أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فلك وعلم الكونيات

كوكبات الأقمار الاصطناعية تهدد عمل تلسكوب المسح العملاق

تعتيم الأقمار السابحة في المدار قد يخفف سطوعها الضار في مجال الرؤية الواسع لمرصد فيرا سي. روبن

 بقلم: دانييل كليري

ترجمة: صفاء كنج

ابتداء من عام 2022 سيمسح مرصد فيرا سي. روبن Observatory  Vera C. Rubin السماء ليلاً بأكملها كل بضع ليال من قمة جبل في تشيلي، باستخدام مرآة عملاقة لالتقاط الأجرام الباهتة سريعة التغيير. ولكن من المرجح أن تظهر في الصور أشياء على صلة بكوكبنا: إنها الآلاف من أقمار الاتصالات التي تحلق على علو منخفض وتلمع في الشمس. وصار التهديد أوضح ومحط تركيز علماء الفلك منذ إطلاق شركة سبايس أكس SpaceX أول مجموعة تضم 60 قمرًا من أقمار ستارلينك Starlink الاصطناعية في مايو 2019، ولكن ظهرت كذلك طريقة محتملة للحد من الضرر.

تقترح دراسات غير منشورة، اطلعت مجلة ساينس Science على بعضها، أن مسارات الأقمار الاصطناعية قد  تدمر نحو ثلث الصور التي سيلتقطها مرصد روبن خلال أجزاء من الليل. ويقول طاقم المرصد إن المشكلة لا يمكن تجنبها من خلال تصحيحها باستخدام برمجيات أو إتقان توجيه التلسكوب. ويبدو أن أفضل علاج هو تعتيم الأقمار الاصطناعية نفسها، وهو أمر تعمل على استكشافه بالفعل شركة سبايس أكس ومرصد روبن.

ويقول توني تايسون Tony Tyson، كبير العلماء في مرصد روبن: “التعتيم هو الأساس. … أنا متفائل بحذر بأننا سننجح في ذلك مع سبايس أكس”. ولكن فيما شرعت شركات أخرى في بناء حشود ضخمة من الأقمار الاصطناعية، يسابق علماء الفلك الوقت لإيجاد حل للمشكلة.

وبعد إطلاق الدفعة الأولى من أقمار ستارلينك التي تهدف إلى توفير الاتصال بالإنترنت في المناطق النائية من العالم، أمكن لراصدي السماء رؤية سلاسل من النقاط المضيئة بالعين المجردة بينما انتشرت الأقمار الاصطناعية وكل منها بحجم طاولة على ارتفاع 290 كيلومترًا. ويقول باتريك سيتزر Patrick Seitzer من جامعة ميتشيغن University of Michigan في آن أربور Ann Arbor، العضو في مجموعة العمل التي أنشأتها الجمعية الفلكية الأمريكية American Astronomical Society لدراسة المشكلة: “لقد تفاجأنا تمامًا بمدى سطوعها”.

ومن الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه المشكلة. ويقول المهندس الفضائي هيو لويس Hugh Lewis من جامعة ساوثهامبتون University of Southampton، الذي كيَّف نمذجة حاسوبية للحطام الفضائي للمساعدة على فهم سطوع أقمار ستارلينك، إن الشركات تتكتم بشأن تفاصيل الأجرام الفضائية. ويضيف قائلًا: “من الناحية المثالية، نريد أن نعرف كل شيء عن المركبة الفضائية، لكن هذه المعلومات غير متاحة”. كما أن علماء الفلك لا يعرفون كم سيكون حجم مجموعات الأقمار الاصطناعية: سبايس أكس على سبيل المثال تريد في مرحلة أولية إرسال كوكبة من نحو 1600 قمر اصطناعي ولكنهم تقدموا بطلب إلى لجنة الاتصالات الفيدرالية Federal Communications Commission لإرسال 42 ألف قمر.

وأظهرت قياسات السطوع Brightness measurements التي أجراها مرصد لاس كومبرِس Las Cumbres Observatory، وهي شبكة عالمية من التلسكوبات الصغيرة، وغيره، أن سطوع أقمار ستارلينك خفّت حين ارتفعت إلى مداراتها التشغيلية على ارتفاع 550 كيلومتراً. وهي تكون أكثر سطوعًا عندما تكون منخفضة في الأفق، عند وقت الشفق. وقد تتجنب معظم التلسكوبات التقاط مساراتها لأنها ترصد السماء العالية ولديها مجال رؤية ضيق. ولكن التعرض الطويل مع مرآة كبيرة ومجال رؤية واسع، كلها تجعل التلسكوب عرضة لالتقاطها. ويقول أوليفييه هينو Olivier Hainaut الذي يدرس المشكلة بتكليف من المرصد الجنوبي الأوروبي European Southern Observatory: “اجمعْ بين اثنين أو ثلاثة من هذه وستواجه مشكلة”.

يقول تايسون إن مرصد روبن الذي يبلغ قطر مرآته 8.4 متر وسيلتقط صوراً للسماء بحجم 40 بدراً (قمرًا مكتملاً) خلال عدة عمليات تعريض مدتها 30 ثانية، “هو الجهاز المثالي لالتقاط هذه الأقمار الاصطناعية”.

أجرى هو وفريقه عمليات محاكاة أشارت إلى أن التقاط صورة القمر الاصطناعي عبر الكاميرا سيشبع Saturate كل بكسل Pixel للكاميرا أثناء مروره ويسبب تسربًا عبر البكسلات المجاورة. ويقول تايسون عن العناصر الناتجة: “لا يمكن إزالتها باستخدام برنامج، لقد فشلنا في فعل ذلك”. ونظر الفريق في تغيير الجداول الزمنية لتجنب مسارات الأقمار الاصطناعية، ولكن في ظل مجال رؤية بهذا الاتساع، سيكون تجنب الآلاف من الأقمار الاصطناعية بمثابة “مطاردة سرب من الأوز البري”، وفق تعبيره.

لذا، يعلق تايسون آماله على تعتيم شركة سبايس أكس أقمارَها الاصطناعية التي ستطلقها مستقبلاً. ويتحدث هو وفريقه عدة مرات في الأسبوع مع مهندسين من شركة سبايس أكس التي أطلقت قمراً معتَّماً في شهر يناير 2020 كان قريباً من مداره الأخير بنهاية فبراير 2020. وحسب فريق تايسون أنه إذا تمكنت الشركة من تقليل الانعكاسات بعامل 15، فسيكون بالإمكان التعامل مع المشكلة. وستظل الصور تحتوي على مسارات الأقمار الاصطناعية، لكنها لن تشبع البكسل ويمكن إزالتها رقميًا. ويقول تايسون إن شركة سبايس أكس ورئيسها إلون ماسك Elon Musk “ملتزمان تمامًا بحل هذه المشكلة”، وإن فريقه عمل معهم للوصول إلى “تصميم قد ينجح” في ذلك. وسيُطلق العديد من الأقمار الاصطناعية مع هذا التصميم الداكن المحدَّث في الأسابيع المقبلة. ولم تتجاوب شركة سبايس أكس مع طلبات التعقيب على الأمر.

وليست ستارلينك سوى الكوكبة الأولى من هذه الأقمار الاصطناعية. وتقول كوني ووكرConnie Walker  من المختبر الوطني لأبحاث الفلك البصري بالأشعة تحت الحمراء National Optical-Infrared Astronomy Research Laboratory، التي ترأس لجنة تابعة للاتحاد الفلكي الدولي International Astronomical Union تدرس التهديد: “يمكننا القول ونحن واثقون إن العدد سيرتفع بشكل كبير”. فقد أطلقت شركة وان ويبOneWeb  34 قمرًا اصطناعيًا في 7 فبراير 2020- وهي الدفعة الأولى من كوكبة أولية تضم 648 منها. وأقمار وان ويب الاصطناعية أصغر وستصل إلى مدار أعلى من مدار أقمار ستارلينك، لذلك فإن سطوعها أضعف، لكن ارتفاعها يعني أن الشمس ستضيئها معظم الليل. يقول تايسون: “عليهم تعتيمها”. ويتواصل تايسون مع وان ويب والمشغلين الآخرين، بما في ذلك شركة أمازون Amazon التي يعتزم مشروعها كايبرKuiper  إطلاق 3200  قمر اصطناعي. ويعقد تايسون آماله على ذلك. لن تقتل كوكبة الأقمار الاصطناعية مرصد روبن لكنها ستزيد من صعوبة مهمته وقد تعترض فرصه في تسجيل اكتشافات. ويقول تايسون: “هنا مكمن الخطر الوجودي عليه”.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى