أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئية

يجب أن نعيد السماء إلى طبيعتها كي يستعيد الغلاف الجوي مجدَه القديم

فلنأخذ الإلهام من الطريقة التي نتدخل فيها لمساعدة الأنظمة الإيكولوجية المتضررة على التعافي، ولنحاول مساعدة الغلاف الجوي على استعادة صحته بالكامل

بقلم: غرايام لاوتون

ترجمة: د. محمد الرفاعي

في عالمٍ موازٍ عدتُ لتوي من اجتماعٍ في سولت لايك ستي Salt Lake City، في يوتاه Utah. فقد كان الاجتماعُ السنوي للجمعية الإيكولوجية الأمريكية The Ecological Society of America يعج بالنشاط: 4000 مندوب، محاضراتٌ عن آخر الأبحاث، مؤتمرات صحافية، لقاءات اجتماعية وفرصٌ كبيرةٌ للاختلاط، الاتصال والتعرف على الأفكار.

ففي العالم الحقيقي كان الاجتماع افتراضياً وشاهدتُه في المنزل على شاشة حاسوبي. وقدّرت جهود  المنظمين والمتحدثين؛ في ظل هذه الظروف، كان الأمر مذهلاً. ولكنه لم يكن كالحقيقي. أتساءل عن الأثر المخيف الذي يمتلكه على عُملة التقدم العلمي النفيسة، أي تبادل الأفكار وجهاً لوجه.

لقد قيل الكثير عن حقيقة أننا، قبل الجائحة، بالغنا في تقدير الحاجة إلى الوجود الجسدي لإنجاز المهام. فقد كنت أعمل عملا  منتجا من المنزل، واستهلكت كميةً أقل من الوقود الذي كنت أستخدمه للسفر إلى الاجتماعات العالمية، وفي الوقت نفسه حضرت اجتماعاتٍ أكثر من المعتاد. وقد سمعت باستمرارٍ الناس تعلي قيمة هذه الاجتماعات الافتراضية، وأتفق أن الكثير يمكن أن يُقال عنها: الناس من كل أنحاء العالم يمكن أن يجتمعوا سويةً بضغطة زر. ساهم العمل عن بعد في تخفيض الانبعاثات خلال فترة الجائحة.

لكن، دعونا لا نتسرع. فهناك اجتماعٌ آخر على الإنترنت مع فاتح بيرول Fatih Birol، وهو المدير التنفيذي لوكالة الطاقة العالمية International Energy Agency. نَظّمَت جامعة يونيفيرسيتي كوليدج لندن University College London هذا المؤتمر، وكان مثالاً عظيماً على استعمال التكنولوجيا للمحافظة على البحث العلمي حياً. وكانت فكرة بيرول الأساسية واضحةً الآن: كيف يمكن الاستفادة من حالة توقف النشاط البشري Anthropause، وهو الخمود في النشاط بسبب كوفيد-19، بغية الوصول إلى تغييرٍ حاسمٍ في اقتصاد الطاقة العالمي. وكُتب الكثير من المقالات مُحَمِسَةً على هذه الفكرة. بيرول متفائل بقدرتنا على حل مشكلاتنا البيئية، لكنه شخصٌ واقعيٌ عمليٌ يعتمد على البيانات.

وضّح أن تغييرات نمط الحياة ليست إلا القليل مما نحتاج إليه. ويقول: “لا أعتقد أننا نستطيع عن طريق اللقاءات على الإنترنت وعلى تطبيق زووم Zoom حل مشكلات الطاقة والمناخ… اليوم، وفقاً لأرقامنا، فقط 10% على الأكثر، من القوة العاملة  قد  تؤدي عملها من المنزل. ويمثل الطيران 7% فقط من استهلاك الوقود العالمي”.

في الوقت الحالي يجب على اجتماعاتٍ كاجتماعات الجمعية الإيكولوجية الأمريكية أن تكون افتراضيةً لتبقي الجميع بأمان، لكن؛ ولصالح التقدم العلمي فإنني أعتقد أنها ستعود إلى الشكل التقليدي وجهاً لوجه. وهذا لا يعني أن الاجتماع كان عديم القيمة. بل على العكس. حقيقةً، فإن محاضرةً ألقاها شخصٌ ذو صوتٍ مسموع، هو روب جاكسون ، عالم الإيكولوجيا من جامعة ستانفورد Stanford University في كاليفورنيا ، كانت من أكثر المحاضرات التي حضرتها إلهاماً منذ أن بدأت العمل من المنزل في مارس.

“لا يجب أن نحاول إيقاف تدمير الغلاف الجوي فحسب، بل أن نداويه ليعود إلى صحته الأصلية الكاملة”

 

كانت فكرة جاكسون الأساسيةُ هي ترميمَ الغلاف الجوي Atmosphere، ويعني العودة به إلى مرحلة ما قبل الثورة الصناعية. وقال جاكسون إنه لم يعد راضياً عن الأهداف التي تركز على المحافظة على الارتفاع الحراري 1.5 سْ أو أي قيمةٍ اعتباطيةٍ أخرى، لكنه يريد إعادة الغلاف الجوي إلى ما كان عليه قبل أن نبدأ بإطلاق غاز ثنائي أكسيد الكربون CO2 والميثان Methane والملوثات الأخرى فيه.

مستلهماً من مجال إعادة تأهيل النظام الإيكولوجي المتنامي، أي التدخل لمساعدة الأنظمة الإيكولوجية المتضررة على التعافي، يقول إن علينا أن نعالج الغلاف الجوي كما نفعل مع المناطق الرطبة، الغابات أو الأنواع المهددة بالانقراض. نحن لا نسعى فقط إلى إيقاف تدميرها، بل إلى مداواتها كي نعيدها إلى صحتها الأصلية الكاملة. ولا يستحق الغلاف الجوي أقل من ذلك. تخيل الأمر على أنه إعادة السماء إلى حالتها الطبيعية.

يعترف أنها “فكرة غير منطقية”. نحن لا نستطيع حتى أن نحافظ على مستويات غازات الدفيئة Greenhouse gases ثابتةً، ناهيك عن أن نخفّضها. ولكنه يقول إنه وبوجود كل الأخبار السيئة؛ فإننا نحتاج إلى خطةٍ جديدةٍ لبث الأمل. وعتبات درجة الحرارة اعتباطية؛ لا يتعاطف الناس العاديون معها. “لا تزودنا بشرحٍ للأحداث أدى أو سيؤدي إلى أفعال”.

خريطة طريق ترميم الغلاف الجوي معروفةٌ إلى حدٍ كبير: الطاقة المتجددة، زراعة ترليون شجرة، حصر الكربون وتخزينه والتكنولوجيا سلبية الانبعاثات Negative emission technology. ولكن إحدى الخطوات شيءٌ لم أسمع بها قطّ: امتصاص الميثان مباشرةً من الغلاف الجوي.

هذه التكنولوجيا قيد التطوير، ويجب أن تكون سهلةً مقارنةً بإزالة غاز أحادي أكسيد الكربون CO. والديناميكا الحرارية Thermodynamic تساعد على ذلك، لأن الميثان أغنى بالطاقة من الغاز CO. فهناك ميثانٌ أقل لنتخلص منه، لكن تأثيره أكبر: يُعزى نحو ثلث الاحترار Warming إليه. وإزالة 3.2 بليون من أصل 5.6 بليون طن من هذا الغاز ستعيد مستويات الميثان إلى مرحلة ما قبل الثورة الصناعية وستكون ذات فوائد كبيرة، لأن الميثان يؤدي دوراً في تلويث الأوزون في البلدات والمدن.

عندما أشار جاكسون إلى إعادة تأهيل الغلاف الجوي أول مرة، اعتقدت أن الأمر بعيد المنال. أما الآن؛ فأنا أتجهز له ولا أطيق الانتظار كي أسافر إلى الولايات المتحدة لأسمع عن التقدم في الاجتماع السنوي القادم الذي سيعقد في أغسطس بــ لونغ بيتش Long Beach في كاليفورنيا. إنني أعد بأن أعوض عما سأسببه من انبعاثات.

© 2020, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى