أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
وباء الكورونا

جيوب غامضة تحبط تتبع الفيروس التاجي عالميا

 مع تركيز عمليات السّلسَلة على سلالات البلدان الغنية، قد تنشأ متغيرات جينية غير مرصودة

بقلم:    ميريديث وادمان

ترجمة: مي بورسلي

 

في شهر أبريل 2021 كان غايتس دوداس Gytis Dudas – الاختصاصي بالبيولوجيا التطورية من مركز غوتنبرج العالمي للتنوع البيولوجي Gothenburg Global Biodiversity Centre -يتتبع متغيرا جديدًا Variant من الفيروس التاجي Coronavirus المثير للقلق والذي تسبب في تفشي كوفيد-19 (COVID-19) في موطنه ليتوانيا، وظهر ظهورا متقطعا في أماكن أخرى بأوروبا والولايات المتحدة. فأثناء بحثه في قاعدة بيانات دولية لجينومات الفيروس التاجي International data base of coronavirus genomes، عثر على دليل مهم: عينة واحدة لمتغير جديد من الفيروس سارس-كوف-2 (SARS-CoV-2) من شخص سافر مؤخرًا من الكاميرون إلى فرنسا. وسرعان ما حدد أحد زملائه المتعاونين معه، غاي بايلي Guy Baele من جامعة كي يو لوفين KU Leuven، ستَّ متواليات فيروسية Viral sequences أخرى من أشخاص سافروا إلى أوروبا من الكاميرون. ولكن تعثَّر سعيهم  إلى تحديد أصول المتغير: فقد حمّلت الكاميرون 48 جينومًا فيروسيًا فقط على موقع قاعدة بيانات السلسلة العالمية المسمى GISAID. ولم تتضمن هذا المتغير.

وبالمثابرة في التقصي، علم بايلي ودوداس، أن فريقًا آخر قد جمع تسلسلات لم تُنشر بعد من تفشي كوفيد-19 بين العاملين في برنامج القردة العليا Great Ape Program في جمهورية إفريقيا الوسطى – بالقرب من الحدود الكاميرونية. ستة أشخاص حملوا هذا المتغير الجديد.

وفي نسخة أولية من ورقة نشرت في 8 مايو، أفاد بايلي ودوداس وزملاؤهم، بعدما أعادوا بناء الشجرة التطورية للمتغير وانتشاره الجغرافي، إلى أنه على الأرجح نشأ في الكاميرون. فقد لاحظوا أن المتغير يحمل مجموعة من الطفرات التي شوهدت في “متغيرات أخرى مثيرة للقلق” والتي تكون أشد عدوى أو خطورة.

ويقول سيباستيان كالفينياك سبنسر Sébastien Calvignac-Spencer، الاختصاصي بالبيولوجيا التطورية من معهد روبرت كوخ Robert Koch Institute الذي سَلْسَل فريقه العينات من محطة أبحاث القردة: “بدا الأمر كأنه نموذج على ما يجب أن يقرع جميع أجراس الخطر”. ولكن الكاميرون والدول المجاورة، حيث استنتج الفريق أن المتغير ربما يكون سائدًا بالفعل، كانت غافلة عن ذلك.

ويقول الباحثون إن قصة هذا المتغير المعين، المتغير B.1.620، هي تحذير للعالم: “جهود السلسلة في الكاميرون ودول إفريقية أخرى ليست كافية”، كما يقول أهيدجو أيوبا Ahidjo Ayouba، المؤلف المشارك الاختصاصي بالبيولوجيا من المعهد الوطني الفرنسي لأبحاث التنمية المستدامة French National Research Institute for Sustainable Development من جامعة مونبلييه University of Montpellier. إذ سافر إلى موطنه الكاميرون في مايو لإعداد أول جهاز سلسلة من الجيل التالي في البلاد. وحذر الباحثون في مسودة الدراسة من ظهور متغيرات جديدة مع طفرات ضارة في البلدان التي ليست لديها جهود سلسلة منتظمة “قد يكون ذلك عادة خطيرة”.

إذا لا يقتصر الأمر على إفريقيا فقط. ومن بين 152 دولة كانت بياناتها متاحة منذ 10 مايو، حمّل 100 منها فقط بيانات سلسلة لأقل من 1% من الحالات المبلغ عنها على موقع قاعدة البيانات GISAID . ومن بين تلك الدول، حملت 51 دولة، بما في ذلك دول كبيرة مثل الهند وإندونيسيا وروسيا والبرازيل، سلسلات لأقل من 0.1% من الحالات. واستحوذت عشر دول غنية على 82% من أكثر من 1.4 مليون تسلسل في قاعدة البيانات GISAID. ويقول فرانك كونينغز Frank Konings، رئيس مجموعة عمل تطور الفيروسات Virus Evolution Working Group التابعة لمنظمة الصحة العالمية World Health Organization (اختصارا: المنظمة WHO): “نحن نعمل على تغيير ذلك”.

كما أن معظم البلدان التي تندر فيها علميات السلسة لديها فرص قليلة أو معدومة للحصول على اللقاحات، وبعضها يعاني حالات تفشٍ شديدة. ونظرًا إلى تكاثر الفيروس دون رادع، قد تكون هذه المناطق أرضًا خصبة لطفرات جديدة، والتي يمكن أن تنتشر بعد ذلك في جميع أنحاء العالم. الهند، على سبيل المثال، تواجه تفشيَّا فاق المستوى العالمي من حيث عدد الحالات. ففي 11 مايو صنفت المنظمة WHO المتغير الجديد B.1.617، الذي نشأ في الهند وانتشر في عشرات البلدان، وهو متغير مختلف مثير للقلق. ويقول دوداس: “المكان الذي لا تتم فيه السيطرة على تفشي الوباء حاليًا هو المكان الذي يمكننا أن نتوقع فيه تزايد المتغيرات. وسلسلة آخر 1000 حالة في جمهورية إفريقيا الوسطى أهم منها مقارنة بـ 100 ألف حالة التالية في ألمانيا”.

على الصعيد العالمي، فإن العوائقَ التي تعترض المراقبة المنهجية مروعةٌ. وتبلغ تكلفة أجهزة السلسلة الحديثة 335 ألف دولار، ويجب تدريب العلماء المحليين على استخدامها. وتفتقر العديد من المناطق إلى الطرق والطائرات والتبريد اللازم لنقل العينات بسرعة. في الهند، المشكلة هي أخذ العينات: إذ يجب على شخص ما جمع العينات وشحنها وتوفير البيانات الإكلينيكية (السريرية) ويقول أنوراغ أغراوال Anurag Agrawal، مدير معهد مجلس الأبحاث العلمية والصناعية لعلوم الجينوم والبيولوجيا التكاملية Council of Scientific and Industrial Research’s Institute for Genomics and Integrative Biology في نيودلهي: “هذا يستغرق بعض الوقت”. وكما يجب توريد كواشف السلسلة المكلفة  باستمرار وربما لا تكون متاحة دائمًا.

“طلبنا … الكواشف من شركة أمريكية في نوفمبر 2020.  وقد بدأت الآن بالوصول إلينا! “، كما تقول سينجوتي ساها Senjuti Saha، اختصاصية الميكروبيولوجيا من مؤسسة أبحاث صحة الطفل Child Health Research Foundation في دكا ببنغلاديش. “هذا ليس استثناء، بل هو القاعدة”.

ومع ذلك، فإن “ساها” مسرورة بجهود المختبرات المتعددة التي سمحت للبلاد بتوسيع السلسلة إلى 0.2% من 780 ألف حالة مؤكدة من كوفيد-19. تقول: “لا أعتقد أن هذا الرقم رائع…لكنها كانت صفرًا من قبل. ونحن لم نقمْ بهذا من قبل “.

بدأت الجهود تؤتي ثمارها بالفعل، وكان آخرها في 8 مايو، عندما عُثر على مريضين من بنغلاديش عادا مؤخرًا من الهند يحملان المتغير B.1.617. وبعد يومين، بعد اجتماع طويل مع العلماء، شدد المسؤولون البنغلاديشيون الحجر الصحي على الحدود.

وهناك دول أخرى تواجه تحديات جغرافية. ففي ديسمبر2020 خلال تفشٍ واسع النطاق في ماناوس، عاصمة ولاية أمازوناس، حدد العلماء البرازيليون المتغير P.1، الذي صار الآن متغيرا يثير القلق على مستوى العالم. ولكن عمليات السلسلة قليلة جدا في أماكن مثل الغابات المطيرة المجاورة في أكر وفي شمال شرق البرازيل، كما تقول آنا فاسكونسيلوس Ana Vasconcelos، الاختصاصية بالبيولوجيا الحاسوبية من المختبر الوطني للحوسبة العلمية National Laboratory for Scientific Computing في بتروبوليس. تقول إنه تم تحميل 25 جينومًا فقط من أكر. فقد استعانت بزملائها هناك لتوفير 100 عينة، ثم أدركت أنه لا يوجد ثلج جاف ضروري للنقل. تلقت أخيرًا العينات الأسبوع الثاني من مايو، بمساعدة مؤسسة ميريو Mérieux Foundation، وهي منظمة فرنسية غير حكومية.

اقترح بعض الخبراء أنه يتعين على الدول أن تهدف إلى سلسلة الفيروس من 5% من الحالات، لكن آخرين يقولون إن مثل هذه الأهداف خاطئة. ويقول توليو دي أوليفيرا Tulio de Oliveira، الاختصاصي بالبيولوجيا الحاسوبية ومدير منصة كوازولو ناتال للبحث والابتكار KwaZulu-Natal Research and Innovation Sequencing Platform من جامعة كوازولو ناتال University of KwaZulu Natal في ديربان: “صار العالم مهووسًا جدًا بالأرقام”. فعلى سبيل المثال، حدد هو وزملاؤه من جنوب إفريقيا المتغير الذي أثار القلق الذي نشأ في جنوب إفريقيا بعد وقت قصير من ظهوره من خلال أخذ العينات استراتيجيًّا من المناطق التي تفشى فيها المرض.

في نسخة أولية نُشرت في 13 مايو، استنادًا إلى ما يقرب من تسعة آلاف جينوم جُمعت من 33 دولة إفريقية، حول دي أوليفيرا وفريق ضخم من العلماء الأفارقة الآخرين بيانات السلسلة المتناثرة في إفريقيا إلى صورة كبيرة لكيفية تطور الفيروس داخل القارة. ووجدوا أن الفيروس SARSCoV-2 وصل إلى البلدان الإفريقية مع مسافرين، معظمهم من أوروبا. ومع تنقل الناس داخل إفريقيا، انتشر الفيروس ثم تطور إلى عدة متغيرات رئيسية. وكتب المؤلفون: “على الرغم من انحراف البيانات Distorted  بسبب انخفاض أعداد العينات والجيوب العمياء”، فإن النتائج تسلط الضوء على أن إفريقيا يجب ألا تتخلف عن الركب في الاستجابة العالمية للجائحة، وإلا فقد تكون أرضًا خصبة لمتغيرات جديدة.

وينطبق هذا على جميع أنحاء العالم، كما يقول كالفينياك سبنسر Calvignac-Spencer: “ليس من الممكن حقًا أن نستمر بأن نكون أنانيين جدا في توفير متطلبات المراقبة الجينية وتوزيع اللقاحات…إن ذلك لا يخدم مصالحنا”.

صورة غير مكتملة

عمليات سلسلة الفيروس التاجي الوبائي ضئيلة جدًّا في معظم البلدان حول العالم، لذلك غالبًا ما تخفى على العلماء المتغيرات الجديدة الناشئة.

تغطية مجلة ساينس Science لأخبار كوفيد-19 تدعمها مؤسسة هايزنغ_سيمونز Heising-Simons Foundation.

©2021, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى