أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
العلوم البيئية

كيف نتجنّب الكارثة المناخية

بقلم : آلان فوغان Alan Vaughan

ترجمة :محمد قبازرد

“أنا على درايةٍ بأني رسولٌ غيرُ معصومٍ لهذا التغيّر المناخي”، هكذا يصف بيل غيتس Bill Gates نفسه في كتابه الذي يبيّن من خلاله سبب اعتقاده أن العالَم قادر على خفض انبعاثات الغازات الدفيئة إلى محصلة صفرية بحلول عام 2050.

قُرِنَ رجل الخير المُحسن والمُؤسس المُساعد لشركة مايكروسوفت، ذو الثراء الفاحش باعترافه هو شخصياً، بمشكلات تقنية وساهم مساهمة كبيرة بنفث الانبعاثات الكربونية، وذلك بعد كشفِهِ أنه سافر بطائرته الخاصة لحضور القمة المناخية في باريس عام 2015، فهو ليس غريتا تونبيرغ Greta Thunberg بالطبع. وخبرُ سفره هذا يَعكس فشلَهُ الذّريع لوفائه بما يدّعي.

ومن جانب آخر لا يعتني غيتس بالتفاصيل كما أنه ليس موهوبا في شرح المواضيع المعقّدة ببساطة، كما أنّ له اهتماماً ملحوظاً لا يفتُرُ في مجال محطات الطاقة ومستودعات الأسمدة الزراعية. وإضافة إلى ذلك، فقد منحَهُ عملُ مؤسسته في مجال مواضيع الصّحة والفقر عبر العالم درايةً أفضلَ قياساً بكثيرٍ من الكُتّاب حول كيفية أن خُطة تخفيض مستويات الكربون في الولايات المتحدة الأمريكية ربما لا تصلُح للهند.

وبخلاف بعض كتب المناخ التي تعالج الموضوع من منظورٍ واحدٍ فقط كالمنظور العلمي أو التجاري أو السياسي، فإن غيتس يعالجُهُ من كافة الزوايا المطلوبة لتخفيض الانبعاث البشري السنوي البالغ 51 بليون طن من الغازات الدفيئة.

يتضح أن غيتس يُحبّذ أن يكون كتابه هذا، الغني بالأرقام والحقائق والمُطَعّم بالجداول والرسومات البيانية، مُكافئاً في استعراضه للحلول المناخية للكتاب التفصيلي الأخير الرائع حول حالة العالم للمؤلف هانز روزلنغ Hans Rosling بعنوان  التمسك بالحقائق Factfulness . ويكتب غيتس في كتابه: “حين تكون لدينا رؤية مناخية مبنية على حقائق، فبمقدورنا أن نرى أننا نحوز على أمور تجنّبُنا كارثةً مناخيةً، حتى وإن كانا كارثةٌ واحدةٌ وليست كلَّ الكوارث”.

مصداقية متجددة

ينجحُ غيتس في مُعظم مَساعيه، وهو متمكّن في تبيان سبب صعوبة خفض الانبعاثات الدفيئة إلى محصلة صفرية -ناهيك عن الاستمرارية أو الوصول إلى القصور الذاتي في مجال صناعة الطاقة التي يعرّفها- كما يشرح كيف أن أمامنا الكثير لعمله لكي ننتج طاقة شمسية أكثر وسيارات كهربائية أكثر. وصفحات الكتاب المعنيّة بعمليات التصنيع المُستنزِفة للكربون بطبيعتها والتي تولّدُ موادَّ تقوّضُ العالمَ الحديث -كالصُّلب والأسمنت تحديداً- مُعدَّة برؤية بوضوحٍ ومُستَقصاةٌ بعُمق.

ربما لا تتوقع كتاباً كهذا من مهندس برمجيّاتٍ سابق، إلاّ أن غيتس بمقدوره الكتابة، وتتجلى خبرتُهُ الشخصيةُ ممزوجةً بمصداقيته المُتجدّدة في إطار معالجته للصُّعوبة المُستقبلية في التَّخلص من الصناعات الكربونية.

 كان يمكن لأسلوبه المباشر أن يذهب سُدىً لو كانت حلولُهُ المقتَرحةُ في الكتاب مغلوطةً. ومن المُبهِج هنا أنه يُصيبُ في المقاصد الكبرى كمسألة توليد طاقةٍ كهربائيةٍ نظيفةٍ أكثر ومسألة “كهربةِ” كل شيء في وُسعِنا كهربتُهُ، والصَّرف أكثر على البحث والتطوير R&D  لتحسين بقية الأمور (الطيران، والشحن، والصناعات الثقيلة). وهو ماهرٌ أيضاً في تفعيل تفاصيل بُنود السياسات البالية ولكن الحيوية لتطبيقها فعلياً على أرض الواقع.

غير أن غيتس أقلُّ إقناعا في مجال الطعام واستخدامات الأراضي Land use. ففي حين أنه متفائل جداً حول التقنيات التكنولوجية التي لم تُكتشَف بعد، بما فيها الاندماج النووي Nuclear fusion ،  إلاّ أنه متشائم بلا داعٍ فيما يتعلق بالأمور التي تشيرُ الأدلة إلى إمكانية تطبيقها مثل تناول لُحومٍ أقل، على سبيل المثال.

ومن منطلقه الثقافي يقول في هذا الصدد: “لا أعتقد أن الأمر واقعي”. غير أن مسار تقليل استهلاك منتجات اللحوم جارٍ في بعض البلدان. فمستشارو المناخ الحكوميون في المملكة المتحدة المعتدلون يسعون إلى ذلك ويعتقدون بواقعية فكرة أن يتناولَ الناسُ خُمسَ ما يتناولونه اليوم من لحومٍ وألبان على الأقل بحلول عام 2050.

ومن الجوانب الضعيفة الأخرى في الكتاب حماسه الفيّاض غير المبرّر للطاقة النووية بفقرات معدودة حول الكُلفة العالية المترتبة في حال أحجمنا عن هذه الطاقة النووية ومشكلة نفاياتها المستعصية. وبالمقابل، هناك صفحات وصفحات عن معضلة تقطع إنتاج الموارد المتجددة وعدم توافرها باستمرار، وهو أمرٌ واقعيٌ نعم إلاّ أنه مبالغٌ فيه هنا. ولَمَّحَ الكتابُ مجرد تلميحٍ فقط إلى لجائحة التَّبِعات المناخية دون أن يَسبِرَها بعُمق، مع الأسف. كما أن بدائل إزالة الانبعاثات الكربونية أُشير إليها بالكاد بسطحيةٍ.

وبعدُ، فما هذه إلاّ هَفَواتٌ ثانوية. فكتاب كيف نتجنّب الكارثة المناخية كتابٌ واضحٌ وموجزٌ وموسوعيُّ الطرح، كما أنه متكاملُ الأجزاء في مقاربته للمشكلة. ربما لا يكون غيتس الرسولَ المعصومَ، إلاّ أنه قد خطَّ نهجاً حسناً حول كيفية تخليص أنفسنا من هذه الفوضى.

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى