أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
الطب وصحة

لقاحات السرطان المُشَخْصَنَة تنجح نجاحاً كبيراً في علاج الأورام

تُعالَجُ بعض أنواع السرطانات بلقاحاتٍ مصممةٍ بصورةٍ خاصةٍ للتركيبة الجينية لكل ورمٍ على حدةٍ، وهي استراتيجيةٌ تبدو مُبَشِرَةً أكثر فأكثر

عندما اكتشف مارك لاشواي Mark Lashway أن سرطان الجلد الميلانومي Melanoma المُصاب به قد انتشر إلى رئتيه، استقالَ على الفور من وظيفته مدرّس كيمياء في هيلزديل Hillsdale، نيويورك، واستعدّ للأسوأ. قال: «كنت أعرف أن معدل البُقيا (النجاة) Survival rate كان 15 % فقط وكنت خائفاً. أحسست بأنني توصلت إلى القناعة التالية: يا إلهي، هل هذه هي النهاية؟».
بعد سبعة أعوامٍ، يبدو الآن أنّ الرجل البالغ من العمر 67 شُفي من السرطان، بعد أن صار من أوائل الأشخاص في العالم الذين تلقوا لقاحاً مُشَخْصَناً للسرطان Personalised cancer vaccine – وهو لقاحٌ مصممٌ بصورةٍ خاصةٍ له ليُمَكّن جهازه المناعي من مهاجمة وتدمير البيولوجيا المميزة لأورامه. يقول: «أُصِبْتُ بثلاثة أورامٍ في الرئة، وكانت كبيرةً جداً لدرجة أنني استطعت رؤيتها والشعور بها – كان أحدها ناتئاً من ظهري. وبعد بضعة أشهرٍ من بدء العلاج، كنتُ أنتظر نتائجي وإذ بطبيب الأورام يأتي ليقول: لدي أفضل الأخبار التي يمكن أن يخبرك بها طبيبٌ – لقد كانت استجابتك بنسبة 100 %. لقد اختفت جميع الأورام».
لاشواي هو الآن واحدٌ من بضع مئاتٍ من مرضى السرطان الذين تلقوا لقاحاتٍ مُشَخْصَنَةً في عدة تجارب إكلينيكيّةٍ (سريرية). وكانت استجابةُ مشاركين آخرين أيضاً استجاباتٍ رائعةً، بل إن بعضهم كان مصابا بسرطاناتٍ يصْعُب علاجها علاجاً تقليدياً. تقول أديليا هورميغو Adilia Hormigo، من مستشفى ماونت سيناي Mount Sinai Hospital في نيويورك، عن هذه اللقاحات التي استخدمَتْها لعلاج بعض الأشخاص المصابين بسرطان دماغٍ مميتٍ معروفٍ بالورم الأرومي الدبقي Glioblastoma: «أعتقد أنّ هذه اللقاحات هي مستقبلُ العلاجِ الواعدُ».

عادةً ما نتصور أنّ اللقاحات تُسْتَخْدَم للوقاية من الأمراض – لكنها يمكن أن تعالج المرض أيضاً

منذ فترةٍ طويلةٍ، نعرف أن الجهاز المناعي يحاول بصورةٍ طبيعيةٍ محاربة السرطان، ولكن غالباً ما يتفوق عليه السرطان بحيله. حاولَتْ عقودٌ عديدةٌ من الأبحاث تقوية هذه الاستجابة الطبيعية. وفي عام 2011 جاء أول تقدّمٍ كبيرٍ بالموافقة على «مثبطات نقاط التحقق» Checkpoint inhibitor – وهي فئةٌ من الأدوية تعزز الفعالية المضادة للورم في أجزاء مهمةٍ من الجهاز المناعي تُسمى الخلايا التائية T-cell. وبفضل مثبطات نقاط التحقق، فإن بعض المصابين بالسرطان الذين كانوا ليعيشوا أشهراً دونها، استطاعوا أن يعيشوا أكثر من عقدٍ.
ومع ذلك، فإن مثبطات نقاط التحقق لا تنجح مع سرطان كل شخصٍ: ففي التجارب الإكلينيكية على الميلانوما، يبقى 50 % في أحسن الأحوال على قيد الحياة لمدة خمسة أعوام. كما أنها لا تنجح مع كل نوعٍ من أنواع السرطان – فهي عاجزةٌ على سبيل المثال عن مواجهة معظم سرطانات الأمعاء.
هذا هو سبب استمرار الباحثين بالبحث عن طرقٍ أخرى لزيادة قوّة جهاز المناعة ضد السرطان (انظر: تعزيز المناعة). وتتمثل إحدى الإستراتيجيات في التلقيح Vaccination الذي يهدف إلى زيادة عدد الخلايا التائية التي يمكنها محاربة الأورام. إذا تخيلنا الخلايا التائية على أنها جيشٌ، فإن مثبطات نقاط التحقق تجعل الجنود أقوى، والتلقيحُ يجنّدُ جنوداً إضافيين. وقد تكون تشكيلةٌ من هذه الاستراتيجيات قويةً جداً.
عادةً ما نتصور أنّ اللقاحات تُسْتَخْدَم للوقاية من الأمراض – مثل اللقاحات التي تحمي من كوفيد-19 (Covid-19) – لكنها يمكن أن تعالج المرض أيضاً. مبدأ اللقاح هو مساعدة جهاز المناعة على محاربة شيءٍ ضارٍ، سواءً أكان فيروساً أم خليةً سرطانيةً. وتَفْعَلُ أجهزتنا المناعية ذلك بضخها موادَّ تتعرف إلى جزءٍ مُسْتَهدَفٍ من كيانٍ مسببٍ للمرض، كبروتيناتٍ موجودةٍ على السطح الخارجي للفيروس.
مع الأسف، فشلَتْ لقاحات السرطان سابقاً في الوفاء بوعودها. كان أحد أكبر التحديات هو العثور على الأهداف المناسبة لهذه اللقاحات، إذ يختلف سرطانُ كلّ شخصٍ جينياً. هذا يعني أن اللقاح الذي ينجح مع شخصٍ ما من غير المرجح أن ينجح مع آخرٍ.
قبل نحو اثني عشر عاماً تساءل إريك لاندر Eric Lander، أحد قادة مشروع الجينوم البشري Human genome project والمدير المؤسس لمعهد برود Broad Institute في كيمبريدج بماساتشوستس، عمّا إذا كان النهج المُشَخْصَنُ سيعمل بصورةٍ أفضل. اعتقد أنّه بانخفاض تكلفة السَلْسَلَة الجينية قد يكون من الممكن تحليل الحمض النووي لأورام شخصٍ ما وتصميم لقاحٍ لاستهداف طفراتها المميزة.
تواصل لاندر مع أطباء الأورام في معهد دانا فاربر للسرطان Dana-Farber Cancer Institute في بوسطن لمعرفة ما إذا كانوا مهتمين بتجربة الأمر. وافقوا وتقدموا بطلبٍ للحصول على الموافقة من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية Food and Drug Administration (اختصاراً: الإدارة FDA). ويقول باتريك آت Patrick Ott من معهد دانا فاربر Dana-Farber: «لقد كانت خطوةً كبيرةً نوعاً ما، لأن أحداً لم يفعل ذلك من قبل – فكرةُ أن كلّ مشاركٍ سيحصلُ على لقاحٍ مختلفٍ كانت شيئاً لم تكن الإدارة FDA معتادةً على مثل ذلك. كان علينا إقناعهم بأننا لسنا بحاجةٍ إلى إجراء دراساتٍ على الحيوانات مسبقاً لأن ذلك لن يكون منطقياً».
بعد الحصول على موافقة الإدارة FDA، أدخل آت وزملاؤه ثمانيةَ أشخاصٍ مصابين بالميلانوما المتقدم، بمن فيهم لاشواي، بين عامي 2014 و2015، في اختبار لقاحاتٍ مُشَخْصَنَةٍ للسرطان. اختاروا الميلانوما لأنه مثالٌ على ما يعرف بـ«ورم حار» Hot tumour، وهو ورمٌ يَسْهُلُ على الجهاز المناعي التعرّف إليه بسبب طفراته العديدة.
أولاً، أخذوا عيناتٍ من الخلايا السرطانية والخلايا الطبيعية من كلّ مريضٍ وسَلْسَلوها جينياً. بعد ذلك، استخدموا حواسيب قويةً في معهد برود للمقارنة بين الاثنين حتى يتمكنوا من تحديد الطفرات في حمض الورم النووي. سببَتْ بعض هذه الطفرات التعبيرَ عن بروتيناتٍ غير طبيعيةٍ في الأورام؛ ما جعلها تبدو مختلفةً عن الخلايا الطبيعية.
صنّع الفريق بعد ذلك لقاحاً لكل مريضٍ يحتوي على أجزاء صغيرةٍ مما يربو على 20 من هذه البروتينات غير الطبيعية. وكانت الفكرة هي تعريض الجهاز المناعي لهذه الأجزاء حتى يتمكن عددٌ أكبر من الخلايا التائية من تعلّم التعرّف إليها. وعندما سيواجه هذا الجيشُ الجديدُ من الخلايا التائية البروتيناتِ غير الطبيعية نفسها الموجودةَ على الخلايا السرطانية، فإنّه سيعرف أنّ عليه أن يهاجمها.
تلقى لاشواي سبع حقنٍ من لقاحه المــُـــخَصَصِ له على مدار ستة أشهر. لم يعاني أيّ تأثيرٍ جانبيٍّ باستثناء بعض البثور Blister المُسَبِبَة للحكة التي ظهرت على جلده. يقول آت: «واقع أنّ هذه اللقاحات مصممةٌ بصورةٍ خاصةٍ لكل ورمٍ في كلّ مريضٍ تجعلها آمنةً جداً». وذلك لأن اللقاحات تحفّز جهاز المناعة على مهاجمة الخلايا السرطانية دون أن يتعرض للخلايا الأخرى في الجسم.
في نهاية الأشهر الست، بدأ لاشواي الحصولَ على حقنٍ من مثبط نقاط تحققٍ يُسمى بيمبروليزوماب Pembrolizumab – المشهور أكثر بــــ كيترودا Keytruda – لإعطاء دفعةٍ إضافيةٍ للخلايا التائية الـمُجَنَدَةِ حديثاً. يقول لاشواي: «كان الأمر أشبه بلكمتين متتاليتين». وعند ذلك بدأَت أورامه تتقلصُ بسرعةٍ أمام عينيه. «كان بإمكاني في الواقع أن أرى الورم الذي كان ناتئاً من ظهري يَصْغُرُ».
من الصعب معرفة المقدار الذي أسهم به اللقاح الـمُشَخْصَن في تعافي لاشواي المثير للإعجاب، والمقدارِ الذي أسهم به بيمبروليزوماب. يعتقد آت أنّ التآزر بين الاثنين كان مفتاح النجاح. يقول: «ربما فعل بيمبروليزوماب ذلك بمفرده، ولكن من النادر الحصول على مثل هذه الاستجابة الهائلة بالسرعة التي حصل عليها».
من بين المشاركين السبعة الآخرين في التجربة، والذين تلقى معظمهم اللقاح دون دواء بيمبروليزوماب، لا يزال ستةٌ منهم أحياءً، ويبدو أنهم قد شفوا من السرطان. يقول آت: «لقد أظهرنا أن اللقاحات المُشَخْصَنَةَ كانت آمنةً، وأنها أنتجت بصورةٍ مثيرةٍ استجابةً مناعيةً قويةً جداً، وهو أمرٌ لم يظهر من قبل في لقاحات السرطان». استخدمَت هورميغو وزملاؤها في مستشفى ماونت سيناي منذ ذلك الحين نهجاً مشابهاً لصنع لقاحاتٍ مُشَخْصَنَةٍ للسرطان للمصابين بالورم الأرومي الدبقي. في تجربةٍ شملت اثني عشر مصاباً بالمرض، وجدوا أن اللقاحات المُشَخْصَنَة، التي أُعطيتْ مع علاجٍ تجريبي آخر، حفّزت استجاباتٍ مناعيةً قويةً. فعادةً ما يكون متوسط بُقيا الأشخاص المصابين بالورم الأرومي الدبقي 15 شهراً فقط، لكن تسعةً من المشاركين في التجربة ما زالوا أحياء بعد أكثر من عامين من العلاج، ويبدو أن جميعهم عدا واحداً قد شفوا من السرطان. تقول هورميغو: «أنا سعيدةٌ جداً بالنتائج التي توصلنا إليها حتى الآن لأنّ الورم الأرومي الدبقي مرضٌ يصعُب علاجه».
ومع ذلك، يُنبّه كلٌّ من آت وهورميغو إلى أنّ تجربتَهُما كانتا صغيرتين وغير قادرتين على أن تثبتا إثباتاً قاطعاً أن لقاحات السرطان المُشَخْصَنَةَ فعالةٌ. يقول آت: «في النهاية، نحتاج إلى تجارب متحكم بها وعشوائية Randomised controlled trial لإثبات أنّ هذا يمكن أن ينجح بالفعل، ولكن يمكنك أن تتوقع أنه ليس رخيصاً. يمكن أن يكلف كلّ لقاحٍ 100 ألف دولارٍ أو أكثر».
لحسن الحظ، هناك بعض الشركات التي يمكنها تحمّل تكلفة هذا النوع من الأبحاث. من بينها بيو إن تِك BioNTech في ألمانيا وموديرنا Moderna في الولايات المتحدة، وكانتا قد بدأتا العمل على لقاحات سرطانٍ مُشَخْصَنَةٍ منذ أعوامٍ عديدةٍ، لكنهما اشتهرتا بلقاحات كوفيد19.

يمكن القضاء على خلايا سرطان الميلانوما بواسطة اللقاحات الجديدة. صورة: STEVE GSCHMEISSNER / SCIENCE PHOTO LIBRARY

عملٌ داخلي
اتبعَتْ الشركتان نهجاً مختلفاً قليلاً عن نهج آت وهورميغو. وبدلاً من صنع اللقاحات من أجزاءٍ من البروتين، فإنهم صنعوها من الحمض النووي الريبي المرسال Messenger RNA (اختصاراً: الحمض mRNA) الذي يوجّه الخلايا إلى صنع هذه الأجزاء من البروتين داخل الجسم.
تدرّبُ نسخةُ بيو إن تِك الجهازَ المناعي لكل مريضٍ بالسرطان على التعرّف إلى ما يصل إلى عشرين واسماً Marker مميزاً على أورامهم. وتفعل موديرنا الشيء نفسه، لكنها تستهدف ما يصل إلى 34 واسماً مميزاً. كلاهما تُحفزان الجهاز المناعي على قتل الخلايا السرطانية بصورةٍ انتقائيةٍ.
يقول پرفين آنور Praveen Aanur، أحد كبار أطباء الأورام في شركة موديرنا: «الجمال هو أننا نبدأ بالمريض. نتعلم من المريض. ثمّ نُصمم دواء كاملاً مُشَخْصَناً من كل النواحي».
أبلغَتْ كلٌّ من بيو إن تِك وموديرنا عن نتائج مبكرةٍ مشجعةٍ للقاحات السرطان المُشَخْصَنَة في تجارب صغيرةٍ. فعلى سبيل المثال، في دراسةٍ أُجريت على عشرة أشخاص مصابين بسرطان الرأس والرقبة النقيلي Metastatic cancer، أوقفت لقاحات مودرينا المُشَخْصَنَةُ الـمُسْتَخْدَمَةُ مع مثبط نقاط التحقق تطورَ السرطان لمدة عشرة شهورٍ في المتوسط. ويصير هذا العدد عادةً نحو شهرين حين يُسْتَعمَلُ مُثَبِطُ نقاط التحقق منفرداً.
ظلّ ثمانية من ستة عشر شخصاً مصاباً بسرطان البنكرياس ممن تلقوا لقاحاتٍ مُشَخْصَنَةً من بيو إن تِك ومثبطَ نقاط التحقق بعد فترةٍ وجيزةٍ من استئصال أورامهم جراحياً خالين من السرطان بعد 18 شهراً.
الآن، تُجري كل من بيو إن تِك وموديرنا تجارب متحكم فيها وعشوائية أكبر على الأشخاص المصابين بالميلانوما، إذ أشركَت كلٌّ منهما أكثر من 130 مشاركاً. في كلتا التجربتين، وضِعَ مرضى الميلانوما بصورةٍ عشوائيةٍ إمّا على لقاح سرطانٍ مُشَخْصَنٍ ومثبط نقاط التحقق بيمبروليزوماب، أو على بيمبروليزوماب وحده. من المفترض أن يؤكد هذا أخيراً ما إذا كانت لقاحات السرطان المُشَخْصَنَةُ تقدم فعلاً فوائد إضافيةً فوق فوائد مثبطات نقاط التحقق. ومن المتوقع ظهور النتائج الأولية في نهاية هذا العام.
يقول ريكاردو دولشيتي Riccardo Dolcetti من مركز بيتر ماك كالوم للسرطان Peter MacCallum Cancer Centre في ملبورن بأستراليا إنّ هناك من لم يقتنع بأن لقاحات السرطان المُشَخْصَنَة ستفي بوعدها. يقول: «لدى العديد من الأطباء ذكرياتٌ عن لقاحات السرطان الفاشلة في الماضي، قبل أن تُشَخْصَنَ. قد يمثل الأمر أيضاً مفهوماً صعباً للمُشرعين لأنه ليس مثل دواءٍ تقليدي، إنّه أشبه بعمليةٍ».
يقول دولشيتي إنّه على الرغم من ذلك، فإننا إن حصلنا على المزيد من النتائج الإيجابية للتجارب الإكلينيكية، فـ«سيقتنع المزيد والمزيد من الأطباء بأن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله». ويقول إنّ أحد أفضل الأشياء في اللقاحات هو أن طبيعتها الموجّهة تعني أنها، على عكس العلاج الكيماوي Chemotherapy، لا تسبب تأثيراتٍ جانبيةً شديدةً للمرضى.
يقول دولشيتي إن العيبين الرئيسيين للقاحات الـمُشَخْصَنَة هما الوقت الذي يستغرقه صنعها وتكلفتها الهائلة. يمكن لشركاتٍ مثل موديرنا وبيو إن تِك صنع كل شيءٍ داخلياً وجعلُ العملية أكثر كفاءةً. لكن ومع ذلك يستغرق الأمر ما بين أربعة وستة أسابيع حتى يتمكنوا من صنع كلّ لقاحٍ. لم يكشف آنور عن التكلفة، لكنه قال إنّ العملية ستصير أرخص وأسرع بمرور الوقت.
يقول آنور إنّ هناك أيضاً حاجةً إلى مستوىً عالٍ من مراقبة الجودة كي لا تختلط لقاحاتُ المرضى مع بعضها بعضا. في موديرنا، يتتبع نظام ترميزٍ شريطي رقمي Digital barcoding system إنتاج كل
لقاحٍ من البداية إلى النهاية ويجري التحقق منه في
كل خطوةٍ للتأكد من أن العلاج المناسب يصل إلى المريض المناسب.
على الرغم من أن لقاحات السرطان المُشَخْصَنَة قد أظهرَتْ نتائج واعدةً في علاج الأورام الحارة، إلا أننا ما زلنا لا نعرف ما إذا كان من الممكن استخدامها ضد «الأورام الباردة» Cold tumours – وهي تلك التي لا يتعرف إليها الجهاز المناعي بسهولةٍ، وتضم العديد من أشكال سرطان الأمعاء والثدي والبروستاتا. وفي إحدى التجارب الصغيرة وجدت موديرنا ألّا تأثير للقاحاتها المُشَخْصَنَة للسرطان في الأشخاص المصابين بسرطان الأمعاء. لكن أنور يقول إن الشركة تعمل على إيجاد طرقٍ لتحويل الأورام الباردة إلى حارةٍ كي تصير أكثر تأثراً بالعلاج باللقاح. يقول: «نريد فتح كل الأبواب أمام الخلايا التائية».
يقول دولشيتي إن الهدف النهائي سيكون تطوير لقاحات سرطانٍ مُشَخْصَنَةٍ تقي الأشخاص الإصابةَ بالسرطان من البداية، بدلاً من معالجته بعد أن يظهر. على سبيل المثال، إذا كان يمكن للسَلْسَلَةِ الجينية أن تحدد خطر إصابة فردٍ بأنواع محددةٍ من السرطان، فقد يكون من الممكن صنع لقاحٍ مخصصٍ له يمنع تكوّن تلك السرطانات. يقول دولشيتي: «تكمن الصعوبة في معرفة ما يجب استهدافه، ولكن هناك عدة مجموعاتٍ في أنحاء العالم تعمل على هذا الأمر».

في الواقع، من الممكن بالفعل الوقاية من بعض أنواع السرطان باستخدام اللقاحات. وهي سرطاناتٌ نعلم أن ما يسببها فيروساتٌ، لذا يمكننا صنع لقاحاتٍ لمنع هذه الفيروسات من إصابتنا. فعلى سبيل المثال، يمكن للقاحاتٍ ضد فيروس الورم الحليمي البشري Human papillomavirus أن تقي من الإصابة بسرطان عنق الرحم، كما أن اللقاحات المضادة لفيروس التهاب الكبد البائي (Hepatitis B) تقلّل خطر الإصابة بسرطان الكبد. فاللقاحات المُـشَخْصَنَةُ للوقاية من السرطانات غير الناجمة عن الفيروسات هي الجبهة التالية.
ويعتقد لاشواي أنّ الحصول على فرصةٍ لتجربة لقاحٍ مُشَخْصَنٍ للسرطان والحصول على استجابةٍ بنسبة 100% قد غيّر نظرته إلى الحياة. يقول: «أتذكر أنني بعد أن شُخِّصْتُ، شاهدْتُ امرأةً على يوتيوب YouTube تتحدث عن أنّ السرطان قد يكون نعمةً مُبَطَنَةً، فقلتْ: هذا هراءٌ، وأطفأته. ولكن في نهاية هذا الأمر، بالنظر إلى الكيفيّة التي غيّر بها الطريقة التي أتعامل بها مع الحياة، فإنني أعتقد أنّها كانت على حق. أشعر بأنني محظوظٌ جداً».

دفعةٌ للمناعة

هناك ثلاث طرقٍ رئيسةٍ لجعل الجهاز المناعي أفضل في مكافحة السرطان، وكلّها تعزز نشاط أحد مكونات الجهاز المناعي التي تُسمى الخلايا التائية.

مثبطات نقاط التحقق

تمنع هذه الأدوية آليةً تستخدمها الخلايا السرطانية غالباً لتتجنب هجوم الخلايا التائية. العلاج بمستقبلات الخلايا التائية المُهَجَنَة Chimeric antigen receptor T cell (اختصاراً: المستقبلاتCAR T-Cell ) تتضمن هذ الطريقة إخراج الخلايا التائية من دم شخصٍ ما لتُهَنْدَسَ في المختبر لإعطائها مُسْتَقْبِلَاتٍ تجعلها أفضل في التعرّف إلى الخلايا السرطانية، ثم حقنها مرةً أخرى في المريض. وتُسْتَخْدَمُ، في الغالب، لعلاج سرطانات الدم مثل اللوكيميا (ابْيضَاض الدَّم) Leukaemia.

اللقاحات المُشَخْصَنَةُ

تُصَمَمُ لكل مريضٍ على حدةٍ وتدرّبُ خلايا الشخص التائية T cells على التعرّف إلى مجموعة البروتينات المميزة الموجودة على أورامهم كي تتمكن من مهاجمتها.

بقلم أليس كلاين

ترجمة د. محمد الرفاعي

© 2021, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى