أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

يمكن أن تتيح الاختبارات السريعة والرخيصة إعادة فتح أكثر أمانًا

تُظهر النمذجاتُ أن دقة الاختبار هي أقل أهمية من السرعة والتكرار للحد من تفشي المرض

بقلم: روبرت ف. سيرفس

ترجمة: مي بورسلي

 

تغطية مجلة ساينس Science لأخبار كوفيد-19 يدعمها مركز بوليتزر Pulitzer Center ومؤسسة هايزنغ- سيمونز Heising-Simons Foundation.

حتى مع تكثيف الولايات المتحدة فحوصات الإصابة بالفيروس التاجيCoronavirus  من نحو 100 ألف فحص أسبوعيًا في منتصف مارس إلى أكثر من خمسة ملايين فحص أسبوعيًا في أواخر يوليو، فقد تراجعت قدرة البلاد أكثر فأكثر على وقف انتشار الفيروس. حاليا، يدعو خبراء التشخيص ومسؤولو الصحة العامة وعلماء الأوبئة إلى تحول جذري في استراتيجية الاختبار: بعيدًا عن تشخيص الأشخاص الذين ظهرت عليهم الأعراض أو تعرضوا للفيروس ونحو فحص مجموعات سكانية بأكملها باستخدام اختبارات أسرع وأرخص وأحيانًا أقل دقة. ومن خلال تمكين التعرف على الأفراد المصابين وعزلهم بسرعة أكبر، كما يقول المؤيدون، فإن التحول في الاستراتيجية يبطئ انتشار الفيروس، وهو أمر أساسي لإعادة فتح المدارس والمصانع والمكاتب بأمان.

     يقول راجيف شاه Rajiv Shah، رئيس مؤسسة روكفلر Rockefeller Foundation: “تواجه أمريكا كارثة وشيكة”. ويقول إن الاختبار يحتاج إلى التركيز على “زيادة توفر اختبارات الفحص السريعة وغير المكلفة زيادة كبيرة لتحديد الأمريكيين الذين لا تظهر عليهم أعراض والذين يحملون الفيروس. واليوم، نجري عددًا قليلاً جدًا من هذه الأنواع من الاختبارات”.

     كذلك، فإن ريبيكا سميث Rebecca Smith، الاختصاصية بعلم الأوبئة من جامعة إلينوي University of Illinois في أوربانا – شامبين (اختصارا: الجامعة UIUC)، توافق على هذا الرأي. إذ تقول إنه لوقف تفشيات المرض من إرباك المجتمعات: “نحن بحاجة إلى اختبار سريع ومتكرر”؛ مما قد يعني نسخًا أسرع من اختبارات الحمض النووي الريبوزي RNA الحالية أو أنواعًا جديدة من الاختبارات تهدف إلى اكتشاف البروتينات الفيروسية. ولكن الباحثين يقولون إن الحكومة الفيدرالية ستحتاج إلى تقديم دعم مالي كبير لتحقيق ذلك.

    وفحص الإصابة بكوفيد-19 حاليا يعتمد اعتمادا أساسيا على تفاعل البوليميريز المتسلسل Polymerase chain reaction (اختصارا: الفحص PCR)، وهو تقنية لتضخيم المادة الوراثية للفيروس؛ مما يسهل اكتشافها. فإذا أُجريَت بطريقة صحيحة، تكون هذه الفحوصات دقيقة جدا، حيث تكتشف الحالات الإيجابية ما يقرب من 100% من الوقت. وهذه الدقة أمر حيوي لاتخاذ قرارات لعلاج المرضى. ولكن الفحص PCR الواحد يكلف نحو 100 دولار، ويتطلب آلات وكواشف متخصصة، وعادة ما تستغرق من يوم إلى يومين على الأقل لظهور النتائج.

      هذا، وقد أدت الزيادة الأخيرة في حالات الإصابة بالفيروس التاجي في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى زيادة التأخير؛ مما أدى إلى تأخير موعد ظهور النتائج إلى أسبوعين في بعض الأماكن. وأثناء انتظار ظهور النتائج، فقد يستمر الأشخاص المصابون بعدوى الآخرين ، ولكنهم لا يعرفون النتيجة حتى الآن وهم مستمرون بالتفاعل مع الآخرين ونشر الفيروس.

وإذا انتهت فترة العدوى قبل استلام نتائج الفحص، فلن تكون هناك جدوى من عزلهم. ويقول أي. ديفيد بالتيل  A. David Paltiel، خبير أبحاث العمليات من كلية ييل للصحة العامة Yale School of Public Health: “يشبه الأمر استدعاء قسم الإطفاء بعد أن احترق منزلك تماما…لا يمكنك الإمساك بهذا الفيروس”.

   وفي 24 يوليو نُشرت مسودة ورقة بحثية على موقع medRxiv أكدت على الجوانب السلبية للاختبارات البطيئة. وشيزيونغ هو Shixiong Hu، الباحث من مركز مقاطعة هونان للسيطرة على الأمراض والوقاية منها Hunan Provincial Center for Disease Control andPrevention، تابَعَ وزملاؤه 1178 شخصًا ثبُتت إصابتهم بالفيروس سارس-كوف-2 (SARS-Cov-2) من يناير إلى أبريل وفحصوا 15648 من الذين خالطوهم، وحددوهم على أنهم مَن يكونون على بعد متر واحد من الشخص المصاب بين يومين قبل ظهور الأعراض و14 يومًا بعد بدء ظهور الأعراض على الشخص المصاب. وبناءً على الاتصال بالمصابين ومتى أصيبوا بالعدوى، فقد قدّر الباحثون أن الأشخاص كانوا أكثر قابلية لنشر الفيروس قبل 1.8 يومٍ من ظهور الأعراض. ويقول دانيال لاريمور Daniel Larremore، الاختصاصي بعلم الرياضيات التطبيقي من جامعة كولورادو University of

Colorado في بولدر، إن هذا الاكتشاف يدل على أن فحص الأشخاص فقط عندما تظهر عليهم الأعراض، وظهور نتائج الفحوصات بعد أيام إلى أسابيع، لا يفعل الكثير لإبطاء انتشار الفيروس.

      وقد أجرى لاريمور وزملاؤه نمذجة لفوائد الفحوصات الأكثر تكرارًا، بما في ذلك الفحوصات الأقل دقة من الفحوصات الحالية. والفحوصات السريعة التي تتكرر كل ثلاثة أيام، مع عزل الأشخاص الذين كانت نتائج فحوصاتهم إيجابية، تمنع انتقال الفيروس بنسبة 88% مقارنة بمراقبة الوضع من دون فحوصات؛ يُستخدم فحص أكثر حساسية كل أسبوعين أقل من نصف فعالية في تقليل الانتقال، كما أفادوا في مسودة الورقة البحثية التي نشروها في 27 يونيو على الموقع الإلكتروني medRxiv.

    وقد توصل بالتيل وزملاؤه إلى النتيجة نفسها عندما أجروا نمذجة لأنظمة فحص متنوعة تهدف إلى إعادة فتح جامعة تضم خمسة آلاف طالب بأمان. وفي بحث نُشر في 31 يوليو بالدورية الطبية مفتوحة المصدر JAMA Network Open، وجدوا أنه مع إصابة عشرة طلبة في بداية الفصل الدراسي، فإن الفحص الذي حدد 70% فقط من الحالات الإيجابية، يُعطى لكل طالب كلَّ يومين، يمكن أن يحدّ من عدد العداوى إلى 28 بحلول نهاية الفصل الدراسي. وقد سمح الفحص كل سبعة أيام بانتشار فيروسي أكبر، حيث توقع النموذج 108 عداوى. ويقول بالتيل: “يعوض التكرار الأعلى للفحص سلبيات قلة حساسيته”.

     ويقول سميث إن هذه الدراسات والدراسات ذات الصلة دفعت الجامعة UIUC إلى إعداد فحوصات لجميع الطلبة وأعضاء هيئة التدريس البالغ عددهم 60 ألفًا عدة مرات في الأسبوع عندما يعود الطلبة إلى الحرم الجامعي هذا الخريف. ويعتمد النهج على إعداد الفحص PCR التجريبي السريع الموصوف في مسودة الورقة البحثية بتاريخ 18 يونيو، والتي تتجاوز بعض الإجراءات البطيئة المعتادة لعزل الحمض النووي الريبوزي RNA الفيروسي وفحص اللعاب بدلاً من مسحات الأنف، كما يقول مارتن بيرك Martin Burke، الاختصاصي بعلم الكيمياء من الجامعة UIUC الذي كان أحد مطوري الفحص. وتقول سميث إن فريقها يتوقع أنه إذا فحصت الجامعة كل شخص كل ثلاثة إلى أربعة أيام، في المتوسط، فإنها ستكتشف الحالات المصابة قبل نصف يوم من وصول هؤلاء الأشخاص إلى ذروة العدوى.

     واختبارات المستضد Antigen، والتي تُثبِّت الأجسام المضادة على شريط الفحص، تَعِد بزيادة السرعة. وتكتشف هذه الأجسام المضادة البروتينات الفيروسية في اللعاب أو مسحة الأنف. وتتراوح تكلفة هذه الفحوصات ما بين دولار واحد إلى دولارين لكل منها، وتظهر قراءة بــ ” نعم / لا ” في غضون دقائق، مثل فحص الحمل، وتستخدم بالفعل للكشف عن الإنفلونزا وفيروس نقص المناعة البشرية HIV والفيروسات الأخرى. وقد حصلت شركتان، كيدل وبيكتون Quidel Corporation and Becton  و ديكينسون وشركاه Dickinson and Company  (اختصارا: BD)، على تصريح للاستخدام في حالات الطوارئ من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية U.S. Food and Drug Administration لبيع اختبارات فحص مستضد للفيروس سارس-كوف-2. وهناك شركات أخرى لديها فحوصات مماثلة يجري إعدادها.

  ونظرًا لأن اختبارات المستضد لا تضخم المادة الفيروسية ولكنها تكتشف ببساطة ما هو موجود في العينة، فهي أقل دقة من الفحص PCR. وتكشف بعض اختبارات المستضد اكتشافا صحيحا عن نصف إلى ثلاثة أرباع العدوى. ولكنها قد تظل أداة صحية قيّمة إذا أجريت بتكرار كافٍ؛ ولن يفلت من الاختبار المتكرر إلا عدد قليل من الأشخاص المصابين. ويمكن عزل الأشخاص الذين تكون نتيجة فحص المستضد لديهم إيجابية وإعادة تشخيصهم بالفحص PCR لتأكيد النتيجة.

    ومن بين العقبات التي تواجه الانتشار الواسع وتكرار الفحص هو ندرة مثل هذه الفحوصات. وتصنع الشركتان Quidel و BD معًا نحو ثلاثة ملايين من فحوصات المستضد في الأسبوع. لكن من المرجح أن تتطلب استراتيجية الفحص الوطنية 25 مليونَ فحصٍ سريعٍ أو أكثر، كما يقول جوناثان كويك Jonathan Quick، والذي يرأس الاستجابة الوبائية لمؤسسة روكفلر. وفي 16 يوليو أصدرت المؤسسة خطة وطنية لفحص كوفيد-19 تدعو الحكومة الفيدرالية إلى إنفاق 75 بليون دولار على توفير 30 مليون اختبار فحص وتشخيص أسبوعيًا.

    ويقول كويك إن الشركات مترددة في زيادة الإنتاج إذا كانت غير متأكدة من السوق. ويضيف أن أحد الحلول قد يكون وعدًا من الحكومة الفيدرالية لشراء عشرات الملايين من الفحوصات، مثلما فعلت مع جرعات اللقاح. وأحد هذه الجهود: أعلن حكام ست ولايات أمريكية في الأسبوع الأول من أغسطس أنهم يتحدون معًا ليطلبوا إلى الشركتين Quidel و BD إنتاج ما مجموعه ثلاثة ملايين فحص.

    أو يمكن لإدارة ترامب أن تتولى الإنتاج التجريبي باستخدام قانون الإنتاج الدفاعي Production Act Defense، والذي يسمح للحكومة الفيدرالية بتوجيه الشركات الخاصة لتلبية احتياجات الدفاع الوطني. ويقول كويك: “لا أعتقد أن الحالة هنا هي ” إما / أو” … بل هي ” و / كلاهما”. ليس لدينا وقت للانتظار”.

    قد تأتي المساعدة أيضًا من برنامج تطوير اختبارات المعاهد الوطنية للصحة Institutes of Health National، والذي أعلن في الأسبوع الأخير من شهر يوليو عن جوائز بقيمة 250 مليون دولار تقريبًا لسبع شركات لتوسيع نطاق إنتاج اختبارات الكشف عن الفيروس سارس-كوف-2 الجديدة السريعة، بهدف الوصول إلى نحو 42 مليون اختبار لكل أسبوع بنهاية هذا العام (2020).

   وحتى مع المساعدة الفيدرالية، فمن المرجح أن تكون برامج الفحص واسعة النطاق مكلفة. وقد قدرت دراسة بالتيل أن فحص خمسة آلاف طالب كل ثلاثة أيام لفصل دراسي مختصر مدته 80 يومًا سيكلف نحو 1.5 مليون دولار، وهو ما قد يكون غير متاحٍ للعديد من الجامعات، ناهيك عن المدارس الثانوية والشركات الصغيرة.

     ولكن إذا رفضت المؤسسات الاستثمار أو لم تتمكن من ذلك، فإن  بالتيل يؤكد: “عليهم أن يسألوا أنفسهم عما إذا كان لديهم أي نشاط تجاري يُعاد فتحه”. ويضيف كويك: “سيكون الاستثمار أقل تكلفة بكثير على الدولة من إغلاق اقتصادي آخر، والذي سيحدث إذا لم نتمكن من احتواء تفشي المرض”.

 

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى