أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
أخبار العلوم

فقدان مكونات «قنبلة قذرة» من مختبر تشيرنوبل

مواد مشعة غير آمنة تثير القلق مؤخراً- مع استمرار روسيا باحتلال المحطة النووية المشؤومة

عندما انطفأت الأضواء في محطة الطاقة النووية في تشيرنوبل في 9 مارس، كان الجنود الروس الذين كانوا يصوبون فوهات بنادقهم إلى العمال أقل هموم أناتولي نوسوفسكي Anatoli Nosovsky. فالهمُّ الأكبر كان احتمال وقوع حادثة مشعة في المحطة المتهالكة. فلو نفد وقود مولدات الطوارئ؛ لتوقفت عن العمل وحدات التهوية التي تحافظ على غازالهيدروجين شديد الانفجار من التراكم داخل مستودع للوقود النووي المستنفد، كما يقول نوسوفوسكي مدير معهد مشكلات أمان محطات الطاقة النووية Institute for Safety Problems of Nuclear Power Plants (اختصارا: المعهد ISPNPP) في كييف. وكذلك ستتعطل المجسات والأنظمة الآلية لحجز الغبار المشع داخل «التابوت» Sarcophagus الإسمنتي المحيط بالبقايا المتبقية من مفاعل الوحدة الرابعة في تشيرنوبل، الوحدة التي انصهرت في حادث 1986 المشؤوم.

على الرغم من إعادة الطاقة إلى تشيرنوبل في 14 مارس، إلا أن هموم نوسوفسكي تضاعفت. في خضم فوضى التقدم الروسي، أخبر مجلة ساينس science أن لصوصاً اقتحموا مختبراً لمراقبة الإشعاع في قرية تشيرنوبل – ويبدو أنهم حصلوا على نظائر مشعة Radioactive isotopes تستخدم لمعايرة الأجهزة، وفرّوا أيضا بقطع من نفايات مُشعَّة يمكن خلطها بمتفجرات تقليدية لتشكل «قنبلة قذرة» Dirty bomb، ومثل هذه القنابل قادرة على نشر التلوث على نطاق واسع. كما أن للمعهد ISPNPP مختبرا منفصلا في تشيرنوبل يحتوي على مواد أشد خطراً، ويوضح نوسوفسكي أنها تتألف من «مصادر قوية لأشعة غاما وأشعة النيوترون» تستخدم لاختبار الأجهزة، وأيضاً عينات شديدة الإشعاع من مخلفات انصهار الوحدة الرابعة. ويتابع نوسوفسكي قائلا إنه فقد الاتصال بالمختبر، «ولذا فإن مصير هذه المواد غير معروف لنا».

أقواس بناء فولاذي تحمي البقايا الملتهبة من مفاعل الوحدة الرابعة في تشيرنوبل، لكنه غير مصمم لمقاومة القصف.

في 24 فبراير بدأت الأحداث المأساوية في تشيرنوبل وهو اليوم الأول من الاجتياح. في الخامسة صباحا، مع تدفق الجنود الروس عبر الحدود بين أوكرانيا وبيلا روسيا – على بعد 15 كم فقط من تشيرنوبل – أمر مديرو المعهد ISNPP بإخلاء معظم الموظفين الذي يراقبون أمن المصنع، ويقدمون الدعم الفني لإيقاف التشغيل، ويطورون بروتوكولات إدارة النفايات المشعة في «منطقة الحظر» Exclusion zone المحيطة بتشيرنوبل. وخلال ساعتين أُجلي 67 شخصاً، وبقي اثنان يعيشان في قرية تشيرنوبل للإشراف على مختبر المعهد. «لقد فقدنا الاتصال بهؤلاء الشجعان»، يقول العالم الرئيس ماكسيم سافيليف Maxim Saveliev من المعهد ISPNPP.

وبحلول الساعة 5 مساءً سيطرت القوات الروسية على منشآت تشيرنوبل بكاملها. وتفاوض مشرف الوردية فالينتين غايكو Valentin Geiko على صفقة يتخلى فيها حراس المحطة الأوكرانيون عن أسلحتهم، ويمتنع الجنود الروس عن التدخل بشؤون الموظفين المدنيين، كما يقول نوسوفسكي. لكن لنحو الشهر تقريباً، منع الجنودُ تغيير المناوبة – أي أبقوا عملياً على العمال رهائن – وصادروا هواتفهم النقالة. وتحداهم العمال بإذاعة النشيد الأوكراني الوطني كل صباح بصوت عال، كما يقول نوسوفسكي. في الأسبوع الماضي، سمح المحتلون أخيراً لموظفين جدد باستلام المناوبة. ولكن بعض العمال المحجوزين اختاروا البقاء، كما يضيف «حتى لا يضعون الناس الذين قد يحلون محلهم في موضع الخطر».

ليست تشيرنوبل المحطة النووية الوحيدة في دائرة خطر الحرب. «فقد تفاقمت الأمور في أكثر من موقع وكادت تؤدي إلى وقوع حوادث خطيرة»، كما يقول رافائيل ماريانو غروسي Rafael Mariano Grossi المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية International Atomic Energy Agency، والذي سافر إلى كييف هذا الأسبوع لمناقشة دعم الأمن النووي. ففي 4 مارس قصفت القوات الروسية محطة الطاقة النووية في زاباروجيا Zaporizhzhya – مخطئة لحسن الحظ إصابة مباني المفاعل – وبعد يومين عطّل هجوم صاروخي مفاعل أبحاث يستخدم لتوليد نيوترونات تستخدم في تجارب بمعهد خاركيف للفيزياء والتكنولوجيا Kharkiv Institute of Physics and Technology. يصنف نوسوفسكي الهجوم بأنه لا يقل عن أن يكون «إرهابًا نوويًا ترعاه الدولة».

لكن تشيرنوبل تحتوي على مجموعة فريدة من الأخطار المشعة. مثلا، في 11 مارس اشتعلت حرائق شديدة في الغابات القريبة التي تحتوى على نظائر مشعة نفثها المفاعل أثناء الحادث وامتصتها النباتات والفطريات. وحالت العمليات الحربية الروسية دون دخول مطفئي الحرائق المنطقة المحظورة، كما يقول نوسوفسكي. واستمرت النيران بالاشتعال، وقد تشتد مع ارتفاع حرارة الطقس، كما يقول، مطلقة إشعاعات يمكن أن تؤدي إلى «تدهور كبير في الحالة الإشعاعية في أوكرانيا وأوروبا بكاملها».

يضيف نوسوفسكي أنه حتى الآن، تقترح القياسات عن بعد أن تراكيز الدقائق المشعة Radioactive particle في الدخان لا تشكَل خطراً صحياً، لكن نظام المراقبة الآلي للإشعاع لم يعد للعمل بسبب انقطاع الكهرباء. وهذا يعني «عدم توفر معلومات عن الوضع الحقيقي في المنطقة المحظورة»، كما يقول فيكتور دولين Victor Dolin مدير الأبحاث في معهد الجيوكيمياء البيئية Institute for Environmental Geochemistry بكييف.

غير أن إعادة التيار الكهربائي جنّبنا كابوس انفجار الهيدروجين في مستودع الوقود المستنفد، حيث يستمر تبريد 8,500 طن من قضبان الوقود من اليورانيوم في برك مائية. ولكن المستودع يشكِّل تهديداً رئيساً بالإشعاع: فبفعل التحلل الإشعاعي Radioactive decay، تراكم نحو 240 ضعف السيزيوم-137 و1,500 ضعف السترونتيوم-90 الذي قذفه المفاعل المدمرعام 1986، كما يقول دولين. ويعتزم الموظفون حفر ثقوب في جدران المستودع للسماح لغاز الهيدروجين بالتسرب في حالة انقطاع التيار الكهربائي في المستقبل، كما يقول نوسوفسكي.

يأتي تهديد آخر في تشيرنوبل من الكتل المحتوية على الوقود Fuel containing masses (اختصارا: الكتل FCMs) – وهي خليط من قضبان وقود، وأغطية من الزركون، ومواد أخرى انصهرت في الحادثة وبقيت ملتهبة تحت تابوت الوحدة الرابعة، الذي أنشئ بسرعة في أعقاب الكارثة. لسنوات عديدة تعاون علماء أوكرانيون مع معهد كورشاتوف Kurchatov Institute في روسيا لمراقبتها بحذر شديد. (غير أن المعهد قطع علاقاته بالشركاء الأوكرانيين في بداية الشهر الحالي، وأصدر بياناً يؤيد فيه الحرب و«تطهير أوكرانيا من النازية».) والارتفاعات الشديدة من حين إلى آخر في عدد النيوترونات المتدفقة من بعض الكتل FCMs، وهوعلامة تشير إلي حدوث تفاعلات انشطار نووي Fission، يفعِّل رشاشات المياه فترش محلول نترات الغادولينيوم Gadolinium nitrate الذي يمتص النيوترونات.

احتمالات حدوث انشطار يحافظ على استمراره ذاتيا، أو الوصول إلى الحالة الحرجة في الكتل FCM هي احتمالات ضئيلة جدا، حتى ولو حفّزت حالة حرجة انفجاراً صغيراً، فربما يظل الانفجار محتجزا ضمن البناء المبني على شكل قبة فولاذية تعرف بالحاجز الأمني الجديد Confinement New Safe (اختصارا: الحاجز (NSCالذي أنشئ فوق التابوت في عام 2016 لحمايته من العوامل الجوية، ولتوفير مساحة آمنة لعمليات التنظيف. ولكن الحاجز NSC لم يصمَم لتحمل القصف، ويمكن لخرق ما أن يهدد الحاجز FCMs. والتهدم التدريجي لهذا الحاجز قد يؤدي ذلك إلى إطلاق كمية من مئات الأطنان من الغبار المشع الذي تراكم في التابوت خلال السنوات.

هناك آلاف المواقع الأخرى في أوكرانيا التي تحتوي على مواد مشعة. ومعظمها تحت مراقبة السلطة النووية الأوكرانية. «وهناك الكثير من الجهود المستمرة لحفظ المواد بشكل آمن»، كما يقول بيتر مارتن Martin Peter عالم الفيزياء النووية من جامعة بريستول University of Bristol الذي يتعاون مع علماء في تشيرنوبل. وهذا يعني نقل مصادر الإشعاع حيثما أمكن إلى مستودعات ومخازن آمنة. ولكنّ فيتالي فيدشينكو Vitaly Fedchenko وهو خبير بالوقاية النووية من معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام Stockholm International Peace Research Institute يشير إلى أن أوكرانيا، مثل أجزاء أخرى من الاتحاد السوفييتي الأسبق، لا تحتفظ بسجل كامل عن الإرث النووي السوفييتي كله. ويقول: «هناك الكثير من المصادر المشعة التي هي غير مراقبة من قبل أي راصد، ولا حتى الجهات الأوكرانية المعنية».

بقلم: ريتشارد ستون

ترجمة: د.سعد الدين خرفان

©2022, American Association for the Advancement of Science. All rights reserved

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى