أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فيزياء

العمر القصير والغريب للرادار الكمي

على الرغم من الاهتمامات العسكرية، لن تهزم ميكانيكا الكم تقنياتِ التخفي

بقلم:     أدريان تشو

ترجمة:  مي بورسلي

قد تتذكر جيفري شابيروJeffrey Shapiro ، صاحب الرادار الكمي Quantum radar المهندس الكهربائي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology (اختصارا: المعهد MIT). فقبل 12 سنة ساعد على تطوير المفهوم الأساسي لهذا المخطط لزيادة حساسية الرادار زيادة كبيرة. ولكنه لا يعتقد أن هذه التقنية ستكون ناجحة. يقول شابيرو: “هناك الكثير من المشكلات لدرجة يصعب على تصديق أن هذا النظام سيكون مفيدًا”. لذلك يشعر بالحيرة والدهشة في الوقت نفسه من الاهتمام الذي يواصل الباحثون الآخرون ووكالات التمويل الإسراف فيه.

في عام 2016 كشفت تقارير صحافية سباق تسلح صغير في المجال المفترض، تفيد بأن الصين قد بنت رادارًا كميًا – مما قد يهدد قدرة الطائرات العسكرية الخفية Stealthy على التخفي عن الرادارات التقليدية.  ويقول كريستوفر ويلسون Christopher Wilson، الفيزيائي من جامعة واترلو University of Waterloo في كندا: “بدأت بالعمل على هذا لأنه كان هناك أفراد من الحكومة يأتون إلي ويقولون: ‘هناك تقارير من الصين عن رادار كمي. هل هذا حقيقي؟” وقد عرض فريقه وآخرون عناصر مخطط رادار كمي، ولكن فقط في تجارب محدودة لا يزال بإمكان النظام غير الكمي مطابقة نتائجها.

في عام 2008 بدأت قصة الرادار الكمي، عندما كشف سيث لويد Seth Lloyd، مهندس الكم من المعهد MIT، عن مفهومه للإضاءة الكمية Quantum illumination ( Science, 12 September 2008, p. 1433). و جادل لويد في أنه يمكنك بسهولة اكتشاف جسم ما مقابل خلفية ساطعة إذا استُغِل، بدلاً من مجرد انعكاس الضوء عنه، اتصالاً كميًا بين الجسيمات يسمى التشابك Entanglement. فلكل فوتون تردد يحدد طاقته. وتنص نظرية الكم Quantum theory، بغرابة، على أنه قد تكون للفوتون ترددات متعددة في وقت واحد – حتى لحظة قياسه حينها “ينهار” عشوائيا إلى تردد أو آخر. والأغرب من ذلك، أنه يمكن بعد ذلك حدوث تشابك اثنين من هذه الفوتونات بحيث تكون تردداتهما مترابطة، على الرغم من عدم اليقين Uncertainty: من المؤكد أنها ستكون متطابقة كلما خضعت للقياس.

    وقد حسب لويد أنه يمكن للمراقب أن ينتقي شيئًا بسهولة أكبر عن طريق توليد أزواج متشابكة، وإضاءة أحد الفوتونات تجاه الجسم، والاحتفاظ بالآخر، ثم قياس الفوتونات المحتجزة والعائدة معًا بطريقة معينة. أساسا، فإن ارتباطات التشابك ستجعل من الصعب الخلط بين فوتون في الخلفية وآخر ينعكس على الهدف. وتتناسب نسبة الإشارة إلى الضوضاء مع مقدار التشابك: كلما زاد عدد الترددات التي يمدها كل فوتون في زوج متشابك، كانت الإشارة أقوى.

   وقد اعتمد حساب لويد على حالة مثالية جدا من التشابك. لذلك في  العام نفسه (2008)، أعاد هو وشابيرو وزملاؤهما التجربة للحصول على نبضات ضوئية متشابكة حقيقية قد يولدها الباحثون في التجارب باستخدام بلورة خاصة تحول نبضة واحدة ذات تردد أعلى إلى نبضتين متشابكتين بترددات أقل. ولا تحتوي النبضات على عدد محدد من الفوتونات – فقط عدد متوسط – وهي “صاخبة” Noisy مثل ستاتيكا الراديو. ولكن بفضل التشابك، فإن الضوضاء في النبضتين مترابطة ترابطا كبيرا.

وقارن الباحثون حساسية كاشف يعتمد على النبضات المتشابكة مع حساسية تقليدية ترسل نبضات مفردة من ضوء الليزر، تُعرف أيضا بالحالات المتماسكة Coherent states. ووجدوا أن التأثيرات الكمية عززت نسبة الإشارة إلى الضوضاء Signal-to-noise بمقدار أربعة أضعاف فقط، أي أقل مما كانوا يأملون. وتقول سي هوي تان Si-Hui Tan، الباحثة النظرية بعلم المعلومات الكمية في هورايزن كوانتم كومبيوتنغ Horizon Quantum Computing: ” خاب أملنا قليلا…الحالات المتماسكة جيدة جدًا!”.

ومع ذلك، قدمت العملية الحسابية هدفًا للباحثين التجريبيين. وفي عام 2015 عرض الباحثون من المعهد MIT الإضاءة الكمية على الترددات الضوئية، محرزين زيادة بنسبة 20% في الإشارة إلى الضوضاء. لكن كانت لتلك التجربة قيود كبيرة. فقد كانت الفكرة بأكملها تقوم على اكتشاف جسم ما على خلفية ساطعة، ولكن هناك القليل جدًا من الخلفية البصرية في درجة حرارة الغرفة – محيطك لا يتوهج توهجا مرئيا. لذلك كان على فريق المعهد MIT توليد إضاءة خلفية اصطناعية.

    غير أن الأشياء في نطاق الموجات الميكروية (الدقيقة) Microwave band -حيث يعمل الرادار- تكون مختلفة عن ذلك، كما يقول يوهانس فينك Johannes Fink، الفيزيائي التجريبي من معهد العلوم والتكنولوجيا of Science and Technology Institute في النمسا. ففي درجة حرارة الغرفة تتدفق الموجات الميكروية من كل شيء، حتى الهواء. ويقول: “يهتم الناس بالموجات الميكروية لوجود الخلفية دائما”. وتقنيات التخفي تُخفي الطائرات العسكرية بطمس انعكاسها عند الترددات الميكروية، بحيث يُخفي توهج المناطق المحيطة انعكاسات الطائرة.

   ويبدو أن الإضاءة الكمية تعد بطريقة لهزيمة تقنيات التخفي. ومع ذلك، فقد ثبت أن عرض المخطط باستخدام الموجات الميكروية أمر شاق. إذ يمكن للفيزيائيين توليد أزواج من النبضات الميكروية المتشابكة من نبضات مفردة باستخدام، بدلاً من البلورة، أداة تسمى محول جوزيفسون البارامتري Josephson parametric converter. ولكن هذا الجهاز لا يعمل إلا في درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق Absolute zero، الأمر الذي يتطلب العمل داخل أجهزة الكرايوستات Cryostats المُبرَّدة بالهيليوم السائل.

ومع ذلك، في عام 2019 أثبت ويلسون وزملاؤه أنه يمكنهم توليد موجات ميكروية متشابكة واستخدامها لاكتشاف جسم داخل جهاز الكرايوستات نفسه، كما نُشر في مارس 2019 في دورية رسائل الفيزياء التطبيقية Applied Physics Letters. وفينك؛ شبير بارزانجه Shabir Barzanjeh، حاليا عالم فيزياء من جامعة كالغاري University of Calgary؛ أجرى وزملاؤه تجربة مماثلة، لكنهم ضخموا نبضة الإشارة ونقلوها إلى خارج جهاز الكرايوستات لاكتشاف جسم في درجة حرارة الغرفة، كما أفادوا في ورقة نُشرت في 8 مايو في الدورية ساينس أدفانسس Science Advances.

ولكن لجعل هذا يعمل حقًا، يجب على الفيزيائيين أيضًا الحفاظ على النبضة الميكروية المحتجزة حتى تعود النبضات المنعكسة (أو الخلفية التي تحل محلها). بعد ذلك، يمكن قياس النبضتين معًا بطريقة تمكن الموجات الكمية من التداخل. غير أن أحدا لم يحقق ذلك حتى الآن. وبدلاً من ذلك، فقد قاسوا النبض المحتفظ به على الفور والنبض العائد لاحقًا، وهو ما يمحو أي مكسب من الارتباطات الكمية في التجارب.

   وحتى لو تمكن الباحثون التجريبيون من التغلب على العقبات التقنية، فإن الرادار الكمي سيظل يعاني ضعفا قاتلا، كما يقول الباحثون. فالنبضات الميكروية المتشابكة تقدم ميزة فقط عندما تكون نبضات البث خافتة جدا. إذ تتلاشى الارتباطات الكمية الإضافية عن الظهور إذا احتوت النبضات على أكثر من فوتون واحد – وهذه هي الحال في الرادار الحقيقي. ويقول بارزانجه: “إذا عززت القدرة، فلن ترى أي فرق بين الكمي والكلاسيكي”. كما أن زيادة القدرة هي طريقة أسهل بكثير لتحسين الحساسية.

   ومثل هذه الاعتبارات تشير إلى أن الرادار الكمي لن يُطبّق أبدًا في الاستخدامات بعيدة المدى مثل تتبع الطائرات، كما يقول فابريس بوست Fabrice Boust، الفيزيائي في وكالة الفضاء الفرنسية أونيرا ONERA والمتخصص بالرادار. بعد ذلك، أضاف أنه مهما كان النظام الذي قد تكون الصين قد طورته، فمن شبه المؤكد أنه ليس رادارًا كميًا كما أُشيع عنه. ويقول بوست: “أنا مقتنع بأنهم عندما أعلنوا عن رادارهم الكمي، لم يكن يعمل…لكنهم كانوا يعلمون أنهم سيحصلون على ردِ فعل”.

ويقول فينك إن هدفه الشخصي يظل علميًا: إظهار الميزة الحقيقية في المختبر – مهما كانت صغيرة – للتشابك في اكتشاف الأشياء التي يخفيها الوهج. ويقول جياكومو سوريلي Giacomo Sorelli، الباحث النظري من جامعة السوربون Sorbonne، إن حلم إرسال رادار كمي للكشف عن الطائرات الخفية سيتلاشى على الأرجح. ويقول: “إن الاستغناء عن التطبيقات بعيدة المدى للتكنولوجيا سوف يسلب بالتأكيد الكثير من اهتمام وكالات التمويل”.

   وثقة شابيرو بالأمر قليلة. إذ أشار إلى أن الباحثين ناقشوا في الأسبوع الأخير من سبتمبر مرة أخرى الرادار الكمي في جلسة خاصة من مؤتمر الرادار عبر الإنترنت لمعهد مهندسي الكهرباء والإلكترونيات Institute of Electrical and Electronics Engineers.

© 2020, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى