خللًا في هذه الشبكة، وهو ما يقلل من النشاط في الدماغ الأمامي. كما أن نقصان النشاط قد يحدث أيضًا عندما ننام أو عندما نخضع لتأثير أدوية التخدير. كما أنه آخر جزء “يصحو” Online من أجزاء الدماغ عندما يستعيد شخص مصاب باضطراب الوعي القدرة على التواصل.

ومن أجل أن يرى شيف وفريقه ما إن كان بإمكانهم بدء تشغيل هذه الشبكة بعد الإصابة، زرعوا إلكترودات في مهاد رجل ظل في حالة من الحد الأدنى من الوعي لمدة ست سنوات بعد أن تعرضه للضرب. وبدأت التحسنات بالظهور مباشرة بعدها، وبحلول نهاية التجربة التي دامت ستة أشهر، صار بمقدور الرجل الأكل والكلام ومشاهدة الأفلام.

وعلى الرغم من أن كل الوسائل الإخبارية المهمة في العالم قدمت تقريرًا عن هذه النتيجة، فإن أبحاث شيف في هذا المجال توقفت. فلم تكن أية جهة مستعدة لدفع المبالغ الكبيرة التي يحتاج إليها المرضى من أجل إعادة التأهيل والرعاية خلال دراسة طويلة كهذه. ويقول شيف: “هذا بمثابة عمل شاق. لا يريد أحد أن يدفع تكاليفه، ولا يمكن للباحثين أن يستمروا وحدهم”.

واستمر الأمر حتى 2016 عندما حاول مارتن مونتي Martin Monti من جامعة كاليفورنيا University of California بلوس أنجلوس، وزملاؤه أن يؤدوا عملا مماثلا، ولكن هذه المرة باستخدام الموجات فوق الصوتية خفيفة الشدة، وهي تقنية غير باضعة Non-invasive تعدل المهاد دون الحاجة إلى جراحة. ومرة أخرى، كانت النتائج مذهلة؛ كان مريضه ذو الـ25 عامًا يعاني إصابة دماغية شديدة بعد أن صدمته سيارة وكان في حالة من الحد الأدنى من الوعي لثلاثة أسابيع. وفي اليوم التالي للعلاج حاول الرجل التواصل باستخدام الأصوات والإيماءات، وبعدها بثلاثة أيام، تمكن من الإجابة عن الأسئلة بالإيماء بالرأس أو هزه. وبعدها بأسبوع نهض من السرير وحاول المشي. ومن حينها، بدأ مونتي وفريقه باستخدام هذه التقنية على مرضى آخرين، وهو الآن يجري تجربة إكلينيكية.

وفي ذات الوقت، كانت أنجيلا سيريغو Angela Sirigu، من المركز الوطني الفرنسي للأبحاث العلمية French National Centre for Scientific Research في برون، هيوزملاؤها يجرون تجربة على تقنية أخرى، وهي تقنية تركز على تحفيز العصب المبهم Vagus nerve، الذي يمتد بين الدماغ، والمهاد، والعديد من مناطق الجسم.

زرعت سيريغيو وزملاؤها إلكترودات لتحفيز العصب المبهم على امتداد رقبة رجل كان في حالة إنباتية لـ15 سنة. وبحلول نهاية التجربة، كان قادرًا على أن، يبتسم وأن يجيب عن الأسئلة بعينيه. تقول سيريغيو: “كانت إعادة تنشيط للشبكات المهمة للوعي”، وتضيف إنه ربما يمكن دمج هذا العلاج في أدوية من مثل الأبومورفين.

وفي عمل آخر كانت أورو تيبو Aurore Thibaut من جامعة لييج تستخدم تقنية غير باضعة هي التحفيز بالتيار المستمر عبر القحف Transcranial direct current stimulation (اختصارًا: التحفيز tDCS)، لإيصال تحفيز كهربائي منخفض الشدة من أجل تشغيل خلايا الدماغ وإطفائها. وفي التجارب الأولية التي شملت 55 شخصًا، أتاح التحفيز الكهربائي لمدة يوم واحد لعدة مناطق في دماغ بعض المرضى في حالة الحد الأدنى من الوعي الإجابة عن أسئلة بتحريك أعينهم أو رؤوسهم. كما استعاد اثنان في حالة الحد الأدنى من الوعي القدرة على التواصل، وعندما مددوا فترة التجارب، كان المرضى قادرين على التواصل على الأقل لمدة أسبوع، قبل أن يفقدوا الوعي مرة أخرى. ومنحوا بعض العائلات أجهزة  التحفيز tDCS لاستخدامها في بيوتهم.

العودة للمنزل

وتعتزم تيبو الآن استخدام التخطيط EEG لمسح الدماغ، وسيتم ذلك بمساعدة برمجية حاسوبية مدربة على التقاط الإشارات التي تشير إلى أن المريض في أكثر حالات اليقظة. وعند هذه اللحظة سيُرسَلُ التحفيز، وذلك على أمل أن يكون هذا أكثر فعالية، وتقول: “الأمر صعب من الناحية الهندسية، ولكن الفكرة أنه خلال بضع سنوات ستكون التقنية غير مكلفة نسبيًا، وعلى شكل شيء يمكن للمرضى ارتداؤه بشكل دائم في منازلهم”.

وتثير هذه التطورات أسئلة أخلاقية أخرى. فبعض الأفراد قد ينظرون إلى البقاء على قيد الحياة بعد إصابة دماغية مع درجة معينة من الوعي على أنه أمر أسوأ من أن يكونوا في حالة إنباتية؛ لأن بإمكانك أن تشعر بالألم وأن يكون لديك بعض الإدراك لحالتك الصعبة. هل نحتاج إلى أن نناقش مسألة إيقاظ الأفراد مع علمنا بأن هذا سيكون مؤقتا؟ وماذا عن عائلاتهم الذين يكتشفون أن من يحبونهم يرقدون في وعي مستتر، ولكنهم لا يمتلكون تكلفة أن وسيلة للاستمرار بالمحادثة؟

يقول وايت إن أحد مرضاه كان في حالة إنباتية لمدة سنتين، لكنه بدأ بالتحدث إلى أبويه بعد جرعة واحدة من دواء زولبيديم. وبعد عدة ساعات عاد مرة أخرى اللاوعي. وبخلاف فيلون لم يكن بالإمكان تكرار هذه النتيجة، يقول وايت: “يمكنك أن تتخيل أن الأمر كان مثيرًا للعواطف بشكل كبير. انتقلت العائلة من حالة كانوا فيها فاقدين للأمل، إلى حالة عرفوا فيها أن من يحبونه يمتلك قدرة العودة إلى الوعي، ثم اكتشفوا أنهم لا يستطيعون تحقيق ذلك”.

يعتقد وايت أن عليه أن يجرب أكبر قدر ممكن من العلاجات، ما داموا متأكدين من أنهم لن يسببوا أي أذية لأي مريض، ويقول: “مع الأسف، ستكون هناك فترة من التأخر، إذ لن يستفيد الأفراد المشاركون في الدراسة حاليا من نتائجها”.

أما بالنسبة إلى أولئك الذين قد يستفيقون، فعلينا أن نفكر في أي سؤال يجب طرحه عليهم، يقول سانس: “دائمًا ما يكون سؤالك الأول: ’هل تعاني أي ألم؟‘. وفي العادة تكون الأسئلة التي يسألها أفراد العائلة سهلة جدًا: ’هل تريد أن نبقي التلفاز مفتوحًا؟ هل تشعر بالبرد؟‘”

هل بإمكان الأفراد المصابين باضطرابات في الوعي أن يخوضوا محادثة مفيدة عن وضعهم؟ يتساءل جوزيف فينز Joseph Fins، وهو مختص بالأخلاقيات الطبية من كلية ويل كرونيل للطب. ويقول إننا من الناحية التاريخية، كنا نعتبر أن الأفراد إما أن يكونوا قادرين على اتخاذ القرارات أو غير قادرين، وأنهم إما قادرون على الموافقة على العلاج أو غير قادرين، ولكن لدينا الآن حالة ثالثة؛ وذلك عندما يكون هناك شخص مدرك إدراكًا كافيًا يؤهله لأن يجيب عن أسئلة صعبة لفترة محدودة ولبعض الوقت. كما يقول: “بما أن هناك أفرادًا بإصابات دماغية يستعيدون قدرة التواصل، فعلينا أن نستمع لما سيقولونه”.

يقول فينز إنه مع ذلك، فإن أغلب الأفراد ذوي الوعي المستتر لا يزالون غير مستوفين للشروط اللازمة لإعطاء موافقة قانونية، ويقول: “ولذلك يجب أن نحاول أن نشركهم في عملية اتخاذ القرار، ولكن ألا نطلب إليهم أن يشاركوا بطريقة تتجاوز قدراتهم”.

الإجابة هي على الأرجح أن نخطط للأسوأ، إذ يقول ستيفن لوريز Steven Laureys، رئيس مجموعة علوم الغيبوبة Coma Science Group في جامعة لييج، إنه ما دمنا لا نملك واجهة دماغ-حاسوب يمكنها أن تساعد المصابين باضطرابات الوعي على التواصل، فإن أفضل شيء قد يفعله أي شخص هو أن يعبر عن رغباته قبل حدوث ذلك. “أخبر عائلتك وأصدقاءك ماذا تريد في وصية، أو على الأقل تحدث إليهم عن الموضوع، سيساعد ذلك في حال وقوع حادث لك من هذا النوع”.

وعندما تفكر في خياراتك، قد يفاجئك أن تسمع أن حياة المنحبس في الداخل ليست بالضرورة حياة بائسة. فقد أجري مسح صغير على أفراد يمكنهم أن يتواصلوا فقط باستخدام أعينهم، ووجد أن الغالبية كانوا سعداء، وأنه كلما طالت المدة التي يكونون فيها منحبسين في الداخل، زادت سعادتهم. ولكن ذلك ينبع من قدرتهم على الانخراط مع المحيطين بهم بشكل دوري. وأما من دون ذلك؛ فإن شيف يخشى أن يواجهالأفراد المصابون باضطرابات الوعي انعزالًا شديدًا. كيف هي الحياة بالنسبة إلى الأفراد في الصورة المعلقة في مكتبه؟

يقول رالف كلاوس Ralf Clauss من مستشفى مقاطعة ساري الملكي Royal Surrey County Hospital في المملكة المتحدة، الذي كان أحد أطباء فليون: “ليست هناك دراسة رسمية على وضع المصابين باضطرابات الوعي من ناحية السعادة. ولكني أعلم من القصص الفردية التي أخبرني بها بعضهم خلال فترة الإدراك أنهم كانوا سعداء”.

————————————————————————————————-

توضيحات بشأن الوعي

 

ميت دماغيًا Brain dead

يعتبر الشخص ميتًا دماغيًا عندما لا يكون هناك أي نشاط دماغي. ولا يستعيد الوعي ولا يكون قادرًا على التنفس دون دعم اصطناعي للحياة.

الغيبوبة Coma

يكون الشخص غير واع في غيبوبة، وبمستويات منخفضة من النشاط الدماغي. ويكون الشخص غير مستجيب للصوت والألم، وتكون ردود الأفعال الانعكاسية – مثل البلع أو السعال – منخفضة انخفاضّا كبيرا. وقد يكون هذا الشخص قادرًا على التنفس من تلقاء نفسه.

الحالة الإنباتية Vegetative state

هي حالة يكون لدى الشخص فيها بعض ردود الأفعال الإنعكاسية، كالتثاؤب وحركة العين، ولكنه لا يبدي أي إدراك بنفسه أو لمحيطه.

الحد الأدنى من الوعي Minimally conscious

عندما يبدأ الشخص بإظهار إدراك متقطع بنفسه ومحيطه، نقول إنه في حالة من الحد الأدنى من الوعي. وعندما يبدأ بتطوير القدرة على التواصل، نقول إن لديه وعيًا منبثقًا Emerging consciousness.

الوعي المستتر Covert consciousness

بعض الأفراد الذين شخصوا على أنهم في غيبوبة، أو في حالة إنباتية، أو في حالة الحد الأدنى من الوعي قد يمرون بفترات من الإدراك لا يستطيعون إظهارها؛ لأنهم لا يستطيعون أداء أي حركة إرادية. وهذا يختلف عن متلازمة المنحبس؛ لأن الشخص تكون لديه مشكلات معرفية مثل فقدان الذاكرة أو الوعي المتناقض.

متلازمة المنحبِس Locked-in Syndrome

الشخص المنحبس هو شخص واع وعيًا كاملًا، ومن ثم لا يصنف على أن لديه اضطرابًا في الوعي، ولكنه يكون غير قادر على تحريك أغلب جسمه. وبعض الأفراد يمكنهم التواصل عن طريق حركات العينين والوجه، ويكون وضعهم ناتجا من إصابة في جذع الدماغ.

© Copyright New Scientist Ltd.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى