أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

خرافات عملية الأيض: سبعة أمور نُسيء فهمها في الحمية والتمرين

بخلاف ما كنت تسمعه، فإن جسمك ليس مجرد محرك يحرق السعرات الحرارية، وتستطيع تعديله كما تشاء حتى تبقى أنيقًا وسليمًا. إليك سبعة اعتقادات خاطئة فيما يتعلق بالأيض عليك معرفتها

بقلم: هيرمان بونتزر

ترجمة: د. عبد الرحمن سوالمة

إن عدد الأسباب التي تجعلك تضع خنزيرًا غينيًّا داخل قِدر معدني معزول هي قليلة. يمكنني التفكير في سبب واحد لا غير: في فرنسا، وبالتحديد في شتاء عام 1782، وضع الكيميائي أنطوان لافوازييه Antoine Lavoisier وصديقه الموسوعي بيير-سيمون لابلاس Pierre-Simon Laplace عينتهم البحثية التي لا تدري ما يدور حولها في حجرة معدنية مزدوجة الجدران، والتي كانت أول مقياس سعرات حرارية Calorimeter في العالم. وكانا قد سبق وأن كدّسا الثلج في الفراغ بين الجدارين، وبمقارنة معدل صهر حرارة جسد الخنزير للثلج بمعدل إخراجه لثاني أكسيد الكربون، اكتشفا الأيض(الاستقلاب) Metabolism، أو “نار الحياة” التي تشكل الأساس لوجودنا. أخيرًا، صار لدى العلم مقياس مادي لقوة الحياة التي تتيح لنا أن ننمو ونتكاثر ونتحرك. ومنذ ذلك الحين وعلماء الفيسيولوجيا من أمثالي يعدون السعرات الحرارية.

واليوم، قاد الهوس الشائع باللياقة والوزن عصرًا جديدًا من عدِّ السعرات الحرارية؛ فكُتب أن الحمية الغذائية ومجلات التمارين الرياضية تعد بالكمال الأيضي من حيث السعرات الحرارية المحروقة، وتجنب الأغذية الشريرة، ومحيط الخصر النحيف، واستعادة الصحة والحيوية. وأما عن أسباب فشلها، وهو ما يحصل دائمًا تقريبًا، فهي متنوعة جدًا بممثل تنوع الخطط التي تقترحها، ولكن السمة الشائعة هي الفهم الخاطئ لجوهر الأيض. نعم، صحيح أن الحمية الغذائية والتمارين مهمة جدًا لصحتنا، ولكنها لا تعمل بالطريقة التي نظنها في العادة. فأجسامنا ليست مجرد محركات تحرق السعرات الحرارية ويمكننا بسهولة التلاعب بها من أجل أن نجعل أجسامنا أنيقة ونشعر بالرضا. بل إنها أنظمة أيضية معقدة وديناميكية، شكّلها التطور بدقة من أجل البقاء والتكاثر.

قادتني أبحاثي الخاصة مع زملائي في رحلة عبر الكوكب، فقسنا السعرات الحرارية التي يحرقها مَنْ يعيشون على الصيد وجمع الثمار في تنزانيا، وسكان المدن في الساحل الشرقي في الولايات المتحدة، والبستانيّون في الأمازون، والعداؤون في الألتراماراثون الذين يجرون عبر أمريكا الشمالية. كما أننا استكشفنا إنفاق الطاقة في الشمبانزي، والبونوبو، والغوريلا، والأورانغوتان، آخذين معنا معدات علم الأيض خارج المختبر ومتنقلين عبر شجرة الحياة.

ساهمت الدراسات التي خرجت من مختبري ومن مختبرات غيري في إعادة تشكيل فهمنا لكيفية حرق أجسامنا للسعرات الحرارية، وكيف أن التمارين والحمية الغذائية تؤثران في الأيض والصحة. وفي عصر السمنة وداء السكري وأمراض القلب، فإن المجتمعات التي تعاني بسبب هذه الأمور ستكون أسعد وأكثر صحة إن استطعنا دمج هذه التطورات في برامج الصحة العامة والروتينات الشخصية. يمكننا أن نبدأ عن طريق معرفتنا وتجنبنا لسبعٍ من الخرافات الكبرى فيما يتعلق بالأيض، والتي تتسبب في تدهونا.

” الحمية والتمارين لا تعمل بالطرق التي نظن أنها تعمل بها”

1-التمارين تحرق السعرات وتقوي الأيض

هذا هو الاعتقاد المتين تقريبًا لكل روتينات التمارين الموجودة في المجلات: تَمرنْ أكثر، احرقْ سعرات أكثر. فعلى المدى القصير، هذا صحيح؛ كأن تحرق السعرات بينما تتمرن، ولكن إن بدأتَ روتين تمارين جديدًا، فإنك ستحرق سعرات أكثر، على الأقل في البداية. ولكن الدراسات الحديثة تظهر مقدار ديناميكية أيضنا وقدرته على التكيف. ففي 2010 قررت أنا وزملائي أن نبحث حتى نعلم المقدار الدقيق من السعرات الحرارية التي يرجح أن أسلافنا التطوريين، والذين كانوا صيادين وجامعي ثمار،  يحرقونها كل يوم. فقد قضينا أسابيع مع شعب الهادزا Hadza في شمال تنزانيا، حيث أجرينا الدراسة الأولى لقياس السعرات الحرارية التي حرقوها في يوم واحد ضمن مجتمع صيد وجمع ثمار حديث.

وكما يمكن لك أن تتوقع، فإن العيش على النباتات البرية والطرائد، من دون أسلحة، ولا آلات، ولا حيوانات مدجنة، يمثل حياة متطلبة من الناحية البدنية. ويقطع رجال الهازدا 19 ألف خطوة يوميًا من أجل الصيد وجمع العسل البري، بينما تقطع النساء 12 ألف خطوة من أجل جمع الدرنات البرية والعليق البري، وغالبًا ما يكون هناك طفل موضوع في حمالة على الظهر. ولكن على الرغم من قيامهم بما يصل إلى خمسة أضعاف النشاط البدني كل يوم مقارنة بالمتوسط في نمط الحياة الغربي، إلا أننا وجدنا أن رجال ونساء الهازدا يحرقون العدد نفسه من السعرات الحرارية اليومية التي يحرقها موظفو المكاتب الجالسين على مكاتبهم في المجتمعات الصناعية. ولا يقتصر الأمر على الهازدا؛ فالمزارعون والباحثون عن الطعام في مجتمعات أخرى صغيرة الحجم، والذين يقومون بمقدار كبير مماثل من الأعمال اليومية، فإن لهم الاستهلاك اليومي نفسه مقارنة بالأشخاص في الدول عالية الدخل. ويبدو أن أجسامنا تعمل من أجل الإبقاء على العدد اليومي من السعرات الحرارية المحترقة ضمن مجال ضيق، بغض النظر عن نمط حياتنا.

وبالنسبة إلى روتين تمرينك الجديدة؟ فإنه سيخضع للتعديل الأيضي نفسه. فعادة ما تزيد الاستهلاكات اليومية  من السعرات الحرارية عند المشاركين في دراسات التمارين في بداية نظام تمارين جديد، ولكن هذه المكاسب تقل مع الوقت. وتتكيف أجسامهم، بحيث إنه خلال شهور، تصير الطاقة اليومية التي يحرقونها أعلى قليلا، وأحيانًا تصير مماثلة، مقارنة بالطاقة التي كانوا يحرقونها قبل بدء التمارين. وهذا يمثل إخفاقًا في فوائد التمرين المرجوة.

2-التمارين ستجعلك تخسر الوزن

حتى بالنسبة إلى الذين يتمكنون من زيادة كمية الطاقة التي يحرقونها من خلال التمارين، فإنهم في العادة يصعب عليهم فقدان الوزن. فقد نشرت مراجعة حديثة لـ61 دراسة للتمارين، فيها ما مجموعة أكثر من 900 مشارك، وهذه الدراسة وجدت الدليل المحبط الذي سيكون مألوفًا بالنسبة إلى الكثيرين.

غالبًا ما يبدأ فقدان الوزن في بداية القيام بنظام تمارين جديد، ولكنه يتلاشى بمرور الوقت، بحيث إن الوزن المفقود بعد سنة تقريبًا يمثل جزءًا ضئيلًا مما كنا لنتوقعه بحساب كل السعرات الحرارية التي حرقت خلال التمارين.

في إحدى التجارب الطويلة زمنيًا أجريت على رجال ونساء من الولايات المتحدة، حرقوا فيها 2000 سعرة حرارية كل أسبوع من خلال جلسات تمارين تحت إشراف مشرف لمدة 16 شهرًا. وبعد تسعة أشهر خسر الرجال خمسة كيلوغرامات، وبعدها بلغ وزنهم مرحلة استقرار. وأما النساء في هذه الدراسة؛ فلم يخسرن وزنًا طِوال مدة الأشهر الستة عشر. ولم يفقد الرجال ولا النساء وزنًا بالمقدار الذي كنا لنتوقعه بناء على مقدار التمارين، على الرغم من حقيقة أن استهلاكهم اليومي من الطاقة ازداد تدريجيًا بنسبة قليلة.

والسبب هنا بسيط ومحبط؛ فعندما تحرق سعرات أكثر، تأكل سعرات أكثر. ربما لا تقصد ذلك بالطبع، ولكن هذه هي المشكلة. فالأنظمة المعقدة التي تعمل بلا وعي  من أجل تنظيم الجوع والشبع تؤدي مهتمها  بأداء ممتاز لملائمة الطاقة المدخلة مع الطاقة المستهلَكة. ويجب ألا ننتظر أقل من ذلك من نصف بليون سنة من الضبط التطوري، إذ كان فقدان الوزن عمومًا علامة على الموت المحتم. ونتيجة لذلك، فإن كمية الوزن الذي يمكنك أن تتوقع فقدانه من التمارين وحدها على مدار سنة هو مجرد قيمة زهيدة مقدارها  كيلوغرامين اثنين أو أقل.

“يبدو أن التمارين تحسن المهام غير المرئية التي تؤديها أجسامنا طوال اليوم”

3-برنامج تمارينك لا يكون ناجحًا ما دمت لا تخسر الوزن

 لم تخسر وزنًا؟ لا تفقد الأمل! ربما لا تغير التمارين العدد الذي يظهر عندما تصعد على الميزان، ولكن هذا ليس السبب الذي من أجله وُجِد التمرين. وتطوَّر البشرُ كصيادين وجامعي ثمار، وهذا يعني أن وجود جرعة ثقيلة من النشاط البدني كانت جزءًا لا مفر منه في الروتين اليومي لأكثر من مليوني سنة.

بُنِيَت أجسامنا من أجل أن تتحرك، وهناك سبب جيد يفسر لماذا لا يعاني شعب الهادزا أمراض القلب وداء السكري، على الرغم من حقيقة أنهم يحرقون الكمية نفسها من السعرات الحرارية مقارنة بالأشخاص الجالسين طوال اليوم. تبقي التمارين أجسامنا سليمة، وعضلاتنا قوية، وأذهاننا حادة، خصوصًا عند تقدمنا في العمر.

ومن المثير للاهتمام، أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن التعديلات الأيضية التي تسبب الإحباط فيما يتعلق بفقدان الوزن هي سبب مهم يجعل التمارين جيدة جدًا لنا. ويعمل مختبري ومختبرات أخرى على تتبع الطبيعة الدقيقة لهذه التغيرات، ولكن يبدو أن أجسامنا تستجيب لزيادة النشاط اليومي بتقليل الطاقة التي يبذلها على مهام أخرى. فعلى سبيل المثال، يزداد هدوء الأجهزة المناعية، مما يقلل الالتهاب، وهو أمر مهم لأننا نعلم أن الالتهاب عامل اختطار يزيد من احتمال الأمراض القلبية الوعاية وعدد من المشكلات الصحية الأخرى.

كما أن الأشخاص الذين يتدربون بانتظام يستجيبون للأحداث المسببة للإجهاد بزيادات أقل في إفراز هرمونات الإجهاد: الكورتيزول والأدرينالين، مما يقلل من خطر الإصابة بالأمراض المتعلقة بالإجهاد. وحتى الهرمونات التناسلية فإنه يبدو أنها تنتج إنتاجًا أكثر اتزانًا؛ فالمقارنات التي جرت بين الإستروجين والبروجستيرون في النساء والتستوستيرون في الذكور تظهر عمومًا مستويات منخفضة في البالغين في المجموعات السكانية النشطة بدنيًا. وهذه النسب الأقل لا يبدو أنها تؤثر في القدرة على الإنجاب، بل إنها رُبِطَت بمعدلات أقل من سرطانات الجهاز التناسلي من مثل سرطان البروستات والمبيض، وكذلك سرطان الثدي. ويبدو أن التمارين تضبط جميع المهام غير المرئية التي تؤديها أجسامنا طوال اليوم، مما يساعد على حمايتنا من أمراض القلب وداء السكري والسرطان.

4-لا أهمية للسعرات الحرارية

زيادة الوزن  في جوهرها مسألة فيزياء؛ فعندما نأكل سعرات حرارية أكثر مما نحرق، فإن هذه السعرات الإضافية تتراكم كدهون. وبما أنه من غير المجدي محاولة زيادة الطاقة التي نحرقها كل يوم عن طريق التمارين (أو الأطعمة الخارقة، أو المياه المثلجة، أو أيًا ما كانت آخر الحيل)، فإن السبب الأساسي لزيادة الوزن أو السمنة هو بوضوح الحمية الغذائية. نزداد وزنًا لأننا نأكل كثيرًا.

ومع ذلك، فإن عدّ السعرات الحرارية صار أمرًا من الماضي. فقد أُخبرنا من قبل بأن أنواع الطعام التي نأكلها، أو الطريقة التي نأكلها بها، هي ما يتسبب لنا بالمشكلات، وأن نظرة “عدد السعرات المدخلة والمخرجة” للعالم هي للفاشلين فقط. ويدعو مناصرو الحمية قليلة الكربون إلى الحميات الكيتونية التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الدهون بدلًا من السعرات، كطريقة لإنقاص الوزن من دون التقليل من السعرات (حتى إن البعض يدعي أن بإمكانك أن تأكل أكثر). وأما المتعصبون للصيام المتقطع؛ فيعدون بالمثل تقريبًا.

هذه وغيرها من الأنظمة المعاصرة لفقدان الوزن فيها عدد قليل من الأمور الصحيحة. أولًا، الأفراد حول العالم يشتهرون بأنهم سيئون في عد السعرات التي يأكلونها. وعندما يدعي الأفراد أنهم يستهلكون نحو 2000 سعرة يوميًا، فإن العدد الحقيقي، بناء على مقاييس فيزيولوجية معيارية لمدة أسبوع من آلاف البالغين الذين يعيشون حياة روتينية، هو أقرب لـ2400 في اليوم للنساء و3100 للرجال، في المعدل.

ومع وجود كل الحيل الأيضية التي تمارسها أجسامنا، فإن تتبع السعرات الداخلة والخارجة قد يكون جهدا بلا جدوى. ولكن، مجرد كوننا سيئين في العد لا يعني أن السعرات الحرارية نفسها غير ذات معنى. وتعمل جميع حميات فقدان الوزن بتقليل استهلاك السعرات، وهذا المفهوم ببساطة يختبئ خلف أشكال مختلفة.

وهذا ينقلنا إلى الأمر الآخر الصحيح في هذه الحميات المختلفة: نحن نوع حي قابل للتكيف، قادر على النمو عبر واسع من الحميات بدءًا من أكل اللحوم إلى النباتية الصِّرفة. فالحميات المبنية على اللحم تصنع العجائب بالنسبة إلى الكثيرين، وكذلك هي الحميات المبنية على النباتات، وكل الحميات بينهما عبر طيف الحميات تؤدي المثل أيضًا. وتشير المعلومات العلمية للعقود القليلة الماضية بوضوح إلى أن أي حمية يمكنها أن تساعدك على إنقاص وزنك إن التزمت بها، وليست هناك حمية يكون تبنيها أسهل من غيرها. فهناك دراسة في 2005 في الولايات المتحدة وزعت 160 بالغًا سمينًا على أربعة حميات غذائية مختلفة، ووجدت أنه لا يوجد فرق من حيث سهولة الالتزام بالحمية المعينة، ولا في فقدان الوزن، ولا في الفوائد الصحية بين الحميات الغذائية.

إذا كنت تحاول فقدان الوزن، فإن عليك أن تجد حمية يمكنك الحفاظ عليها دون أن تُضنيك. الأطعمة الغنية بالبروتين والألياف تميل إلى أن تجعلنا نشعر بالشبع، كما أنها تساعدنا على تجنب الحميات الصارمة التي تدفع بأيضنا الذكي والمتطور لأن يدوس على المكابح ويقلل الإنفاق اليومي من الطاقة.

ولكل شخص وجد حمية مناسبة له، التزم بها. ولكن لا تتوقع أنها ستكون نافعة لجميع الأشخاص. فالحمية الغذائية البشرية الطبيعية الواحدة هي أمر لا وجود له، وهو ما ينقلنا إلى الخرافة الأيضية الثانية.

5-تطور البشر على أكل حميات بدائية

يبدو من المنطقي أن نسعى إلى أنواع الأطعمة التي أكلها أسلافنا. ولكن محاكاة الحميات البدائية، وهي الفكرة وراء الحركة الحديثة، المسماة الحمية البدائية، أو حمية رجل الكهف Paleo diet، والتي يأكل فيها الأفراد طعاما مشابها لما كان يأكل أسلافنا في العصر الحجري القديم، ليست فكرة مباشرة كما تبدو عليه.

اترك عقلك يتجول في أنحاء العدد الضخم من الثقافات في كوكبنا، وفكر في التنوع المذهل للأطعمة التي نتناولها. ومن الواضح أنه لا توجد حمية غذائية بشرية واحدة اليوم، وسيكون من المضحك الادعاء بخلاف ذلك.

ولكننا عندما نفكر في تاريخنا البدائي يبدو، بشكل أو بآخر،  أن من المنطقي الاقتراح بأن ثقافات العالم أكلت، عبر آلاف السنين، حمية غذائية واحدة وموحدة. ومما نستغربه أكثر نحن الباحثون في مجالات الإيكولوجيا البشرية وعلم الأنثروبولوجيا، أن بعض الحميات البدائية، على سبيل المثال الحمية المسماة حمية آكلي اللحوم، تفترض أن حميات أسلافنا كانت مليئة باللحوم، مع غرامات قليلة فقط من الكربوهيدرات كل يوم، ومن دون سكر تقريبًا.

ما أجراه فريقي مع مجتمع الهادزا، مع تحليلات سلوك الأعراق البشرية التي جمعت خلال القرن العشرين حول مجموعات أخرى من الصيادين وجامعي الثمار، وكذلك الأدلة الأقدم بكثير من الأحافير والسجلات الأثرية، جميعها ترسم صورة مختلفة جدًا.

أولًا، حميات الصيادين وجامعي الثمار كانت وما زالت مختلفة بمثل اختلاف الحميات الموجودة عند المجتمعات الصناعية، وكان هناك الكثير من التباين بين المجموعات وعبر الوقت في نسب اللحوم والنباتات، والدهون والكربوهيدرات. فبعض الحميات، خصوصًا حميات السكان الأصليين في القطب الشمالي، مليئة باللحوم؛ وهناك حميات أخرى، مثل تلك في المناخات الأكثر حرارة، أكثر امتلاءً بالنبات. ويأكل الهادزا كمية متوازنة من النباتات والطرائد، وكذلك كميات ضخمة العسل (وهو أمر ممنوع في الحميات البدائية)، والتي تشكل نحو 15% من سعراتهم الحرارية، في المعدل.

ثانيًا، باستثناء القطب الشمالي، لا توجد أدلة على حميات مليئة باللحم ضمن مجموعات الصيادين وجامعي الثمار اليوم أو في السجلات التاريخية. حتى في العصر الحجري القديم، نرى الكثير من الأدلة الأثرية والأحفورية على توازن بين النباتات واللحم في الحمية.

6- الأيض البطيء يودي بك إلى السمنة

كأغلب الصفات الحيوية، فإن كمية الطاقة التي تحرقها في اليوم تتباين من شخص إلى آخر. فالاستهلاك  اليومي من الطاقة يختلف بين شخصين لهما  العمر نفسه والجنس ونمط الحياة، وقد يصل هذا الاختلاف إلى 500 سعرة أو أكثر. ومن المفاجئ أن التباين في استخدام الطاقة لا يمكنه التنبؤ بوزن الجسم؛ فالأشخاص السمينون لديهم الاستهلاك اليومي نفسه، في المعدل، مقارنة بذوي الجسم النحيل. وهذا بعد الأخذ بالاعتبار حجم الجسم؛ وذلك لأن الجسم الأكبر يميل إلى أن يحرق سعرات أكثر كل يوم ببساطة بسبب وجود خلايا أكثر تعمل. وإن لم نصحح آخذين الحجم بالاعتبار، فإن السمينين يحرقون طاقة أكثر. أي أن زيادة الوزن والسمنة ليستا نتاجًا للأيض البطيء.

إذن، لماذا يسهل على البعض أن يبقوا نحيلين بينما يعاني آخرون؟ مع أنه على الأرجح لا توجد إجابة واحدة، إلا أن أحد العوامل الرئيسية هو طريقة عمل أدمغتنا. وبالنسبة إلى أغلبنا، زيادة الوزن تأتي على مدى شهور وسنوات، وهو ما يعكس أخطاء صغيرة في تنظيم إدخالنا للطاقة. والعدد الكبير من الأطعمة المعالجة والمهندسة المتاحة لنا يطغى على قدرة أنظمة الثواب العصبية Neural reward systems والتي تطورت للتعامل مع الأطعمة البرية غير المعالجة. وتخطئ أدمغتنا بحيث تميل إلى الإفراط في الاستهلاك.

ويدعم وجهة النظر هذه الأعمال الحديثة في مجال فيسيولوجيا الجوع والشبع، كذلك التقدمات الحاصلة في جينات السمنة؛ فمن بين آلاف الجينات المرتبطة بالسمنة في البشر، الأغلبية العظمى منها تكون نشطة في الدماغ. فالأشكال التي تحملها من هذه الجينات يرجح أنها تؤثر في قدرتك على التحكم في وزنك.

7-السمنة وزيادة الوزن علامتان على الفشل الشخصي

صحيح أن جيناتنا قوية جدًا، ولكن الحمض النووي DNA ليس قدرًا محتومًا. فجينات يومنا الحالي لا تختلف عن جينات جيل آباء أجدادنا؛ ﻷن التغير الجيني بطيء. ولم يواجه جيلهم أزمة سمنة عالمية. والأمر الذي اختلف في أجزاء كثيرة من العالم هو بيئتنا، وبالأخص بيئة طعامنا، أي مقدار وصولنا لأطعمة معينة. فخلال هندستنا لعالمنا الصناعي، أحطنا أنفسنا بأطعمة تقودنا إلى الإفراط في الاستهلاك. فغالبًا ما تصاغ الحرب مع السمنة على أنها اختبار لقوة الإرادة، واضعة فضيلتَيْ التمرين والتحكم في حصص الطعام ضد رذيلتَيْ النهم والكسل. ولكن علوم الأيض الحديثة تقول خلاف ذلك. فالمحال التجارية مكدسة بأطعمة فائقة المعالجةUltra-processed ، ومثقلة بالسكر والزيوت الإضافية، وتناغمات من الأطعمة الحلوة والطيبة التي تطغى على أدمغتنا البدائية.

أثبت بحث حديث من معاهد الصحة الوطنية في الولايات المتحدة US National Institutes of Health (اختصارا: المعاهد NIH) أن تناول الأطعمة فائقة المعالجة يقود إلى زيادة الوزن، على الرغم من أننا لا نعلم على وجه الدقة كيف يحصل ذلك. وهذه الأطعمة يتزايد عددها في كل أنحاء العالم. ففي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تسهم هذه الأطعمة بأكثر من نصف الطعام المستهلك. وفي الدول الغنية غالبًا ما تسود الخيارات فائقة المعالجة على مجال الأطعمة المتاحة في الدول المجاورة منخفضة الدخل، وكذلك في الدول التي يكون فيها أغلب السكان يأتون من أقليات، مما يسهم في تعزيز اللامساواة في الغذاء والصحة. وفي الدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل، فإن الاعتماد المتزايد على الأطعمة فائقة المعالجة ساعد على دفع الزيادة العالمية للسمنة وما يرتبط بها من أمراض. وهذه الأمراض التي تشمل أمراض القلب والسكتة الدماغية وداء السكري وغيرها من الأمراض غير السارية، تقتل من الناس أكثر مما تقتل الأمراض المعدية. وهذا يظهر سبب تحول السمنة إلى أزمة تؤثر تأثيرا غير متساوٍ على الأقل حظًا من الناحية الاقتصادية، ومن ضمنهم الأشخاص ذوي البشرة الملونة.

الاختراقات العلمية الحديثة في علم الأيض تمثل دعوة لاتخاذ الإجراءات. فالسمنة ليست خيارًا يختاره الشخص، ولكن هذا لا يعني أن خياراتنا لا قيمة لها. ويمكننا أن نبدأ بإخراج الأطعمة فائقة المعالجة من منازلنا. فلا نريد الاضطرار إلى الانتظار للتغيرات الاجتماعية في بيئتنا الغذائية من أجل أن نتخذ إجراءات فيما يخص حياتنا اليومية. وعلينا أن نتعلم من شعب الهازدا وغيره أن ندخل النشاط البدني إلى روتيننا اليومي. فالتمارين لن تجعلنا نحيلي الجسم، ولكنها ستبقينا أحياء.

ومن الخنازير الغينية في الأقدار المعدنية إلى الدراسات المفصلة عن جينات السمنة، فإن علم الأيض تطور عبر خلال العقدين الماضيين بفضل الأساليب والتقنيات الجديدة. ومع ذلك، فإن بعض التقدمات الأكبر في السنوات الأخيرة أتت من مجتمعات من مثل الهادزا، وهي مجتمعات معاصرة متمسكة بالطرق القديمة، وتوفر نافذة على ماضينا. فشكل التطور أجسامنا لجعلها ذكية، وقادرة على التكيف، وديناميكية. وسنحتاج إلى مثل هذا الإبداع المرن للتعامل مع أزمة السمنة.

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى