أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
فضاءفلك وعلم الكونياتفيزياء

النباتات الفضائية: البحث عن البناء الضوئي في عوالم أخرى

يحوم الكثير من الشك حول البحث عن إشارات الحياة في الأغلفة الجوية لكواكب نجمية. ولكن مع قدرتنا حاليا على اكتشاف الضوء المستقطب والمنعكس مباشرة عن عوالم أخرى، صار بوسعنا التقاط الأدلة القاطعة على عملية البناء الضوئي

بقلم: كولين سيوارت

ترجمة: همام بيطار

 

تتمايل أشجار النخيل بسعفها القرمزية في النسيم مع تلاطم الأمواج على شاطئ تدفئه شمسٌ فضائية. وأعشاب شبيهة بعشب الكِلْب تبطن البرك الصخرية، وتغطي الأشنات Lichens الزرقاء كل جلمود، وتنبثق أزهار غريبة في الكثبان الرملية خلفها.

لا ينتاب علماء الفلك أي شكٍ في وجود كوكب مليء بالنباتات Plant-filled Planet خارج مجموعتنا الشمسية Solar System على الرغم من أنهم غير متأكدين تماما من شكل النباتات، فكوننا لا تنقصه عوالِم صالحة للحياة. فبالاستقراء من أربعة آلاف كوكب نجمي Exoplanet -أو نحو ذلك- جرى تحديدها حتى الآن. و مؤخرا قدّر علماء الوكالة ناسا NASA أنّ هناك خمسة بلايين كوكب صالح للحياة في مجرتنا وحدها. ويكمن التحدي في إثبات أن أحدها مأهول بالفعل.

وسعيا إلى تحقيق تلك المهمة، كُرس جيش صغير من علماء الفلك الذين يبحثون في الضوء العابر للأغلفة الجوية الفضائيةAlien Atmospheres بحثا عن مؤشرات على وجود بكتيريا أو نباتات. إنه مشروع يفيض بالحيوية، لكنه في أحسن أحواله يقدم أدلة ظرفية.  فقد أدرك علماء الفلك منذ فترة طويلة وجود طريقة أفضل، فالبحث عن الضوء المنعكس عن سطح كوكب نجمي يقدم فرصا أكبر للنجاح. يقول ويليام سباركس William Sparks، من المعهد سيتي SETI Institute في ماونتن فيو بكاليفورنيا: “إنها توفر لك فرصة للبحث مباشرة عن المواد الحية”.

تمثلت المشكلة بأنّ ذلك كان مستحيلا. ولكن الإنجازات العلمية الخارقة تقترح مؤخرا قدرتنا على استخلاص جزء من ذلك الضوء المنعكس؛ مما قد يكشف على نحو قاطع عن أي إشارات على وجود البناء (التمثيل) الضوئي Photosynthesis في عوالِم أخرى. والتلسكوبات التي نحتاج إليها لتحقيق ذلك هي قيد الإنشاء. وفي هذه الأثناء، يحتدم السباق نحو معرفة ماهية ما يجب البحث عنه، إذ يعمل علماء الفلك حاليا على تحديد التواقيع المنعكسة Reflected signatures عن النباتات الخضراء على الأرض لإرشادهم عمّا يجب أن يبحثوا عنه في العوالم الفضائية.

عندما يتعلق الأمر بالبحث عن إشارات تدل على الحياة على كواكب خارج مجموعتنا الشمسية، ركز علماء الفلك -أساسا- على الإشارات البيولوجية الجوية Atmospheric Biosignatures. فعلى سبيل المثال، توجد كميات كبيرة من الأكسجين في الغلاف الجوي للأرض، وهو ناتج من البناء الضوئي للنباتات والأشجار على اليابسة، والكائنات الدقيقة Microorganisms الطافية على سطح المحيطات. إنها تشبه قصة الميثان Methane الناتج من البكتيريا والنباتات المتعفنة والحيوانات المجترة.

إن اكتشاف آثار تلك الغازات في عوالم أخرى أمرٌ محفوف بالمصاعب. فأثناء عبور ضوء النجم المضيف للغلاف الجوي للكوكب، تُمتص ألوان مختلفة اعتمادا على الغازات الموجودة. ومن ثم تُخبرنا الفجوة الموجودة في الطيف Spectrum الذي نراه على الأرض عما يتألف منه الغلاف الجوي للكوكب. إذن، أنت بحاجة إلى تلسكوب كبير لفصل الضوء إلى مركباته الأساسية بدقة كافية، وذلك يعني أنك مقيدٌ في معظم الحالات باستخدام أجهزة أرضية. وتكمن العقبة هنا في أن الضوء النجمي سيمر أيضا عبر الغلاف الجوي للأرض، حيث يوجد الأكسجين الأرضي، وهذه واحدةٌ من بضع طرقٍ قد تؤدي إلى نتيجة إيجابية زائفة False positive.

يُمكننا التخلص من التأثيرات المعقدة لغلافنا الجوي باستخدام تلسكوب فضائي كبير مثل مرصد جيمس ويب James Webb observatory المقرر إطلاقه في أكتوبر 2021. ومع ذلك، فإن تلك التواقيع أبعد ما تكون عن الوضوح. فالأكسجين قد ينتج من تحطيم ضوء الشمس الماءَ إلى مكوناته الأساسية، كما أن الميثان ربما يتدفق من الفتحات البركانية Volcanic Vents بدلاً من أن تُطلقه النباتات المُتحللة. وتقول سارا سيغر Sara Seager، من معهد ماساشوستس للتكنولوجيا Massachusetts Institute of Technology: “الاعتقاد المتنامي الآن هو أننا لن نكون متأكدين من أي شيء نجده. ففي مقابل كل عالِم يُمكنه إيجاد طريقة تستطيع من خلالها الحياة إنتاج غازما، هناك عالِمٌ آخر يُمكنه إثبات أنّ الغاز ناتج من مصادر غير حية”.

قبل نحو عشرين عاما، كانت سيغر من أوائل المستكشفين لطريقة جديدة لدراسة الكواكب النجمية باستخدام الضوء. ولفهم هذه الطريقة، فكرْ في الضوء على أنه موجة كهرومغناطيسية Electromagnetic Wave. في العادة، يكون ضوء الشمس الذي نرصده أو ضوء المصباح غير مستقطب Unpolarised -أي أنّ الموجة تهتز Vibrates في اتجاهات مختلفة. ولكن اهتزازات الضوء مُقيّدة في اتجاهات محددة. ويستقطب الضوء النجمي مستقطبا عندما ينعكس عن سطح الكوكب، وطريقة استقطابه تحتوي على معلومات دقيقة عن سبب الاستقطاب، بما في ذلك الحياة.

هذا ما جذب سيغر وآخرين إلى علم قياس الاستقطاب Polarimetry، أي قياس الضوء المستقطب. فعلى الرغم من أن البصمات البيولوجية الجوية تكون غامضة، إلا أن تلك القادمة مباشرة من أسطح العوالم الفضائية -المرمَّزة في الضوء المستقطب- تقدم أدلة موثوق بها. فعلى سبيل المثال، قد يساعد الضوء المستقطب على تأكيد وجود الماء السائل فوق الكواكب الأخرى. أما البحث عن تواقيع في الأغلفة الجوية؛ فسيقدم دليلا على وجود الماء في حالته البخارية في أعلى الطبقات الجوية.

يُمكن لعلم قياس الاستقطاب أن يكتشف السحب المكونة من قطرات الماء السائل، وربما المحيطات أيضا لأن الضوء الذي ينعكس عن تلك السحب سيكون مستقطبا جدا. ويقول ميشيل ستيرزيك Michael Sterzik ، من المرصد الأوروبي الجنوبي European Southern Observatory في تشيلي: “يمكنك تحليل سرعات الرياح وارتفاع الأمواج أيضا” لأنها تؤثر في طريقة عكس المحيط للضوء الشمسي المستقطب نحو الفضاء. ويتابع ستيرزيك قائلا: “الاستقطاب هو أكثر التقنيات الواعدة في مجال توصيف الكواكب النجمية الشبيهة بالأرض”.

لكن ربما لدينا ما هو أفضل. ففي أفضل السيناريوهات، قد يزيح الضوء المستقطب الستار عن دليل قاطع بالنسبة إلى البيولوجيا. وسيأتي ذلك الدليل على شكل اهتزازات Oscillations في موجات الضوء ناتجة فقط من البنية الكيميائية لجزيئات الكلوروفيل Chlorophyll Molecules المشاركة في البناء الضوئي، وهي العملية التي تحول من خلالها النباتاتُ وبعضُ البكتيريا فوق الأرض ضوءَ الشمس إلى سكر.

تكمن المعضلة في الصعوبة الشديدة في رصد الضوء المستقطب المنعكس عن الكواكب البعيدة. وبالنسبة إلى المبتدئين، يكون هذا الضوء أشد خفوتا من الضوء القادم مباشرة من النجم عبر الغلاف الجوي. ومن ثمّ هناك أيضا حقيقة أن 1% فقط من الضوء المنعكس يصير مستقطبا، مما يجعل من إشارته أشد خفوتا. وتقول سيغر: “حاولنا بضع مرات وفشلنا. لم أعتقد قطُّ أننا سنراه”.

الآن وأخيرا فعلنا ذلك. ففي يناير 2021 أعلن فريقان بحثيان منفصلان اكتشافهما الضوء المستقطب القادم من كوكب نجمي، وكانت المجموعة التي يقودها روب فان هولستاين Rob van Holstein، من جامعة لايدن Leiden University في هولندا هي الأولى، وقد جرى ذلك باستخدام التلسكوب الكبير جدا Very Large Telescope (اختصارا: التلسكوب VLT)، الموجود في تشيلي، لالتقاط الضوء تحت الأحمر المستقطب والقادم من القرص Disc الغباري والغازي المحيط بالكوكب النجمي DH Tau b. وبعد أقل من أسبوعين أعلن فريق يقوده جيريمي بيلي Jeremy Bailey، من جامعة نيوساوث ويلز University of New South Wales في أستراليا، اكتشاف ضوء نجمي مستقطب ومنعكس عن الكوكب النجمي 51 Pegasi b، وهو أول الكواكب النجمية المكتشفة التي تدور حول نجمٍ مشابه للشمس.

لا يشبه أيٌ من تلك الكواكب الأرض، فكتلة كلٍّ منهما أكبر من كتلة المشتري Jupiter، لكنّ تلك الاكتشافات تمثل اختراقا علميا كبيرا. ويعلق بيلي قائلاً: “لقد انتظرنا عقدين من الزمن من أجل مثل ذلك الاكتشاف”.

“لقد انتظرنا اكتشافا علميا خارقا كهذا منذ عقدين من الزمن”

ينطوي التحدي الآن على شِقّين. أولا، على علماء الفلك تحسين تقنيات الكشف لنتمكن من تكرار ذلك الإنجاز مع كواكب أصغر ومشابهة للأرض: كلما كان الكوكب أصغر وأكثر بعدا عن نجمه؛ كان الضوء المنعكس عن سطحه أكثر خفوتا. ثانياً، وهو الأكثر أهمية، علينا معرفة طبيعة استقطاب الضوء الناتجة من النباتات الحية والذي يُمكننا اكتشافه. لن يكون ذلك سهلا، لكن علم قياس الاستقطاب يجعله ممكنا لأن هناك شيئًا فريدًا يتعلق بالطريقة التي تستقطب فيها الحياة – النباتات خصوصا- الضوءَ. ويُستقطب الضوء المنعكس من المحيطات والسحب خطيا Linearly polarised، مما يعني أن الموجة تهتز على طول خط يتطابق مع مسار الضوء. ولكن النباتات تؤدي إلى حدوث استقطاب دائري Circular Polarisation: تدور الموجة الضوئية المنعكسة حول مستوى عمودي على مسار الضوء.

“هناك شيء فريد حول الطريقة التي تستقطب من خلالها الحياةُ، وخصوصا النباتات، الضوءَ”

هناك أشياء غير حية تستطيع إنتاج هذه الإشارة، لكن الكلوروفيل الموجود في النباتات يُنتجها بطريقة فريدة. وتعتمد جهة دوران الضوء المستقطب، مع أو عكس عقارب الساعة، على الحيد المرآتي Chirality، أو الانطباقية الاتجاهية Handedness، للجزيئات التي تستقطب الضوء. انظر إلى يديك للحظة. إنهما صورتا مرآة لبعضهما البعض، لكنه ليس بوسعك وضعهما فوق بعضهما بشكلٍ مثالي، وهذا ما يعنيه الحيد المرآتي.

في الكيمياء توجِد الجزيئات في اتجاهات مشابهة لحالة اليدين اليمني واليسرى. فعندما تؤدي المواد غير البيولوجية إلى استقطاب دائري، فإنّ الانطباقية الاتجاهية تُنتج بكميات متساوية. ولكنّ الحياة فوق الأرض تستخدم فقط الأحماض الأمينية Amino Acids ذات الاتجاهية اليسرى Left-handed والسكر ذا الاتجاهية اليُمنى Right-handed، ويُطلق على هذا الحيد المرآتي المتجانس Homochirality، وهي شيء يعتقد سباركس أنه بوسعنا رؤيته في الضوء المستقطب القادم من كوكب نجمي مشابه للأرض. إنّ رؤية انفصال لا يقل عن 60:40 في الاتجاهين سيكون كافيا لاقتراح وجود الحياة – وفقا لسباركس – لأننا لا نعرف شيئا قد يقود إلى انفصال يزيد على 50:50، ويضيف سباركس: “إنها توقيع بيولوجي فريد من نوعه”.

ساد لفترة طويلة من الزمن اعتقادٌ أن الإشارات المستقطبة دائريا ستكون أضعف بآلاف المرات من مثيلاتها الخطية، ولذلك لن نستطيع رصدها. ولكن مؤخرا عاد سباركس مجددا إلى دراسة هذه الفرضية، وقد تضمنت تجربته تسليط ضوء غير مستقطب على بكتيريا مستزرعة تقوم بالبناء الضوئي دون إنتاج أكسجين. وفي أكتوبر 2020 برهن سباركس وزملاؤه أن 1% من الضوء المنعكس عن البكتيريا كان مستقطبا دائريا، وهي نسبة الاستقطاب الخطي نفسها، ويعلق سباركس على ذلك بالقول: “إنها أقوى مما اعتقدنا”.

وفي تطور آخر، وجدوا أن الإشارة تكون أقوى عندما تفكّكت البكتيريا صبغات خام Raw pigments وأطلاقتها في محيطها. ويقول سباركس: “يعني ذلك أننا لا نبحث عن الحياة، وإنما عن الموت”. وتدعم هذه النتيجة اكتشافا آخر حقّقه لوكاس باتي Lucas Patty، من معهد بيولوجيا الكوكب Institute of Plant Biology في هنغاريا، وهو واحد من المتعاونين مع سباركس أيضا. ففي عام 2019 برهن لوكاس على أن إشارة الاستقطاب الدائري ترتبط بطحالب بنية Brown Algae قد يصل طولها إلى 2 سنتيمتر.

لكن، حتى ولو كانت إشارة الاستقطاب التي يُصدرها البناء الضوئي لحياة فضائية أقوى مما نعتقد، هل سنكون قادرين حقا على اكتشافها عبر هذه المساحات الشاسعة من الفضاء؟ يقول سباركس: “لا أحد ينكر صعوبة ذلك”، ويُضيف: “لقد بدأنا للتو بفهم التفاعل بين الضوء والحياة”.

نحن نعيش الآن في كوكب اختبار مثالي. ويستخدم ستيرزيك التلسكوبَ  VLTلرصد ضوء كوكبنا المنعكس عن القمر والعائد إلينا، والذي يُعرف بسطوع الأرض Earthshine. ويتضمن ذلك بعضا من الضوء المستقطب والمرتد نحو الفضاء نتيجة لانعكاسه عن نباتات الأرض، وقد تمكن ستيرزيك من تمييز النطاقات المرئية من الغطاء النباتي في الإشارة Signal، ويعلق على ذلك قائلا: “من السهل جداً استخدام قياس الاستقطاب بهذه الطريقة”.

لاحظ ستيرزيك أيضا شيئا آخر فاجأه، إذ يقول: “شاهدنا استقطابا أكثر من المتوقع في الجزء الأحمر من الطيف”. فالأوراق المتساقطة للنباتات جيدة خصوصا في عكس الضوء الواقع بين الجزء المرئي وتحت الأحمر من الطيف. وهذه الظاهرة المعروفة بالحافة الحمراء Rededge هي توقيع بيولوجي محتمل أيضا. فإذا تبين أنها أقوى عند رصدها مستقطبًة، فإنّ ذلك قد يعطينا طريقة متينة أخرى للبحث عن نباتات فوق كواكب بعيدة.

ولكن يمكننا فعل ما هو أفضل. فعند استخدام ظاهرة سطوع الأرض، يجب عليك فصل تأثير القمر عن الإشارة. ولذلك، فإن وضع مقياس استقطاب فوق محطة الفضاء الدولية ISS قد يساعد على حل هذه المسألة، لكنه لا يزال يتعذر عليك رؤية الكوكب كاملا. تقول دورا كليندزيك Dora Klindžić، من جامعة لايدن، والمشاركة في جهود التقاط الإشارة المستقطبة والصادرة عن  الكوكب النجمي DH Tau b: “لا يُمكننا إنجاز ذلك بشكلٍ صحيح إلا عندما نبتعد عن الأرض، ونلتقط صورة ذاتية (سلفي Selfie) من القمر”.

كليندزيك هي القوة المحركة وراء بعثة المرصد القمري للقياس غير المفصل لاستقطاب الأرض Lunar Observatory for Unresolved Polarimetry of Earth

mission (اختصارا: البعثة LOUPE). ففي نوفمبر 2020 أوجزت فكرتها عن مقياس استقطاب يُوضع على متن رحلة مستقبلية إلى القمر ليمتص الضوء المستقطب القادم من الأرض أثناء تصادمه بسطح القمر. وعوضا عن التقاط صورة جميلة ومركزة للأرض، كتلك التي التقطها رواد فضاء أبوللُّو ستركز البعثة LOUPE كل ضوء الأرض في بيكسل Pixel وحيد غير مُفصّل، والهدف من ذلك محاكاة الطريقة التي نشاهد فيها الضوء القادم من الكواكب النجمية البعيدة.

بعثة القمر

إن القدرة على فصل إشارات الاستقطاب التي ستكتشفها البعثة LOUPE ستساعدنا على مطابقة تلك الإشارات مع المميزات المعروفة للغلاف البيولوجي للأرض Biosphere. وبهذه الطريقة، عندما ننتقل إلى الكون الأوسع، سنعرف حينها مؤكدًا نوع التوقيعات البيولوجية المستقطبة التي نبحث عنها. وهناك فرصة بأن ذلك سيساعدنا أيضا على معرفة الاختلاف بين التوقيعات الناتجة من بكتيريا البناء الضوئي، وتلك القادمة من نباتات حية تقليدية -وهو أمرٌ يدعي كلٌ من سباركس وباتي أننا قد تجاوزناه.

وليس علينا الانتظار كثيرا. وتقول كليندزيك: “خلال عام تقريبا، قد يكون لدينا النموذج الأولي للاختبار”. ونظرا إلى أن القمر مهم لكلٍ من وكالات الفضاء الحكومية والشركات الخاصة، لن يكون هناك نقص في البعثات الفضائية التي يُمكنها المساعدة.

أما المشروع الآخر الكبير؛ فهو التلسكوب فائق الكبر Extremely Large Telescope (اختصارا: التلسكوب ELT)، والذي لايزال في طور البناء بصحراء أتاكاما في تشيلي. وسيكون قطر المرآة الرئيسية لهذا التلسكوب 39 مترًا – قارن ذلك بـ 8.2 متر لمرآة التلسكوب VLT- وسيجهز بالجيل التالي من مقاييس طيف الاستقطاب Spectropolarimeter. ويعلق هولستاين على ذلك قائلا: “أعتقد جازما أن اكتشاف الكواكب النجمية الصخرية وتوصيفها سيكون ممكنا باستخدام التلسكوب ELT”.

يُضيف كل ذلك مزيدا من الزخم لسباق فهم كيفية استقطاب الحياة فوق الأرض -النباتات خصوصا – للضوء. وتقول كليندزيك: “ما نفعله الآن هو شيء سنستفيد منه مباشرة مع ظهور الجيل التالي من التلسكوبات”، وقد يبشر ذلك ببزوغ فجر عصر جديد في مجال بحثنا عن الحياة في مكان آخر، وهي حقبة قد تمنحنا أفضل فرصة للإجابة عن السؤال القديم: “هل نحن وحيدون في الكون”.

 

العشب الأسود والأوراق الزرقاء

إذا كانت هناك نباتات فوق كواكب أخرى، فكيف ستبدو؟ نحن لا نعرف. ولكن علماء البيولوجيا الفلكية Astrobiologists يطرحون بعض التخمينات.

تطورت الحياة فوق الأرض لتناسب الظروف التي تقدمها الخصائص الفريدة لشمسنا والغلاف الجوي للكوكب، فمعظم الضوء الواصل إلى سطح الأرض يقع في الجزء الأحمر من الطيف المرئي Visible Spectrum، وذلك قد يفسر سبب امتصاص الكلوروفيل، وهي الآلات الخلوية المسؤولة عن البناء (التمثيل) الضوئي، للضوء الأحمر وعكسه للأخضر، ومن ثمّ اللون الأخضر للنباتات.

إنّ التطور حساسٌ جدا لمحيطه، ولذلك فإن حياة النباتات فوق عوالِم لا تشابه عالمنا ربما تختلف جدا عما نعرفه. تدور معظم الكواكب النجمية التي نعتبرها مرشحة لاستضافة الحياة حول نجوم قزمة حمراء Red Dwarf Stars، وهي نجوم أصغر وأبرد من شمسنا. ولذلك يظن الباحثون أن النباتات في مثل تلك الأنظمة قد تحتوي على صبغات ضوئية Photosynthetic Pigments تجعل من أوراقها حمراء أو صفراء أو حتى بنفسجية. ويعتمد كل ذلك على اللون المهيمن في الضوء الصادم لسطح الكوكب.

وإذا كان النجم المضيف خافتًا جدا أو بعيدا جدا، فقد تظهر النباتات سوداء لأعين الناس لأنها بحاجة إلى امتصاص أجزاء أكثر من الطيف المرئي لدعم عملية البناء الضوئي. وفي هذا السياق، اقتراح باحثون أن النباتات الموجودة في عوالم معرضة لتوهجات شمسية Solar Flares قد تفرز نوعا من الواقي الشمسي الطبيعي Natural Sunscreen.

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى