أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

الألزهايمر ليس مرضًا واحدًا – وإليك الأسباب

على الرغم من الأبحاث التي أجريت على مدى عقود، ليس هناك إجماع على مسببات مرض الألزهايمر. ولكن هناك توجهًا جديدًا من الفكر يسهم في تغيير الكيفية التي يمكننا بها دراسة المرض، وقد يكون بإمكانها التوصل إلى علاجات فعالة

ما يقرب من عقدين من الزمن، صادقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية US Food and Drug Administration (اختصارًا: الإدارة FDA)، لأول مرة، على علاج جديد لمرض الألزهايمر في يونيو 2021. لكن، بدلًا من أن يثير هذا الإعلان الفرح والارتياح، فقد قوبل بالامتعاض بل حتى الغضب؛ إذ أشار بعض الخبراء إلى أن التجربة الإكلينيكية (السريرية)، والتي كانت الأساس لهذه المصادقة على دواء أدوكانوماب Aducanumab الذي أنتجته شركة بيوجين Biogen، و لم تظهر بشكل حاسم أنه يقلل من التدهور في الوظائف المعرفية؛ فقد بنت الإدارة FDA قرارها الأول من نوعه على أن الدواء يعالج الأسباب التي تؤدي إلى مرض الألزهايمر.

المشكلة هي أنه ليس من المؤكد أن الهدف الذي يستهدفه الدواء، أي البروتين بيتا أميلويد (وهي تجمعات بروتين بيتا النشواني) Beta amyloid protein ، هو السبب الفعلي لمرض الألزهايمر؛ فالأدوية التي تستهدف البروتين بيتا أميلويد فشلت مرارًا وتكرارًا، كما أن التجارب الإكلينيكة واسعة النطاق التي كلفت بلايين الدولارات في الأبحاث لم تظهر أي تأثير إيجابي، بل إن بعض الأدوية التجريبية بدا أنها تؤدي إلى تدهو الوظائف المعرفية.

ومع هذا الدواء الجديد، كانت هناك مخاوف أيضًا حول طريقة المصادقة التي اتّبتعها الإدارة FDA. وفي النهاية، طلبت جانيت وودكوك Janet Woodcock، مفوضة الولايات المتحدة للإدارة FDA، إجراء تحقيق في طريقة اتخاذ القرار في الإدارة FDA.

ولكن الخلاف لا ينحصر في هذا القرار فقط، بل القلق الأكبر يتمثل بأن التركيز المستمر على البروتين بيتا أميلويد هو صرف خطير للانتباه، وأنه قد يُخفي الطبيعة المعقَّدة للمرض، وقد يهدر وقتًا ثمينًا من غير فائدة. فهناك إجماعٌ متنامٍ حاليًا على أنه لا يوجد مسبب واحد لمرض الألزهايمر، وأن هناك شبكة معقدة من العوامل لكل منها دورها. ربما لا يبدو هذا خبرًا سارًا، ولكن هناك جانبًا إيجابيًا لذلك؛ وهو أن هناك العديد من العوامل المختلفة يمكنها أن توفر الكثير من السبل للعلاج.

الطريق الوحيد هي طريق البروتين بيتا أميلويد

هناك عشرة ملايين حالة جديدة عالميًا من الخرف Dementia كل عام، وما يقرب من ثلثيها يكون مرض الألزهايمر. وهناك كميات ضخمة من النقود استُثمِرت في فهم السبب الكامن وراءه، وكان أغلب التركيز منصبًا على تفسير واحد.

في البداية، كان هناك سبب جيد لذلك؛ فقد اشتهرت نظرية الأميلويد في تسعينات القرن العشرين، وذلك بعد اكتشاف ثلاث طفرات جينية لها علاقة بتكوين البروتين بيتا أميلويد. والإصابة بواحدة من هذه الطفرات يؤكد الإصابة المبكرة بمرض الألزهايمر، إذ إنه سيصاب بالمرض قبل سن 65. وبما أن لويحات البروتين بيتا أميلويد علامة مميزة للمرض، فقد بدت كأنها هي السبب على الأرجح. وتعرَّف العلماء على عوامل مساعدة أخرى، ولكن الفكرة السائدة هي أن هذه العوامل كانت توابع للمشكلة الأساسية مع البروتين بيتا أميلويد، فيما يعرف بنظرية “سلسلة البروتين بيتا أميلويد” The amyloid cascade hypothesis.

حتى الآن، فشلت الأدوية التي تدمر الأميلويد في تحقيق تحسين فعليٍّ في أعراض المرض. ولكن بعض الخبراء يأملون بأن تكون فاعلة إن أعطيت قبل ظهور الأعراض، وهناك أدوية مرشحة أخرى في المراحل الأخيرة من التجارب الإكلينيكية.

ويقول رودولف تانزي Rudolph Tanzi، والذي يدرس الجينات الجزيئية لمرض الألزهايمر في جامعة هارفارد Harvard’s university، إن التفكير السائد الآن هو أن دور الأميلويد في مرض الألزهايمر مشابه لدور الكوليسترول في أمراض القلب؛ أي أن المستويات قد تكون مرتفعة لعقود قبل بداية الأعراض. إذا استطاع الأطباء اكتشاف المستويات العالية من الكوليسترول في مرحلة مبكرة، ويمكنهم وصف أدوية تقللها وتمنع إصابة القلب. ولكن بمجرد أن يصاب المرء بفشل القلب الاحتقاني Congestive heart failure، فإن هذه الأدوية لن تكون كافية. أما بالنسبة إلى البروتين بيتا أميلويد، فإنه من غير الروتيني أن يقيسه الأطباء في الأفراد، ومن ثم بمجرد إصابة الشخص بأعراض مرض الألزهايمر، فإن إزالة اللويحات لن يزيل الضرر الذي حصل. ويبحث العديد من الباحثين عن علامات حيوية تساعدنا على اكتشاف المرض قبل سنوات من ظهور الأعراض، وهو ما سيعطي هذه العلاجات الوقائية فرصة لتكون ذات نفع.

متشابك على شكل تاو

إضافة إلى البروتينات أميلويد، فهناك علامة مميزة أخرى لمرض الألزهايمر في الدماغ، ألا وهو تجمُّع بروتين يسمى تاو Tau. ففي الأدمغة السليمة  يسهم البروتين تاو في دعم بنية الخلايا العصبية، ولكن هناك تعبيرات معينة تطرأ عليه يمكنها أن تتسبب في تراكمه فوق بعضه البعض داخل المحاور Axons  (وهي الأذرع التي تربط جسد العصبون (الخلية العصبية) Neuron بالخلايا الأخرى)؛ مما يعرقل قدرة الخلية العصبية على التواصل.

بمجرد أن يتطور لدى المرء مرض الألزهايمر، فإن مقدار تجمع البروتين تاو يتناسب مع شدة الخرف أفضل من كمية البيتا أميلويد، مما يشير إلى أنه يؤدي دورًا مهمًّا في تطور المرض بمجرد ظهور الأعراض، كما قال إينار سيغوردسون Einar Sigurdsson، من جامعة نيويورك New York University. ويتابع قائلا: “على الأرجح أن استهداف البروتين تاو أسلوب عملي أكثر في المراحل المتأخرة من المرض”.

وللأسف، فإنه لا توجد أدوية ناجعة تستهدف البروتين تاو؛ إذ إن الغالبية العظمى من تجمعات البروتين تاو تكون داخل الخلايا العصبية، ويكون استهدافها أمرًا صعبًا. كما يمكن للبروتين تاو أن يتخذ عدة أشكال مختلفة، ومن غير الواضح أي هذه الأشكال هو الأفضل للاستهداف. وكذلك، فإن هناك القليل من التجارب التي أجريت باستخدام أجسام مضادة تستهدف البروتين تاو، والتي فشلت بدورها؛ إلا أن هناك علاجات أخرى لا تزال قيد التطوير.

في الوقت الحالي، هناك بعض الأمور التي يمكننا إجراؤها لتقليل احتمال تجمع تشابكات البروتين تاو المسببة للضرر. ويقول سيغردسون إن هناك عددًا قليلًا نسبيًا من الأبحاث حول الكيفية التي تؤثر بها عوامل نمط الحياة في الخلل في البروتين تاو، ويمكن شملها في عبارة “ما كان جيدًا لقلبك فهو جيد لدماغك”.

الأدلة في جيناتنا

من الواضح أن الجينات تؤدي دورًا في مرض الألزهايمر؛ لأن هناك نسبة صغيرة من الحالات تحدث في المراحل المبكرة من الحياة، نتيجة لطفرات جينية معينة. وهذه الطفرات نادرة جدًا -نحو 5-6% من حالات مرض الألزهايمر تظهر مبكرة ، وجزء صغير منها فقط تسببه الطفرات. ولكن هناك طفرات جينية أكثر بكثير لها ارتباط طفيف بمرض الألزهايمر متأخر الظهور. فالجينات التي لها تنويعات Variants مرتبطة بمرض الألزهايمر متأخر الظهور تُدعى “صميم البروتين الشحمي إي E Apolipoprotein E، (اختصارًا: الجين APOE): فالنوع APOE e2 يقلل احتمال المرض، والنوع APOE e4 يزيده.

يدرس الباحثون الأدوار التي يؤديها الجين APOE. فالنوع e4 يبدو أنه يُحفِّز تكوُّن صفائح من البروتين بيتا أميليود، كما قد يزيد من الالتهاب العصبي Neuroinflammation الذي يؤثر في وظائف الحاجز الدموي الدماغي Blood brain barrier، وهي الطبقة الحامية التي تتحكم في حركة الجزيئات والخلايا بين الدم والدماغ.

ومع أن بعض الاستراتيجيات التي تستهدف الجين APOE في الحيوانات المصابة بمرض شبيه بمرض الألزهايمر تبدو واعدة ، إلا أن عددًا قليلًا جدًا منها فُحِصَ على البشر. فهناك تجربة مثيرة للاهتمام بشكل خاص، وهي في مراحلها الأولى، وتفحص علاجًا يوصل الجين APOE e2 الذي يعطي حماية من المرض، ليفحصوا إن كانت لذلك آثار مفيدة في الأشخاص الحاملين لنسختين من النوع APOE e4 المسبب للضرر.

وللأسف لا يوجد حتى الآن ما يمكنك فعله فيما يخص جيناتك، ولا ينصح عموما بإجراء فحوص لتحديد أنواع الجين APOE عند الأشخاص. وسبب ذلك أنها لا تحدد تحديداً قاطعاً إذا كنت ستصاب بالمرض أم لا؛ فالعديد من الأشخاص الذين لديهم النوع الحامي من هذا الجين يصابون بمرض الألزهايمر، وهناك العديد ممن لديهم النوع المسبب للضرر لا يصابون بالمرض.

الغزاة الخارجيون

إن العدوى قد تؤدي دورًا في احتمال تطوير الشخص لمرض الألزهايمر. ومع أن هناك نتائج متضاربة عبر السنوات، إلا أن هناك أدلة متزايدة على أن هناك فيروسات وبكتيريا معينة تزيد احتمال الإصابة.

بالتحديد، هناك أبحاث ربطت بين المرض والبكتيريا المسببة لأحد أمراض اللثة؛ حيث إن هناك دراسة لما يقرب من نحو 30 ألف شخص وجدت ما يشير إلى أن الإصابة بمرض شديد في اللثة لمدة عشر سنوات على الأقل يزيد من احتمال تطوير مرض الألزهايمر بنسبة 70%. وفي 2019، نشر باحثون في شركة الصناعات الدوائية الحيوية كورتيكسايم Cortexyme نتائج حول أحد أنواع البكتيريا المسببة لأمراض اللثة (بورفيروموناس جينجيفاليس) Porphyromonas gingivalis، إذ وجدوا هذا الميكروب -وكذلك الإنزيمات السامة التي ينتجها- في أدمغة أشخاص مصابين بمرض الألزهايمر بعد الوفاة. وفي الفئران، بيَّن الباحثون أن هذه البكتيريا يمكنها الانتقال من الفم إلى الدماغ. وبعد أن أعطى الباحثون الفئران دواءً يزيل فعالية الإنزيمات السامة، وجدوا أن ذلك يقلل من نسبة الالتهاب في الدماغ ويقلل نسبة البروتين بيتا أميلويد. وقد استقطبت الشركة الآن أكثر من 600 شخص مصابين بمرض الألزهايمر، بشدة خفيفة إلى متوسطة، للمشاركة في تجربة إكلينيكية للدواء. ويتوقع أن يتوصلوا إلى النتائج بحلول نهاية 2021.

أما عن كيفية تقليل خطر الإصابة؛ فإنه ليس هناك بعدُ ارتباطا مباشرًا بين صحة الأسنان وخطر الإصابة بمرض الألزهايمر، ولكنْ على الأرجح أنه من الجيد تنظيف الأسنان بالفرشاة والخيط وزيارة طبيب أسنانك دورياً.

نيران صديقة؟

ربما لا تكون الميكروبات نفسها هي المسببة لمرض الألزهايمر، ولكن قد يكون السبب هو كيفية استجابة أجسادنا لها ولغيرها مما يراه الجسم خطرًا عليه. فعلى سبيل المثال، هناك العديد من الدراسات التي أشارت إلى أن الإصابة بفيروسات الهيربسHerpes  قد تحفز تجمع بروتين البيتا أميلويد. ففي البداية على الأقل، فإن هذه الاستجابة قد تحمي الدماغ، وقد افترض تانزي وزميلاه روبرت مويرRobert Moir وريتشارد لاث  Richard Lathe، أن الأميلويد هو في الواقع بروتين مضاد للميكروبات يلتصق بالفيروسات أو البكتيريا التي تدخل للدماغ ويبطل أثرها. في البداية، يحفز الأميلويد حدوث استجابة مناعية، وهي الالتهاب، والتي تساعد على القضاء على العدوى. ولكن إن استمرت العدوى، فيمكن أن تسبب الأذى. أحد جوانب هذه الاستجابة المناعية هو تفعيل خلايا الدماغ المعروفة بالدُّبَيْقيات Microglia والخلايا النجمية Astrocytes، وتدخل في حالة تدمير الأعصاب، أو كما يقول تانزي “كأنها مدبرة منزل تتحول إلى قاتلة”.

يحاول تانزي وآخرون أن يجدوا طريقة ليعكسوا سير الأمور. ويقول: “منذ مدة ونحن نفحص كل دواء مصادق عليه، وكل منتج طبيعي، لتحديد قدرته على إخبار الخلايا الدبيقية والخلايا النجمية أن تتوقف عن القتل، وأن تعود كما كانت في السابق خلايا توفر الغذاء والتنظيف”. وحتى الآن، صار لديهم 35 مادة واعدة، والخطوة التالية هي فحص هذه المواد على الحيوانات.

ولكن ترويض الدبيقيات هو مجرد طريقة واحدة لتقليل الالتهاب، والذي يمكن أن يتحفز بالعديد من الطرق. فعلى سبيل المثال، نعلم أن المصابين باضطرابات مناعية ذاتية، من مثل التهاب المفاصل الروماتويدي Rheumatoid arthritis أو مرض كرون Crohn’s disease عندهم مستويات أعلى من بروتين محرض على الالتهاب يسمى عامل نخر الورم Tumor necrosis factor (واختصارًا: العامل TNF). وتقول مالو تانسي Malú Tansy، مديرة مركز الأبحاث الانتقالية في الأمراض التنكسية العصبية Center for Translational Research Neurodegenerative Disease في جامعة فلوريدا University of Florida إن الأشخاص الذين لديهم مستويات عالية على المدى الطويل من العامل TNF يكون لديهم احتمال أعلى لتطوير أمراض تنكسية عصبية، ولكن العلاجات المضادة للعامل TNF يمكنها تقليل ذلك. وفي النماذج الفأرية لمرض الألزهايمر، أثبتت تانسي وزملاؤها أن حصر Blocking العامل TNF يساعد على تحسين الوظائف العصبية.

وتقول تانسي إن تجمع بروتينات من مثل البيتا أميلويد أمر مهم لمرض الألزهايمر، ولكنها لا تعتقد أنه العامل الذي يحفز بداية المرض، وتقول: “علينا أن نفكر في تكدس البروتين ليس على أنه ما يحفز الخلل المناعي الالتهابي، بل أنه من نواتجه”. وبتحديد الخلل المناعي وعلاجه، قد يصير بإمكانك الوقاية من المرض.

ولكن ما الذي يبدأ الالتهاب وتكوين العامل TNF في المقام الأول؟ صحيح أن الجينات تمثل أحد العوامل، إلا أن أبحاث تانسي تشير أيضًا إلى أن الحميات الغذائية ذات الدهون والسكريات العالية يمكنها أن تقود إلى الالتهاب وخلل تنظيم المناعة، وهذا يشمل الدماغ أيضًا. ويمكن أن يقي حصر العامل TNF من العديد من هذه الآثار، كما تقول.

يبقى الآن معرفة ما إذا كان بالإمكان تحويل هذه النتائج لتكون علاجات، وحتى ذلك الوقت، قد تكون هناك طرق أخرى لتقليل الالتهاب. فهناك بعض الاستثناءات، إلا أن الأبحاث تشير عموما إلى أن التمارين، والحميات ذات النسبة القليلة من اللحم الأحمر والدهون المشبعة والسكريات، تدعم وظائف دماغ سليمة عندما نتقدم في العمر.

الخلود إلى النوم

مرارًا وتكرارًا، ربطت الدراسات مرض الألزهايمر بمشكلات النوم، ولكن طبيعة هذه العلاقة ليست مفهومة فهمًا كاملًا، والأرجح أن كلًا منهما يسبب الآخر؛ فعندما ننام، يتخلص جهاز إزالة الفضلات في الدماغ من البروتينات ذات الضرر المحتمل، وهذا الجهاز هو الجهاز الغلمفاوي Glymphatic system. وحتى ليلة واحدة من دون نوم يمكنها أن تزيد مستويات البروتين بيتا أميلويد في الدماغ. ولكن نقص النوم كذلك يمكنه أن يعزز من تجمع بروتينات تاو وحدوث الالتهاب في الدماغ. إضافة لذلك، فإن الآليات التي تتحكم في الساعة البيولوجية بأجسامنا تؤدي دورًا في تطوير أمراض تنكسية عصبية، وذلك عن طريق تنظيم أنماط النوم والالتهاب، كما يقول إريك ميوزيك Erik Musiek، من جامعة واشنطن Washington University في سانت لويس، ميزوري.

يمكن للأدوية المستخدمة حاليًا لعلاج اضطرابات النوم، كالأرق، أن تكون فاعلة ضد مرض الألزهايمر كذلك، وفقا لميوزيك. كما أظهرت دراسات الفئران أن هناك نوعًا من الأدوية يعرف بمناهضة الأوريكسين Orexin antagonist والذي يقلل مستويات البروتين بيتا أميلويد في الدماغ.

ويقول ميوزيك إن معرفة الكيفية التي يحمي بها النوم وساعة الجسم أدمغتنا هو أمر مهم لإيجاد علاجات جديدة، ويقول: “إذا كنا نعلم أننا عندما ننام يتفعَّل مسارٌ في نوع ما من الخلايا، ولهذا السبب يكون  النوم حاميًا، عندها يمكننا ببساطة أن نصنع دواءً يقوم بهذه العملية”.

في الوقت الحالي، هناك الكثير مما يمكننا فعله لتحسين جودة نومنا، والذي لا آثار جانبية سيئة له بعكس الأدوية. وتنصح الأكاديمية الأمريكية لطب النوم American Academy of Sleep Medicine أن نحصل على سبع ساعات من النوم على الأقل كل ليلة، وأن نتبنى عادات جيدة كالحفاظ على نظام نوم ثابت، وتجنب الأضواء الساطعة والكافييْن في المساء.

ضربة على الرأس

نعلم أن إصابة الدماغ يمكنها زيادة خطر تطوير الخرف في المراحل المتأخرة من الحياة؛ فقد وجدت دراسة أجرت على أكثر من 350 ألف شخص أنه حتى الإصابات الخفيفة تزيد خطر الإصابة بالخرف بأكثر من الضِّعف. وصحيح أن مرض الألزهايمر هو أكثر أنواع الخرف شيوعًا إلا أنه لا توجد أدلة حاسمة على أن إصابة الدماغ تؤدي إليه تحديدا، كما تقول كريستين دامز أوكونر Kristen Dams-O’Connor، الاختصاصية بالطب النفسي العصبي وإصابات الدماغ في مستشفى ماونت سيناي Mount Sinai Hospital في نيويورك. وهناك تداخل بين أعراض مرض الألزهايمر والأعراض التي يعانيها الشخص بعد الإصابة الرضخية للدماغ Traumatic brain injury (واختصارًا: الإصابة TBI)” مما يصعب الفصل بينهما”، كما تقول.

من المهم التأكيد على أن إصابات الدماغ ما هي إلا واحدة من عوامل الاختطار Risk factors العديدة، وحتى إذا كان الأشخاص الذين تعرضوا لإصابة رضخية للدماغ بالمعدل عندهم خطر أعلى للإصابة بأمراض تنكسية عصبية، إلا أن “أغلب الناجين من الإصابات  TBI لن يصابوا بالخرف”، وفقا لدامز أوكونر. كما تقول: “دراسة هؤلاء الذين لا يصابون بالخرف مهمة بأهمية دراسة أولئك الذي يصابون به؛ لأنها قد تبدأ بإرشادنا نحو عوامل المرونة، وقد يقودنا بعضها إلى أهداف إضافية لتسليط العلاج عليها”.

أما العلاجات الفاعلة لأعراض إصابة الدماغ طويلة الأمد؛ فهي محدودة، لكن دامز أوكونر تقول إننا يمكننا حماية صحة الدماغ بعد إصابة للرأس عن طريق حمية غذائية سليمة، وعادات نوم سليمة، وتمارين رياضية، والمحافظة على النشاط الاجتماعي، والانخراط في الأنشطة المتطلبة من الناحية المعرفية. كما أنها تؤكد على أهمية الزيارات الطبية المنتظمة.

الوقاية من إصابة الرأس في المقام الأول أمر ضروري كذلك، خصوصا للكبار في السن؛ فاستخدام حزام الأمان، وارتداء الخوذة على الدراجة النارية أو الهوائية، وفحص نظرك بانتظام للحماية من السقوط يمكن أن يساعد.

جمع الخيوط معا

الغالبية العظمى من الباحثين الدارسين لمرض الألزهايمر الآن يعترفون بأن هناك عدة عوامل تسهم في نشوء المرض، وتشتمل على سلسلة من العمليات الخلوية والجزيئية التي لم نفهمها بعد. فكوستانتينو ياديكولا Costantino Iadecola من كلية طب ويل كورنيل Weill Cornell Medical College في نيويورك يقول: “هناك مجموعة من العوامل الممرضة Pathologies التي تتسبب في الاختلال Cognitive impairment “.

يقول جورج بيري George Perry، من جامعة تكساس University of Texas، سان أنطونيو، إن الهوس الماضي بالسبب الواحد، الأميلويد، تسبب في إعاقة التقدم. وبالنسبة إلى أمراض القلب، فهناك برامج علاجية أكثر شمولية، وتشتمل على الأدوية والعمليات الجراحية، ولكنها أيضًا تشتمل على عوامل تتعلق بنمط الحياة كالحمية الغذائية والتمارين. ويقول: “لم نطور ذلك لمرض الألزهايمر، لماذا؟ طوال السنوات الثلاثين الماضية كنا نركز على التخلص من الأميلويد؛ لأن هذا كان سيشفي من كل شيء”.

كما أن نقل التركيز إلى مسبب آخر بعينه ليس بأفضل من ذي قبل. ويقول بيري: “ستكون لديك المشكلة نفسها، لأنه لن يفسر الصورة الكاملة لما يحدث في المرض. فجميع هذه الأمور تتكامل مع بعضها البعض”.

وهذه الطريقة الجديدة من الفكر بدأت مؤخرًا بتغيير كيفية دراستنا للمرض ومشاركة البيانات. فهناك مبادرات من مثل الشبكة التعاونية لجمعية مرض الألزهايمر العالمية Global Alzheimer’s Association Interactive Network، ونيرونت Neuronet – التي أطلقتها عام 2019 مبادرة الأدوية المبتكرة للاتحاد الأوروبي European Union’s Innovative Medicines- وشراكة دافوس التعاونية لمرض الألزهايمر Davos Alzheimer’s Collaborative، وهذه المبادرات تهدف إلى إنشاء تعاونات ومشاركة للبيانات من أجل تعزيز فهم أفضل لهذا المرض التنكسي العصبي. وبسبب التعقيد الضخم لمرض الألزهايمر، فإن التعامل معه من عدة زوايا قد يكون السبيل الوحيد لفهمه وعلاجه.

ومن الجيد، فإن العديد من الباحثين يكافحون من أجل فهم الكيفية التي تتفاعل بها هذه العوامل مع بعضها، والكيفية التي يوفر كل منها فرصة مختلفة لمحاربة المرض. وحتى مراجعتنا لما نعرفه حاليا عن المرض قد يكون له تأثير كبير. وكما قال ياديكولا: “إذا كان بإمكانك ضبط كل عوامل الاختطار التي نعرفها، ستقلل نسبة الإصابة بمرض الألزهايمر بنسبة 30%”.

كوفيد-19 والوظائف المعرفية

أكدت عدة دراسات أن هناك خطرًا لحدوث مضاعفات عصبية ونفسية لكوفيد-19، مثل التوتر، والاكتئاب، والهذيان. ومؤخرًا، بدأنا بكشف علاقات مثيرة للقلق بين الإصابة بالفيروس التاجي المسبب لمرض كوفيد-19 وأعراض شبيهة  بالألزهايمر لدى البعض. غابرييل دي إيراوسكين Gabriel de Erausquin، من مركز علوم الصحة في جامعة تكساسUniversity of Texas Health Science Center في سان أنطونيو يجري دراسة على كبار السن الذين كانت نتائج إصابتهم بالفيروس إيجابية. ويقول: “وجدنا أن عددًا لافتًا للنظر ممن تزيد أعمارهم على 60 سنة ممن تتعرضوا للفيروس، مقارنة بالذين كانت نتائج فحص PCR لديهم سلبية، كانوا يعانون خللا في الوظائف المعرفية. والنسبة قريبة من 60%”.

يقول دي إيراوسكين إن هذا أكبر بما يقارب عشرة أضعاف المتوقع لهذه الفئة العمرية. كما يقول إن هناك العديد من الأشخاص الذين يعانون أساساً مشكلات النسيان، وهناك آخرون مصابون باعتلالات أكبر، من ضمنها مشكلات الانتباه واللغة. ومع أن بعض الأشخاص في هذه الدراسة انتهى بهم المطاف في المستشفيات مصابين بكوفيد-19، إلا أن أغلبهم لم يذهبوا إلى المستشفيات، وكانت الشدة الأولية للأعراض لا تتناسب مع شدة المشكلات المعرفية التي أتت لاحقًا.

وهناك أبحاث أخرى عرضت في المؤتمر الدولي لجمعية مرض الألزهايمرAlzheimer’s Association International Conference الذي عقد مؤخرًا في كولورادو، وقد حللت هذه الأبحاث العلامات الحيوية في الدم عند المصابين بكوفيد-19 الذين دخلوا المستشفيات، مع أو من دون أعراض عصبية. فالأشخاص المصابون بأعراض عصبية معينة كانت لديهم مستويات مرتفعة من العلامات الحيوية المرتبطة بمرض الألزهايمر وبالضرر العصبي، ومن ضمنها البروتين تاو، وبروتين يسمى السلسلة الخفيفة للخيط العصبي Neurofilament light chain.

وصحيح أنه من الممكن أن التغيرات التي رصدها دي إيراوسكين وغيره تمثل بدايات مرض الألزهايمر، إلا أنه من الممكن أيضًا أن هؤلاء الأشخاص سيتعافون. ببساطة ليست لدينا معلومات كافية بعد، ويقول دي إيراوسكين، الآن “التجربة الحاسمة ستكون معرفة مسار هذه الحالات”.

الاحتياطي والمرونة

مع أن العديد من العلماء يدرسون عوامل تزايد خطر الإصابة بمرض الألزهايمر، إلى أن هناك آخرين مهتمين بالعوامل التي تزيد المرونة ضده. وإحدى الطرق لدراسة ذلك هي دراسة العائلات المصابة بطفرات جينية نادرة تقود دائمًا تقريبًا إلى الإصابة المبكرة بمرض الألزهايمر. ومن حين إلى آخر، يرث أحد ما هذه الطفرة، ولكنه لا يطور المرض.

في إحدى هذه الحالات، أصيبت امرأة بطفرة جينية نادرة أخرى اسمها طفرة كرايستشرش Christchurch mutation في الجين APOE، والذي بدا أنه عامل حامٍ من المرض. ويؤدي الجين APOE دورًا في مرض الألزهايمر (انظر: المقالة الرئيسية)، ودراسة وظائفه الضارة والحامية قد توصلنا إلى علاجات للمرض.

كما تعرفت مجموعة بحثية أخرى على أفراد مرنين ممن لا يحملون طفرة كرايستشرش، مما يشير إلى أن هناك عوامل جينية حامية أيضًا.

لا يمكننا تغيير جيناتنا (على الأقل ليس بعد). ولكن، هناك عدة دراسات أشارت إلى أن الأشخاص الذين لديهم احتياطي معرفي Cognitive reserve أعلى يكونون أكثر مقاومة للتدهور المعرفي المرتبط بمرض الألزهايمر، وهو ما يعني أنهم يحافظون على الوظائف الطبيعية على الرغم من تجمع الصفائح في أدمغتهم.

يبدو أن بإمكاننا التحكم في الاحتياطي المعرفي حتى ولو جزئيًا؛ فالعوامل من مثل التعليم العالي، وثنائية اللغة، وحتى إذا كنت تعمل في وظيفة تحفزّك، وكذلك فإنه يبدو أنها تحفز المرونة ضد أعراض الخرف.

أسباب أخرى محتملة لمرض الألزهايمر

الأوعية الدموية

حتى عهد قريب، كان من المعتقد أن الضرر الواقع على الأوعية الدموية، والذي يُشاهد في مرض الألزهايمر، كان “نتيجة ثانوية لحقيقة أن الدماغ يموت”، وفقا لكوستانتينو ياديكولا، من جامعة كورنيل في نيويورك. ومع ذلك، فإن هناك أدلة الآن على وجود عوامل اختطار وعائية من مثل فرط ضغط الدم في منتصف العمر يمكنها أن تزيد فرص حدوث المرض. والضرر الحاصل على الأوعية الدموية وتجمع البروتين بيتا أميلويد قد يكونان عاملين يسبب كل منهما الآخر أيضًا؛ حيث تتسبب الصفائح ضررًا للأوعية الدموية، والأوعية الدموية كذلك تعيق التخلص من البيتا أميلويد.

معادن ملتصقة

الإجهاد التأكسدي Oxidative stress هو خلل في توازن الإنتاج والتخلص من مركبات الأكسجين التفاعلية Reactive oxygen species، والتي هي نواتج طبيعية للاستقلاب. فعندما نتقدم في العمر، فإن الخلل في الميتوكندريا Mitochondria -وهي مولدات الطاقة في خلايانا- يمكن أن يُنتِج إجهادًا تأكسديًاOxidative stress ، وفقا لجورج بيري، المختص بالبيولوجيا العصبية  من جامعة تكساس في سان أنطونيو. وهذا بدوره يلحق الضرر بالخلايا العصبية والمشتبكات العصبية Synapses،  هي الوصلات الموجودة بين الخلايا العصبية والتي تعتبر مهمة في التعلم. والأكثر من ذلك، أنه عندما لا يجري إعادة تدوير المايتوكندريا تدويرًا سليماً، فإن الأيونات المعدنية التي تستخدمها، كالنحاس والحديد، يمكن أن تنتهي في مكان خاطئ، مما يقود إلى ضرر أكبر. ويقول بيري إن البروتين بيتا أميلويد قد يؤدي دوراً في تنظيف الأيونات التي ضلت طريقها.

كما تدعم بعض الأبحاث فكرة أن الإجهاد التأكسدي، وخلل الأداء في الميتوكندريا، والأيونات المعدنية تؤدي دورا في تطور مرض الألزهايمر، ولكن علاجات من مثل مضادات الأكسدة والمختلبات Chelators، والتي ترتبط بالأيونات المعدنية، فشلت حتى الآن في إظهار منفعة حاسمة.

البريونات

البريون هو أحد أنواع البروتينات سيئة الثني، والتي يمكن أن تسبب ضررًا أوسع نطاقًا عن طريق تحفيز بروتينات أخرى من النوع نفسه على سوء الانثناء، ويجادل البعض في أن مرض الألزهايمر هو مرض بريوني.

وما يدعم هذه الفكرة أدلة على وجود بعض أنواع ابرلوتين بيتا أميلويد وبروتين تاو والتي بدا وكأن لها نشاطًا شبيهًا بالبريون في أدمغة المصابين بمرض الألزهايمر بعد أن توفوا.

إذا كانت الأشكال الشبيهة بالبريونات هي ما يسبب المرض فعلًا، فإن العلاجات الفعالة ستحتاج إلى أن تستهدف هذه الأشكال المحددة، بدلًا من البيتا أميلويد والتاو عموما.

مقاومة الأنسولين

تشير بعض الدراسات إلى المصابين بداء السكري من النوع الثاني يكونون أكثر عرضة للإصابة بمرض الألزهايمر وأنواع الخرف الأخرى، ولكن الآلية غير واضحة. يبدو أن الأنسولين مهم لتكون المشتبكات العصبية والحفاظ عليها. كما يؤثر الأنسولين في الوظائف الوعائية المهمة لتزويد الدماغ بالدم.

بقلم:  هانا توماسي

ترجمة:   د. عبد الرحمن سوالمة

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى