أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الدماغالعقل / الذاكرةسيكولوجياعلم الأعصابهندسة معمارية

كيف يمكن لخيارات التصميم الداخلي تعزيز صحتك العقلية والجسدية

اكتشف علماء الأعصاب ماهية خيارات التصميم الداخلي، من الأرضيات إلى الإضاءة، التي يمكن أن تساعد على بناء منازل تسهم في تحسين صحتنا العقلية، وتقلل التوتر والإرهاق، كما تحفز الإبداع

قد تكتشف هذا الإحساس عند زياراتك لمنزل أحد الأصدقاء -الشعور بأن المساحة مناسبة لك. ربما يكون هذا شعوراً بالاسترخاء العميق، وكأنك تركت همومك عند الباب. أو ربما تعثر على مساحة المكتب المثالية التي تجعلك تنبض بالأفكار الإبداعية. ولكن، حاول أن تشرح سبب شعورك بذلك، أو إعادة إنشاء تلك التأثيرات في منزلك، وستفشل.
وفقاً للممارسة الصينية القديمة فينغ شوي Feng shui، هناك قواعد للحياة المتناغمة التي تؤثر في تدفق الطاقة عبر جسمك، والعديد من خبراء التصميم الحديث يتبعون خطاً مشابهاً، فيقدمون إرشادات في مجلات نمط الحياة Lifestyle magazines وعلى حسابات إنستغرام Instagram. ويقدمون النصح بشأن شكل الغرف، والمواد المستخدمة في الأثاث، والألوان على الجدران، وترتيب الكتب – وقد يجعل ذلك منزلك يبدو جيداً، لكن هل يجعلك تشعر بالراحة؟
على الرغم من أنه ليس هناك ما يمنع من الاعتماد على حدسك عندما يتعلق الأمر بالديكور، فإنه ربما تكون هناك طريقة أفضل للاختيار من خيارات التصميم. يتعاون عدد متزايد من علماء الأعصاب Neuroscientists مع المهندسين المعماريين Architects ومصممي الديكور الداخلي Interior designers، في اختبار تأثير عناصر التصميم Design elements بشكل منهجي على الدماغ والجسم، عبر تجارب متحكّم فيها Controlled بعناية وباستخدام مقاييس فسيولوجية ونفسية موضوعية Objective.
وهي دراسة تأتي في الوقت المناسب. فتزايد العمل عن بعد عنى المزيد من الوقت داخل المنزل للكثيرين. وسواء كنت ترغب في تحسين حالتك المزاجية، أم خفض ضغط الدم، أم تقليل عاداتك السيئة، أم تخفيف وطأة الخرف Dementia، قد يوفر هذا البحث استراتيجيات قائمة على الأدلة لتقديم الحلول المثلى لمساحة معيشتك، وذلك من أجل صحتك الجسدية والعقلية.
تكمن جذور هذا العمل في مجال يسمى علم الجمال العصبي Neuroaesthetics. ففي تسعينات القرن العشرين، بدأ علماء الأعصاب باكتشاف عمليات الدماغ الكامنة وراء إحساسنا بالجمال في الفن والموسيقى. فقد أظهروا، على سبيل المثال، أن اللوزة الدماغية Amygdala تُعالج بشكل تفضيلي الصور الضبابية Blurred images، إذ تُظهر نشاطاً متزايداً حتى قبل أن ندرك ما نراه. يُعتقد أن هذا يرجع إلى دور تلك المنطقة كنظام إنذار مبكر، يكشف التهديدات في محيط رؤيتنا (وهي ضبابية بطبيعتها). والخطوط اللينة للفن الانطباعي (التأثيري) Impressionist art تُحفِّز هذا المسار، مما يوفر خطاً ساخنا موصولا بالمعالجة العاطفية للدماغ يتجاوز تفضيلاتنا الواعية ويؤدي إلى استجابة عاطفية.
على مدى العقدين التاليين، توسع تركيز الاهتمام من الفنون الجميلة إلى التصميم – وذلك في عام 2010، وبقيادة مؤتمر كلية الهندسة المعمارية في جامعة دريسدن Dresden، بألمانيا. يقول أوشين فارتانيان Oshin Vartanian، عالم النفس من جامعة تورنتو University of Toronto: «التقينا بكل هؤلاء المهندسين المعماريين والمصممين…وغادرنا هذا الاجتماع بحماس هائل، لأن هذا كان شيئاً يجب متابعته».

على مدى العقدين التاليين، توسع تركيز الاهتمام من الفنون الجميلة إلى التصميم

 

اكتشفت كثير من الأبحاث الأولية الطريقة التي ربما يكون تاريخنا التطوري قد شكل بها ردود أفعالنا تجاه مساحات داخلية Indoor spaces محددة. ووفقاً لأحد فروع علم النفس التطوريEvolutionary psychology، الذي أشار إليه عالم الأحياء إي. أو. ويلسون E. O. Wilson باسم «فرضية البيوفيليا» Biophilia hypothesis، فإننا ننجذب إلى الكائنات الحية – كمنظر أوراق الشجر والفاكهة أو صوت الطيور- وإن هذا الميل إليه، جزئياً، أساس وراثي. ربما كان بالإمكان أن يصبح حب الطبيعة هذا تكيفياً، لأن الكائنات الحية الأخرى قد تكون مصادر للغذاء أو الخطر. ومن ثم، لا تزال أدمغتنا تجد المناظر الطبيعية رائعة دون عناء -يمكنها جذب انتباهنا دون أن نضطر إلى التركيز عليها عن قصد. ووفقاً لـ«نظرية استعادة الانتباه» Attention restoration theory، يمكن أن يساعد ذلك على إعادة شحن العقل عند التوتر. أظهرت التجارب التي أجريت على البالغين والأطفال أن البيئات التي تحفز الانتباه اللاواعي تسمح لأجزاء الدماغ المسؤولة عن توجيه الانتباه بالراحة والتعافي من التعب العقلي. يقول جون سبينغلر John Spengler، أستاذ الصحة البيئية والمساكن البشرية من جامعة هارفارد: «هذه التأثيرات مشابهة لتأثيرات التأمل Meditation». نتيجة لذلك، نجد المناظر الطبيعية منعشة بشكل خاص – والتصاميم التي تدمج العناصر الطبيعية في المنازل والمكاتب لابد وأن لها فوائد غير مباشرة على صحتنا الجسدية والعقلية.
في الواقع، تدعم العديد من الدراسات حاليّا هذه الفكرة. على سبيل المثال، فإن مرضى المستشفيات الذين تطل غرفهم على الأماكن الطبيعية يحتاجون إلى جرعات أقل من المسكنات، ويغادرون المستشفى في وقت أبكر من أولئك الذين تطل نوافذهم على جدار من الطوب. ووجدت أبحاث أخرى أن المناظر الخضراء – في هذه الحالة، حديقة مزهرة على السطح – يبدو أنها تعيد قدرة الطلبة على التركيز العقلي، مقارنة بأولئك الذين ينظرون إلى سطح خاوٍ.

تزييف الأمر
بالطبع ليست لدينا جميعاً رفاهية المنظر اليانع. لكن الأدلةَ تعزز حقيقة مفادها أن التصميم الداخلي الطبيعي قد يحقق الفوائد نفسها، حتى ولو كنا نعيش في غابة خرسانية.
تأتي بعض أكثر الأدلة إقناعاً من جي يين Jie Yin من جامعة تونغجي Tongji University في شنغهاي بالصين، الذي استخدم بيئات الواقع الافتراضي (VR) لاختبار فوائد التصاميم البيوفيلية Biophilic designs المختلفة.
ابتكر يين وسبينغلر وزملاؤهما أربعة تصاميم مكتبية مختلفة. كان أحدها غرفة قياسية من دون أي عناصر طبيعية. وكان الثاني بمنظر خارجي ورفوف عليها نباتات منزلية. وكان الثالث مزينا بورق حائط مطبوع عليه أوراق الشجر وتمثال على شكل أغصان شجرة. وكان الرابع مشابها للثالث، مع إضافة العديد من النباتات الحقيقية المتناثرة حولها.
طلبوا إلى المشاركين التنقل في غرف الواقع الافتراضي لمدة عشر دقائق أثناء ارتداء جهاز يقيس نشاط القلب والأوعية الدموية. ومقارنة بالغرفة القياسية، فقد خفضت جميع غرف التصاميم الحيوية ضغط الدم. ولا يبدو أن هناك فرقاً كبيراً حدث سواء كان الاتصال بالطبيعة قد تحقق من خلال النافذة أم كان جزءاً من التصميم الداخلي.
وبإجراء المزيد من الاختبارات على الفكرة، قاس يين وسبينغلر وفريقهما -منذ ذلك الحين- الطرقَ التي يمكن أن تساعد بها التصاميم الداخلية الأفراد على التعافي بعد حادث مرهق إلى حد ما. فباستخدام مجموعة مماثلة من غرف الواقع الافتراضي، كان على المشاركين إجراء حسابات عقلية صعبة، والخضوع لاختبارات ذاكرة مع صوت جرس عالٍ يُشير إلى إجابات غير صحيحة. مرة أخرى، وجدوا أن العناصر الطبيعية ساعدت المشاركين على التعافي بعد التحدي – مما أدى إلى انخفاض أسرع في ضغط الدم، مقارنة بأولئك الذين كانوا في محيط غرفة قياسية.
وقد كانت هذه مجرد تجارب قصيرة المدى، ولكن على المدى الطويل فإن التعافي السريع من الإجهاد يمكن أن يكون مهما جدا للصحة العامة، لأن ارتفاع ضغط الدم هو عامل خطر معروف في أمراض القلب والأوعية الدموية. وعلى أقل تقدير، قد يحفزنا هذا البحث على زراعة عدد قليل من النباتات المنزلية. مع أن هناك العديد من الطرق التي يمكننا من خلالها دمج العناصر البيوفيلية في منازلنا ومكاتبنا -بما في ذلك زيادة استخدام المواد الطبيعية.
على سبيل المثال، طلب شي تشانغ Xi Zhang من جامعة شنغهاي جياو تونغ Shanghai Jiao Tong University في الصين وزملاؤه إلى المشاركين المشاركةَ في تجربة العمل على حاسوب محمول لمدة 30 دقيقة تقريباً، وذلك في غرف كانت جدرانها الداخلية إما من الخشب المكشوف أو المطلية باللون الأبيض. وبشكل عام، أفاد المشاركون بأنهم شعروا بسعادة أكبر في الغرف ذات الخشب الظاهر للعيان، وشعروا بإرهاق أقل في نهاية عملهم.
اتضح أن الخشب يروق للعديد من حواسنا. وأظهرت دراسات أخرى أن ملمس الخشب يقلل من ضغط الدم مقارنة بالألمنيوم والبلاستيك، وكلاهما يميل إلى زيادة ضغط الدم. حتى أن هناك بعض الأدلة المبكرة على أن مجرد رائحة غابة معينة يمكن أن تبعث على الاسترخاء.

منازل مهيأة للمصابين بالخرف
وهناك نهج جديد في تصميم المساكن ذو أهمية خاصة للمسنين في المملكة المتحدة. ففي العام الماضي، أصدرت حكومة المملكة المتحدة تقريراً يوضح الحاجة إلى المزيد من المساكن «المهيّأة للمصابين بالخرف». تضمنت التوصيات إرشادات حول تحسين دعم المجتمع، إلا أن هناك نصائح عملية للتصميم أيضاً. تشمل هذه النصائح التأكد من أن اللافتات في المناطق المجتمعية تتجنب أيقونات، كالرجل الملون بالأخضر الذي يجري والذي يدل على اتجاه المخرج، وهو ما قد يكون مربكاً للأشخاص الذين يعانون فقدان ذاكرة مؤقتا.
كما يوصي بالاستخدام الاستراتيجي للمعالم المعروفة Recognisable landmarks، مثل الأشجار وأثاث الشوارع. أيضاً، يمكن استخدام المعالم داخل المنزل، كوعاء نبات كبير أو لوحة جذابة. وكما أظهرت دراسات الدماغ أن التنقل الجيد يعتمد بقوة على قدرتنا على التعرف على المعالم وتذكرها، لذا فإن زيادة عدد المعالم الدائمة داخل المنزل وخارجه ينبغي أن تساعد الأشخاص الذين يعانون التدهور المعرفي Cognitive decline.
يمكن أن تتضمن المساكن الجاهزة للمصابين بالخرف أيضاً بعض العناصر البيوفيلية المستوحاة من الطبيعة، إلى جانب زيادة مصادر الضوء الطبيعي. فهناك أدلة قوية على أن هذا قد يساعد على تقليل الاكتئاب الذي هو أعلى تواترا بشكل عام بين المصابين بالخرف.

إفساح المجال
وبذا نكون قد عالجنا الديكور الداخلي، ولكن ربما ينبغي أن يؤدي تاريخنا التطوري أيضاً دوراً في الطريقة التي نصمم بها مخططات مبانينا. إذا وجدت يوماً ما أن غرفة المعيشة ذات المخطط المفتوح جذابة، فقد تستفيد من دون قصد من شيء يسمى «نظرية الموئل» Habitat theory. تلك هي الفكرة القائلة بأن لدينا تفضيلاً للمساحات المفتوحة الكبيرة التي تتخللها مناطق مغطاة أصغر، وذلك بفضل الخصائص البصرية الأساسية للسافانا Savannah منزل أسلافنا. يقول فارتانيانVartanian : «الفكرة هي أنه كان من المفيد لك أن تكون قادراً على الرؤية على مد البصر عبر المشهد الطبيعي ككل، حتى تتمكن من الاستجابة بسهولة إذا كان هناك مصدر خطر محتمل آخذ بالاقتراب… ولكن كان لا بد من يقترن ذلك بمكان للاختباء».
يقول فارتانيان لدينا الآن دليل جيد على أن هذه التحيزات تشكِّل استجاباتنا لبعض التصاميم المكانية Spatial designs. ويرى أن المساحات الصغيرة والمغلقة تميل إلى تحفيز نشاط متزايد في القشرة المتوسطة الأمامية للدماغ Anterior midcingulate cortex، التي تستجيب عادةً للتهديدات. وعندما يشاهد المشاركون صوراً لغرف ذات مخطط مفتوح -وهم داخل ماسحات الدماغ- فإن الصور تؤدي بشكل تفضيلي إلى تنشيط مناطق الدماغ المشاركة في الاستكشاف البصري Visual exploration – وهي حالة ذهنية أكثر استرخاءً.
مرة أخرى، يمكن أن يكون لهذه الاختلافات نتائج فسيولوجية مهمة، خاصة عندما تشعر بالقلق فعلاً. باستخدام الواقع الافتراضي، طلب لارس برورسون فيش Lars Brorson Fich -من جامعة ألبورغ Aalborg University في الدنمارك- وزملاؤه إلى الأفرادِ المشاركةَ في مهمة التحدث أمام الجمهور داخل غرفة مغلقة أو مفتوحة. ووجدوا أن المشاركين في المساحة المفتوحة أظهروا ارتفاعات أقل حدة في هرمون الإجهاد الكورتيزول Cortisol، مقارنة بأولئك الموجودين في المساحة المغلقة.
قد يكون ذلك جديراً بالاهتمام إذا كنت تخطط لمنطقة عمل منزلية ولديك رفاهية غرفة معيشة بالمخطط المفتوح. فعلى المدى القصير، قد يؤدي فتح المساحة الداخلية إلى الشعور بأنك أقل توتراً. إذ إن جزءا كبيرا من التوتر مرتبط بالعديد من الحالات الجسدية والعقلية، بما في ذلك السمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية.
ومع ذلك، لا يمتلك علماء الأعصاب كل الإجابات. فدرجة حرارة بيئتك هو أمر قد ترغب في تركه للغريزة، على سبيل المثال. إذ تظهر دراسات محدودة أن الأفراد أفضل في أداء المهام التي تختبر الذاكرة العاملة Working memory – قدرتك على الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها في ذهنك – عندما تكون الغرفة في درجة الحرارة مفضلة لديك، مما قد يؤدي إلى تحسينات في الكفاءة والإنتاجية. بالطبع، قد تكون درجة الحرارة المثالية أكثر تعقيداً عند مشاركة مساحة عمل منزلية مع شريك.
يمكنك أيضاً إطلاق العنان لتفضيلاتك الخاصة عندما يتعلق الأمر بالألوان. فبينما تكون قد سمعت أن بعض مخططات الألوان قد تؤثر في الأداء المعرفي Cognitive performance، إلا أن الدراسات التحليلية الأشمل تميل إلى الإشارة إلى أن التأثيرات ضئيلة. من ناحية أخرى، هناك دليل قوي على أن مخططات الإضاءة التي نستخدمها قد تؤثر في أشياء مثل الإبداع Creativity – لذلك قد تكون المفاتيح الخافتةDimmer switches استثمارا جيداً.
بشكل عام، يجب أن تكون مدركاً للتعقيد البصري العام الذي تخلقه؛ فقد تكون التصاميم الطبيعية مهدئة، إلا أن تطبيقها من دون الاعتماد على مبدأ تنظيمي كالتناظر أو التكرار قد يكون عرضة لخطر أن تبدو فوضوية Chaotic جداً. ومثل هذه التعديلات الصغيرة – على الرغم من أنها تبدو غير ذات صلة بالسلوك البشري – ربما تؤثر في أفعالنا تأثيرا عميقا، كما تقول إنغريد فيتيل لي Ingrid Fetell Lee، مؤلفة كتاب البهجة: القوة المدهشة للأشياء العادية لخلق سعادة غير عادية Joyful: The surprising power of ordinary things to create extraordinary happiness.
سلطت لي الضوء على دراسة أجراها باحثون في جامعة شيكاغو University of Chicago، حيث عُرض على المشاركين تصاميمُ مختلفة، بدا بعضها فوضوياً ومتناقضاً بصرياً، بخصائص غير متماثلة. تقول لي: «لم تكن قذرة أو متناثرة…فقط كانت غير تقليدية من الناحية المعمارية». ولدرجة لا تُصدق، كان المشاركون الذين تعرضوا لمشاهد التصاميم الفوضوية أكثر غشاً عند تقييم أنفسهم في اختبار الرياضيات، مقارنة بالأشخاص الذين شاهدوا صوراً أكثر تنظيماً. أيضاً، هناك أدلة على أن البيئات المنظمة يمكن أن تشجع الأكل الصحي.
لا يمكننا استخلاص الكثير من هذه النتائج التي تدرس الآثار قصيرة المدى للنظام في بيئتنا، لكن الدراسات التي تبحث في الطرف الآخر من الطيف -الفوضى Clutter- تدعم أيضاً فكرة أن المنزل المنظم له فوائد. فهناك صلة كبيرة بين المماطلة Procrastination والفوضى في بيئتك، على سبيل المثال. تظهر العديد من التجارب أن المنزل المزدحم مرتبط أيضاً بارتفاع مستويات الكورتيزول على مدار اليوم. ربما لا تكون الفوضى نفسها هي العامل المُجهد، بل فكرة الاضطرار إلى الاحتفاظ بالمظاهر. وبغض النظر، يبدو أن القليل من الترتيب البصري يستحق العناء. تقول لي إنه حتى شيء بسيط مثل إعادة تنظيم كتبك وفقاً للألوان قد يكون وسيلة لخلق المزيد من الترتيب في الغرفة. أخيراً، قد يكون من المفيد إيجاد طرق لضبط الأجواء، بحيث تشعر بأن لديك سيطرة أكبر على بيئتك.
في إحدى شركات التأمين في ولاية ويسكونز أجريت دراسة حول التكنولوجيا التي تسمح للموظفين بالتحكم في الإضاءة والتهوية في مكان عمل كل واحد منهم، مما أدى إلى زيادة الإنتاجية بنسبة قليلة. وقد يكون هذا جزئياً بفضل الراحة الجسدية الأكبر – لكن دراسات أخرى تشير إلى أن مجرد وهم السيطرة على محيطنا ربما يساعدنا على الشعور بتحسن، حتى عندما لا تتغير الأجواء نفسها تغيرا كبير.
وحينما تفكر في كل هذه التغييرات، لا تنسَ أهمية الفردية Individuality. فبينما قد يقدم علم النفس البيئي Environmental psychology حلولاً للحد من التوتر وغرس الانضباط وتحسين الإنتاجية، تذكر أن هناك دائماً استثناءات. لذا إذا كانت دراجة هارلي ديفيدسون Harley-Davidson النارية الكبيرة واللامعة المعروضة في زاوية غرفة معيشتك تجلب لك قسطا من السعادة، فلا بأس من رمي كتاب القواعد من حين إلى آخر من يدك (ما دام أنك ستعيده بسرعة إلى وضعه الصحيح على رف مكتبتك المنسقة بالألوان).

غيِّر أضواءَك لتفكر بشكل أفضل

ما لم نبتكر إضاءة هادئة لوجبة رومانسية، فمن السهل تجاهل الطرق الدقيقة التي يمكن أن تؤثر بها الأضواء في حالتنا العقلية. أظهرت سلسلة من الدراسات أن تلك الأضواء قد تؤثر تأثيرا عميق في التفكير. على سبيل المثال، وجدت آنا ستايدل Anna Steidle وليوبا ويرث Lioba Werth من جامعة هوهنهايم University of Hohenheimفي ألمانيا، أن الأضواء الساطعة – 1500 لوكس (شمعة عيارية) – تشجع على إحساس أكبر بالإدراك بالذات Sense of self-awareness، مما يؤدي بدوره إلى تفكير تأملي أكثر. في المقابل، تميل الأضواء الخافتة إلى جعلنا أقل إدراكا بذواتنا – والتي اكتشف علماء النفس أنها يمكن أن تعزز عقلية أكثر تجريبية تتناسب مع حل المشكلات بحرِّية. فعلى سبيل المثال، وجد المشاركون في البيئات ذات الإضاءة الخافتة أنه من الأسهل حل مشكلة الشمعة الشهيرة Famous candle problem، إذ طُلب إليهم تثبيت وإضاءة شمعة على الحائط بحيث لا يقطر الشمع على الأرض، باستخدام صندوق من الثقاب وصندوق من الدبابيس كأدواتهم الوحيدة. ويتطلب الحل الصحيح إفراغ صندوق الدبابيس ووضع الشمعة بداخله، ثم استخدام دبوس لتثبيت الصندوق على الحائط.

بقلم: ديفيد روبسون

ترجمة: تامر صلاح

© 2022, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى