أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

الفيروس التاجي يثير التخمينات حول موسم الإنفلونزا

مع اقتراب فصل الشتاء، تظل تفاعلات الفيروس سارس-كوف-2 مع مسببات الأمراض الأخرى غير معروفة

بقلم:    كيلي سيرفيك

ترجمة: مي بورسلي

تغطية مجلة ساينس Science لأخبار كوفيد-19 يدعمها مركز بوليتزر  Pulitzer Center ومؤسسة هايسنغ-سيمونز  Heising-Simons Foundation.

في شهر مارس 2020، بينما كان نصف الكرة الجنوبي يستعد لموسم الإنفلونزا الشتوي أثناء محاربة مرض كوفيد-19 (COVID-19)، وضعت شيريل كوهين Cheryl Cohen -عالمة الأوبئة، وزملاؤها في المعهد الوطني للأمراض المعدية National Institute for Communicable Diseases بجنوب إفريقيا (اختصار: المعهد NICD)- خطةً للتعلم من الضربة المزدوجة. فقد كانوا يأملون بدراسة التفاعلات بين فيروسات الجهاز التنفسي الموسمية والفيروس سار-كوف-2 (SARS-CoV-2)، الذي يسبب مرض كوفيد -19. هل الإصابة بأحدهما تغير من خطر إصابة الشخص بالفيروس الآخر؟ وكيف يتعين أن يتصرف الناس عندما يصابون بكليهما؟

 ولكن موسم الإنفلونزا، والإجابات، لم يأتِ قَطّ. فقد سجل مركز أمراض الجهاز التنفسي والتهاب السحايا Disease and Meningitis Centre for Respiratory التابع للمعهد NICD، والذي ترأسه كوهين، حالة إنفلونزا واحدة فقط منذ نهاية شهر مارس. وفي السنوات السابقة وثقت منصات المراقبة في البلاد التي تلتقط عينات من حالات الإنفلونزا من مكاتب الأطباء والمستشفيات والعيادات، في المتوسط نحو 700 حالة خلال تلك الفترة، كما تقول كوهين التي تابعت قائلة: “لقد راقبنا الإنفلونزا منذ عام 1984، وهذا أمر غير مسبوق”.

 وتقول كوهين إنه ربما أُغفلت الحالات حين أغلقت العيادات مؤقتًا وتجنب الأشخاص الذين يعانون أعراضًا خفيفة طلب الرعاية الطبية. وتقول: ” مع جميع برامج [المراقبة] لدينا لا أعتقد أنه من الممكن أننا فشلنا في رصد موسم الإنفلونزا لو كان منتشرا”. وعلى ما يبدو، فإن قيود السفر وإغلاق المدارس والتباعد الاجتماعي وارتداء الأقنعة قد أوقفت انتشار الإنفلونزا في جنوب إفريقيا. وظهرت قصص مماثلة من أستراليا ونيوزيلندا وأجزاء من أمريكا الجنوبية.

ويأمل نصف الكرة الشمالي بتجنب ذلك. ويقول باسي بينتينن Penttinen  Pasi رئيس برنامج الإنفلونزا وأمراض الجهاز التنفسي في المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها  European Centre for Disease Prevention  (اختصارا: المركز ECDC)، إن حالات قليلة في الجنوب قد تعني انتشارًا طفيفًا للعدوى شمالًا. ولكن إذا لم يطبق الحظر وإجراءات التباعد الاجتماعي في أكتوبر ونوفمبر وديسمبر، فإن الإنفلونزا ستنتشر بسهولة أكبر بكثير مما كانت عليه في الجنوب، كما يحذر جون ماكولي John McCauley، -عالم الفيروسات ومدير مركز الإنفلونزا العالمي Worldwide Influenza Centre من معهد فرانسيس كريك Francis Crick Institute.

واحتمال تفاقم موسم الإنفلونزا أثناء جائحة الفيروس التاجي Coronavirus احتمال مخيف لخبراء الصحة العامة. فالمستشفيات والعيادات التي تعاني بالفعل ضغوط الجائحة تخشى تراكم التهابات الجهاز التنفسي المستجدة، بما في ذلك الإنفلونزا والفيروس المخلوي التنفسي Respiratory syncytial virus (اختصارا: الفيروس RSV)، وهو عامل ممرض Pathogen موسمي آخر يمكن أن يسبب مرضًا خطيرًا للأطفال الصغار وكبار السن. ففي الولايات المتحدة، حيث تواجه بعض المناطق بالفعل فترات انتظار طويلة للحصول على نتائج اختبار الإصابة بكوفيد-19، قد يتزايد التأخير لأن أعراض الإنفلونزا تفاقم الطلب على الاختبار. ويقول مارك ليبسيتش Marc Lipsitch من كلية تي.إيتش.  تشان للصحة العامة T.H. Chan School of Public Health بجامعة هارفارد: “ستكون الحاجة إلى محاولة استبعاد الفيروس سارس-كوف-2 شديدة”.

نظرًا لأن الإنفلونزا قد عفت إلى حد كبير نصفَ الكرة الجنوبي، فإن الباحثين لديهم القليل من الأدلة حول الكيفية التي يؤثر بها كوفيد-19  في مسار تفشي الإنفلونزا. وأحد الشواغل الكبيرة هو العدوى المزدوجة، فالأشخاص يصابون بكوفيد-19 والإنفلونزا في آن واحد، كما يقول إيان بار Ian Barr، نائب مدير المركز التعاوني لمنظمة الصحة العالمية للمراجع والأبحاث حول الإنفلونزا World Health Organization Collaborating Centre for Reference and Research on Influenza في ملبورن بأستراليا. ويقول: “إن الإصابة باثنين أو ثلاثة فيروسات تكون عادة أسوأ من الإصابة بفيروس واحد”.

ولكن عواقب العدوى المزدوجة بالفيروس سارس-كوف-2  لم تُدرس بدقة بعد. ففي أبريل 2020 وجد فريق من جامعة ستانفورد Stanford University أنه من بين 116 شخصًا في شمال كاليفورنيا ثبتت إصابتهم بالفيروس التاجي في مارس، تبين أن 24 شخصًا منهم كان مصابًا بعامل ممرض تنفسي واحد آخر على الأقل، وغالبًا ما تكون من الفيروسات الأنفية Rhinoviruses أو الفيروسات المعوية Enteroviruses التي تسبب أعراض نزلات البرد، وكذلك الفيروس RSV. واحد فقط من المرضى أصيب بالإنفلونزا، على الرغم من أنه من المحتمل أنه لم يكن هناك الكثير من الإنفلونزا المنتشرة في وقت متأخر من ذلك الموسم، كما يقول بنجامين بينسكيBenjamin Pinsky  الاختصاصي بعلم الأمراض من جامعة ستانفورد، وهو مؤلف مشارك. ولم تجد الدراسة فرقًا في بين حالة المرضى كوفيد-19 المصابين أو غير المصابين بعدوى أخرى. ولكن الدراسة كانت أصغر من أن تؤدي إلى استخلاص استنتاجات عامة.

ومما يزيد من تعقيد الأمور، قد يؤدي وجود فيروس واحد إلى تغيير فرصة إصابة الشخص بآخر. درست سيما نيكبخش  Nickbakhsh Sema، عالمة الأوبئة وفريقها من جامعة جلاسكو University of Glasgow،  التفاعلات بين أزواج مختلفة من فيروسات الجهاز التنفسي، مع ضبط التجربة للأخذ بعين الاعتبار العوامل المربكة التي قد تتسبب في ظهور فيروسين متزامنين أو في أوقات منفصلة، مثل الميل إلى الانتشار والتلاشي مع المواسم.

وتقول نيكبخش إن العدوى المصاحبة بالإنفلونزا وفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى نادرة نسبيًا، والتفاعلات التي وثقتها مجموعتها تشير إلى بعض التأثيرات الوقائية. فعلى سبيل المثال، يبدو أن الإصابة بالإنفلونزا A تقلل من فرصة الإصابة أيضًا بالفيروس الأنفي، حسبما أفاد الباحثون في عام 2019 (الآلية الكامنة وراء هذا التأثير ليست واضحة بعد).

ونيكبخش قلقة جدا من الفيروس RSV، الذي وجد فريقها أن له تفاعلات إيجابية مع الفيروس CoV-OC43، وهو نوع من الفيروسات التاجية من جنس الفيروس سارس-كوف-2 نفسه. وتقول إن وجود كوفيد-19 قد يزيد من قابلية الشخص للإصابة بالفيروس RSV، أو العكس. ويتطلب تحديد التفاعلات بين كوفيد-19 والالتهابات الأخرى عددًا كبيرًا من عينات المرضى التي فحصت بحثًا عن الفيروس سارس-كوف-2  وفيروسات الجهاز التنفسي الأخرى. وستكون الاختبارات التشخيصية السريعة والمزدوجة مهمة لكل من قرارات البحث والعلاج، كما يقول بنجامين سينجر Benjamin Singer، طبيب الرئة والرعاية الحرجة من جامعة نورث وسترن Northwestern University. وقد أصدرت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration تصاريح تطبق في حالات الطوارئ لاستخدام ثلاثة اختبارات مُركَّبة للإنفلونزا كوفيد-19، طورتها شركتان والمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها U.S. Centers for Disease Control and Prevention (اختصارا: المراكز CDC).

  وفي غضون ذلك تأمل السلطات الصحية التي تستعد لفصل الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية بأن تساعد لقاحات الإنفلونزا على الحفاظ على معدلات دخول مستشفى منخفضة بينما تكافح النظم الصحية الجائحةَ. وقد أعلن مصنعو لقاح الإنفلونزا، بما في ذلك غلاكسوسميثكلاين GlaxoSmithKline وآسترازينيكا AstraZeneca، عن زيادات في الإنتاج لموسم 2020-2021. وتتوقع المراكز CDC أن يضرب الانتاج رقما قياسيا من 194 مليون إلى 198 مليون جرعة – بزيادة 20 مليون جرعة عن العام الماضي (2019). وفي شهر يوليو 2020 أعلنت خدمة الصحة الوطنية National Health Service في المملكة المتحدة أنها ستوسع الفئات العمرية المؤهلة من الأطفال والبالغين للحصول على لقاح مجاني ضد الإنفلونزا.

ولكن، ماذا لو كان موسم الإنفلونزا طفيفًا؟ يقول بينتينن الذي يقدم فريقه إرشادات إلى الدول الأعضاء في أوروبا بشأن التطعيم ضد الإنفلونزا،  إن صب الموارد في حملة التطعيم يقتطع بالضرورة من الموارد المتاحة لاستجابات كوفيد-19. ويضيف أن معدلات التطعيم في أوروبا كانت منذ فترة طويلة “دون المستوى الأمثل”. (المعدلات بين كبار السن – السكان المستهدفون للقاح الإنفلونزا في العديد من البلدان – تتراوح من 2% إلى 72.8%، اعتمادًا على الدولة، وفقًا لأحدث بيانات المركز ECDC، الصادرة في عام 2018). ويتابع بنتينين  قائلا: “أعتقد أن الاتجاه هو أن نقول ‘يجب أن يكون خطؤنا هو زيادة الحذر، وذلك ببذل الجهود على الأقل للحفاظ على التغطية المقدمة لتوفير لقاح الإنفلونزا، إن لم يكن زيادتها’ “، كما يقول.

وقد تؤدي ندرة الإنفلونزا في نصف الكرة الجنوبي إلى تعقيد الجهود المبذولة لتطوير لقاح الإنفلونزا التالي. ويعني فيروس الإنفلونزا الأقل انتشارًا وجود أدلة أقل حول المتغيرات الجينية الأكثر انتشارًا في الموسم الحالي، والتي يُرجح أن تساهم في الموسم الجديد التالي. ويقول ماكولي إن الموسم الحالي ذا الرقم القياسي المنخفض سينشىء عنق زجاجة وراثي Genetic bottleneck، وأن تنويعات Variants الإنفلونزا التي تبقى على قيد الحياة “ستكون التنويعات الأقوى على الأرجح”. لكن، ليس من الواضح ما هي التنويعات التي ستهيمن عندما تظهر الإنفلونزا مرة أخرى.

ويقول بار ومكولي، وهما مؤسستان من المؤسسات الست التي تجمع وتحلل عينات الإنفلونزا لتحديد تركيبة اللقاح السنوي، إنهما تلقيا عينات أقل من السنوات السابقة. وقد تؤدي البيانات غير الكافية إلى لقاح أقل فعالية لنصف الكرة الجنوبي في عام 2021. ويجب تحديد محتويات هذا الخليط بحلول نهاية سبتمبر 2020. ويقول بار: “إنه أمر مقلق إلى حد ما، لكننا سنبذل قصارى جهدنا مع الفيروسات الموجودة لدينا”.

 موسم الإنفلونزا الذي لم يكن

أدت تدابير السيطرة على كوفيد-19 إلى خفض انتقال الإنفلونزا انخفاضا كبيرا في العديد من بلدان نصف الكرة الجنوبي (الحالات الموثقة، من أبريل إلى منتصف أغسطس).

الدولة 2018 2019 2020
الأرجنتين 1517 4623 53
تشيلي 2439 5007 12
أستراليا 925 9933 33
جنوب إفريقيا 711 1094 6

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى