أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

ارتياح وقلق لمن يعانون ضعف المناعة

تشير الدراسات المبكرة إلى أن الحماية التي يمنحها لقاح كوفيد -19 تختلف باختلاف المرض والعلاج

تغطية مجلة ساينس Science لأخبار كوفيد-19 تدعمها مؤسسة هايزنغ- سيمونز Heising-Simons Foundation

 

بقلم:    جينيفر كوزان-فرانكل

ترجمة: مي بورسلي

كانت الأخبار مثيرة لقلق إيفا شريزنماير Eva Schrezenmeier، الاختصاصية بأمراض الكلى من مستشفى جامعة شاريتيه Charité University Hospital في برلين: فمن بين 40 مريضًا من مرضاها ممن تلقوا التطعيم ضد كوفيد-19 (COVID-19)، فإن شخصا واحدا فقط ينتج الأجسام المضادة Antibodies التي من المحتمل أن تمنحه مناعة ضد المرض. ولما كان مرضى الزراعة الأعضاء يتناولون أدوية قوية لتثبيط جهاز المناعة حتى لا يُهاجَم العضو المزروع المتبرع به، فقد توقع فريقها في الأساس استجابات أقل للقاح. ولكن شريزنماير التي نشرت نسخة أولية سابقة على النشر Preprint من دراستها الأسبوع الأخير من أبريل 2021، لم تتوقع فقط مدى تعثر اللقاح في تحصين مرضاها.

وقد كانت اكتشافاتها عند الطرف الأقصى من تشاؤم الأبحاث حول مدى فعالية لقاحات كوفيد-19 في ملايين الأشخاص الذين تثبط الأدويةُ أو المرضُ جهازَ مناعتهم. ففي العديد من الأفراد، يبدو أن اللقاحات تحافظ على فعاليتها. ولكن في آخرين – لا سيما من خضعوا لزراعة الأعضاء وأولئك الذين يتناولون بعض الأدوية المثبطة للمناعة – تكون الفعالية أقل بالتأكيد أو حتى مُتحقِّقة. ولمعرفة المزيد؛ يطلق الباحثون دراسات أكبر بحثًا عن المزيد من الإيضاحات والطرق، وذلك لمساعدة المرضى الذين يعانون ضعف جهاز المناعة؛ مما يجعل حمايتهم ضد كوفيد-19 أكثر إلحاحًا. ويقول ألفريد كيم Alfred Kim، الاختصاصي بالأمراض الروماتيزمية من جامعة واشنطن Washington University في سانت لويس الذي يعتني بمرضى الذئبة Lupus، ويحث بشدة على التطعيم: “هناك الكثير من الارتباك والخوف بين المرضى”.

وأحد مصادر التعقيد هو: العشرات من الأدوية المختلفة التي يتناولها المصابون بالسرطان، أو أمراض المناعة الذاتية Autoimmune، أو غيرها من الأمراض المناعية، أومَنْ خضعوا لزراعة الأعضاء. فكلٌّ منها قد يعرقل أجزاء من آلية الجهاز المناعي المعقدة. والمرض نفسه أيضًا يؤدي دورا. عادةً لا تتداخل الأورام الصلبة مثل سرطان القولون مع جهاز المناعة (على الرغم من تأثير العلاج الكيميائي المثبط للمناعة). ولكن أمراض المناعة الذاتية أو سرطانات الدم، مثل اللوكيميا والأورام اللمفاوية، يمكن أن تستنفد أو تعطل أنواعًا معينة من الخلايا المناعية.

والأبحاث السابقة قد اقترحت بالفعل أن اللقاحات يمكن أن تتعثر في بعض المرضى الذين يعانون ضعف المناعة. ويقول كيم إن لقاحات الإنفلونزا والمكورات الرئوية Pneumococcal vaccines لا تعمل جيدا دائمًا لدى الأشخاص الذين يتناولون بعض مثبطات المناعة الشائعة، مثل الميثوتريكسيت Methotrexate، والذي يعالج السرطان وأمراض المناعة الذاتية. ففي عام 2012 وجدت دراسة أجريت أن 44% فقط من مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج ينتجون أجسامًا مضادة للإنفلونزا بعد جرعة واحدة من لقاح الإنفلونزا. وقد تطعم معظمهم لأول مرة بعد أسبوع واحد من العلاج الكيميائي. ولذا أوصى الباحثون بجرعتين بعد أن وجدوا أن جرعة ثانية رفعت النسبة إلى 73%.

وعندما بدؤوا بتحليل عينات الدم بعد التطعيم باللقاح المضاد لكوفيد-19، لم يكن العلماء متأكدين من كيفية استجابة الأشخاص الذين يتناولون أدوية تثبيط المناعة للقاحات. كما أن قياس مستوى الحماية يشكل تحديا آخر: فاللقاحات مصممة لتحفيز إنتاج الأجسام المضادة Antibodies، لكن العلماء لا يعرفون مستويات الأجسام المضادة اللازمة للحماية من كوفيد-19. فمن الأسهل قياس الأجسام المضادة مقارنة باستجابات الخلايا التائية T-cells، ولكنها أيضًا تؤدي دورًا مهمًا في الحماية من المرض.

ومع ذلك، ومن منظور السياق البحثي، قد يؤدي البحث عن الأجسام المضادة إلى أدلة مهمة. ففي ديسمبر 2020، أطلق جراحا الزراعة دوري سيغيف Dorry Segev وجاكلين غورونزيك وانغ Jacqueline Garonzik Wang، من جامعة جونز هوبكنز Johns Hopkins University، دعوة على وسائل التواصل الاجتماعي لمتلقي الأعضاء الراغبين في المشاركة في دراسة اللقاح المضاد لكوفيد-19. ويقول سيغيف: “سجل معنا 1000 شخص في الأسبوع الأول”. ففي مارس نشر فريق البحث تفاصيل في دورية جاما JAMA عن استجابات المشاركين المناعية للجرعة الأولى من لقاح فايزر-بيونتيك Pfizer-BioNTech وموديرنا Moderna. وكانت النتائج تشبه نتائج شريزنماير: من بين 436 شخصًا خضعوا لعمليات زرع الكبد والقلب والكلى وأعضاء أخرى، 17% فقط كانت لديهم أجسامٌ مضادة يمكن اكتشافها.

هذا، وقد تباينت النتائج وفقا للأدوية التي كان المتطوعون يتناولونها. فقط 9% من الذين يتناولوا فئة من الأدوية تحتوي على عقار الميكوفينوليت Mycophenolate المثبط للمناعة طوّروا بعض الأجسام المضادة، مقارنة بنحو 40% من الذين لا يتناولون أدوية من هذه الفئة. ويمنع الميكوفينوليت إنتاج كل من الخلايا البائية B-Cells، والتي تولد الأجسام المضادة، والخلايا التائية T cells، والتي تساعد الخلايا البائية على أداء عملها.

ويقول سيغيف إنه وزملاءه على وشك نشر نتائج جرعة اللقاح الثانية لمجموعته من المرضى المشاركين في الدراسة، والتي تظهر بعض التحسن. غير أنه مندهش من أن مرضى زرع الأعضاء هؤلاء يبدو أنهم يستجيبون استجابة أقل للقاحات كوفيد-19 مقارنة بلقاحات الإنفلونزا. ولمعرفة المزيد، فإنه يعكف على دراسة الخلايا التائية والخلايا البائية والاستجابات المناعية الأخرى. ويقول: “بدأنا المحاولة بالتساؤل: ‘ما الذي يحدث هنا؟ لماذا الأمر سيئ إلى هذه الدرجة؟’ “

على الرغم من قلق سيغيف حول ما يقرب من 500 ألف مريض خضع لزراعة الأعضاء في الولايات المتحدة، إلا أنه يعتقد أن الوضع أكثر تفاؤلا بالنسبة إلى 11 مليون شخص يعانون أمراض المناعة الذاتية، والذين يميلون إلى تناول مجموعات مختلفة من العلاجات المناعية أو الحصول على تناول جرعات أقل. ففي الأسبوع الأخير من شهر أبريل 2021، أفادت ورقة بحثية في دورية غاسترونتيرولوجي (طب الجهاز الهضمي) Gastroenterology أن 48 شخصًا يعانون إما مرض كرون  Crohn Disease أو التهاب القولون التقرحي Ulcerative Colitis، وجميعهم تقريبًا يتناولون أدوية تستهدف المناعة لتثبيطها، استجابوا استجابة جيدة للتطعيم. فمن بين 26 شخصًا تابعهم الباحثون عبر جرعتي اللقاحات، أنتج جميعهم أجسامًا مضادة، بل أنتج 22 مريضا منهم مستويات عالية من الأجسام المضادة.

لكن دراسة أخرى، شملت 133 شخصًا يعانون أمراض المناعة الذاتية المختلفة، اقترحت أن نوعين من الأدوية يمكن أن يسحقا الاستجابة للقاح. ففي شهر أبريل 2021، أظهرت نسخة أولية سابقة على النشر Preprint – لدراسة أجراها كيم، وماري ناكامورا Mary Nakamura، الاختصاصية بالأمراض الروماتيزمية من جامعة كاليفورنيا University of California في سان فرانسيسكو، وزملاؤهما- أنه في المتوسط، أنتج الأشخاص تقريبًا ثلث عدد الأجسام المضادة مقارنة بمن يتمتعون بصحة جيدة وتلقوا اللقاح- وهو اختلاف لا يقلق كيم كثيرا. غير أن الأشخاص الذين يتناولون علاجات تدمر الخلايا البائية، مثل ريتوكسيماب Rituximab، والستيرويد بريدنيزون Steroid prednisone القوي، فكانت لديهم مستويات من الأجسام المضادة أقل بكثير. الآن، تجري دراسات أكبر لهؤلاء المرضى، بما في ذلك دراسة أعلن عنها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية National Institute of Allergy and Infectious Diseases في الأسبوع الأخير من أبريل 2021.

وفي مرضى السرطان، من المحتمل أن تعتمد استجابة أجسامهم للقاح جزئيًا على الأقل على التوقيت، لأن دورات العلاج الكيميائي تسحق الخلايا المناعية بالتناوب وتسمح لها بالانتعاش، كما يقول جوزيبي كوريجليانو Giuseppe Curigliano، الاختصاصي بعلم الأورام من المعهد الأوروبي للأورام European Institute of Oncology في ميلانو. ففي عام 2020 أفاد كوريجليانو أن مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج الكيميائي أنتجوا أجسامًا مضادة وفيرة بعد نوبة من الإصابة بكوفيد-19، مما يجعله متفائلًا بأن اللقاحات ستعمل جيدا بالنسبة إليهم.

ومركزه الطبي ينتظر أسبوعين بعد دورة العلاج الكيميائي للتلقيح ضد كوفيد-19. وبالمثل، أظهرت دراسة بريطانية أنه على الرغم من أن العديد من المرضى الذين يتعالجون من الأورام الصلبة لديهم استجابة ضئيلة لجرعة اللقاح الأولى مقارنة بالمتطوعين الأصحاء، إلا أنهم بدوا محميين جيدًا بعد الجرعة الثانية. وكتب الباحثون أن النتائج تسلط الضوء على مخاطر تأخير جرعات اللقاح لمرضى السرطان، على عكس الممارسات المتبعة في الدولة لتطعيم مجموع السكان.

ومع ذلك، هناك قلق مُلحّ عندما يتعلق الأمر بالمصابين بسرطان الدم Leukemia. غادي حيدر Ghady Haidar، الاختصاصي بأمراض زراعة الأعضاء المعدية في المركز الطبي لجامعة بيتسبرغ University of Pittsburgh Medical Center، لديه نتائج أولية من مرضى سرطان الدم والأورام اللمفاوية  Lymphoma والورم النخاعي المتعدد Multiple myeloma، وتشير هذه النتائج إلى أن عددا كبيرًا منهم لا ينتج أجسامًا مضادة بعد التطعيم، خاصة أولئك المصابين بنوع من سرطان الدم المزمن، وربما هذه هي الحال، كما يقول، لأن المرضى: “لديهم عيوب في خلايا الدم البيضاء التي تدور في الدم”.

ويقول أطباء مثل حيدر إن المرضى كثيرًا ما يسألون عما إذا كانوا ينبغي أن يتوقفوا عن تناول الأدوية المثبطة للمناعة قبل التطعيم، مما يؤدي إلى اتخاذ خيارات صعبة. ويقول: “لا ينبغي لأحد أن يتوقف بالخفاء عن الأدوية حتى يزيد من فرصة الاستجابة للقاحات”. وبالنسبة إلى بعض المرضى، فقد يكون وقف العلاج أمرًا خطيرًا، ولكن يمكن للأطباء في بعض الأحيان تأخير حقن علاج معروف عنه بأنه يجعل مهمة اللقاح أكثر صعوبة.

وبالنسبة إلى المرضى الذين لا يبدو أنهم محميون بالتطعيمات القياسية، قد تحسّن جرعات إضافية مناعتهم ضد العدوى. وبالفعل يحصل بعض مرضى زراعة الأعضاء على جرعات إضافية من لقاح التهاب الكبد B، فقد أوصت فرنسا خلال أبريل بتلقي مثل هؤلاء جرعة ثالثة من لقاح فايزر-بيونتك المضاد لكوفيد-19. هذا، ويخطط كريستوف ليجيندر Christophe Legendre -الاختصاصي بأمراض الكلى من مستشفى نيكر Necker Hospital في باريس- لإجراء اختبارات الأجسام المضادة لمعرفة مدى نجاح هذه الطريقة في مرضى زراعة الأعضاء. ويقول باحثون آخرون إن الأجسام المضادة أحادية النسيلة Monoclonal antibodies المصنوعة في المختبر قد تعزز حماية المرضى الذين ما زالوا لا يستجيبون. (على الرغم من أن التجارب الإكلينيكية (السريرية) أظهرت أن الأجسام المضادة وحيدة النسيلة قد تمنع العدوى، إلا أنها غير مصرح بها حتى الآن إلا لعلاج المرحلة المبكرة من كوفيد-19).

وفي برلين،  تخطط شريزنماير لتقديم لقاحات أسترازينيكا AstraZeneca لبعض المرضى الذين تلقوا التطعيم بالفعل بلقاح آخر ضد مرض كوفيد-19. هل سيعزز خلط اللقاحات فعاليتها؟ تعترف شريزنماير قائلة: “لا أعلم،”. ولكنها تتخيل أن إعطاء الجهاز المناعي تحفيزين مختلفين قد يحدث فرقًا في بعض الأحيان. متطوعة زرع الكلى الوحيدة في دراستها، والتي أنتجت أجسامًا مضادة بعد التطعيم – والذي ربما ساعد على بدء استجابة مناعية ضد العدوى- قد نجت بالفعل من مرض كوفيد-19.

 

©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى