أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلوم

شحنة كهربائية تكشط معادن ثمينة من النفايات

طريقة جديدة يمكنها أن تستخلص عناصر ترابية نادرة من النفايات الالكترونية ومن رماد الفحم الحجري

بينما يفتش الكيميائيون عن طرق لاسترداد المعادن الثمينة من النفايات الصناعية والإلكترونيات المطروحة جانبا، عثر فريق من الباحثين على حل يبدو سحرياً نوعاً ما: سلَط على النفايات ومضات كهروحرارية.

تشكَل العناصر الترابية النادرة Rare earth elements (اختصارا: العناصر REEs) معضلة بيئية. من جهة، فإن هذه المعادن الاثني عشر أو ما يقرب من ذلك كاليتريوم Yttrium والنيوديميوم Neodymium هي مكونات مهمة في توربينات الرياح Wind turbines والألواح الشمسية Solar panels، ويمكن للمصادر الرخيصة من العناصر REEs أن تعطي تلك التقنيات الخضراء دفعة هائلة. لكن من جهة أخرى، فإن الحصول على العناصر REEs عن طريق التعدين يكلَف بلايين الدولارات من الضرر البيئي كل عام. ولآن هذه العناصر توجد بتراكيز بسيطة، فإن على شركات التعدين أن تفتَش خلال أطنان متتالية من الخامات المكشوطة من الأراضي الطبيعية ومخربة اياها. والأكثر من ذلك، فإن العناصر REEs غالباً ما تكون مختلطة بالعناصر المشعة، فيؤدي استخلاصها إلى خلق نفايات نووية منخفضة الاشعاع.

بالمقابل، فإن الإلكترونيات المستعملة والنفايات الصناعية الآخرى غنية بالعناصر REEs. لكن طرق التدوير الحالية غير كفؤة ومكلفة وتتطلب سوائل أكَالة Corrosive مثل حمض الهيدروكلوريك Hydrochloric acid المركَز. لذا، فلكل مشكلة بيئية يمكن للعناصر REEs حلها، يبدو أنها تخلق اثنتين منها.

يبدو أن العملية الجديدة ستكسر هذا المأزق. في دورية سيانس أدفانسيس Science Advances نشر فريق يقوده عالم الكيمياء العضوية جيمس تاور James Tour من جامعة رايس Rice University نتائج استخدام نبضات كهروحرارية تسهَل استخلاص العناصر REEs من النفايات الصناعية. هذه التقنية أكفأ بضعفين من الطرق الحالية، وتستخدم موادُّ كيميائية أفضل بيئياً بكثير.

«إنها طريقة مثيرة للاهتمام»، كما يقول أمير شيخي Amir Sheikhi-مهندس كيميائي من جامعة ولاية بنسلفانيا Pennsylvania State University في يونيفرستي بارك University Park، والذي يدرس استخلاص العناصر REEs. بمعالجة قصيرة عند درجة حرارة عالية… تتحرر هذه العناصر الترابية النادرة.

اختبر فريق تاور هذه العملية على الرماد المتطاير Fly ash وهو منتج ثانوي رمادي على شكل مسحوق ينجم عن حرق الفحم الحجري، ويحتوي على مستويات عالية من العناصر REEs الموجودة مسبقاُ في الفحم الحجري. خلط الباحثون الرماد بأسود الكربون Carbon black لتحسين الناقلية الكهربائيةElectrical conductivity، ثم وضعوا الخليط في أنابيب شفافة من الكوارتز بعرض 1-2 سم وبطول 5-8 سم. أرسلت مكثفات كهربائية Capacitors على طرفي الأنابيب نبضة من التيار الكهربائي مسببة توهج الأنبوب بلون أبيض مصفَر، ومنتجة نفخة ضئيلة من الدخان. خلال ثانية واحدة ارتفعت درجة حرارة المساحيق المختلطة إلى 3000 °س ثم بردت بسرعة.

تلك الشحنة من الحرارة تفعل شيئين. عندما يحرق الفحم الحجري كوقود تتشكل أجزاء ميكروسكوبية من الزجاج تحصر العناصر REEs، وتجعل من الصعب استخلاصها. ولكن الانفجارات الكهروحرارية تصدم الزجاج وتحطَمه محررة الأتربة النادرة. يحرَض التسخين الومضي Flash heating أيضاً تغيرات كيميائية: تتحول فوسفات العناصر REEs إلى أكاسيد العناصر REEs الأكثر قابلية للذوبان والأسهل استخلاصاً.

معادن ثمينة

ونتيجة لهذه التغييرات، يمكن لفريق تور أن يستخدم محاليل أقل آكلية لاستخلاص العناصر REEs. يستخدم فريق تور حمض الهيدروكلوريك بتراكيز أقل بـ120 ضعفاً من طرق الاستخلاص الحالية، ومع ذلك تستطيع استخلاص ضعفي المقدار. ويقول تور: «إنه مخفف جداً، وهذا – حسناً لن أفعل ذلك- لكنه مخفف أعتقد لدرجة يمكنك معه شرب المحلول».

إضافة إلى الرماد المتطاير، استخلص فريق تور العناصر REEs مما يدعى بالوحل الأحمر Red mud – منتج ثانوي من صناعة الألمونيوم – ومن الإلكترونيات. في حالة منتج الألمونيوم كسّر الفريق حاسوباً قديماً وطحنوا لوحة داراته إلى مسحوق لإجراء التجارب عليه.

يرغب الكثير من المسؤولين الحكوميين بالحصول على العناصر REEs من النفايات بدلاً من تعدينها، وذلك لآسباب اقتصادية وبيئية أيضاً. سيطرت الصين لفترة طويلة على سوق العناصر REE العالمية (انظر: الشكل)، واشتكت اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية World Trade Organization بأن الصين تستخدم احتكارها للحد من الصادرات وزيادة الأسعار. (استكشفت اليابان مؤخراً عمليات مثل سحب الوحل الغني بالعناصر REE من قاع المحيط العميق، وهي طريقة ليست صديقة تماماً للبيئة). الاعتماد على مزود خارجي للعناصر REEs يضع الدول «في وضع اقتصادي غير محبذ، إن لم يكن يهدَد الأمن القومي»، كما يقول ستيفان ونستن Steven Winston – مهندس كيميائي مستقل، ونائب رئيس سابق لمختبر إيداهو الوطني Idaho National Laboratory، والذي درس تعدين النفايات. يمكن لعملية التسخين الومضي للنفايات أن توفر مصدراً بديلاً.

لكن ما زالت هناك العديد من العقبات. بعد استخلاص العناصر REEs، يجب فصلها إلى عناصر منفردة للتطبيقات المختلفة. «لايزال هذا تحدياً كبيرا»، كما يقول هايلين هسو – كيم Heileen Hsu-Kim -مهندس بيئي في جامعة ديوك Duke University، يدرس استخلاص العناصر REEs. وتستخدم الشركات عادة مذيبات عضوية مثل الكيروسين، والتي بدورها تسبب مشكلات بيئية أو يصعب إعادة تدويرها. لمعالجة مثل هذه المخاوف، شكَل فريق شيخي سليلوزا قابلاً للتحلل بيولوجياً Biodegradable cellulose على شكل شرائط Filaments sporting يغطيها «شعر» Hairs ومجموعات وظيفية Functional groups ترتبط وتلتقط انتقائياً النيوديميوم، وهو مكَن ضروري في مغناطيسات توربينات الرياح.

وإضافة إلى ذلك، لابد من ترقية Scale-up تقنية تور وصولا إلى مستوى صناعي لتحدث فارقاً. يشير شيخي إلى أن «العمليات بدرجات حرارة عالية مكلفة عادة» لكن فريق تور يحاججون بأن التسخين الومضي سريع ولذا فالتكلفة منخفضة، بحدود 12 دولاراً أمريكياً فقط لكل طن من الرماد المتطاير.

أما بالنسبة إلى ترقية التقنية؛ فقد طوَر الفريق سابقاً عملية تسخين ومضي لتحويل الإطارات والبلاستيك القديمة إلى غرافين Graphene) Science, 31 Januty 2020 , p. 496)، كما قامت شركة منبثقة من ذلك Spinoff company بالفعل بترقية حجم هذه العملية باستخدام مسخنات ومضية أكبر.

لو نجحت طريقة تور؛ فهناك الكثير من النفايات الصناعية لاستعمالها. ينتج البشر كل عام 40 مليون طن من النفايات الإلكترونية، و150 مليون طن من الوحل الأحمر، و750 مليون طن من رماد الفحم الحجري المتطاير، معظمها يراكم في تلال ضخمة.

ولما كان حرق الفحم الحجري قد ساعد على خلق الفوضى البيئية الحالية فمن الأجدر لو تستخلص شرارة التقنيات الخضراء من نفاياته. فكما يقول تور: «لانحتاج إلى أي حرق لفحم حجري إضافي لكي تعمل عملية (التدوير) هذه. لدينا جبال تكفي لهذه العملية إلى الأبد».

بقلم سام كين

ترجمة د. سعد الدين خرفان

 .2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved©

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى