أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاء

مركبة المريخ الأوروبية تسابق الزمن لإصلاح مظلاتها

فريق إكسومارس يلجأ إلى الوكالة ناسا لمساعدته بعد تمزق مظلات الهبوط

بقلم: دانيال كليري

ترجمة: صفاء كنج

ليس من السهل إيصال مسبار بأمان إلى سطح المريخ: لقد انتهى أمر العديد من محاولات الهبوط بحادث تحطم. ويتطلب إنزال مركبة ببطء كافٍ في هواء المريخ الرقيق الكثير من الأدوات والأجهزة المتطورة، بما في ذلك الدروع الحرارية المصممة للوقاية من الحرارة وصواريخ قوية كابحة للسرعة Retrorockets، وأحيانًا أكياس هوائية عملاقة. لكن بعثة إكسومارس ExoMars الأوروبية الروسية تواجه صعوبات في تشغيل تكنولوجيا تعود إلى القرن الثامن عشر:مظلات الهبوط.

في عام 2019 كشفت اختبارات أجريت من ارتفاعات عالية أن مظلات إكسومارس تتمزق حين تُسحب من أكياسها. وطلباً للمساعدة، لجأت وكالة الفضاء الأوروبية The European Space Agency (اختصاراً: الوكالة ESA) إلى علماء الوكالة ناسا. وخلال الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر 2019، بدأ فريق مشترك اختبارات لمعرفة ما إذا كانت الأكياس والمظلات التي أعيد تصميمها تؤدي مهامها، وإذا لم تكن تفعل ذلك، فما السبب. قد تكون تلك فرصتهم الأخيرة لإصلاح المشكلة والحفاظ على موعد الإطلاق المقرر في صيف 2020 – وإلا فإنهم سيضطرون إلى تأخير ذلك نحو عامين. يقول ديفيد باركر David Parker، مدير الاستكشافات البشرية والروبوتية في الوكالة ESA بنوردفيك في هولندا: “إنه سباق مع الزمن”.

بدأ الإعداد لمهمة إكسومارس عام 2001، وهي أكبر بعثة أوروبية لاستكشاف كوكب المريخ، والأولى التي تتضمن إرسال مركبة استكشاف المريخ السيارة Mars rover. يضاهي حجم مركبة الاستكشاف عربة ملعب الغولف، وسُميت باسم روزاليند فرانكلين Rosalind Franklin عالمة الفيزياء الحيوية البريطانية التي كان لها دور طليعي في فهم تركيب الحمض DNA. ستكون مهمتها البحث عن علامات على وجود حياة على الكوكب. ولا يزيد حجمها على ثلث حجم مركبة استكشاف المريخ السيارة 2020 التي صممتها الوكالة ناسا والمعدة لجمع الصخور قبل عودتها في نهاية المطاف إلى الأرض (Science, 22 November, p. 932). لكن بصورة فريدة، زُوِّدت المركبة بحفَّار يمكن أن يحفر إلى عمق مترين تحت السطح لأخذ عينات من مواد محمية من الإشعاعات القوية التي تعصف بسطح المريخ. يقول أندرو كوتس Andrew Coates من جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London، والباحث الرئيسي في نظام كاميرات روفر العلمية: “إنه مكان معادٍ للحياة، لذا عليك أن تحفر أعمق”.

قبل نحو عشر سنوات، تعاونت الوكالة ESA مع الوكالة ناسا لنقل مركبتها على متن مركبة أمريكية معدة للهبوط على المريخ. ولكن في عام 2012، عندما انسحب الجانب الأمريكي من المشروع لأسباب تتعلق بالميزانية، كان على الوكالة ESA إيجاد مركبة هبوط جديدة. وهكذا تعاونت الوكالة مع نظيرتها الروسية، روسكوزموس Roscosmos. يقول فرانسوا سبوتو Francois Spoto، مدير مشروع إكسومارس بنوردفيك، إن نظام الهبوط الروسي ليس مزوداً بصواريخ كابحة بقوة النظام التي تستخدمه الوكالة ناسا، لذا تعين على الوكالة ESA ابتكار مظلات أكبر لإبطاء سرعة المركبة وضمان هبوطها بسلام.

 ليست المظلات سوى خطوة واحدة في عملية هبوط تشد أعصاب العلماء وتوترهم. ولكنها خطرة نظرًا لأنها تفتح وتنتفخ بالهواء بطرق غير متوقعة. وعندما تصطدم المركبة الفضائية أثناء اقترابها بجو المريخ الرقيق، فإن قوة السحب على الدرع الحرارية تبطئ سرعتها من 21,000 إلى 1,700 كم/ساعة. بعد ذلك، تعمل مظلة قطرها 15 متراً، فيها فجوة كبيرة على شكل حلقة للتعامل مع تدفق الهواء الأسرع من الصوت، على إبطاء سرعة المركبة إلى 400 كم/ساعة. عندها تطرح المركبة هذه المظلة لتفتح مظلة أخرى قطرها 35 مترًا، هي الأكبر التي تستخدم في عملية هبوط إلى المريخ، مع عدة فتحات على شكل حلقة لزيادة قوة السحب وتخفيض السرعات. تتخلص المركبة الهابطة من هذه المظلة أيضاً حينما تؤدي عملها، وعلى ارتفاع كيلومتر واحد من السطح، تتولى الصواريخ الكابحة مهمة إنزال المركبة التي تزن ألفي كيلوغرام إلى سطح المريخ. يقول كوتس:”سنتابع هذه اللحظات بأعصاب مشدودة تماماً”.

اختبرت مركبة الهبوط سكيباريلي Schiaparelli التي صممتها الوكالة ESA (Science, 28 October 2016, p. 397) المظلة التي يبلغ قطرها 15 مترًا لدى محاولتها الهبوط على المريخ في 2016. وعلى الرغم من أن المظلة أدت دورها، فقد تسبب خطأ برمجي في جعل المركبة تعتقد أنها هبطت عندما كانت لا تزال على ارتفاع أربعة كيلومترات. فُتحت المظلة وتوقفت محركات الدفع، وتحطمت سكيباريلي. تقول فرانشيسكا إسبوزيتو Francesca Esposito من مرصد كابوديمونتي الفلكي Astronomical Observatory of Capodimonte بنابولي في إيطاليا: “دعونا نأمل أن يمضي الأمر على خير هذه المرة”، وكانت أداتها دريمز (أحلام) DREAMS قد تحطمت في الهبوط السابق. والأداة الجديدة التي صممتها لمهمة إكسومارس والمسماة مايكروميد MicroMED ستدرس الكيفية التي يتشكل بها غبار المريخ والكيفية التي يؤثر بها في غلافه الجوي.

في شهر مايو (2019)، اختبر المهندسون نظام الهبوط باستخدام المظلتين في السويد، وأسقطوا الحمولة من منطاد حراري على ارتفاع 30 كيلومتراً، لمحاكاة هواء المريخ الرقيق. لكن المظلتين اللتين يبلغ قطر الأولى منهما 15 متراً والثانية 35 متراً تمزقتا أثناء سحبهما من كيسيهما. وأجرت الوكالة ESA تعديلات بتقوية المظلات وتغطية بطانة الأكياس بالتيفلون Teflon لجعل المظلة تنزلق منها بسهولة. ولكن في اختبار جرى في أغسطس 2019، تمزقت المظلتان في مشهد مريع.

طلبت الوكالة ESA المساعدة من مختبر الدفع النفاث Jet Propulsion Laboratory (اختصارًا: المختبر JPL) التابع للوكالة ناسا في باسادينا بكاليفورنيا، كونه صمم مظلات للعديد من عمليات الهبوط الناجحة على المريخ. وفي سبتمبر 2019، سافر موظفون من الوكالة ESA إلى المختبر JPL لحضور ورشة عمل استمرت ثلاثة أيام. وقال سبوتو: “كان اللقاء صريحاً. لقد تلقينا بعض التعليقات المهمة على التصميم “. وسافر اثنان من مهندسي مختبر باسادينا إلى أوروبا لتفقد المظلتين الممزقتين واقترحا نظامًا مختلفًا لربط الأكياس اعتمدته الوكالة ESA حالياً.

وتقرر أن تبدأ في الأسبوع الأخير من نوفمبر 2019، الاختبارات على المظلات الجديدة في المختبر JPL على أن تُسحب خلال التجارب المظلات هيدروليكيًا من الأكياس مع رفع السرعة تدريجياً إلى سرعات السحب الكاملة البالغة 60 مترًا في الثانية. وبعد نجاح الاختبارات، سيجري المهندسون مزيداً من اختبارات الهبوط من ارتفاعات عالية في ولاية أوريغون في فبراير ومارس 2020. وهذا سيترك وقتًا بالكاد يكفي لتركيب المظلتين المعاد تصميمهما على متن المركبة الفضائية في مدينة كان بفرنسا، قبل شحنها إلى قاعدة بايكونور لإطلاق المركبات الفضائية في كازاخستان لإطلاقها في الصيف. يقول باركر: “إنه تحدٍ صعب جداً ولكنه قابل للتنفيذ”.

سيُجرى الفحص النهائي في أواخر أبريل 2020، عندما يتعين أن يجتاز نظام المظلات اختبار مراجعة الجودة الذي يجريه خبراء الوكالة ESA. يقول سبوتو: إذا لم تكن المظلتان عند حسن الظن، “سيكون علينا الانتظار لمدة عامين” إلى أن تعيد الميكانيكا المداريةOrbital mechanics  المريخ إلى موقع ملائم مع نافذة إطلاق مناسبة. لكن إسبوزيتو التي شاهدت أحد أحلامها يتلاشى بالفعل ترى أن من الأفضل العمل ضمن معطيات مضمونة على المجازفة بخسارة ثانية. وتقول: “لا ضير في أن ننتظر قليلاً”.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى