أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الاقتصادالطب وصحةعلم السياسةوباء الكورونا

تعليق: ميشيل . آر . بلومبيرغ: الاستجابة الاقتصادية التي نحتاج إليها لمواجهة فيروس كورونا

ترجمة: د. ليلى الموسوي

لم تقع من قبلُ أيُّ أزمة صحية أحدثت هذا الشلل الاقتصادي كما هو الآن. مع انكباب المسؤولين الحكوميين على الحد من انتشار فيروس كورونا Coronavirus، وعلاج المصابين، و إنقاذ الأرواح، فإنه من الضروري أن يتخذ الكونغرس والرئيس إجراءات فورية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد المترهل ترهلًا خطيرًا ولوضع أسس التعافي على المدى الطويل.

ومشروع قانون الإغاثة دفعت به رئيسة مجلس النواب [الأمريكي] نانسي بيلوسي Nancy Pelosi  ووقَّع عليه الرئيس دونالد ترامب. وفي يوم الأربعاء [11 مارس 2020] كانت أهم خطوة في مساعدة الموظفين الأمريكيين المتضررين بشدة على تجاوز هذه الأزمة. وبنود القانون الأساسية – بما في ذلك استحداث بند إجازة مؤقتة مدفوعة للعديد من الموظفين، وتمديد تأمين البطالة لغير الموظفين، وتوفير المزيد من التمويل لقسائم المساعدات الغذائية Food stamps والرعاية الصحية للأطفال- ستعزز شبكة الأمان الاجتماعي Social safety net الوطنية.

لكن هذا يجب أن يكون مجرد بداية. وعلى امتداد الولايات المتحدة بينما تغلق الشركات الصغيرة والكبيرة أبوابها، فإنها تستنفد حدود ائتمانها كي تدفع الفواتير. وتوفير المساعدة إليهم أمر مُلح جدّا- سواء لنجاتها أم لحماية النظام المالي من الصدمة التي من المؤكد أنها قادمة.

وفي عام 2008 أعطى الكونغرسُ الإدارةَ الحكوميةَ والاحتياطي الفدرالي Federal Reserve السلطة لمنع تحول الأزمة المالية إلى كارثة اقتصادية عامة. والآن يجب على الكونغرس أن يسمح بالنوع من السلطة ليحول دون أن تقوّض الكارثةُ الاقتصادية العامة النظامَ المالي الضروري للتعافي.

استخدمت إدارة بوش وأوباما سلطات الطوارئ هذه بشكل فعّال – بما في ذلك من خلال استخدام صندوق لتثبيت أسعار الصرف  Exchange stabilization fund  لضمان صناديق أسواق المال Money market funds، موفرةً الحماية للملايين من المستثمرين الفرديين ولضمان وجود سوق للشركات لإصدار الأوراق التجارية Commercial paper .

اليوم، يجب على الكونغرس العملُ بسرعة مرة أخرى لمنح الإدارة الحكومية قوى الطوارئ التي قد تكون ضرورية للحفاظ على النظام المالي والاقتصادي متماسكين معا.

تحقيق ثبات الاقتصاد الآن ومساعدة الأعمال التجارية على النجاة يجب أن تكون الأولوية الأولى. ولكن توفير حلول الإغاثة السريعة يجب ألا تكون الاستراتيجية الوحيدة لتحقيق تلك الأهداف.

في الأشهر المقبلة، عندما تتباطأ الأزمة الصحية وتنقشع كما هو مأمول، ستكون إحدى العقبات الأساسية أمام استعادة النمو الاقتصادي هي عدم ثقة الجمهور. المستهلكون لن يعاودوا الصرف، والشركات لن تعيد توظيف الأفراد،  والمستثمرون لن يتركوا الملاذات الآمنة Safe havens إلا  بعد التأكد من أننا على طريق التعافي. وبعبارة أخرى، فإن هذه الأزمة الاقتصادية التي ستواجهها المجتمعات الأمريكية قد تدوم إلى ما بعد الأزمة الصحية الطارئة- ما لم تتخذ واشنطن إجراءات حاسمة  الآن لإرساء أساسات التعافي.

والتأخير سيطيل المعاناة فقط. ولكن العمل السريع- بإعطاء كلّ من السوق والمستثمرين شيئًا إيجابيًا يتطلعون إليه – قد يحول دون وقوع بعض الخسائر الآن ويُسرِّع التعافي لاحقاً، حتى نخرج من هذه الأزمة دولة أقوى.

وعندما تخف حدة حالة الطوارئ الصحية، فإن إحدى أفضل الطرق لإعادة الثقة في الاقتصاد ستكون في التأكد من أنها تتوافق مع أكبر استثمار عام في البنية التحتية منذ عقود. وأعلم من خبرتي كعمدة نيويورك سابق أن الاستثمار الحكومي في البنية التحتية هو وسيلة فعالة جدّا في زيادة استثمارات القطاع الخاص والأنشطة التجارية- وبثّ ثقة أكبر في المستقبل.

في الوقت نفسه، فإن مشروع قانون البنية التحتية هو فرصة لتطوير اقتصاد الطاقة النظيفة Clean energy economy التي تحتاج إليه دولتنا- و لخلق الوظائف التي نحتاج إليها للقيام بذلك. ومشروع القانون يجب أن يتضمن استثمارات جديدة كبرى في طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وشبكة كهرباء وطنية، وكفاءة استخدام الطاقة في المباني، وصناعة السيارات الكهربائية، التي ستفيد شركات صناعة السيارات في الولايات المتحدة. وهذه الاستثمارات ستولد الملايين من الوظائف الجديدة، بما في ذلك وظائف للكثير من الأمريكيين الذين سيخسرون وظائفهم في صناعة البترول والغاز والفحم.

وإذا أقرّ الكونغرس مشروع قانون البنية التحتية الكبرى والطاقة النظيفة قبل عطلة شهر أبريل، فقد تبدأ المجارف بضرب الأرض في اللحظة التي يبحث فيها الموظفون والشركات والمستثمرون عن بصيص أمل وإشارات النمو وأسباب الاعتقاد أن الأسوأ قد عدّى. بينما قد يستغرق استكمال مشروع ما سنوات، ألا أن فعل الاستثمار -وتكريس الأفراد للعمل- يرسل بالضبط الإشارات إلى سوق العمل التي تحتاج إليها دولتنا.

وفي حملتي الانتخابية للرئاسة، وضعت خطة شاملة لإصلاح البنية التحتية لأمريكا -47 ألف جسر و 2000 سدّ تتطلب إصلاحات حرجة كبداية -وتحديثها للحد من الازدحام المروري، وخفض التلوث والانبعاثات الكربونية، وتحسين المرونة Resiliency، و تحفيز فرص اقتصادية جديدة، بما في ذلك إيصال شبكات النطاق العريض Broadband إلى المجتمعات التي لم تصل إليها بعد.

كانت هناك حاجة ماسة إلي هذه الأنواع من الاستثمارات قبل أن يبدأ فيروس الكورونا Coronavirus بتدمير اقتصادنا. الآن، صارت حتمية. و على الرغم من أنها ليست علاجًا لكل شيء – لا يوجد مثل ذلك- إلا أنها ستساعدنا على إعادة الثقة في مستقبل دولتنا في وقت نحن بأشد الحاجة إلى هذه الثقة.

لقد رأينا فعالية هذه الاستراتيجية من قبل. ففي عام 1933 أعلن الرئيس فرانكلين .دي روزفلت Franklin D. Roosevelt ، الذي شُخِّص هو نفسه بشلل الأطفال؛ الوباء Epidemic الذي أدى أيضًا إلى إغلاق المرافق العامة، قائلا: “الشيء الوحيد الذي يجب أن نخاف منه هو الخوف نفسه”. وصرنا ننظر إلى هذه المقولة الشهيرة على أنها تُشير إلى مخاوف الجمهور أثناء حقبة الكساد العظيم Great Depression عمومًا. لكن في الواقع، كان روزفلت يشير إلى نوع مُعيّن من الخوف: ” الإرهاب المجهول وغير المعقول وغير المبرر الذي يشل الجهود اللازمة لتحويل التراجع إلى تقدم”.

وفي المئة يوم التي تلت هذا الإعلان استجاب الكونغرس لدعوة روزفلت وبدأ بتحويل التراجع إلى تقدم. وحان الوقت الآن للقيام بذلك مرة أخرى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الكاتب

مايكل. آر، بلومبيرغ Michael R. Bloomberg، عمدة مدينة نيويورك السابق، المؤسس والمالك الرئيسي لشركة بلومبيرغ إل بي Bloomberg LP، الشركة الأم لقناة بلومبيرغ الإخبارية Bloomberg News. وهو المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة للعمل المناخي.

  ©2020 Bloomberg News

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى