أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئيةقضايا

منحُ الطبيعةِ حقوقاً كحقوق الإنسان ربما يكون أفضل وسيلة لحماية الكوكب

في مبادرة غريبة، بدأت العديد من دول العالم مؤخراً بمنح أنهارها، وبُحيراتها، وغاباتها حقوقاً قانونية كتلك التي يتمتّع بها الإنسان، فهل سيكون هذا فعّالا في حماية كوكبنا؟

بقلم: دوغلاس هيفين

تتنازع المحاكم في ولاية أوهايو مع سؤال غير عادي: كيف تُقيم حقوق شخصين عندما يكون أحدهما بُحيرة؟

لعدد من السنين أصيبت بحيرة إيري Lake Erie سنويا بازدياد الطحالب السامة Toxic algae bloom بسبب مياه الصرف السطحية Run-off من المزارع المحيطة بها. وفي بعض السنوات كان التلوّث خطيرا لدرجة حذر معها السكّان المحليون من الشُرب من الصنابير.

ومن الواضح أن قوانين حماية البيئة المُطبّقة غير مجدية. في بدايات هذا العام (2019) اتخذ سكّان مدينة توليدو -الواقعة على الطرف الغربي من البحيرة- إجراءً جوهريا وصوّتوا لصالح حماية البحيرة كما لو كانت شخصا. وهذا القانون يمنح البحيرة الحق في “العيش، والازدهار، والتطوّر بشكل طبيعي”. غير أن المزارعين سُرعان ما اعترضوا على هذا القانون.

فكرة منح الطبيعة حقوقاً كحقوق البشر هي استراتيجية لحماية البيئة بدأت تلقى رواجاً. فهناك أنهار في بلدان مثل الهند ونيوزيلندا لديها حاليا مثل هذه الحقوق. وفي يوليو الماضي، صارت بنغلاديش أول دولة تمنح جميع أنهارها البالغ عددها نحو 700 نهر شخصية قانونية. قد يبدو هذا كتكتيك غريب، ولكن هل سيكون فاعلا؟

ظهر مبدأ حقوق الإنسان في القرن الثامن عشر، وكانت الفكرة أن للناس الحق في أساسيات مُعيّنة أو يمتلكون حقوقا معينة. فعلى سبيل المثال، أقرّت وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي American Declaration of Independence  الصادرة عام 1776 أن للإنسان الحق في الحياة والحرية والسعي إلى تحقيق السعادة.

أمّا فكرة منح حقوق قانونية للبيئة فقد طرحها أول مرة في عام 1972 كريستوفر ستون Christopher Stone، أستاذ القانون في جامعة كاليفورنيا الجنوبية University of South California. غير أن طرقا مختلفة لحماية البيئة هي التي سادت. فللعديد من الدول قوانين تحظر رمي الملوّثات. كما تم تقنين العديد من الأنشطة البشرية التي قد  تُلحق ضرراً بالبيئة في العديد من الأماكن، مثلا المتنزهات الوطنية.

غير أن ذلك ربما لا يكون كافيا. فقد أظهر تقرير أصدرته الأمم المتحدة في مايو الماضي أن الدمار البيئي خطر جدا لدرجة يُهدد فيها وجود البشر. وتقول ماريا لي Maria Lee من جامعة يونيفرسيتي كوليدج University College London :” يسود شعور بأن الطريقة الحالية للاستجابة للأزمات البيئية ليست فعّالة”.

يبدو أن الإحباط هو ما أشعل الحركة القانونية ذات الصلة ببحيرة إيري. “مع كل خطوة خطاها الأفراد ضمن الأطر القانونية التقليدية، أدركوا أنهم بحاجة إلى مقاربات مختلفة كلياً”، كما تقول تيش أوديل Tish O’Dell من صندوق المجتمع للدفاع القانوني عن البيئة Community Environmental Legal Defense Fund، وهو مكتب محاماة غير ربحي ساعد مدينة توليدو على صياغة قانونها الجديد.

وعلى مدار السنوات القليلة الماضية منح العديد من المُسطّحات المائية الأخرى حول العالم حقوقاً. وهي استراتيجية قد تكون مفيدة أيضاً في حماية أشكال أخرى من الطبيعة. فعلى سبيل المثال، توفر القوانين في كلّ من بوليفيا والإكوادور حقوقَ حماية شاملة لنُظم الدولة الإيكولوجية. من جهتها تسعى نيوزيلندا إلى منح غاباتها وأحد جبالها حقوقاً مشابهة لتلك التي مُنحت سابقاً لنهر وانغانوي Whanganui river.

وهناك ما يدعو إلى الاعتقاد أن هذه الاستراتيجية مفيدة. ويقول يذكر غيوم شابرون Guillaume Chapron، من الجامعة السويدية للعلوم الزراعية Swedish University of Agricultural Sciences، إذ أثبتت حقوق الإنسان أنها لم تكن مجرد شعارات فارغة: فالتغير في منحى التفكير ساعد على إنهاء العبودية بتوفير ألفاظ للجدل بخطأ تلك الممارسة.

وعلى الرغم من أن فكرة منح الجمادات حقوقاً قد تبدو فكرة غريبة، فإننا طبقنا ذلك بالفعل تطبيقا واسعا جدا. فلدى جميع الشركات والنقابات المهنية والدول حقوق قانونية. وفي هذا السياق يقول بيتر هيغينز Peter Higgins من جامعة إدنبرة University of Edinburgh في المملكة المتحدة: “المؤسسات التي ستتحدى الكيان القانوني للأنهار ليس لها بالضرورة الحق في الوجود ككيان قانوني أكثر من الأنهار. وهذا يدعونا إلى التفكير مليّاً”.

قد يكون هذا التأثير الباقي لهذه الحركة. ومُناصرتنا لحقوق الطبيعة في المحاكم ستدفعنا إلى إعادة النظر في الكثير من الافتراضات التي لطالما اعتبرناها من المُسلّمات. ويعتقد فيليب كوليت Philippe Cullet -من جامعة لندن University of London- أن الأمر يتعلق بمعالجة نزعة التركيز على الإنسان في جوهر قوانين حماية البيئة. إذ سيدفع المُحامون إلى النظر إلى حماية الطبيعة من منظور آخر غير مدى فائدة نهر لنا، كما يقول كوليت.

كما أن الحماية من منطلق الحق قد يصعب إضعافها أو نزعها. فإذا حاولت إحدى الحكومات إلغاء قانون مكافحة التمييز ضد الأقليات، فستُهاجم هذه الخطوة لكونها غير شرعية، حتى وإن تم تبني مثل هذا القانون بطريقة ديموقراطية، كما يقول شابرون. ويُضيف قائلًا: “لهذا، فإن استخدام الحقوق قد يمثل كدرع حماية أخلاقي ضد تخفيف أحكام الحماية القانونية، الذي يعد مشكلة تعانيها قوانين حماية الطبيعة”.

مع ذلك، فالحماية ليست آلية ولا مُطْلَقة. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة ينص على أن “لكل فرد الحق في الحياة، والحرية، والأمن الشخصي”، غير أنّ السُجناء محرومون من الحق في الحرية، والجنود يموتون لأجل أوطانهم. “لذا، فإن القول بأن للنهر حقوقاً لا يعني بالضرورة أنه سيظل على حالته البِكر Pristine”، كما تقول لي.

بل إن بعض الدول تتعمّد تجاهل حقوق الإنسان؛ إذ يتعرّض الأفراد للاعتقال التعسّفي والتعذيب طوال الوقت. لهذا، فإن الحقوق تضمن الحماية فقط إذا توفّرت منظومة قانونية عادلة تُطبقها.

حتى وإن توافر مثل ذلك، ليس من الواضح كيفية تطبيق حقوق البيئة عمليا. في بعض الحالات، كما في حال الحقوق القانونية لنهر الغانج Ganges river، يكون ممثلون من البشر مسؤولين عن العمل نيابة عنهم لتقديم دعواهم القانونية. أم هل ستمكن أي شخص من رفع دعاوى قضائية إذا اعتقد أن حقوق الطبيعة تُنتهك؟ على أي حال من الأحوال، إذا لم يراقب الأفراد الوضع ولم يدافعوا عن الطبيعة، فإن إعطاءها حقوقا لن يكون ذا منفعة.

 ويقول كوليت: “لا أعتقد أننا توصلنا بعد إلى آلية فاعلة تضمن لأصحاب الحقوق المطالبة بحقوقهم”. مثال على هذه النقطة: بوليفيا والإكوادور فشلتا في إبطاء وتيرة التدهور البيئي الذي تواجهانه على الرغم من أنهما منحتا حقوقاً للطبيعة في عامي 2008 و2010 على التوالي.

تتمثل المشكلة الكبرى فيمن سيتحمل رسوم الدعاوى القضائية، ففي أي معركة ستحتدم بين شركة متعددة الجنسيات ومواطنين مُدافعين عن حقوق نهر ما، فإن الجانب الذي يمتلك مالاً أكثر هو الجانب الذي سيمتاز عن الآخر.

وهذا ما حصل في العديد من القضايا القانونية، إذ لم تحم الحقوق من خسارة الدعاوي القضائية. ففي بلدة غرانت تاونشيب Grant Township في ولاية بنسلفانيا، نُظر إلى قانون منح حقوق للبيئة على أنه يتعدى على حقوق الشركات.

“ليست لدى المؤسسات والدول بالضرورة أسباب تجعلها أحقّ من الأنهار بكيان قانوني”

أيضا، لا يزال وضع بحيرة إيري غير واضح حتى الآن. إذ لا يتعين على البحيرة أن تتعامل فقط مع التحديات التي يثيرها المزارعون. ففي شهر أغسطس الماضي تمكنت مجموعة ضغط تجارية Business lobby من إدراج بند في مشروع قانون متعلق بميزانية ولاية أوهايو ينص على أن الطبيعة ليس لها أي حق. ويتبقى أن تقرر المحاكم ما إذا كانت هذه العبارة أم بحيرة إيري هي من سيربح.

لكن هذا لا يعني أن منح حقوق للطبيعة لن يكون ذا فائدة؛ “فقد بيّن لنا التاريخ أن محاولة إحداث تغيير في الوضع الراهن Status qou ومنح حقوق لفئات جديدة لم تكن تتمتّع بحقوق من قبل، نادراً ما تنجح من المرة الأولى. لكن ذلك سيؤدي حتماً إلى إثارة حراك”، كما تقول أوديل.

©Copyright New Scientist Ltd.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى