أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
تحليلتكنولوجيا

الشرائح الإلكترونية على وشك النفاد من العالم. إليك حل هذه المشكلة

عدد قليل من الشركات العملاقة على مُستوى العالم يحتكر صناعة الشرائح الإلكترونية، التي هي أساس كل أجهزتنا الرقمية، لكن نهج المصدر المفتوح في التصميم قد يُنهي سيطرة هذه الشركات؛ مما يؤثر في الجميع

إحدى جهتي أزمة النقص في الشرائح الإلكترونية أن الواردات تتعثر بفعل زوبعة من المشكلات: جائحة عالمية وحرب تجارية وحريق في مصنع إنتاج وطقس متطرف من جفاف وعواصف ثلجية. والجهةُ الأخرى هي زيادة غير مسبوقة في الطلب على هذا المنتَج الذي يُعَد أحد المنتجات المتصدرة للطلب العالمي- فقد بلغت قيمته السوقية نحو 40 بليون دولار في يناير من العام 2021 فقط.
بل إن أخبار النقص العالمي في شرائح الحواسيب في مطلع العام 2021 دفعت إلى ارتفاع سعر كل شيء بدايةً من الحواسيب المحمولة وصولاً إلى الثلاجات؛ مما فاجأ كثيرين على حين غرة. فهذه الأزمة قد دفعت عديداً من الدول والشركات حول العالم إلى العمل على زيادة قدرتها على تصنيع الشرائح. كما سلطت الضوء على صناعةٍ صارت مُنتجاتها ضرورية ومستخدمة في كل مكان، وجعلت عديداً يستنتجون أن كل ذلك يحتاج إلى حل جذريّ. وفي رأي النُقاد؛ فإن احتكار عدد قليل جداً من الشركات لهذه الصناعة يقلل من الابتكار فيها ويَزيد من هشاشتها أمام أي زعزعة.
بعض الأسماء الكبيرة في هذه الصناعة تدعم الآن نموذجاً جديداً في التصنيع- بأخذ المبادئ التعاونية المفتوحة المصدر التي غيرت طريقة كتابة البرمجيات Software وتطبيقها على الشرائح. ويعتقد مؤيدو هذه الفكرة أنها مسألة وقت فقط قبل أن تكون هذه الفكرة هي المعيار الجديد لصناعة الشرائح. ولكن حينما تُنتج الشرائح بهذه الطريقة، فهل ستكون ملائمة للعمل المطلوب منها، وماذا يعني ذلك بالنسبة إلينا؟
شرائح الحواسيب مستخدمة الآن في كل مكان– ليس فقط في حواسيبنا المحمولة أو المكتبية أو حتى الهواتف الذكية. بل إنها موجودة في العدد الضخم من الخوادم Servers الغامضة التي تُدير البريد الإلكتروني والتعاملات البنكية عبر الإنترنت والخدمات الرقمية الأخرى التي نستخدمها يومياً. توجد هذه الشرائح أيضاً في أجهزة الميكروويف والتلفزيون والغسالات والساعات. كما تحتوي السيارة الحديثة التقليدية على المئات منها حالياً.
وبالتدقيق في هذه الشرائح ستجد اختراعاً عمره 60 عاماً لا يزال في قلب معظم هذه الشرائح: ترانزستور الأثر الحقلي للأكاسيد المعدنيةMetal-oxide-semiconductor field-effect transistor (اختصاراً: MOSFET) هذا الاختراع هو من بنات أفكار باحثَين اثنين كانا يعملان في معامل بيل Labs Bell: محمد عطا الله Mohamed Atalla وداون كانغ Dawon Kahng، اخترعاه في العام 1959. هذا الترانزستور يعمل كمفتاح صغير يُمكن توصيله بطرق معينة، ويُجري بعض العمليات المنطقية مثل الجمع والطرح والضرب.
في البداية كانت أولى شرائح معالج الحواسيب Processor Chip تُصمَّم بحسب الطلب، فتُعدُّ الترانزستورات لتأدية المهام الحوسبية المطلوبة. لكن مع تطور الحواسيب أكثر فأكثر، ومع انتشار استخدامها وتزايد انتشارها، أعلنت شركة IBM في العام 1964 نظاماً جديداً اسمه نظام IBM System/360، وهو حاسوب مركزي Mainframe قادر على إجراء مجموعة من البرامج المختلفة. ويحتوي مُعالج هذا النظام على «مجموعة تعليمات عمليات تشغيل أساسية- مثل الجمع أو مُقارنة رقمين مثلاً، أو القفز إلى مكان مُعين في الذاكرة- تُمكِّن من إنشاء عمليات أكثر تعقيداً».
وسرعان ما أصبحت عملية برمجة البرمجيات التي تستخدم هذه الشرائح مُعزَّزة بأدوات خاصة بالتحليل وتصحيح الأخطاء Debug وأيضاً التحقق من الكود Code، وهي كانت مخصَّصة لمجموعة تعليمات ولِبنية الشريحة التي تدعمها (انظر: كيف تعمل الشرائح). كل هذا يعني أن المبرمجين لم يعودوا مضطرين إلى القلق حول كيفية عمل هذه الشرائح على مُستوى الترانزستورات. ولكن هذا أيضاً عنى منح قدرة كبيرة لعدد قليل من صانعي هذه الشرائح؛ ممن قدموا تعليمات وبنيات مفهومة وموثوقاً بها.
هذا الوضع ما زال مستمراً حتى اليوم. فوفقاً لسيفا سيفارام Siva Sivaram- من شركة ويسترن ديجيتال Western Digital، الشركة المنتجة لأقراص التخزين الصلبة التي تُخزن نحو 40 % من بيانات العالم بكامله، فإن «حقيقة أن بنية هذه الشرائح كانت موجودة منذ مدة طويلة، تعني أنه توجد بنية تحتية مُدمجة بالكامل». ويُضيف قائلاً: «كثير من البرمجيات أُعدت بناء على هذه الشرائح، وقام عليها عديد من أنظمة التشغيل، الجميع يعرف ما هو ذلك».
مثلاً من المحتمل أن المعالج الأساسي في حاسوبك المكتبي أو المحمول يستخدم مجموعة تعليمات تُسمى x86 وذلك على شريحة مصممة من قِبل شركة إنتل Intel أو شركة AMD الأمريكية التي قلدت شريحة Intel باستخدام الهندسة العكسية Reverse-engineered لتطوير تصاميم مُتوافقة. وقد تَستخدم خوادم البيانات بنية المُعالجة IBM z/Architecture التي يمكن تتبع تاريخها إلى النظام IBM System/360. أما الهواتف المحمولة؛ فعادة ما تَستخدم بنية ARM architecture تمتلكها شركة مقرُها في المملكة المتحدة تطورت من شركة أكورن كمبيوترز Acorn Computers. وقد شحنت الشركة ARM أكثر من 125 بليون شريحة، وهذا يجعلها واحدة من أنجح البنى على الإطلاق.
معظم هذه الشركات تحمي ملكيتها الفكرية بحزم. فشركة Intel- على سبيل المثال- هي المُتحكمة الوحيدة في تصميم وتصنيع الشرائح الخاصة بها. إذ يقول سيسيل ماكغريغور Cecil Macgregor من شركة تخزين البيانات سيغايت Seagate: «هل تريد معالج Intel … حسنا إنهم يتحكمون في كل شيء».
ففي المحصلة، إن تصميم وصنع شرائح جديدة هو عمل مُعقد ومتخصص. وقد تعزز هذا مع وصولنا إلى الحدود القصوى لما يمكن وضعه على الحجم الصغير للترانزستور، فالمعيار الحالي للترانزستور يبلغ عرضه نحو 5 نانومترات فقط، تخيل فقط 5 نانومترات، كم من الأشياء يمكن إضافتها على هذا الحجم الصغير جداً. ووحدة المعالج المركزية القياسية Central processing unit (اختصاراً: الوحدة CPU) تتألف من عدة وحدات معالجة مركزية Cores، أي شرائح فردية مُركَّبة على شرائح تستطيع العمل بالتوازي. ويتزايد طلب الخوارزميات- مثلاً الذكاء الاصطناعي الذي يستخدمه المُساعد الصوتي الافتراضي في هواتفنا، أو تلك التي تُجري الحسابات الفيزيائية ثُلاثية الأبعاد عالية السرعة المستخدمة في الرسومات ثلاثية الأبعاد 3D في الألعاب والتي تجعلها أكثر واقعية- على شرائح مُؤَمثلة Optimised خصيصاً لتشغيل التعليمات بسرعة أكبر.
نموذج الملكية الفكرية يمنح الاستقرار والشعور بالثقة للشركات التي تطور أجهزتها وفقاً لشريحة معينة، ولكن قد يُعيق قدرتها على الابتكار. ويقول سيفارام: «كم من الذاكرة يُمكنك توصيلها بمعالج واحد، شركة Intel هي التي تقرر ذلك. إذا كنتَ ترغب في زيادة مساحة تخزين الذاكرة فسيقولون عليك شراء معالج آخر، هذا يشبه قول هل تريد حماماً جديداً؟ اشترِ منزلاً جديداً». ويقول سيفارام إن شركته تشتري عشرات الملايين من هذه الشرائح كل عام، ولكنها ما زالت غير قادرة على الحصول على ما تحتاج إليه بالضبط.
أما الشركة ARM، فإنها تدير العمل بطريقة مُختلفة قليلاً: إنها تُصمم الشريحة، ولكنها توفر «تنويعات» Flavours أساسية متعددة للمُستخدمين النهائيين، مما يمكنهم من صنع ما يرونه مُناسباً. وقد انتقلت سيغايت إلى هذا النموذج منذ نحو 20 عاماً. ويقول ماكغريغور إن هذا وفَّر قليلاً من المرونة، لكنه أتاح القليل أمام التخصيص Customisation: لا يزال على الشركة أن تختار من بين عدد قليل من الخيارات التي حددتها الشركة ARM مُسبقاً. ويقول: «إنهم في هذا المجال لكسب المال؛ أليس كذلك؟ لذا عليهم أن يقرروا أي التنويعات» سيكون مُناسبا للعالم. إذ يتعين أن يشتريه كثيرون. ولكن يُمكن لشركة كبيرة مثل شركة أبل Apple أن تتغلب على هذا: إنها حالياً تنتقل من استخدام شرائح Intel إلى شرائح ARM، ولكنها لكي تصل إلى هدفها، وهو إنشاء مُعالجها الخاص الذي يُسمى M1، اضطرت إلى دفع أموال هائلة واستخدام نفوذها القوي.
شركة أمريكية أخرى تُسمى انفيديا Nvidia تصمم وحدات مُعالجة الرسومات Graphic processing units (اختصاراً: الوحدة GPU) وتُصمم أيضاً شرائح الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية Tablet وتُصمم أنظمة الملاحة للسيارات وأنظمة الترفيه، إضافة إلى ألعاب الكونسول، اقترحت عليها الشركة ARM أن تستحوذ على ARM، وهذا الاقتراح أثار كثيراً من القلق. يقول ماكغريغور: «إذا كنتَ منافساً للشركة Nvidia فعليك التفكير ملياً، فهي التي تُصنع المعالجات المركزية في أجهزتك». وقد اتصلت مجلة نيوساينتست New Scientist بالمتحدث الرسمي باسم شركة Nvidia حيث صرح لها قائلاً: «معظم العملاء ستكون لديهم القدرة على مواصلة العمل بالمنتجات الخاضعة لترخيص الملكية الفكرية الخاص بالشركة ARM كما يفعلون حالياً، ولا داعي للقلق». لكن يبدو أن حكومة المملكة المتحدة غير مقتنعة بهذا الأمر، حيث ظهرت تقارير في الآونة الأخيرة تُشير إلى أن الحكومة نظرت في استخدام حقها في النقض ورفض هذا الاستحواذ؛ بناءً على أساس مكافحة المنافسة Anti-competition أو الأمن القومي.
مع ازدياد تعقيد هذه الشرائح؛ صار أمانها وموثوقيتها موضعاً لمزيد من الجدل. فحص الشرائح حالياً يعني إما الفحص العشوائي للعثور على أي عيب، أو الاختبار النظامي لكل مُدخل Input ومُخرج Output محتمل. ويمكن للنهج الأول أن يُغفل العثور على العيوب بسهولة، والثاني سرعان ما يكون غير ممكن للجميع باستثناء أبسط التصاميم. ففي العام 1995 أعادت الشركة Intel نحو مليون مُعالج من نوع Pentium P5 إلى مخازنها بعد اكتشاف عيبٍ قد يُسبب خطأ في إجراء بعض الحسابات. وفي العام 2011 كان هناك خطأ في شريحة ساندي بريدج Sandy Bridge وكلف تصليح هذا الخطأ نحو بليون دولار. ولكن هذين الخطأين لا يقارنان بالخطأ الذي حدث في العام 2018: ما يعرف بقصور ميلت داون Meltdown وسبكتور -Spector اللذين أثَّرا في جيل كامل من الشرائح من مجموعة واسعة من المُصنِّعين. حتى شريحة أبل Apple الجديدة M1 ثَبَتَ أن بها عيباً غير مقصود في التصميم؛ اعتُقد أنه غير ضار إلى حد كبير، ولكنه يسمح لبرمجيتين- ينبغي أن تظلا مفصولتين كلتاهما عن الأخرى- بتقاسم البيانات.
أضف إلى هذا الخليط من المشكلات التوتراتِ الجغرافيةَ السياسية بين أكبر دولتين في مجال صناعة هذه الشرائح– الولايات المُتحدة الأمريكية والصين (انظر: الحروب العالمية للشرائح)، ويمكنك البدء بمعرفة سبب رغبة بعض الشركات المصنعة في طريقة مُختلفة للعمل، ويعتقد كثيرون أنهم يفهمون ذلك الآن.
أما مشروع حاسوب مجموعة التعليمات المُختصرة Reduced instruction set computer، (اختصاراً: الحاسوب RISC) فترجع بداياته إلى مشروع أكاديمي بدأ في ثمانينات القرن العشرين بجامعة كاليفورنيا University of California في بيركلي. وكانت الفكرة الأصلية تقوم على الكيفية التي نجعل بها الشرائح أصغر حجماً وأبسط، وذلك باستخدام مجموعة تعليمات قليلة فقط، بدلاً من مكتبة واسعة لتغطية كل مهمة محددة أو نادرة. ولكن العائق الدائم أمام تطور هذا المشروع كان صعوبة التعامل والوصول إلى التصاميم السرية والمحمية بحقوق ملكية للشركات، لذلك في العام 2010 بدأ باحثو المشروع RISC بتطوير شريحتهم الخاصة ومجموعة التعليمات كأداة تعليمية. وأطلقوا عليها اسم الشريحة RISC-V، لأنه كان المشروع الخامس الذي شارك في ابتكاره ديفيد باترسون David Patterson. ومع تخرج الطلبة الذين تعلموا علومهم باستخدام الشريحة RISC-V، بدأ هذا التصميم يظهر في تطبيقات العالم الحقيقي.
في العام 2015 أنتجت المواصفات بمساعدة قدمتها الشركة ريسك إنترناشيونال غير الربحية RISC-V International التي أشرفت على تطورها. والميزة الكبرى لهذا المشروع أنه كان ذا مصدر مفتوح، ينفذ نموذجاً صار برنامجاً معيارياً في تطوير البرمجيات. ومن الملاحظ أن نظام التشغيل Linux مفتوح المصدر صار أساس نظام الأندرويد Android الذي ترعاه شركة Google، وهو نظام تشغيل الهواتف الذكية الأكثر شعبية في العالم. كما أنه يشغل أكثر من نصف الحواسيب الفائقة على مُستوى العالم.

التوجه نحو المصدر المفتوح
وطريقة المصدر المفتوح تُمكن مجموعات المطورين من الاستمرار في تحسين نظام RISC-V، مما يضمن عمله كما يجب، ومن دون أي عيب أو منفذ اختراق. ويقول سيفارام: «أفضل شيء يمكنني فعله هو أن أكون مصدراً مفتوحاً، دع مليون شخص يحاولوا العثور على خطأ في الترميز الخاصة بي…». وُثِّق التصميم الخاص بهذه الطريقة؛ ويمكن لأي شركة أو أي شخص أن يُشارك في التطوير، ومن ثم يأخذون هذا التصميم ويُعيدون استخدامه في منتجاتهم الخاصة مجاناً، يقول ماكغريغور: «يُمكنك صُنع جميع أنواع الإضافات، ويُمكنك إضافة القليل من التعديلات عليها».
إن عامل الجذب لصناع الأجهزة واضح: صناعة منتجات أرخص بتكاليف أقل للتراخيص؛ وذلك باستخدام شرائح مُخصصة للعملية بعينها، وهذا يعني أداء أفضل وعمر بطارية أطول؛ وبعض الشركات تفعل ذلك. شركة سيغايت Seagate هي واحدة من هذه الشركات، على الرغم من أنها لم تعلن رسمياً أي مُنتج يحتوي على شرائح النظام RISC-V حتى الآن. وماكغريغور لن يفصح عن المعيار الذي تستخدمه الشركة، إذ من وجهة نظره أن تخصيص المعيار هو ما يُقدم لك مزايا على مُنافسيك.
بعض الشركات الأخرى أكثر صراحة، يقول سيفارام إن الشركة ويسترن ديجيتال Western Digital «اشتركت بالكامل» في استخدام الشريحة RISC-V وأن شرائحها مُصممة لتتمتع بوظيفة مُعينة؛ وستكون أصغر حجماً وتُقدم أداء أفضل مُقابل طاقة أقل من الشريحة غير المُتصلة بالشبكة، «وذلك لأنها لا تحتوي على حمولة متراكمة»، كما يقول. وفي العام 2016 أعلنت الشركة انفيديا Nvidia أنها ستستخدم شرائح RISC-V في وحدات مُعالجات الرسومات GPU، وعند اتصال مجلة نيوساينتست بها؛ أكدت أن تعمل على ذلك على الرغم من خطتها للاستحواذ على شركة ARM.
يعتقد سيفارام أن هذه التطورات هي البداية فقط. «لا أقول إن التطور سيكون لحظياً؛ لكنها مسألة وقت فقط قبل أن تكون المعالجات ذات أشباه الموصلات مفتوحة المصدر في كل مكان. فأنت عندما تشتري سيارة من طراز Ford أو Toyota هل تعرف من يصنع المحرك؟».
وباتريسيون يوافق على هذا الكلام ويقول: «الناس يحبون الانفتاح؛ ويحبون هذه الفكرة ويُريدون تحقيقها… أعتقد أن شرائح RISC-V لا مفر منها؛ وستكون لغة مُشتركة تستخدمها كل الأجهزة الإلكترونية بدءاً من الحواسيب الصغيرة إلى الحواسيب الفائقة».
وتقول كاليستا ريدموند Calista Redmond، وهي من مُؤسسة RISC-V الدولية: «نظراً إلى أنه ترخيص مفتوح المصدر فلا يمكن لأي شخص أو أي دولة أن تتحكم فيه، وبمجرد أن يتوزع على المجتمع لا يمكنك استرجاعه أو التراجع عنه». وأعلنت المؤسسة أنه في العام 2019 ستنقل مقرها الرئيس من الولايات المتحدة الأمريكية إلى سويسرا وذلك بسبب خوف بعض الأعضاء من أن تنتزع الولايات المتحدة صلاحيتها على هذا النظام وهؤلاء الأعضاء يُعتقد أنهم من الصين.
بالتأكيد هناك عديد من الشركات الصينية شركاء في هذه المؤسسة. وبعد العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على الصين، فإن شركة المبيعات العملاقة علي بابا Alibaba طورت شريحة RISC-V ذات 16 نواة معالج تُسمى XT910؛ وقالت إنه يُمكن استخدامها في الذكاء الاصطناعي أو السيارات ذاتية القيادة. استخدمت الهند رسمياً أيضاً بنية شرائح RISC-V في مشاريع الدفاع والبنية التحتية وتريد معرفة ما هو داخل الشرائح المُستخدمة لبناء أنظمة حيوية. والاتحاد الأوروبي أيضاً اختار شرائح RISC-V كأساس لحاسوب فائق يصنعه للتعامل مع مجموعة من الوظائف العلمية ومعالجة البيانات. وهناك شركة تُدعى Semico Research قدرت أنه سوف يُشحن أكثر من 60 بليون نواة معالج من RISC-V في العام 2025. مقارنةً بـ 6.7 بليون شريحة باستخدام تقنية ARM التي صنعتها في الربع الأخير من العام 2020. وتقول ريدموند إن على الشركات «الكبيرة»، مثل أنتل Intel وأي أم دي AMD وأي آر أم ARM، أن تقلق؛ «فنحن نُسرع المسار الذي استغرق عقوداً لبنائه، ولكن يوجد كثير من الأشخاص الكبار في هذا المجال يستثمرون ويزيد استثمارهم في هذا المشروع».
وريتشارد غريسيثويت Richard Grisenthwaite، كبير مهندسي الشركة ARM، غير متأكد، على الرغم من تدخل المالك الجديد. إن تطوير مجموعة التعليمات هو الجزء السهل نسبياً، كما يقول؛ الأصعب منه هو إنشاء نظام إيكولوجي للمساعدة على تطوير الشرائح على تلك المنصة. ويجب أن يجري ذلك من البداية لمجموعة التعليمات الجديدة. ويقول: «مجموعة التعليمات تعيش أو تموت على النظام الإيكولوجي، صُنع ذلك من الصفر بدلاً من الاعتماد على ARM يبدو صعباً جداً… لقد استغرقنا أكثر من 30 عاماً لبناء هذا الأساس، وعلى من يريد أن يمر بالتجربة نفسها التي مرت بها الشركة أي آر أم فعليه أن يعمل بمستوى العمل نفسه».
هناك مشكلة أخرى. يمكن لأي فرد أن يتحكم في مجموعة التعليمات ويوافق على التغيرات، لكن تصميم النظام مفتوح المصدر يسمح بالتعديل والتفرع. وأي تفرع رئيس ينشأ قد يقلل من فرص النجاح- أو ينشئ مُتحكِّماً جديداً. فمثلاً قد يكون نظام الأندرويد Android نظاماً مفتوح المصدر لكن تأثيره الرئيس يكمن في تعزيز مكانة غوغل التجارية.
ومن غير المؤكد إذا كان المصنعون قادرين على الاستقلال عن التكنولوجيا القديمة. فبالنسبة إلى كثيرين، فإن الاحتفاظ بالتكنولوجيا القديمة مهم جداً لكي يتوافق مع المنتجات القديمة، وقد يعني ذلك الاحتفاظ بشرائح أي آر أم وإنتل في أجهزتهم. والأجهزة الحديثة الآن تحتوي في داخلها على عشرات الشرائح مختلفة البنية. وأياً كان من يُصمم الشرائح أو يصنعها أو يُرخصها أو يطلبها، يظل على المصنعين إنتاج السيليكون الفعلي في السنوات القليلة المُقبلة على الأقل- حتى تبدأ المصانع الجديدة العمل -سيكون هذا هو عنق الزجاجة.
بهذا المعنى، إذا حدثت ثورة RISC-V فإنها لن تؤثر في المُستخدم النهائي. ولكن إذا سُمح للمصممين بأن يصنعوا أجهزة أرخص وأكثر تخصصاً وكفاءة؛ فإننا سنستفيد جميعاً. ستستمر الشرائح في التطور، وسنستمر نحن في فعل ما تعودناه، ألا وهو تطوير حياتنا الرقمية في صمت؛ ولكن هذه المرة بطريقة أكثر انفتاحاً.

الحروب العالمية للشرائح

وجود الشرائح في كل الأجهزة الرقمية جعلها مكاناً مثالياً لإدخال عيوب أمنية بها تسمح للسلطات المعادية بالتجسس على ماتفعله الحواسيب الفردية وأكثر من ذلك في عالم مُتصل بالشبكات. ويقول سيسل ماكغريغور من شركة تخزين البيانات Seagate: «كل ما نعرفه أن أي شيء مُنتج في الصين يُكتب عليه CALL-China-800-1». هذه نظرية مُؤامرة ولكننا لا نعرف كثيراً حول هذا الأمر، كما يقول. ومع وجود التهديدات بالحرب التجارية بين الولايات المُتحدة والصين بدأت الشركات المُصنعة اتخاذ إجراءات حول بنية الشرائح، «فإذا كُنتُ قوة عُظمى؛ فلماذا أدع قوة عُظمى أخرى تتحكم فَّي؟»، كما يقول ماكغريغور. الصين تعمل على تصميم شرائح خاصة بها، ولكنها ما زالت تعتمد على صفقات الترخيص من الشركات الأمريكية، وبالفعل الشركة زايلنيكس Xilinx، وهي شركة شرائح أمريكية أوقفت مبيعاتها مع شركة الإلكترونيات الاستهلاكية الصينية هواوي Huawei بعد قرار الرئيس الأمريكي ترامب حينها بوضع شركة هواوي في القائمة التجارية السوداء بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي. ويسير ذلك في الاتجاهين، في العام 1990 صَنَّعت الولايات المتحدة أكثر من ثُلث الشرائح في العالم؛ ولكن قل هذا الرقم إلى نحو 12 % بالاستعانة بمصادر خارجية في مصانع في آسيا. وحاليا أقنعت الولايات المتحدة الأمريكية الشركة التايوانية لتصنيع أشباه الموصلات لتبني مصنعاً لإنتاج شرائح بقيمة 12 بليون دولار على الشواطئ التايوانية لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، مع تعبير الرئيس الأمريكي جو بايدن عن رغبته في تعزيز قدرة التصنيع المحلي.

كيف تعمل الشرائح؟

شريحة حاسوبك المحمول أو هاتفك الذكي لا تستطيع فهم ضغطك على الماوس (الفأرة) أو لمْسِك للشاشة داخل تطبيق معين، هذا الأمر يحتاج إلى برنامج عالي المستوى ونظام تشغيل لترجمة هذه المُدخلات من خلال تطبيق لغة تفهمها الشريحة، فحركة واحدة من الماوس قد تؤدي إلى تشغيل آلاف الحسابات المُعقدة التي تجري في عدة شرائح مُختلفة داخل الجهاز. مجموعة التعليمات الموجودة على الشرائح هي المستوى الذري لكل ذلك، وهي إطار عمل لكل الأوامر التي يستطيع المُعالج إجراءَها، قد يكون الأمر مثلاً هو إخراج وإزالة جزء معين من البيانات من الذاكرة، وأمر آخر يأمر بتخزين هذا الجزء مرة أخرى، أحد هذه الأوامر سيُضيف قيمتين والآخر سيطرحهما. ما يُعالجه ويجريه المُعالج في النهاية هو سلسلة من هذه التعليمات. الحواسيب صارت معقدة جداً حالياً، فالحاسوب المحمول أو الهاتف الذكي العادي تجري فيهما ملايين أو بلايين التعليمات باستخدام مجموعة كبيرة ومُختلفة من هذه الشرائح، وهذه الشرائح تعمل على تشغيل نظام التشغيل إضافة إلى البرامج التي تستخدمها.

بقلم:   ماثيو سباركس

ترجمة: د. محمدنصّار

© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى