أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةوباء الكورونا

تسطيح منحنى فيروس الكورونا

بقلم:    سيوبان روبرتس

ترجمة: د. ليلى الموسوي

في نهاية فبراير الماضي كان درو هاريس Drew Harris، مُحلِّل صحة السكان Population health analyst من جامعة توماس جيفرسون Thomas Jefferson University في فيلادلفيا، قد سافر للتو عبر البلاد لزيارة ابنته في يوجين بأوريغون، عندما شاهد مقالًا على خلاصة أخبارغوغل Google news feed. كان الخبر من مجلة الإيكونوميست Economist، وكان يتناول كيفية الحد من الأضرار الناجمة عن فيروس الكورونا (التاجي) .Coronavirus

الأشكال التوضيحية المصاحبة التي أعدتها صحافية البيانات المرئية Visual-data journalist روزاموند بيرس Rosamund Pearce، بناءً على شكل توضيحي ظهر في ورقة من إعداد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها Centers for Disease Control and Preventio (اختصارًا: المراكز CDC) بعنوان: “إرشادات الإجراءات المجتمعية للتخفيف من حدة جائحة إنفلونزا” Community Mitigation Guidelines to Prevent Pandemic Influenza، أظهرت اثنين مما أطلق عليه هاريس اسم منحنيات الوباء Epidemic curve (اختصارًا: Epi curve). كانت لأحدهما ذروة شديدة الانحدار Steep peak تشير إلى زيادة تفشي فيروس الكورونا على المدى القريب. وكان للآخر منحدر أكثر تسطحًا Flatter slope؛ مما يشير إلى معدل إصابة أكثر تدريجية على مدى فترة زمنية أطول.

وفي النهاية يؤدي المنحنى الأكثر تسطحًا إلى عدد أقل من المصابين وعدد أقل من الوفيات. قال د. أنتوني فوسي Anthony Fauci، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض السارية National Institute of Allergy and Infectious Diseases، خلال مؤتمر صحفي عقده فريق مكافحة الفيروسات الكورونا في البيت الأبيض يوم الثلاثاء 3 مارس 2020: “ما نحتاج إلى القيام به هو تسطيح ذلك المنحنى”. أنت بذلك تحاول التدخل في الجريان الطبيعي Natural flow لتفشي المرض.”

وذكّرت الأشكال البيانية Infographic هاريسَ بشيء مشابه صممه قبل سنوات وذلك لبرنامج تدريبي للتأهب لجائحة Pandemic preparedness training program. قال هاريس في رسالة الإلكترونية: “كان المشاركون من مجتمع التأهب والصحة العامة يفكرون في جميع هذه القضايا منذ سنوات عديدة. وإن فهم الموجة وإدارتها جزء مهم من الاستعداد”. ولكن خلال الدورة التدريبية، واجه طلبة الدكتور هاريس صعوبة في استيعاب مفهوم خفض منحنى الوباء Reducing the epidemic curve، لذلك أضاف خطًا منقطًا يشير إلى قدرة المستشفى – “لتوضيح ما هو على المحك فعليا”.

وبعد زيارته لابنته، كان هاريس ينتظر رحلة عودته في مطار بورتلاند عندما أُعلن عن أول حالة فيروس كورونا في أوريغون؛ كان يتناول العشاء في مطعم مطار مزدحم وفكر في كم سيكون المكان هادئًا بعد أسبوع أو أسبوعين عندما ندرك واقع تفشي المرض. وبمجرد عودته إلى المنزل، أعاد رسم شكله التوضيحي ونشره على تويترTwitter  ولينكد إن LinkedIn، وكان مسرورًا للاهتمام المتحمس بتسطيح المنحنى.

قال هاريس: “الآن أعرف ما الذي يعنيه الانتشار الفيروسي”.

فيما يلي نسخة معدلة من محادثتنا عبر البريد الإلكتروني.

ماذا يعني “تسطيح المنحنى”؟

الهدف المثالي في مكافحة وباء محلي Epidemic أو جائحة عالمية Pandemic هو وقف انتشار المرض تمامًا. لكن مجرد إبطائه – تدابير التخفيف Mitigation– هو أمر بالغ الأهمية في حد ذاته. فهذا يقلل من عدد الحالات الفعلية في أي وقت، وهو ما يمنح الأطباء والمستشفيات والشرطة والمدارس وشركات تصنيع اللقاحات وقتًا للاستعداد والاستجابة، دون إرهاق أو استنزاف لمواردها. ويمكن لمعظم المستشفيات أن تعمل مع تخفيض بنسبة %10 من الموظفين، ولكن ليس مع نصف طاقهما مريضٌ دفعة واحدة.

وقد جادل بعض المعلقين في ضرورة إنهاء تفشي المرض بسرعة. هذه وصفة للذعر والمعاناة والموت غير الضرورية. وإبطاء موجة الحالات سينقذ الأرواح. وتسطيح المنحنى يحافظ على نجاة المجتمع.

ما الذي يظهره هذان المنحنيان بالضبط؟

يجمع كلا المنحنيين عدد الحالات الجديدة بمرور الوقت. وكلما زاد عدد الأشخاص الذين أبلغوا عن الفيروس في يوم معين، ارتفعت قمة المنحنى؛ ومنحنى مرتفع القمة يعني أن الفيروس ينتشر بسرعة. في حين يظهر منحنى منخفض القمة أن الفيروس ينتشر بسرعة أبطأ – أي يتم تشخيص عدد أقل من الأشخاص بالمرض في أي يوم معين. وإبقاء المنحنى منخفضًا – تقليل معدل حدوث الحالات الجديدة – يحول دون استنزاف الموارد المحدودة (التي يمثلها الخط المنقط) المتاحة لمعالجتها.

فكِّرْ في سعة نظام الرعاية الصحية كقاطرة مترو التي قد تستوعب الكثير من الأفراد في وقت واحد. وخلال ساعة الذروة، فإن هذه القدرة ليست كافية للتعامل مع الطلب، لذلك يجب على الناس الانتظار على المنصة حتى يحين دورهم. وتصميم ساعات عمل على فترات متوالية تقلل من زحام ساعة الذروة وتزيد من احتمال تمكنك من استخدام المترو وربما حتى الحصول على مقعد. وتجنب زيادة حالات الإصابة بفيروس الكورونا ربما يضمن أن أي شخص يحتاج إلى الرعاية سيحصل عليها في المستشفى.

ما أنواع تدابير التخفيف التي تساعد على تحويل المنحنى الأحمر إلى منحنىً أزرق؟

تنتشر الأمراض عندما ينقلها شخص إلى شخص آخر أو أكثر، ويستمرون بنقله إلى عدد أكبر من الأفراد، وهكذا. وسرعة حدوث ذلك تعتمد على العديد من العوامل، بما في ذلك مدى عدوى المرض، وعدد الأشخاص المعرضين للخطر، ومدى سرعة إصابتهم بالمرض.

الفرق بين الإنفلونزا الموسمية وفيروس الكورونا هو أن العديد من الأشخاص لديهم مناعة كاملة أو جزئية ضد فيروس الإنفلونزا لأنهم أصيبوا بها من قبل أو تمَّ تطعيمهم ضدها. ولكن، حاليًا هناك عدد أكبر بكثير من الأفراد المعرّضين للإصابة بفيروس الكورونا، لذلك لدى الفيروس العديد من الأهداف وفرص الانتشار. والفصل بين الأشخاص في الزمن والمكان من خلال تدابير التباعد الاجتماعي Social distancing والعزل الذاتي  Self-isolationوالحجر الفعلي  Actual quarantineيؤدي إلى تقليل فرص الانتقال.

لنأخذ مثال مترو الأنفاق مرة أخرى، فإن المقطورة المُكتظَّة -أو منصة مترو الأنفاق المُزدحمة- هي مكان رائع لنشر الفيروس. لكن تقليل عدد الأشخاص في القطار أو على المنصة، بالطلب إلى الناس بالعمل من المنزل أو تقسيم ساعات عملهم بشكل متوالٍ، يمكّن الأفراد من البقاء بعيدًا عن بعضهم البعض؛ مما يحد من انتشار الفيروس. هذا هو التباعد الاجتماعي في العمل.

تدابير التخفيف تُبقِي الناس بعيدًا عن بعضهم البعض؛ مما يجعل كل فرصة انتقال أقل احتمالًا. وهذا يبطئ الانتشار. ويجب علينا، وسنقوم بذلك، عزل الأشخاص الأكثر عرضة للمرض من مجموع السكان تمامًا عن طريق إبقائهم منفصلين تمامًا. هذا ما تحاول ولاية واشنطن القيام به عن طريق تقليل عدد الزيارات المسموح بها لدور رعاية المسنين. فكر في هذا كحجر عكسي.

 ما الذي تقوم به يومًا بعد يوم استجابةً لهذه الأوقات غير العادية؟

مثل معظم الأشخاص الآخرين، أنا أكثر وعيًا بما يحيط بي وبسلوكي. أحاول استخدام كُمِّي أو كوعي لفتح الأبواب، وأغسل يدي أو أستخدم معقم اليدين بعد أن ألمس سطحًا قد يكون ملوثًا. وتأكدت من توفر كمية جيدة من الأدوية الموصوفة وغير الموصوفة في متناول يدي، تحسبا لحدوث أي نقص بعد إغلاق مصانع موردي الأدوية في الصين. وأنا أتبع إرشادات مسؤولي الصحة العامة هنا في فيلادلفيا، حيث توجد حالة واحدة فقط حتى يوم الثلاثاء 3  مارس 2020، والسفر غير مقيد بعد. كما أتجنب الحشود والمرضى. وسأظل أخرج وسوف أواصل القيام بذلك ما لم يتم فرض حجر صحي أو إغلاق الأماكن العامة.

أعلم بأن هناك فرصة جيدة للإصابة بالفيروس قبل أن يصبح اللقاح متاحًا، لكنني أعتقد أيضًا أنه من المحتمل جدًا أن أكون بخير. أنا لست ضمن أي مجموعة عالية المخاطر. لكني قلق بشأن الأشخاص الأكثر ضعفًا وأريد أن أفعل ما بوسعي لمنع الانتشار. كما أنني قلق بشأن الأشخاص الذين يفتقرون إلى الموارد التي أملكها. ماذا يحدث للعاملين لحسابهم الخاص والعاملين بالساعة والأشخاص في الاقتصاد المتقطع Gig economy عندما يتوقف العمل؟ ماذا عن المشردين الذين يعتمدون على الأعمال والخدمات الخيرية للحصول على الدعم؟ هذه الآثار من الدرجة الثانية قد يمكن أن تكون مدمرة بالقدر نفسه إذا استشرى هذا الوباء حقًا.

 

 

© 2020 The New York Times Company

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى