أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحةوباء الكورونا

لماذا تشكل العدوى خطرا خاصا على النساء الحوامل

التغيرات التي تحدث في القلب والأوعية الدموية والجهاز المناعي في الأمهات الحوامل تجعلهن أكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة

بقلم:    ميريديث وادمان

ترجمة: مي بورسلي

 

تغطية مجلة ساينس Science لأخبار كوفيد-19 يدعمها مركز بوليتزر Pulitzer Center ومؤسسة هايزنغ- سيمونز Heising-Simons Foundation.

   يلدا أفشار Yalda Afshar تصغي يوميا إلى مخاوف مريضاتها: هل أنا أكثر عرضة للإصابة بكوفيد -19 ( Covid-19 ) لأنني حامل؟ إذا أصبت بالعدوى، فهل سيضر الفيروس بطفلي؟ أفشار، الاختصاصية بالتوليد عالي الخطورة في المركز الطبي التابع لجامعة رونالد ريغان كاليفورنياRonald Reagen University of California  (اختصارا: الجامعة UC) بلوس أنجلوس، تتفهم مخاوف النساء جيدا، فمن المقرر أن يولد بكرها في أكتوبر القادم.

  والبيانات عن الحمل وكوفيد-19 غير مكتملة للأسف. غير أنها مطمئنة قليلا: يبدو أن العداوى التي يصاب بها الجنين في وقت لاحق من الحمل نادرة، والخبراء متفائلون ولكن بحذر بأن الفيروس التاجي Coronavirus لن يشوّه نمو الجنين المبكر (انظر: من غير المحتمل أن يتسبب مرض كوفيد -19 في حدوث تشوهات في الأجنة). ولكن البيانات الجديدة تشير إلى وجود بعض الأدلة على أمر آخر يثير قلق مرضى أفشار: يبدو أن الحمل يجعل أجسام النساء أكثر عرضة للإصابة الشديدة بكوفيد-19؛ وهو المرض الناجم عن الإصابة بالفيروس سارس-كوف-2 (SARS-CoV-2). ويرجع ذلك جزئيًا إلى الجهاز المناعي المعدّل تعديلا فريدًا لدى المرأة الحامل، وجزئيًا لأن نقاط هجوم الفيروس التاجي – الرئتين وجهاز القلب والأوعية الدموية – تكون مجهدة بالفعل أثناء الحمل.

   و يقول ديفيد باود David Baud، الاختصاصي بالأمراض المعدية الناشئة والحمل من مستشفى جامعة لوزان Lausanne University Hospital: “إن الوصفة الطبية لمقدمي الرعاية بسيطة: احمِ مريضاتك الحوامل. أول من يحتاج إلى الكمامات هن النساء الحوامل. لذا، يجب أن تكون النساء الحوامل أول من يتجنب الاتصال الاجتماعي”.

    وفي أواخر يونيو نشرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (اختصارا: المراكز CDC) أفضل البيانات الأمريكية المتاحة حتى الآن. ومن بين 91412 امرأة في سن الإنجاب مصابة بعداوى الفيروسات التاجية، كانت 8207 حوامل أكثر عرضة بنسبة 50% للدخول إلى وحدة العناية المركزة (اختصارا: الوحدات ICUs) من قريناتها غير الحوامل. وكانت النساء الحوامل أكثر عرضة بنسبة 70% للحاجة إلى أجهزة التنفس الاصطناعي، ومع ذلك، لم يكن أكثر عرضة للوفاة.

    والبيانات من المراكز CDC قد قدمت عرضًا جزئيًا فقط. فحالات الحمل كانت تمثل فقط نسبة 28% من 326 ألف امرأة في الولايات المتحدة في سن الإنجاب أبلغ عن إصاباتهن بعداوى الفيروس التاجي إلى المراكز CDC في أوائل يونيو.

    وفي يوليو استخدمت ورقة بحثية ثانية، نشرتها وكالة الصحة العامة السويدية في الدورية Acta Obstetricia et Gynecologica Scandinavica، مجموعة بيانات أكثر اكتمالاً. وباستخدام بيانات عن جميع أنحاء السويد خلال أربعة أسابيع في مارس وأبريل، حسب الباحثون معدل دخول النساء الحوامل المصابات إلى الوحدات ICUs مقارنةً بالنساء المصابات غير الحوامل في سن الإنجاب. وكانت الدراسة صغيرة: فقط 13 امرأة حاملا مصابة بالفيروس التاجي و40 امرأة غير حامل أُدخلت إلى الوحدات ICUs السويدية في ذلك الإطار الزمني. ولكن، يقول باود: “من وجهة نظري، إنها أقوى البيانات”.

    والنتائج كانت واقعية: وجد الباحثون أن النساء الحوامل أو فيما بعد الولادة مباشرة المصابات بكوفيد-19 كن على الأرجح أكثر احتمالا بستة أضعاف للدخول إلى الوحدات ICUs مقارنة بقريناتهن غير الحوامل المصابات بكوفيد-19.

     ومن المعروف أن الحمل يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض خطيرة من الالتهابات الفيروسية التنفسية. وفي عام 2009، خلال وباء إنفلونزا H1N1، شكلت النساء الحوامل نسبة 5% من وفيات الولايات المتحدة، على الرغم من أنها شكلت نحو 1% من السكان. وقد وجدت إحدى الدراسات أن النساء الحوامل المصابات بالمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة Severe acute respiratory syndrome (اختصارا: المتلازمة سارس SARS)؛ الناجم عن فيروس قريب من الفيروس سارس-كوف-2، كن أكثر عرضة للإدخال إلى الوحدات ICUs والموت من قريناتهن غير الحوامل.

وتقول أكيكو إواساكي Akiko Iwasaki، الاختصاصية بعلم المناعة من كلية الطب في جامعة ييل Yale School of Medicine، إن العداوى الفيروسية قد تكون أكثر حدة في النساء الحوامل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن “الجهاز المناعي بأكمله يُسخّر للتأكد من عدم تحفيز أي استجابة مناعية مضادة للجنين…على الأم أن تضعف دفاعها المناعي للحفاظ على صحة الطفل”.

وفي الوقت نفسه، الجهاز المناعي بعيد كل البعد عن الخمول خلال فترة الحمل، و”الاستجابة المناعية المهمة حقًا للعدوى من المحتمل أن تسبب مضاعفات”، كما تقول كارولين كوين Carolyn Coyne، الاختصاصية بعلم الفيروسات من جامعة بيتسبرغ University of Pittsburgh.

    إضافة إلى ذلك، يصيب الفيروس سارس- كوف-2 الرئتين وجهاز القلب والأوعية، الذي يعاني الإجهاد أصلا خلال فترة الحمل. “مع نمو الرحم، تقل مساحة الرئتين. لهذا السبب تشعر النساء الحوامل بضيق في التنفس… وهذا يؤثر في وظائف الرئة”، كما تقول دينيس جاميسون Denise Jamieson، رئيسة التوليد وأمراض النساء من كلية الطب بجامعة إيموري Emory University School of Medicine.

   ولسد حاجة الجنين، فإن المرأة الحامل أيضًا تحتاج إلى أكسجين إضافي ودم لنقله: تزيد النسبة حتى 50% في الأشهر الأخيرة من الحمل. وقد يضاعف هذا الضغط الذي يؤثر به كوفيد-19 في جهاز القلب والأوعية الدموية (Science, 24 April, p. 356). ويقول باود: “القلب يعمل حقا لشخصين…وإذا كنت فيروساً معروفًا بقدرته على إحداث تغيير في الأوعية والالتهابات، فإن هذا سيزيد من عبء عمل القلب زيادة كبيرة”.

     أما مالافيكا برابهو Malavika Prabhu، الاختصاصية بطب الأم والجنين من كلية طب وايل كورنيل Weill Cornell Medicine، فتضيف أنه في وقت لاحق من الحمل “مع وجود الكثير من الدم والأعضاء التي صارت أكثر نشاطًا في التمثيل الغذائي، قد تنتقل كل هذه السوائل الزائدة إلى الأماكن التي لا ينبغي أن تذهب إليها – بما في ذلك ملء رئتيك”.

      وأخيرًا، يميل دم النساء الحوامل أكثر إلى التجلط الذي يُعتقد أن ذلك يكون بسبب حاجتهن إلى وقف النزيف بسرعة بعد الولادة. ولكن قد يكون للفيروس التاجي نفسه تأثير مماثل (Science، 5 June، p.1039). وتقول جاميسون: “يُعتقد أن كوفيد-19 يزيد من احتمال التجلط، ثم يزيد الحمل من احتمال التجلط”.

      وفي يوليو نشرت برابهو وزملاؤها في الدورية BJOG دراسة أظهرت نتائجها أن الأخطار المتزايدة على الأم لا تنتهي بعد الولادة. وكانوا قد تابعوا فيها جميع النساء الحوامل البالغ عددهن 675 اللواتي أدخلن إلى ثلاثة مستشفيات للولادة في نيويورك خلال أربعة أسابيع في أواخر مارس وأبريل. وبعد الولادة أظهرت تسع من 70 امرأة مصابة، أي نحو 13%، واحدة على الأقل من ثلاث مضاعفات يتابعها الأطباء بعد الولادة: الحمى، انخفاض نسبة الأكسجين في الدم، وإعادة الدخول إلى المستشفى. ومن بين 605 امرأة غير مصابة، 27، أي 4.5%، تعاني واحدة من هذه المشكلات. “يجري الكشف عن العديد من الأمراض في فترة ما بعد الولادة…لقد علمنا أن كوفيد-19 هو سبب أحد هذه الأعراض”، كما تقول برابهو. وأشارت إلى أن 79% من النساء الحوامل اللائي ثبتت إصابتهن عند دخولهن المستشفى لم تظهر عليهن أعراض.

     هذا، ويذهب جميع الخبراء إلى أن هناك حاجة ماسة إلى بيانات أفضل لفهم ومعالجة المخاطر التي تتعرض لها النساء الحوامل المصابات بعداوى الفيروس التاجي. وتشير جاميسون إلى أن السجلات التي جمعت البيانات عن النساء الحوامل اللاتي أصبن بإنفلونزا H1N1 في عام 2009، والنساء الحوامل اللاتي أصبن بالفيروس زيكا Zika في عامي 2015 و2016، قد أُهملت تماما بعد انتهاء أزمة هذه الأوبئة. “غير أننا نحتاج حقًا إلى الاستثمار في نظام مراقبة ممول جيدا لرصد نتائج الحمل على مدى طويل”.

    مع زميل آخر تعمل أفشار كباحث رئيسي مشارك – بالجامعة UC بسان فرانسيسكو- في سجل نتائج الفيروس التاجي للحمل Pregnancy Coronavirus Outcomes Registry الذي يجمع حاليا بيانات من أكثر من 1100 امرأة حامل في الولايات المتحدة. وتأمل بأن تبدأ بالإجابة عن أسئلة عاجلة مثل تأثير الأدوية التي تُعطى لمحاربة كوفيد-19 في الأم والجنين؛ الكيفية التي تؤثر بها العدوى في الحالة المناعية للأم؛ وما إذا كان يجب استخدام الأدوية المضادة للتجلط في النساء الحوامل المصابات بكوفيد- 19 وكيفية استخدامها.

     وأفشار تقول: “لقد كان من الغريب جدًا تقديم المشورة إلى النساء وعائلاتهن، ومشاهدة توترهن، وعدم التمكن من إعطائهن توصيات مبنية على الأدلة… النوم يجافيني لكل امرأة أعتني بها، للتأكد من أنني أفعل الشيء الصحيح من أجلها. ويصدق القول نفسه علي أنا أيضا”.

من غير المحتمل أن يتسبب مرض كوفيد -19 في حدوث تشوهات في الأجنة، لكن الأطباء ينتظرون ولادات الخريف

عندما تمرض امرأة حامل، يكون لدى أطبائها مريضان: المرأة، وجنينها. بينما يعمل أطباء الولادة على فهم تأثير كوفيد-19 في الأم، (انظر: المقال الرئيسي)، إلا أنهم يتتبعون بعناية تأثير الفيروس في الجنين، ويدركون تمام الإدراك أن الفيروسات الأخرى، بما في ذلك الفيروس زيكا، الفيروس المُضخِم للخلايا Cytomegalovirus (اختصارا: الفيروس CMV)، والحصبة الألمانية Rubella، قد تسبب تشوهات خلقية خطيرة. الباحثون متفائلون بحذر بأن ذلك ربما لا يحدث في حالة الفيروس التاجي المستجد.      في شهر يوليو نشرت دراسة حالة Case Study أظهرت نتائج قاطعة أن الأجنة قد تصاب في وقت متأخر من الحمل. ولكنه يبدو أن مثل هذه الإصابات “نادرة جدا”، كما يقول المؤلف الرئيسي دانييل دي لوكا Daniele De Luca، الاختصاصي بطب حديثي الولادة في الرعاية الحرجة من مستشفيات جامعة باريس ساكلاي Paris Saclay University Hospitals AP-HP. ويقول ستانلي بلوتكين Stanley Plotkin، وهو طبيب وعالم اخترع لقاح الحصبة الألمانية المستخدم على نطاق واسع: “هذه ليست الحصبة الألمانية”. أدى وباء هذا المرض عام 1964 إلى ولادة عشرات الآلاف من الأطفال المشوهين في الولايات المتحدة.    لا يزال من السابق لأوانه التأكد من أن الأجنة لن تتضرر إذا أصيبت خلال الأشهر الثلاثة الأولى الحساسة من فترة الحمل؛ عندما تتشكل الأنسجة والأعضاء. لكن كارولين كوين، الاختصاصية بعلم الفيروسات التي تدرس التهابات المشيمة، من جامعة بيتسبرغ، متفائلة. إذ تقول: ” لو كان الفيروس كائنا ممرضا  Pathogenمدمرا يسبب تشوهات للجنين في وقت مبكر من الحمل؛ لكانت لدينا حالات واضحة جداً من الصين”، التي كانت لديها أول زيادة في الحالات المصابة بكوفيد-19. وقال كبار أطباء الولادة الصينيون الذين اتصلت بهم مجلة Science إنهم لم يروا أي حالة تشوه خلقية، لكنهم حذروا من أن الأعداد أقل من أن تكفي لاستخلاص استنتاجات مؤكدة.      أما بلوتكين؛ فيشير إلى أن الحصبة الألمانية والفيروس CMV تنتقل عادة عن طريق الدم، مما يسمح لتلك الفيروسات بالوصول إلى المشيمة خلال الأشهر الثلاثة الأولى، قبل أن تكون حاجزًا مكتمل التكوين أمام الغزو الفيروسي. ويقول: “على الرغم من أن الفيروس سارس-كوف-2 يدخل إلى الدم أحيانًا، إلا أنه ليس عدوى تنتقل عن طريق الدم…وهذا مهم”.       وفي إحدى الدراسات التي أُجريت على ما يقرب من 700 امرأة حامل أدخلن إلى ثلاث مستشفيات في نيويورك للولادة، تبين أن 70 طفلا من أصل 71 ولدتهن أمهات مصابات بالعدوى كانوا غير مصابين. وتشير دراسة أخرى نُشرت في أغسطس في مجلة eLife إلى أنه من غير المرجح أن يغزو الفيروس خلايا المشيمة بسهولة. وقد اكتشف العلماء بقيادة روبرتو روميرو Roberto Romero، من المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية National Institute of Child Health and Human Development وجامعة واين ستيت Wayne State University، أن الخلايا المشيمية نادرًا ما تُعبِّر Express عن زوج من الجزيئات التي يعتمد عليها الفيروس في غزو الخلايا: ACE2، وهو مُستقبِل مرتبط بالغشاء Membrane-bound receptor، والانزيم TMPRSS-2، وهو إنزيم ينشط الفيروس بعد ربطه بالمستقبل ACE2. وعلى النقيض من ذلك، وجدوا أن مستقبلات الفيروس زيكا والفيروس CMV وفيرة على خلايا المشيمة.         ومع ذلك، قد تؤثر إصابة الأم بالفيروس سارس-كوف-2 في نمو جنينها. فقد فحص الباحثون في دراسة نيويورك أيضًا المشيمة من مجموعة فرعية من النساء ووجدوا جلطات في الأوعية الدموية على جانب الجنين من المشيمة فيما يقرب من نصف الحالات- 14 من 29 حالة- من الأمهات المصابات؛ بكوفيد-19، مقارنة بـ 11% فقط من المشيمة – 12 من 106 حالة- من أمهات غير مصابات كانت فيها جلطات مماثلة. ووجدت دراسة أخرى أجراها باحثون من جامعة نورث وسترن Northwestern University، أن إصابات الأوعية الدموية والجلطات على جانب الأم من المشيمة في 15 من 16 امرأة مصابة أكثر بكثير من مجموعة التحكم (المقارِنة/الضابطة)  Control group.    وقد تحد جلطات الدم من وصول الأكسجين والمواد المغذية إلى الجنين. وتقترح هذه الدراسات الحاجة إلى مراقبة نمو الجنين عن كثب خلال النصف الثاني من الحمل لأم مصابة بكوفيد-19، كما تقول مالافيكا برابهو، الاختصاصية بطب الأم والجنين من كلية طب وايل كورنيل، والباحثة الرئيسية لدراسة نيويورك.      في هذه الأثناء، تنتظر هي وآخرون موجة من الأطفال الذين حملت بهم أمهاتهم في وقت مبكر من الجائحة وموعد ولادتهم في الخريف. “فإذا كنت مصابة بكوفيد-19 في الأسبوع الثامن من التطور الجنيني، فما هي النتيجة التي ستظهر على الطفل؟ وتقول يلدا أفشار، الاختصاصية بالتوليد عالي الخطورة في المركز الطبي التابع لجامعة رونالد ريغان كاليفورنيا بلوس أنجلوس: “هذه البيانات تحتاج إلى وقت للفهم”.   

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى